سرايا - يوسف الطورة- رصد - بعد أيام من هزيمة الجيش السوري على يد المعارضة المسلحة في مدينة رئيسية شمالي البلاد، وصل تقرير من خمس صفحات إلى مكاتب ضباط المخابرات العسكرية في دمشق يحمل تشخيصاً مقلقاً.

تم إرسال قوات النخبة لتعزيز دفاعات حلب، لكنها اضطرت إلى التراجع، حيث انسحب جيش النظام بطريقة "مجنونة وعشوائية"، فر الجنود بشكل هستيري، تاركين خلفهم الأسلحة والمركبات العسكرية، وفقاً لتقرير كتبه ضابط مخابرات عسكرية رفيع المستوى في المدينة في اليوم الثاني من ديسمبر الماضي.



في ذلك الوقت، كانت هيئة تحرير الشام التي تقود الفصائل المسلحة قد وضعت نصب عينيها مدينة ثانية، وبينما كانت تحقق تقدماً خلال الأيام التالية، توافدت التقارير إلى المقر المكون من ثمانية طوابق لـ الفرع 215، وهو جزء من جهاز الأمن التابع للديكتاتور "المخلوع" بشار الأسد، وسط العاصمة دمشق.

كانت التقارير توثق السرعة والاتجاه الذي تتحرك فيه الفصائل، بالإضافة إلى خطط وأوامر متزايدة الاضطراب تهدف إلى وقف تقدمهم.

عثر لاحقاً على آلاف الصفحات من الوثائق الاستخباراتية السرية للغاية، تكشف عن التفكك السريع والانهيار المفاجئ لنظام أسد الاستبدادي، الذي حكم سوريا لعقود بقبضة من حديد.

وبينما كانت هيئة تحرير الشام تواصل تقدمها، حاول النظام، في خطاباته العامة، التقليل من شأن الاختراقات العسكرية للمسلحين، ساعياً إلى إظهار الثقة، لكن الاتصالات الداخلية بين القوات المكلفة بحماية النظام كانت تحمل علامات الذعر المتزايد.

في النهاية، فر الضباط والجنود في الفرع 215، تاركين وراءهم أكواماً من الزي العسكري، والأسلحة، والذخيرة، وزجاجات الويسكي الفارغة، والسجائر المنطفئة، وآلاف التقارير الاستخباراتية بعضها مرتب في ملفات، والبعض الآخر متكدس في أكوام غير منظمة.

وثقت وسائل إعلام زارت المقر فسيفساء تصور بشار الأسد وقد تم تشويه عينيه وفمه، في إشارة ترجح أن الفاعل احد الجنود قبل الفرار، بعد أن استمروا في العمل حتى اللحظة الأخيرة، بصفتهم العمود الفقري للنظام الاستبدادي.

كان النجاح غير المتوقع لهجوم هيئة تحرير الشام والانهيار الصادم لجيش النظام يمثل فشلاً استخباراتياً كارثياً داخل سوريا وخارجها.

حتى تلك اللحظة، كان يعتقد على نطاق واسع أن الأسد قد انتصر بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية، بدعم من روسيا وإيران، والحلفاء من الميليشيات للعراقية وحزب الله اللبناني، أعادت قوات النظام السيطرة على معظم أنحاء البلاد، مع حصر المسلحين والمعارضة في جيب شمال غربي البلاد.

لكن ذلك تغير في نوفمبر الماضي، عندما لاحظت قيادة هيئة تحرير الشام أن إيران، وحزب الله، والقوات الأخرى المدافعة عن الأسد تواجه نكسات، بينما أصبحت روسيا مشغولة أكثر بحربها في أوكرانيا، لتشن الفصائل هجوماً مفاجئاً، متقدمين بسرعة نحو حلب.

في 28 نوفمبر، ومع اقتراب المسلحين من المدينة، أرسلت قيادة الاستخبارات في حلب تعليمات إلى جميع فروع الجهاز الأمني برفع الجاهزية القتالية إلى 100% وإلغاء جميع الإجازات، لكن بعد يومين فقط، كانت تحكم قبضتها على أكبر المدن السورية.

وصف تقرير في 30 نوفمبر تفاصيل وصول طائرة نقل عسكرية روسية إليوشن من دمشق، على متنها 250 عنصراً من المخابرات العسكرية، بينهم أفراد من الفرع 215، مجهزين بقذائف آر بي جي ومدافع رشاشة ثقيلة، في محاولة يائسة للدفاع عن المدينة، لكن بعد ساعات من انتشارهم، تعرضوا لهجوم بالطائرات المسيرة.

كتب التقرير الذي أعده العميد نيكولاس موسى، وهو ضابط استخبارات رفيع المستوى، أن محاولات حشد الوحدات العسكرية باءت بالفشل مع فرار الجنود، تاركين أسلحتهم ومركباتهم العسكرية.

كما سلط التقرير الضوء على الفساد المستشري داخل مؤسسة الجيش السوري، مشيراً إلى أن الضباط والجنود كانوا منشغلين بـ "المصالح المادية والمتع" بدلًا من أداء واجبهم العسكري.

لجأ ضباط وأفراد الجيش إلى وسائل غير قانونية لإصلاح المعدات وتأمين معيشتهم بسبب نقص الموارد والأزمة الاقتصادية الحادة.

بعد سقوط حلب، بدأ المسلحون هجوماً على حماة، مما هدد سيطرة النظام على سلسلة المدن الرئيسية التي كانت أساس استراتيجيته في الاحتفاظ بالسلطة.

حذر تقرير استخباراتي في 30 نوفمبر من أن هناك تنسيقاً بين الفصائل في الشمال و "خلايا نائمة" في دمشق ومحيطها، داعياً إلى تشديد الإجراءات الأمنية، رافقها إصدار أوامر للفرع 215 بنشر وحدات استجابة سريعة مسلحة عند بوابات العاصمة.

مع انهيار النظام، باتت الأجهزة الأمنية تركز على ضمان أمن العاصمة دمشق، حتى أنها كانت تدقق في أدق التفاصيل، أبلغ أحد الفروع الأمنية عن ظهور رجال ملتحين يرتدون سترات جلدية سوداء في شارع شعلان الراقي.

حذر تقرير استخباراتي من باعة متجولين مشبوهين، بينهم ماسحو أحذية وامرأة ترتدي حجاباً ثقيلاً وتضع مكياجاً ملفتاً، تتحدث بلكنة تشير إلى أنها من شرقي سوريا.

في توصيات طلب تسجيلات كاميرات المراقبة من أصحاب المتاجر لمراجعة أي تحركات مشبوهة، رافقها إصدار النظام في 5 ديسمبر، أوامر بنقل وحدة مدرعة من دير الزور إلى دمشق.

لكن في الأيام الأخيرة قبل السقوط، لم يكن معظم الجنود مهتمين بالقتال، "انتظرت حتى حلول الظلام، ثم خلعت زيي العسكري وتركت سلاحي وهربت"، شهادة أحد الجنود الفارين.

في 8 ديسمبر، وصل المتمردون إلى مشارف سجن صيدنايا، المعروف بأنه كان مركزاً لتعذيب المعارضين السياسيين، وبعد ساعات اقتحمه المسلحين وأطلقوا سراح المعتقلين.

قبل يوم واحد من سقوط دمشق، صدرت أوامر بإرسال 400 بندقية آلية و 24,000 طلقة إلى وحدات في الساحل السوري، حيث حاول النظام حشد قواته حول القاعدة الروسية في طرطوس.

لكن لم يكن هناك أي شيء قادر على وقف انهيار النظام، فر الأسد إلى موسكو، وسقط النظام، وانتهت عقود من حكم عائلة الأسد الاستبدادي.

وفي آخر رسالة تركها ضباط الاستخبارات قبل فرارهم، "راجع وافعل ما هو ضروري"، عثر عليها ضمن وثائق تكشف كيف كافح جهاز المخابرات السوري لفهم التقدم السريع للمسلحين ومحاولة وقفه.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1749  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 31-01-2025 11:30 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
بالفيديو .. شاهد أسوأ حادث جوّي لحظة اصطدام طائرة امريكية بمروحية عسكرية في الهواء تعرفوا إلى أبرز حوادث الطيران في أميركا روسيا حزينة .. بطلاها قضيا على متن طائرة أميركا المنكوبة أحرق المصحف ووجد مقتولاً .. من هو العراقي سلوان موميكا؟ بالفيديو .. أبو عبيدة يعلن استشهاد محمد الضيف و6... مشاهد صادمة لهدم اقدم المطاحن في المملكة وسط تعريض... الأردن .. إلزام وضع سارية علم أمام كل مبنى أو منزل... لماذا لقب محمد المصري بـ"الضيف"؟ تحذير مهم من "الضمان الاجتماعي" لكافة... ترامب يُحذر دول بريكس من إطلاق عملة جديدةالشرع: لجنة تحضيرية لاختيار مجلس تشريعي مصغررغم الحظر الإسرائيلي .. الأمم المتحدة تعلن استمرار...من هو وزير الداخلية الأميركية الجديد؟العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة التي تحطمت في...ترامب: سنتخذ قراراً بشأن سوريابالفيديو .. تفاصيل جديدة عن حارق المصحف في...ترامب عن قبول الأردن ومصر لفلسطينيين من...الشرع: تسلمت مسؤولية البلاد بعد مشاورات مكثفة مع... السجن 3 سنوات للفنانة منى فاروق .. مقاطع بألفاظ... عفاف شعيب تقاضي محمد سامي بتهمة السب والقذف ..... إلهام الفضالة تتعرض للسرقة في لندن .. فما القصة؟ محمد عبده:"لا أفكر في الاعتزال" محمد إمام يواصل دعم زملائه .. ما علاقة أحمد حلمي؟ الأمير فيصل يستعرض بيانه الانتخابي أمام أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية المصري: مخططات الاستاد الجديد ستعكس هوية الأردن الأمير علي يؤكد امتنانه للتوجيهات الملكية بإنشاء ستاد جديد لكرة القدم غوارديولا: كنا سنودع دوري أبطال أوروبا لولا سافينيو بعدما اختار النصر .. كيف ورط دوران تشيلسي؟ آخر ظهور لحارق القرآن .. ماذا قال سلوان موميكا قبل ساعات من مقتله؟ اعتقال ابنة رئيس جنوب إفريقيا السابق زوما بتهم تتعلق بالإرهاب حادث تحطم الطائرتين بواشنطن .. كشف تفاصيل اتصالات اللحظات الأخيرة اصطدام طائرة ركاب أميركية بمروحية «بلاك هوك» فوق واشنطن كيف يؤثر طعامك اليومي على مصير كوكب الأرض؟ أتبحث عن السلام النفسي؟ إليك 4 نصائح طبية لإنهاء الفوضى بحياتك القتال في الكونغو قد يعرض العالم لفيروس قاتل أميرة بريطانية تضع مولودتها قبل أسابيع من "الموعد الطبيعي" مراهقة مصرية تلقي رضيعتها من سطح منزل باكستان .. ضرب امرأة حامل حتى الموت أثناء "طرد الأرواح الشريرة"

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: هیئة تحریر الشام

إقرأ أيضاً:

عائلة البلعوس وقصة الوقوف في وجه الأسد وإسرائيل

بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011 انقسمت مواقف دروز سوريا، الذين يقطن أغلبهم في محافظة السويداء، إلى عدة مواقف، ما بين التحفظ والتردد والتأييد، وهي مواقف امتدت إلى مشهد ما بعد سقوط الأسد من الحكومة الجديدة بشكل أكثر استقطابا.

منذ تولي الرئيس أحمد الشرع السلطة في دمشق بدأت مواقف رجال الدين ومشايخ العقل في السويداء تنقسم حول الموقف منها وعلاقة المحافظة بها، وتعمقت انقساماتها تدريجيا، وتصدر الشيخ حكمت الهجري تيار المعارضين لدمشق، ويأتي بعده الشيخ حمود الحناوي الذي يعترف بالسلطة الجديدة، ويؤكد أن السويداء جزء من سوريا الموحدة، وأخيرا الشيخ يوسف جربوع الذي يحاول إبرام تفاهمات مع دمشق والقبول بالعيش المشترك.

اللافت أن الحرب الشرسة التي قادها النظام السوري السابق ضد شعبه دفعت بفئة جديدة للبروز على رأسها آل البلعوس، ابتداء من وحيد وصولا إلى أبنائه ويتقدمهم ليث، حيث تصدروا مشهد مناهضة نظام الأسد في السويداء، ثم التعاون مع الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.

الشيخ وحيد البلعوس مؤسس حركة رجال الكرامة في السويداء (الصحافة اللبنانية)وحيد البلعوس نحو الشعبية الواسعة

ينحدر الشيخ وحيد من عائلة تقطن قرية صميد الواقعة شمال محافظة السويداء، غير أن نشأته الفعلية كانت في قرية المزرعة إلى الغرب من المدينة. التحق بجهاز الأمن السياسي ثم انتقل إلى سلك الشرطة حيث خدم لسنوات طويلة في العاصمة دمشق، وبعد تقاعده عاد إلى منطقته الأصلية وانخرط في أعمال البناء كمهنة عمل، بحسب موقع الذاكرة السورية.

اتجه البلعوس فيما بعد إلى الحياة الدينية، فالتحق بمسار التعليم ضمن مشيخة عقل الطائفة الدرزية، وتدرج في مراتب المشيخة. لكنه قبل 2011 لم يكن له حضور يذكر في الأوساط العامة.

ومع تصاعد الحراك الثوري في السويداء ضد النظام السابق، أسس الشيخ وحيد تشكيلا عسكريا باسم "رجال الكرامة"، عام 2012 متبنيا في البداية خطابا محايدا داعيا الدروز إلى الإحجام عن المشاركة في حرب النظام ضد الشعب السوري، وفقا لموقع الذاكرة السورية المتخصص بتوثيق وأرشفة أحداث الثورة السورية.

إعلان

وعلى الرغم من التباينات الواضحة بين هذا التشكيل ومؤسسة مشيخة عقل الطائفة الرسمية في السويداء، فإن العلاقة بين الطرفين لم تصل إلى حد المواجهة المباشرة، رغم المساعي المتكررة من جانب المشيخة لتحجيم نفوذ البلعوس، والتي لم تثمر في إضعاف حضوره المتصاعد داخل الأوساط الشعبية والدينية على حد سواء.

وتميّز تجمع مشايخ الكرامة بقيادة الشيخ وحيد البلعوس، على عكس الخطاب التقليدي للمشيخة الدرزية، بقدر عالٍ من الجرأة والوضوح، فكان التجمع حاسما في ردّه على الانتهاكات الأمنية والإدارية التي طالت أبناء السويداء.

هذا النهج الصريح أكسب البلعوس، المعروف بلقبه الشعبي "أبو فهد"، شعبية واسعة داخل أوساط الطائفة الدرزية، وانضوى تحت لواء التجمع عدد من المشايخ الشباب، ممن تباينت مواقفهم السياسية بين المعارضة والموالاة والحياد، لكنهم توحدوا خلف شخصية البلعوس باعتبارها مرجعية دينية واجتماعية جامعة، تُعبّر عن تطلعات الناس بعيدا عن الولاءات التقليدية.

تصاعد الصدام والشعبية

شهدت محافظة السويداء أول مواجهة علنية بين الشيخ وحيد البلعوس وأجهزة الأمن السورية خلال الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران 2014، حين قامت قوى أمنية بإجبار امرأة تعاني من اضطرابات عقلية على رفع صورة الرئيس المخلوع بشار الأسد والرقص بها في إحدى الخيام الانتخابية، مما دفع البلعوس وعددا من أتباعه إلى اقتحام الخيمة وتدميرها.

وفيما بعد، اتخذ البلعوس منحى أكثر تصعيدا، فقد حثّ الأهالي على اللجوء إلى "الخطف المضاد"، ردا على حوادث الاختطاف التي طالت أبناء السويداء مقابل فدية، واتهم بشكل مباشر السلطات الأمنية، وعلى رأسها رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء العميد وفيق ناصر، بالتقاعس عن ضبط الأمن، لا سيما ما يتعلق بوجود مجموعات مسلحة على أطراف المحافظة.

لاحقا، دعا الشيخ البلعوس شباب السويداء إلى عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، وفتح المجال أمام الرافضين لهذه الخدمة، مقدّما لهم دعما اجتماعيا ومعنويا، كما شجّع على حمل السلاح بعيدا عن قوات النظام، وهو خطاب لاقى تجاوبا واضحا في أوساط الشباب، لا سيما في ظل وطأة الحرب وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

أما المحطة المفصلية في مسيرة البلعوس فتمثلت في ما عُرف بـ"العراضة المسلحة" التي أقامها مع عدد من مرافقيه أمام مقام عين الزمان، أحد المقامات الدينية الرمزية لدى الطائفة الدرزية، وذلك بعد نحو 10 أشهر من حادثة الخيمة الانتخابية، أعقبتها حملة أمنية طالت أحد المقربين من البلعوس وُجهت إليه اتهامات تتعلق بالاتجار بالسلاح.

الإبعاد الديني والنهاية

في الأشهر الأخيرة من حياته، ومع تفاقم الأزمة المعيشية وشحّ المحروقات في السويداء، وجّه البلعوس اتهامات مباشرة إلى الدولة بأنها تعاقب المحافظة بشكل ممنهج عبر حرمانها من الحصص الأساسية من الوقود. وكان من اللافت رفضه القاطع لأي فتنة مذهبية أو طائفية في الجبل، مؤكدا في أكثر من مناسبة أن "كل عرض في الجبل سواء كان سنيا أو شيعيا أو علويا أو مسيحيا أو درزيا هو في حمايتنا"، مشدّدا على رفض أي فتنة مع الجوار.

إعلان

في يناير/كانون الثاني 2015، اندلعت أزمة إثر اعتداء عناصر حاجز الزرعة التابع للمخابرات الجوية على إحدى الحافلات، مما أثار موجة غضب واسعة، وأقدم عدد من أنصار البلعوس على اقتحام الحاجز وإزالته بالكامل، في تصعيد غير مسبوق ضد جهاز أمني وقتئذ.

هذه الواقعة كانت بمنزلة إعلان دخول البلعوس في مواجهة مفتوحة مع النظام السوري، وهي مواجهة لم تقتصر على البعد الأمني بل سرعان ما اتخذت طابعًا دينيا–سياسيا، خاصة بعد أن أطلق تصريحات نارية بحق الرئيس المخلوع اتّهمه فيها صراحة بـ"بيع سوريا لإيران"، وبأنه يسعى لتقسيم البلاد، قائلا "نحن وطنيون أكثر من بشار الأسد"، وذلك خلال اجتماع حاشد في بلدته المزرعة حضره وجهاء دروز.

ردّ النظام جاء، بحسب تقارير واكبت الأحداث آنذاك، عبر ممارسة ضغوط مباشرة على مشايخ الطائفة الدرزية، لدفعهم إلى اتخاذ موقف تجاه البلعوس، وقد صدر بالفعل بيان رسمي من شيوخ العقل الثلاثة، الحناوي وجربوع والهجري، بحق البلعوس، تضمن إبعاده عن الدين، متهما إياه بالخروج عن مسار الطائفة، وسبق البيان تبرؤ صريح من مواقفه المناهضة للنظام، معتبرا إياها مخالفة للقيم الأخلاقية والوطنية للطائفة.

وعقب ذلك وفي 4 سبتمبر/أيلول 2015، تعرّض موكب الشيخ البلعوس لانفجار عبوة ناسفة في منطقة ظهر الجبل بمدينة السويداء مما أسفر عن مقتله وعدد من رفاقه على الفور، في حادثة شكلت صدمة واسعة في الأوساط الشعبية والدينية بالمحافظة، واتهم الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط النظام السوري باغتيال البلعوس لأنه أبدى معارضة واضحة له.

الشيخ ليث البلعوس قائد رجال الكرامة (مواقع التواصل)ليث البلعوس واستمرار نهج "الكرامة"

بعد اغتيال الشيخ وحيد، تولى يحيى الحجار مكانه في قيادة "رجال الكرامة"، لكن أبناء البلعوس قرروا الخروج وتشكيل فصيل جديد باسم "شيخ الكرامة" إثر خلاف مع الحجار، ورغم ذلك ظلت علاقة الفصيلين جيدة.

عمل ليث البلعوس، نجل وحيد، على استكمال مسيرة أبيه، حيث أسهم في تنظيم شبكات الدفاع المحلي لا سيما في بلدة المزرعة من خلال تشكيل مجموعات معنية بحفظ الأمن ومواجهة محاولات التسلل من قبل الأجهزة الأمنية ومجموعات موالية للنظام.

ومع انطلاق الحراك الشعبي في السويداء صيف 2023، عاد اسم ليث إلى الواجهة مجددا بإعلانه دعم الاحتجاجات المناهضة للنظام، مع دعوته المستمرة إلى الحفاظ على السلمية ومنع التسلح، وفي تلك الأثناء أعاد تفعيل قوات "شيخ الكرامة"، مؤكدا على استقلالية قراره عن كل من النظام والمعارضة الرسمية، وفق ما نقلت مواقع محلية.

وقد عبر ليث البلعوس آنذاك في تسجيلات مصوّرة خلال المظاهرات عن تأييده لمطالب الشارع، ورفضه لأي حوار مع النظام قبل حدوث تغيير سياسي حقيقي، كما انتقد بوضوح الدور الإيراني في الجنوب السوري، متهما طهران بنشر المخدرات وتصفية معارضي النظام في المنطقة.

وخلال معركة ردع العدوان التي أطاحت بنظام الأسد، شارك فصيل البلعوس في المعارك التي أدت إلى تحرير السويداء تحت اسم غرفة عمليات الجنوب بالتنسيق مع قيادة المعركة. وعقب سقوط حكم الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 أسس ليث البلعوس "مضافة الكرامة"، وانخرط في حوار مباشر مع الإدارة السورية الجديدة، تم خلالها التوصل إلى اتفاق بشأن تفعيل دور الأمن العام في المحافظة، مع اشتراط أن يكون عناصره من أبناء السويداء أنفسهم.

وقد صرّح البلعوس للجزيرة نت، وقتئذ، أن هذه الخطوة تأتي في سياق "ضمان استقرار وأمن المنطقة"، مؤكدا مبادئه السياسية من وراء هذا التعاون بالقول "موقفنا واضح تجاه أهلنا السوريين، ولا وطن بديلا لنا عن سوريا الموحدة أرضا وشعبا"، وأشار إلى أن الإدارة الجديدة "تتفهم الوضع في محافظة السويداء ونتفق معها على إرساء دعائم الدولة".

إعلان

كما كشف البلعوس عن خطط يجري العمل عليها لتأسيس تشكيل عسكري من أبناء الجنوب السوري، مهمته تأمين الحدود الجنوبية ضد عصابات التهريب والتنظيمات المتطرفة، وتهيئة مناخ يحفز على الاستثمار والتنمية.

لقاء ليث البلعوس ضمن وفد من وجهاء السويداء مع الرئيس الشرع في 24 فبراير/شباط الماضي (الرئاسة السورية)مناهضة التدخل الإسرائيلي

ومع تصاعد التدخل الإسرائيلي في السويداء، أدلى ليث البلعوس في مارس/آذار 2025 بتصريحات لمواقع محلية شدد فيها على أن "السويداء لا تحتاج إلى وصاية خارجية"، مؤكدا أن عمقها الإستراتيجي هو سوريا فقط، كما وصف الدعوات للعمل في إسرائيل بأنها "امتهان للكرامة"، مجددا تمسكه بمقولة والده "إما فوق الأرض بكرامة أو تحت الأرض بكرامة"، ورفضه التام لمحاولات تصوير الدروز كأقلية تطلب الحماية.

وانعكس هذا الموقف في تعاطيه مع الأحداث الأمنية في جرمانا وأشرفية صحنايا، حيث قاد جهود تهدئة التوترات التي نشبت بين مجموعات محلية والأجهزة الأمنية السورية. وفي أبريل/نيسان الماضي شارك في وفد من مشايخ السويداء لعقد لقاءات مع مسؤولين حكوميين في داريا، في خطوة تعكس تمسكه بالحلول السورية الداخلية ورفضه للفدرالية أو التقسيم.

لم تمر تحركات الشيخ ليث البلعوس دون ثمن، فقد نجا من محاولات اغتيال متكررة أبرزها في مايو/أيار 2023 حين أُصيب في ساقه بإطلاق نار في بلدة المزرعة، وفي مايو/أيار 2025 حين تعرضت سيارته لهجوم مسلح أثناء توجهه للقاء محافظ السويداء في مدينة شهبا، ورغم التهديدات استمر البلعوس في التأكيد على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، رافضا بوضوح أي سيناريوهات تسعى لتدويل الملف السوري أو تحويل المكونات الاجتماعية إلى أدوات في صراع خارجي.

وقد برز في الصراع الأخير الذي وقع في يوليو/تموز 2025 بين قوات العشائر العربية وبين القوات المالية للهجري في السويداء على إثر اشتباكات داخلية، ومنع قوات الحكومة السورية من الدخول للمحافظة.

دعا البلعوس في مقابلة مع الجزيرة إلى التهدئة، مع التشديد على حماية الأموال والأعراض والممتلكات وحق الدفاع عن النفس، وضرورة تدخل الدولة السورية لإيقاف الانتهاكات والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، مشددا على أن الدروز لا يحتاجون لإسرائيل لحمايتهم، وأوضح أنه ضد مشاريع التقسيم والدعوات المطالبة بالتدخل الإسرائيلي والأجنبي في البلاد.

مقالات مشابهة

  • بطرس دانيال يكشف لصدي البلد تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة لطفي لبيب
  • تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الفنان لطفي لبيب ورد فعل أسرته
  • «شق الحنجرة» بعد نزيف رئوي حاد.. كواليس اللحظات الأخيرة في حياة لطفي لبيب
  • الصعدي يدشن إصدار وثائق الخريجين عبر نظام “سار” في جامعة أزال
  • إيران تكشف عن معركة صامتة و إحباط مؤامرة كبرى لإسقاط النظام وتقسيم البلاد بقيادة استخباراتية غربية
  • بعد إسقاط الحصانة: فرنسا تطلب مذكرة توقيف جديدة بحق بشار الأسد
  • أول دولة أوروبية تصدر مذكرة توقيف دولية جديدة بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
  • لهجوم 2013 الكيميائي.. طلب إصدار مذكرة توقيف بحق بشار الأسد في فرنسا
  • عائلة البلعوس وقصة الوقوف في وجه الأسد وإسرائيل
  • النيابة العامة الفرنسية تطلب إصدار مذكرة توقيف جديدة بحق بشار الأسد