معرض الكتاب يناقش تاريخ الأدب البولندي وحركة الترجمة إلى العربية
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
شهدت القاعة الدولية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56، ضمن محور “الترجمة إلى العربية”، إقامة ندوة لمناقشة كتاب بعنوان "موجز تاريخ الأدب البولندي"، للمؤلف يان تومكوفسي، ترجمة الدكتورة أجنيتكا بيوتر فسكا من سفارة بولندا، والدكتورة هالة صفوت كمال، وبحضور ميهاو هابروص، القائم بأعمال السفير البولندي بالقاهرة، والتي كان مقررًا إقامتها في قاعة العرض.
في البداية، عبّر ميهاو هابروص، القائم بأعمال السفير البولندي بالقاهرة، عن سعادته بصدور هذا الكتاب المهم، الذي يعرف بتاريخ الأدب البولندي، معبرا عن أمله في زيادة التعاون مع المركز القومي للترجمة في ترجمات أخرى.
من جانبها، قالت أجنيتكا بيوتر فسكا، إنها بوصفها مترجمة بولندية، انتقلت إلى مصر لتتفرغ بالكامل للترجمة، وأنجزت ترجمة عدة كتب من بلاد مختلفة، وكانت أول ترجمة لها من البولندية إلى العربية في عام 2016.
وأشارت إلى أنه في عام 2020، تم إطلاق مشروع نشر "مصر تتحدث عن نفسها" من العربية إلى البولندية وبعض الكتب التي تتناول تاريخ مصر والكتابات الوثائقية، وفي هذا الإطار تم تقديم الكتب بمقدمات كتبها باحثون أو كتّاب محليون، ونشرنا مذكرات هدى شعراوي التي لاقت رواجًا كبيرًا في بولندا.
وقالت إن حركة ترجمة الأدب البولندي إلى اللغة العربية، تعود إلى القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الوقت تم ترجمة أكثر من 70 عملًا.
وأضافت أن المترجم هناء عبد الفتاح متولي يعتبر رائد حركة ترجمة الأدب البولندي إلى العربية، وشارك في الترويج للأدب البولندي، من خلال ترجمة عدد من المسرحيات والروايات من الأدب البولندي.
وأشارت إلى أن دار الحصاد في سوريا، تعتبر من أبرز دور النشر العربية التي ساهمت في ترجمة ونشر الأدب البولندي في العالم العربي حديثا.
وأوضحت أن نجاح التبادل الثقافي في مجال الترجمة للأدب يعتمد على العلاقات الطبيعية، من خلال اختيار الكتب بناءً على اهتمامات المترجم واحتياجات السوق وأيضا الدعم المؤسسي.
ولفتت إلى أنه منذ عام 2018 تم نشر 22 ترجمة جديدة من اللغة البولندية إلى اللغة العربية، مشيرة إلى أن معهد الكتاب لديه برامج لدعم الناشرين والمترجمين الأجانب.
وعبرت عن أمنياتها أن يكون هناك حالة من الرواج للأدب البولندي في العالم العربي.
من جانبها، قالت الدكتورة هالة كمال، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، إنها بدأت الترجمة منذ صغرها حيث كانت تكتب وتقرأ اللغة البولندية منذ صغرها بسبب والدتها، حيث تعتبر اللغة البولندية لغة ثالثة بالنسبة لي.
وأضافت أن “هذا العمل الذي نتناوله يعد عملا موسوعيا، حتى أن قراءته لا تكون سهلة، خاصة أنه كتاب يتحدث عن تاريخ الأدب البولندي، فالترجمة ليست فقط نقل من لغة إلى لغة، ولكنها نقل من ثقافة إلى ثقافة”.
وأشارت إلى أنها حرصت على أن يكون الكتاب بمثابة سردية، وليس فقط مجرد ترجمة، فالكتاب يتضمن أحداثا سياسية بالإضافة إلى خصائص الثقافة البولندية وهذا أمر هام.
وأوضحت أن اللغة البولندية لغة متطورة، وهذا يظهر في التدرج في فصول الكتاب لترصد الحقبة منذ العصور الوسطى وحتى القرن العشرين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: معرض القاهرة الدولي للكتاب القاعة الدولية الترجمة إلى العربية المزيد اللغة البولندیة إلى العربیة إلى أن
إقرأ أيضاً:
الأدب وطاقة الجذب ... هل يستدعي الكتّاب أقدارَهم؟
يتلقى الرجل خبر إصابته بمرض السرطان من طبيبته التي تصرّ على ضرورة بدء العلاج فورًا. يبدأ التعبير عن صدمته بتأمل وجودي يرى فـيه المرض حكمًا قدريًّا بالعدالة الإلهية، وانتقامًا مستحقًا من جسده الذي أهمله طويلًا بالسهر والتدخين، رغم تحذيرات أمه وزوجته. فـي مواجهة الألم، يبدو الرجل ساخطًا على نفسه والعالم، ويعلن رفضه لـ«المسكنات» بكل أنواعها.
