قراءة نقدية لرواية “طحلب أزرق”لروائي منصور الصويم
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
تُعد رواية طحلب أزرق للكاتب السوداني منصور الصويم عملاً سردياً متمرداً على القوالب التقليدية في تناول موضوعات السلطة والفساد السياسي. وعلى عكس القراءات التي تركز على البعد الملحمي أو الطابع الصادم للرواية، يمكن النظر إليها من زاوية أخرى؛ زاوية استكشاف البنية السردية والتجريب اللغوي اللذين استخدمهما الكاتب في بناء عالم روائي متشابك يعكس عبثية الواقع.
الرؤية السردية ووجهات النظر
أحد الجوانب اللافتة في الرواية هو تعدد وجهات النظر وتداخل الأصوات السردية، مما يجعل القارئ في مواجهة مباشرة مع هشاشة الحدود بين الخير والشر، والفاعل والمفعول به. فالرواية لا تطرح فقط شخصيات نمطية مثل الديكتاتور القاسي أو الساحر المحتال، بل تقدم شبكة من الشخصيات الرمادية التي تتنقل بين مواقع القوة والضعف، بين التحكم والخضوع.
التجريب في الأسماء والرؤية الرمزية
من العناصر الفنية المميزة في الرواية اختيار أسماء الشخصيات ذات الحمولة الدلالية المكثفة. جعفر إبراهيم البشير ليس مجرد اسم لشخصية رئيس، بل يمثل اندماجاً رمزياً لتجارب الحكم العسكري في السودان، مما يفتح مجالاً واسعاً للتأويل حول التكرار القسري للنماذج الاستبدادية. هذه التسمية ليست مجرد حيلة تجريبية، بل هي نقطة انطلاق لفهم أعمق لمسألة استمرارية الديكتاتورية.
السرد بوصفه إعادة تشكيل للواقع
يمكن القول إن الرواية تتجاوز السرد التقليدي الذي يضع الديكتاتور في مواجهة أعدائه أو شعبه. بدلاً من ذلك، هي تعيد تشكيل مفهوم السلطة عبر إظهار التحولات التدريجية للنفوس المستبدة، حيث يصبح المهمشون والمشعوذون والمقربون من السلطة مشاركين في نسيج الفساد، لا مجرد ضحايا له. هذا المنحى السردي يجعل الرواية أقرب إلى تحليل عميق للأنظمة السياسية وليس مجرد قصة عن سقوط فردي.
اللغة والأسلوب
تتميز لغة الرواية بالمزج بين السرد الواقعي والبعد الأسطوري، حيث نجد عبارات مكثفة تحمل بعداً فلسفياً عن المصير والسلطة والتلاعب بالمصائر البشرية. كما أن التوظيف الذكي للمفردات ذات الطابع المحلي يمنح النص طابعاً خاصاً يجعله قريباً من الواقع السوداني دون أن يفقد عالميته.
تقدم طحلب أزرق تجربة سردية غنية تتجاوز الإثارة المباشرة لقضايا السلطة، لتفتح أبواب التفكير في تكرار أنماط الحكم القمعي. إنها ليست فقط مرآة للماضي، بل تحذير للمستقبل من أن التغيير السطحي لا يكسر دورة الاستبداد. بهذا، فإن الرواية ليست مجرد حكاية عن رجل استبد بالحكم، بل عن منظومة متكاملة تعيد إنتاج ذاتها، حيث لا يمكن فصل الطحلب الأزرق عن الماء الذي ينمو فيه.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
التقطيع الثقافي للسرد.. مقاربة معرفية جديدة في الخطاب الأدبي الجزائري
الجزائر "العُمانية": يُشكّل كتاب "التقطيع الثقافي للسرد" للباحث الدكتور اليامين بن تومي إضافة نوعية في مجال تحليل الخطاب الأدبي، حيث يطرح المؤلف مفاهيم جديدة تعيد مساءلة الرواية الجزائرية ضمن منظومة ثقافية ممتدة، تراوح بين الإشكال النظري والتأصيل المفاهيمي.
ينطلق الباحث في عمله من فرضية مركزية مفادها بأن فهم التاريخ السردي يتطلّب تقطيع الحقب الثقافية إلى وحدات قابلة للدراسة والتحليل، باعتبارها وحدات دالة تحمل رؤى متباينة، يعبّر عنها السرد ضمن شروطه التاريخية والمعرفية. وقد ركّز المؤلف على العلاقة الجدلية بين السرد والسلطة، وأثر المفاهيم الرسمية والمؤسساتية في تشكيل الخطاب الأدبي.
وفي تصريحٍ لوكالة الأنباء العُمانية، وضح الدكتور بن تومي أن "الحق التفسيري الكامل للخطاب الأدبي لا يتحقق إلا عبر كفاية مفهومية تتجاوز المتعارف عليه، وهو ما يحفّز على إعادة تشكيل الفهم النقدي بعيدًا عن منطق اليقينيات"، مضيفًا أن أي مقاربة معرفية جادة تطالب بتفكيك سلطة الخطاب ومساءلة المسلمات التي بُني عليها الوعي الثقافي.
ويتناول الكتاب قضايا محورية منها: "علاقة الرواية بالتاريخ الوطني"، و”"لحكاية من الأسفل"، و"إشكالية التحقيب"، ويرى المؤلف أنّ التقطيع الثقافي يمكّن من قراءة أنظمة العبارة والسياقات المفهومية لكل حقبة، بما يدعم فكرة الأدب الوطني بوصفه كيانًا متعدّد الجذور والأصوات.
كما يؤكد الباحث في طروحاته على أن التقطيع الثقافي لا يكتفي بإعادة بناء الجغرافيا الفكرية، بل يُعيد ترتيب الأصوات الثقافية المهمشة وإدماجها في بنية الخطاب الأدبي، على نحوٍ يُمكّن من استعادة المواطن مكانته الرمزية داخل السرد التاريخي.
يُشار إلى أن الدكتور اليامين بن تومي يُعد من الأصوات الأكاديمية البارزة في حقل السرديات والنقد الثقافي في الجزائر، وهو أستاذ تحليل الخطاب والنظرية النقدية بجامعة سطيف 2، وله إسهامات علمية متميزة في عدد من الدوريات العربية، فضلا عن مؤلفات متنوعة في الرواية والنقد المعاصر.