فر آلاف السودانيين من منازلهم في عاصمة ولاية جنوب كردفان في السودان، بعد هجوم شنته "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وهي واحدة من ثلاث قوى تقاتل الآن في المنطقة التي امتد إليها النزاع، بحسب صحيفة "الغارديان".

وتحاول الحركة الشعبية لتحرير السودان السيطرة على الولاية منذ يونيو الماضي، في أعقاب الصراع الذي اندلع في أبريل بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الجنرال، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو.

وتنشط عدة ميليشيات وحركات مسلحة في المناطق الجنوبية والغربية المضطربة في السودان، ويثير تقدم الحركة الشعبية لتحرير السودان مخاوف من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية واسعة النطاق.

"البحث عن ملاذ"

وقال أحد سكان عاصمة الولاية، كادغلي، إن "الوضع سيء حقا، هربت العائلات من المنطقة بلا طعام وبلا أموال.. وحتى المنظمات غير الحكومية الدولية عجزت عن إطعامهم".

وأضاف أن المدنيين "يبحثون عن ملاذ آمن في المدارس والمساجد في الأحياء الشرقية من كادغلي"، مشيرا إلى أن بعض الفارين وصلوا إلى كادغلي بعد هروبهم من الخرطوم، عاصمة البلاد التي كانت مسرحا لأشهُر من القتال العنيف.

واستولت الحركة المتمردة على حوالي 10 قواعد من القوات المسلحة السودانية حول كادغلي وبلدة الدلنج منذ يونيو، دون أن تواجه مقاومة تذكر، وفقا لأشخاص يعيشون في الولاية، ما ساعد في توسيع سيطرتها الإقليمية على الولاية من حوالي النصف إلى 60 بالمئة.

وفي إشارة إلى "الطبيعة الفوضوية الثلاثية للصراع في الولاية"، على حد تعبير الغارديان، تسيطر قوات الدعم السريع على مدينة الدبيبات الاستراتيجية، التي تربط جنوب كردفان ببقية السودان بشبكة من الطرق والسكك الحديدية، فيما أغلقت القوات السودانية الطرق التي تربط كادغلي والدلنج في محاولة لمنع الفارين من تقدم الحركة بالولاية.

ومع ذلك، يشير المصدر ذاته إلى أن مئات العائلات نجحت في الخروج من كادغلي بين شهري يونيو ويوليو، لتستقر بمدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان المجاورة.

وفيما تعد الأبيض بدورها نقطة قتال ساخنة بين القوات السودانية وقوات الدعم السريع، يقول علي الشرقاوي، أستاذ في مدرسة ابتدائية في كادغلي، إن الكثير من الأشخاص يعتبرون تلك المنطقة "رهانا أكثر أمانا"، لافتا إلى أن "المدينة مهددة بالسقوط في حرب أهلية بسرعة كبيرة".

وفقد الشاب البالغ من العمر 36 عاما وظيفته كمدرس عندما بدأت الحرب، ومثل عدد لا يحصى من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد، لم يتلق راتبه منذ أشهر، غير أنه يقول  لصحيفة "الغارديان"، إنه يرفض مغادرة المنطقة بعد أن سئم الهروب، وكشف أنه اضطر مرتين لمغادرة منزل عائلته في قرية في جنوب كردفان بسبب القتال الدائر منذ عام 2011.

"الهرب مرة أخرى"

ويواجه الملايين الذين بقوا في الخرطوم ومدن بمنطقتي دارفور وكردفان "عمليات نهب على نطاق واسع وانقطاعات طويلة الأمد للكهرباء والاتصالات والمياه"، وفق وكالة "رويترز".

في هذا السياق، تكشف، أزاهر داهية، مهندسة ومتطوعة في منظمات غير حكومية مختلفة، أن الكثير من المدنيين لقوا حتفهم في هجمات الحركة الشعبية لتحرير السودان على قرى حول كادغلي، مشيرة إلى أن: "بعض الفارين القادمين من الخرطوم وجدوا أنفسهم يهربون مرة أخرى".

وتتابع: "الوضع يزداد سوءا خاصة بعد قرار الجيش إغلاق الطريق الذي يربط الخرطوم بكردفان ودارفور"، مشيرة إلى أن "كل مركبة على الطريق تعتبر هدفا عسكريا، لذلك لم تدخل البضائع إلى المناطق التي هي في أمس الحاجة إليها. ونتيجة لذلك، يدفع الناس مبالغ أكبر بكثير من المعتاد مقابل البضائع المهربة من جنوب السودان".

وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان تقاتل إلى جانب جنوب السودان قبل أن يصبح دولة مستقلة، في عام 2011.

ومع انفصال جنوب السودان بعد استفتاء أجري، بموجب اتفاق سلام وُقع عام 2005 وأنهى 22 عاما من الحرب الأهلية، عادت هذه المجموعة إلى القتال في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وانشقت، عام 2017، إلى حركتين: الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ جناح عبد العزيز الحلو (شمالا) والحركة الشعبية لتحرير السودان ـ جناح مالك عقار، وفق "فرانس برس".

بالنسبة للمحلل السياسي المقيم في الخرطوم، شمائل نو، فإن عودة نشاط الجماعات المتمردة في غرب وجنوب السودان كانت "متوقعة"، بالنظر إلى "ضعف" القوات المسلحة السودانية.

وقال نور: "تمثل التوترات التي تعرفها البلاد فرصة جيدة للحركة الشعبية لتحرير السودان للسيطرة على مناطق جديدة"، مضيفا: "لا أعتقد أن الحركة تقف مع أي جانب من الجانبين المتقاتلين أساسا في الخرطوم، لكنها قد تهدف تعزيز تموقعها استعدادا للفترة المقبلة لما بعد الصراع".

وتسببت المعارك المندلعة منذ أربعة أشهر في مقتل 3900 شخص بأنحاء السودان، بحسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد)، لكن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، لأن المعارك تعرقل الوصول إلى العديد من المناطق.

وبحسب أحدث احصاءات منظمة الهجرة الدولية، فإن الاقتتال تسبب في فرار مليون و17 ألفا و449 شخصا من السودان إلى الدول المجاورة، في حين يُقدر عدد النازحين داخل البلاد بثلاثة ملايين و433 ألفا و25 شخصا.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: جنوب السودان جنوب کردفان إلى أن

إقرأ أيضاً:

النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!

ابراهيم هباني

في السودان لا يحتاج المرء الى جهد كبير ليفهم ما الذي يجعل الاطراف المتحاربة تتفق بسرعة، وما الذي يجعلها تختلف حتى اخر مدى.

يكفي النظر الى ما جرى في هجليج، وما جرى قبله في الفاشر وبابنوسة، ليتضح ان اولويات الحرب لا علاقة لها بحياة الناس، بل بما فوق الارض وتحتها.

في هجليج، انسحب الجيش السوداني الى جنوب السودان، ودخلت قوات الدعم السريع الحقل بلا مقاومة كبيرة، ثم ظهر رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ليؤمن المنشاة الحيوية التي يعتمد عليها اقتصاد بلاده.

ولم يحتج الامر الى جولات تفاوض او بيانات مطولة. اتفاق سريع، وترتيبات واضحة، وهدوء مفاجئ. السبب بسيط: الحقل شريان لبلدين، وله وزن في حسابات دولية تتابع النفط اكثر مما تتابع الحرب.

لكن الصورة تختلف تماما عندما نعود الى الفاشر. المدينة عاشت اكثر من خمسمئة يوم تحت الحصار. 500 يوم من الجوع والانهيار، بلا انسحاب من هذا الطرف او ذاك، وبلا موافقة على مبادرة لتجنيبها الحرب. سقطت الفاشر لانها ليست هجليج. لا تملك بئرا، ولا انبوبا، ولا محطة معالجة. ولذلك بقيت خارج الحسابات.

وبابنوسة قصة اخرى من النوع نفسه. المدينة ظلت لما يقارب 680 يوما بين حصار واشتباكات وانقطاع، ثم سقطت نهائيا.

وخلال ذلك نزح منها ما لا يقل عن 45 الف شخص. ومع ذلك لم تعلن وساطة عاجلة، ولا ترتيبات لحماية المدنيين، ولا ما يشبه العجلة التي رأيناها في هجليج الغنية بالنفط!

بابنوسة، مثل الفاشر، لا تضخ نفطا، ولذلك لم تجد اهتماما كبيرا.

دولة جنوب السودان تحركت في هجليج لانها تعرف ان بقاءها الاقتصادي مرتبط بانبوب يمر عبر السودان.

والصين تراقب لان مصالحها القديمة في القطاع تجعل استقرار الحقول مسألة مهمة.

اما الاطراف السودانية، فاستجابت بسرعة نادرة عندما تعلق الامر بالبرميل، بينما بقيت المدن تنتظر نصيبا من العقل، او نصيبا من الرحمة.

المعادلة واضحة. عندما يهدد النفط، تبرم الترتيبات خلال ساعات. وعندما يهدد الناس، لا يحدث شيء. هجليج اخليت لانها مربحة. الفاشر وبابنوسة تركتا لان كلفتهما بشرية فقط.

والمؤسف ان هذا ليس تحليلا بقدر ما هو وصف مباشر لما حدث. برميل النفط حظي بحماية طارئة، بينما المدن السودانية حظيت بالصمت.

وفي نهاية المشهد، يبقى الشعب السوداني وحيدا، يواجه مصيره بلا وساطة تحميه، وبلا اتفاق ينقذه، وبلا جهة تضع حياته في اولوياتها.

هذه هي الحكاية، بلا تجميل. النفط يوقع له اتفاق سريع. الشعب ينتظر اتفاقا لم يأت بعد.

الوسومإبراهيم هباني

مقالات مشابهة

  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • مصرع مواطن سوداني بنيران الدعم السريع في كردفان
  • مصرع ثمانية أشخاص على الأقل في انفجار شاحنة وقود جنوب غربي الكاميرون
  • جيش جنوب السودان يحمي حقل هجليج واشتباكات في كردفان
  • جنوب السودان يسيطر على حقل هجليج النفطي وسط تحشيدات عسكرية في كردفان
  • حماس تهنئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتها الـ58
  • “حماس” تهنئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتها الـ58
  • الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: مقاومة العدو الاسرائيلي حق أصيل وخيار وطني لابديل عنه
  • مفقودو حرب السودان.. مأساة أسر كاملة في كردفان
  • انطلاق الحملة الشعبية الدولية لتحرير الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال