الأسبوع:
2025-05-20@15:44:46 GMT

استعمار العقول أخطر من احتلال الأوطان

تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT

استعمار العقول أخطر من احتلال الأوطان

لم يعد التهديد الذي يواجه مجتمعاتنا يأتي من غزو الجيوش واحتلال الأراضي، فقد أدرك الغرب أن الشعوب التي تمتلك الوعي والهوية لا تهزم، حتى وإن ضعفت قوتها العسكرية.

لذا، تحولت المعركة من ميادين القتال إلى ساحات الفكر، وانتقل الاستعمار من السيطرة على الأرض إلى غزو العقول، حيث لم يعد الهدف إسقاط الدول، بل تفكيك الأفراد من الداخل، وسلخ الأجيال عن هويتها.

فبعد أن فشل الغرب في إخضاعنا عسكرياً أمام صمود جيوشنا وثبات رجالنا، وجد طريقاً آخر لاختراق مجتمعاتنا عبر أدوات حديثة تزرع الفراغ والانحلال، وتفقد الإنسان ارتباطه بجذوره العربية والإسلامية.

نحن اليوم أمام استعمار خفي، أكثر دهاءً من أي احتلال تقليدي، يحكم سيطرته على العقول قبل الأوطان، ويسرق الوعي قبل أن يهدم الجدران وأبرز أدوات هذا الاستعمار هي منصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها تيك توك، الذي لم يعد مجرد تطبيق ترفيهي، بل أصبح أخطر الأسلحة المستخدمة في تفكيك القيم، وهدم المبادئ، وإضعاف المجتمعات من الداخل، إنه ليس منصة عشوائية، بل مشروع مدروس لإعادة برمجة وعي الأجيال، وتوجيهها بعيداُ عن الأخلاق والدين والانتماء. اللغة العربية تهمش، الهوية الإسلامية تطمس، والمبادئ الراسخة تستبدل بمفاهيم غريبة، فتنتج هذه المنصات أجيالاً بلا هوية، بلا مبادئ، بلا انتماء، مجرد نسخ مفرغة من القيم، سهلة الانقياد لأي فكر يفرض عليها.

إن أخطر ما في هذا الاستعمار أنه لا يفرض بالقوة، بل يتسلل في صمت، فيغزو العقول ويغير السلوك دون أن يدرك الضحايا حجم الخطر فنحن لا نواجه عدواً مرئياً يحمل السلاح، بل آلة إعلامية ضخمة تحارب العقيدة، تشوه الهوية، وتصنع أجيالاً ضعيفة، ترى الانحلال حرية، والتفاهة نجاحاً، والانقياد ثقافة.

فالرجال لم يعودوا رجالاً، والنساء فقدن دورهن في بناء الأجيال وانتشرت ثقافة اللامسوؤلية والتفاخر بالمظاهر الفارغة، وتحولت الرجولة إلى مجرد عدد متابعين بدلاً من قوة المواقف والإنجازات. أما النساء، فقد وقعن في فخ الحرية المزيفة حيث باتت قيمتهن تقاس بالاستعراض والبحث عن القبول الرقمي، بدلاً من العلم والأخلاق أو دورهن في بناء الأسرة والمجتمع. أصبح الابتذال وسيلة للصعود، والانحلال عنوان النجاح، حتى فقدت الأسرة دورها في تربية أجيال واعية. لكن الكارثة الكبرى تتجلى في مصير الجيل الواعد، الذي كان أمل الأمة ومستقبلها. انهارت القيم الدينية، واختفت المبادئ العربية، وأصبح العلم بلا قيمة بعدما رأوا أن المال والشهرة تأتي من التفاهة والانحراف، لا من الاجتهاد والبناء. نحن اليوم مجتمع مستعمر فكرياً، تقاد عقولنا من خلف الشاشات، وتعاد برمجة أجيالنا دون مقاومة تذكر، الانقياد لا يطلب منك أن ترفع السلاح، بل أن تلهو، أن تفقد هويتك دون أن تشعر.

إن أخطر ما قد يحدث لأي أمة هو أن تستيقظ يوما لتجد أن أبناءها لم يعودوا يشبهونها، أن ثقافتها اندثرت أن رجالها فقدوا الرجولة، ونساؤها تخلين عن الحياء، وأن جيلها الجديد أصبح نسخة مشوهة، صنعت بأياد أجنبية لا تريد لنا البقاء.

يا سادة، الوطن لا يحمى بالكلمات، ولا تبنى الأجيال بالصدفة، بل بالوعي والتحصين الفكري والتوجيه المسؤول نحن لا نطالب بإغلاق التطبيقات فقط، لأن المشكلة ليست في تيك توك وحده، بل في منظومة كاملة تستخدم لاستهداف مجتمعاتنا. الحل يبدأ من كل يد تربي وتوجه، من كل عقل يدرك أن هذه ليست مجرد "مرحلة"، بل حرب مفتوحة على وعي الأمة ومستقبلها.

الحكومات العربية اليوم أمام اختبار مصيري، فإما أن تتخذ موقفاً حازماً، وتفرض رقابة صارمة على المحتوى الذي يبث في فضائنا الرقمي، أو أن تشهد انهيار مجتمعاتها، دون أن تدرك متى وكيف حدث ذلك.

فالأوطان لا تصان بالأمنيات، بل تحمى بالمواقف الحاسمة والإجراءات الفاعلة. وإن لم يتخذ الآن قراراً جادً، فلن نجد غداً رجالاً يدافعون عن أوطانهم، ولا نساءً يصنعن أجيالاً قوية وواعية، بل سنواجه مجتمعات هشة، مفككة عاجزة عن الصمود أمام أي تحد، لأننا أصبحنا مجتمعاً مستعمراً فكرياً، يقاد دون وعي نحو الانهيار. اللهم احفظ امتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأزل عنها الغفلة، واعدها الى هويتها ودينها رداً جميلاً. ووفق قادتنا لاتخاذ القرارات الصائبة لحماية مجتمعاتنا. وأعز امتنا، واحمها من الدمار الفكري، يا ارحم الراحمين.

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: دار الإفتاء تسعى لتعزيز الوعي الإنساني في المجتمع

طلاب جامعة حلوان يزورون قاعدة المشير طنطاوي العسكرية لتعزيز الوعي الوطني

ثقافة البحيرة تواصل فعالياتها بأنشطة ثقافية وفنية لتعزيز الوعي وتنمية المهارات الإبداعية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: قضية الوعي الوعي أميرة الحسن

إقرأ أيضاً:

إبراهيم عيسى: الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بيئة قادرة على صنع العقول

أكد الإعلامي إبراهيم عيسى، أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بيئة قادرة على صنع العقول، والبيئة الفكرية للمجتمع المصري لا يمكن أن تذهب بنا إلى الذكاء الاصطناعي، موضحًا أن طريقة ومنهج تفكير الحكومة والدولة المصرية، إلى جانب ما نراه في المجتمع، لا يمكن أن يقدم لنا طريقًا حقيقيًا نحو الذكاء الاصطناعي، مهما كان هذا الملف على قمة أولوياتنا.

تدريب علوم الحاسب بقنا ينفذ برنامجا لتطوير القدرات الرقمية لموظفي النيابة العامةأبو العينين: هناك مشاريع مهمة للقارة الأفريقية يمكن أن تكون مصر بوابة لها

وتابع ابراهيم عيسى، خلال تقديم برنامج "حديث القاهرة"، المُذاع عبر شاشة "القاهرة والناس"، : "عشان يكون مهم ورئيسي، لابد أن يتم البحث حول ما إذا كان المجتمع المصري يقبل أن يكون هناك خيال وأفكار مغايرة للواقع، وهل الدولة تتحمل حرية الخيال؟"، مؤكدًا: "لا الدولة ولا المجتمع يحتملوا الخروج عن الصندوق، ولا يتحملوا لا الخيال ولا حريته".

وأضاف: "كيف ننتج الذكاء الاصطناعي في ظل مجتمع لا يتقبل الذكاء الطبيعي أو أي شيء جديد في مصر؟"، لافتًا إلى أن العلم هو الخيال والاختلاف، وعدم الاستسلام للواقع، ومخالفة ما هو سائد، والتمرد على ما هو حاضر.

وأوضح ابراهيم عيسى، أنه لا توجد أسس لقيام الذكاء الاصطناعي في المجتمع المصري في ظل عدم احترام اختلاف الرأي، مشيرًا إلى وجود علامات استفهام حول قلة عقد المؤتمرات العلمية والبحثية خلال السنوات الماضية.
 

طباعة شارك الذكاء الاصطناعي صنع العقول إبراهيم عيسى الإعلامي إبراهيم عيسى

مقالات مشابهة

  • وفقا لآخر تحديثات.. أسعار العملات العربية بمستهل اليوم
  • الاستثمار في العقول
  • إبراهيم عيسى: الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بيئة قادرة على صنع العقول
  • الشعور بالقوة الذي منحه ترامب للخليج.. هل يصمد أمام اختبار وقف العدوان الإسرائيلي؟
  • صندوق توظيف الأجيال
  • خطاب ديني معتدل.. «الأزهري»: الجامعة العربية المفتوحة منارة لصناعة العقول الرائدة
  • بنك الخرطوم يصدر أخطر تحذير لعملائه
  • (إبراهيم جابر) أمام القمة العربية كان باهتاً، وبارداً، ومتراخياً
  • ما المسافة بين تصورات الأجيال المعاصرة؟
  • كلمة الرئيس السيسي أمام القمة العربية.. صفعة مدوّية على وجه المطبّعين