للوهلة الأولى حين يقرأ المرء هذا السرد فـي مستهل كتاب زميلنا الإعلامي الرياضي سامح الدهشان «رحلتي مع الألم والوعي، أنا والسرطان» الصادر مؤخرا عن مكتبة بيروت، سيظن أنه يحكي عن بداية تلقيه لخبر إصابته بهذا المرض العضال عام 2022، لولا أنه يفاجئنا باعترافه فـي الفصل التالي مباشرة أن ما قرأناه فـي فصلٍ بعنوان «مسكّنات» ليس سوى قصة قصيرة كان قد كتبها عام 2016 ونشرها فـي صفحته على فـيسبوك. يعلق الدهشان على القصة بالقول: «يبدو أننا نستدعي أقدارنا بما يسمى طاقة الجذب. بعد نشر هذه القصة بست سنوات علمت بإصابتي بسرطان القولون، نقاط التشابه كانت كبيرة ومرعبة بين الحقيقة وما كتبتُه، كنت مصابا بسرطان القولون من الدرجة الرابعة، وكنت بالفعل مدخنا آنذاك، وأحد أبرز الأسباب هو التدخين»، ولا تنتهي نقاط التشابه هنا، إذ أن بداية علاج الدهشان فـي مركز السلطان قابوس المتكامل لعلاج وبحوث مرض السرطان كانت على يد طبيبة! فهل يستدعي الأدب أقدارنا فعلا، أم أن الأديب يتمتع دون سواه من البشر بحساسية تنبؤية عالية، تجعله يستشرف المستقبل فـيما هو يتحدث عن الحاضر؟!
وإذن؛ فهو «قانون الجذب»، الذي لا يغيب عن أجندة أي مدرب للتنمية الذاتية، إلى درجة يمكن معها اعتباره «حمار المدربين» مثلما كان بحر الرجز حمار الشعراء الكلاسيكيين ولا يزال. يخبرنا هذا القانون أن الكون يستجيب لذبذباتنا العقلية، فإذا ركّزنا على النجاح، فإننا نجذبه ونصير ناجحين؛ أو كما قال باولو كويلو فـي «الخيميائي»: «عندما تريد شيئًا بصدق، فإن العالم كله يتآمر لمساعدتك». وإذا سيطر الخوف على تركيزنا فإن ما نخاف منه سيداهمنا عاجلا أم آجلا، مصداقا للمثل العربي «اللي يخاف من شي يطلع له»، أو كما قال الشاعر: «وكم من رهبة صارت جحيمًا / إذا ما خفتها قبل اللقاء». ومع ذلك، فإنه ينبغي علينا التذكير أن قانون الجذب ما هو إلا قانون مجازي أكثر من كونه قانونًا علميًّا مثبتًا.
إن حكاية الدهشان، وقبلها عشرات الحكايات عن أدباء وكتاب استشرفوا أحداثًا مستقبلية بينما هم يعبّرون عن الحاضر، تطرح تساؤلا مهمًّا: هل يمكن أن تكون الكتابة الأدبية نوعًا من «التركيز العقلي المكثف» يحرّك الواقع نحو الكاتب، أو تجاه الحدث الذي يكتب عنه، ولو بعد حين؟ ما الذي يجعل الروائي المصري وجيه غالي يفكر وهو يقود سيارته فـي مدينة أوروبية فـي أحد صباحات مارس 1967، أن نهايته ستكون بحبوب منومة لا سواها، ليكتب فـي يومياته ببرود هذه الفقرة: «الانتحار. كان هذا هو الشّيء الوحيد، وقد جعلني أشعر بالارتياح خضتُ فـي تفاصيل تتعلّق بكيف وأين ومتى؟ ليس هنا، بالطّبع، سيكون فـي ذلك انعدام امتنان شديد، ليس حادث سيّارة.. لكن حبوب أو شيء من هذا القبيل، وقريبًا..قريبًا»، لتتحقق هذه الــ«قريبا» بعد حوالي سنتين بانتحاره بحبوب منومة فـي نهاية ديسمبر من عام 1968.
مثال آخر هو القاص المصري محمد حسن خليفة الذي اختار مساء الأربعاء 22 يناير 2020 مقطعا من قصته «روحي مقبرة» المنشورة فـي مجموعته «إعلان عن قلب وحيد» ليضعه فـي صفحته على «فـيسبوك». يقول هذا المقطع: «علقت خبر موتي أمامي على الحائط، كل صباح وكل مساء كنت ألقي نظرة عليه، لأطمئن أن ورقة الجورنال التي كُتِبَ فـيها الخبر، بخط كبير، وصفحة أولى بعيدا عن الوفـيات، ما زالت سليمة، وتقاوم معي الأيام القادمة». وفـي الصباح التالي توجّه الكاتب الشاب الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره إلى معرض القاهرة للكتاب، لمتابعة عرض مجموعته القصصية آنفة الذكر. وخلال جولته فـي المعرض أصيب بإغماء نقل على إثره للمستشفى ليفارق الحياة هناك، ويُكتَب خبر وفاته فـي الجرائد بالفعل، ولكن ليس فـي الصفحة الأولى.
هذا يعني أن ثمة تماهيًا كبيرا يحدث بين الكاتب ونصّه، إذ يسرّب الكاتب قلقه الوجودي وخوفه من المصير، دون أن يشعر ربما. الأمر أشبه بأن يدخل هذا الكاتب -وبالكتابة وحدها - دهليزا سريًّا، أو مغارة تخبئ أسرار المستقبل، فـيطلّع على شيء من هذه الأسرار وهو فـي حالة غياب عن الوعي، ويوثقه فـي كتابته، وحين يعود إليه وعيه يبدو المكتوب شيئًا عاديًّا لحظتئذ، لأنه نسي أنه دخل المغارة. ولا ينتبه الكاتب، ومن بعده القارئ، إلى هذا السر، إلا بعد أن يتحقق حرفـيًّا على أرض الواقع بعد فترة قصيرة أو طويلة.
ولأن قصة «مسكّنات» لسامح الدهشان هي التي استدعت كل هذه التأملات، فإن التساؤل الذي يفرض نفسه فـي خاتمة هذا المقال: هل حين كتب الدهشان هذا النص قبل سنوات من إصابته بالمرض الخطير كان يكتب قصة قصيرة بالفعل؟ أم أنه دخل، دون أن يدري، مغارة الأسرار؟!
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني