حزب الله وإسرائيل.. محفزات المواجهة ومثبطاتها
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
تبادلت إسرائيل وحزب الله مؤخرا التصعيد اللفظي في أعقاب سلسلة من التوترات التي نشبت بين الجانبين على الحدود، فقد هدد وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت بإعادة الدولة اللبنانية إلى "العصر الحجري" في حال باغت حزب الله إسرائيل بعمل عسكري، وهو ما استدعى أن يرد أمين عام حزب الله حسن نصر الله بتهديد مماثل.
وقد جاءت التهديدات المتبادلة إثر ما اعتبرته تل أبيب سلسلة من "الاستفزازات" أقدم عليها حزب الله، تمثلت في نصب خيام لمقاتليه داخل منطقة "مزارع شبعا، التي تدعي إسرائيل أنها جزء لا يتجزأ من أرضها "السيادية"، في حين يعدها اللبنانيون أرضا محتلة.
ويدعي جيش الاحتلال أن "استفزازات" حزب الله باتت تشمل تسيير دوريات لمقاتليه على تخوم المستوطنات اليهودية التي تقع على الحدود، بشكل غير مسبوق، فضلا عن السماح للمواطنين اللبنانيين بالاشتباك مع قوات الاحتلال التي تعكف على تدشين تحصينات هندسية على الحدود.
كما تحمل إسرائيل حزب الله المسؤولية عن إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان إلى مستوطنات شمال فلسطين، حتى لو كانت منظمات فلسطينية تقف وراء هذا الإطلاق، على اعتبار أن أي تنظيم فلسطيني ليس بوسعه الإقدام على ذلك دون الحصول على الضوء الأخضر من الحزب.
ويزعم الإسرائيليون أن حزب الله يقف خلف عملية التفجير التي وقعت قبل 6 أشهر بالقرب من مفترق "مجيدو"، شمال إسرائيل التي نفذها شخص تسلل من لبنان وقتلته قوات الاحتلال أثناء محاولته العودة إلى الحدود. وتحاجج إسرائيل بأن حزب الله وقف قبل عام ونصف خلف إطلاق عدة مسيّرات انتحارية صوب منصات استخراج الغاز الإسرائيلية في حوض المتوسط، حيث أسقطها سلاح الجو الإسرائيلي قبل بلوغها الهدف.
لا رغبة إسرائيلية في التصعيدلكن التهديدات التي أطلقها غالانت لا تعبر -في الحقيقة- عن رغبة أو مصلحة إسرائيلية في التصعيد ضد حزب الله. فقد جاءت بالأساس لردع حزب الله عن الإقدام على عمل عسكري ضد إسرائيل، بعد أن لاحظ جيش الاحتلال انتشار عناصر وحدة "الرضوان" التي تمثل قوات النخبة لدى حزب الله على طول الحدود، بعد أن أجروا مناورة عسكرية تم توثيقها إعلاميا.
وتجاهر النخبة العسكرية الإسرائيلية بالتخوف من أن يستخدم حزب الله وحدة "الرضوان" في تنفيذ عملية توغل بري مباغتة يسيطر في إطارها على مستوطنات في شمال إسرائيل ضمن عملية عسكرية واسعة.
في الوقت ذاته، تقر تل أبيب أن تهديدات غالانت، تأتي لمحاولة إقناع حزب الله بألا يستخلص استنتاجات "خاطئة" بأن الوقت المناسب لمهاجمة إسرائيل، ولا سيما في أعقاب إقرار جيش الاحتلال بتراجع كفاءته بسبب تعاظم مظاهر رفض الخدمة العسكرية في أوساط قوات الاحتياط احتجاجا على التعديلات القضائية.
كما تقف اعتبارات داخلية أيضا خلف تهديدات غالانت، حيث تشعر حكومة بنيامين نتنياهو بحرج شديد إزاء الانتقادات الواسعة من المعارضة والنخبة الإعلامية في تل أبيب التي تحملها مسؤولية تهاوي قوة الردع الإسرائيلية بسبب مواصلتها غض الطرف عن "استفزازات" حزب الله وعدم الرد عليها.
رغم أن الطرفين لا يرغبان في مواجهة شاملة، فإن تعقيد الحسابات الداخلية لهما، وقراءة أحدهما سلوك الآخر بشكل خاطئ قد يورطهما في هذه المواجهة
وتشير كل الدلائل إلى أن إسرائيل تحاول احتواء ما تعتبره استفزازات حزب الله وتتجنب خوض مسار يفضي إلى اندلاع مواجهة عسكرية معه خشية الضرر غير المسبوق الذي سيلحق بجبهتها الداخلية وعمقها المدني بسبب طابع الترسانة الصاروخية التي يحوزها الحزب، كما يقدر الجيش الإسرائيلي.
وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن ترسانة حزب الله الصاروخية تمتاز بأربع سمات أساسية. فالحزب يحوز عددا ضخما من الصواريخ نسبيا، يصل حسب تقديرات جيش الاحتلال إلى 200 ألف صاروخ، وهو ما يمنحه القدرة على إطلاق 6 آلاف صاروخ في اليوم الأول من الحرب. فضلا عن أن الكثير من هذه الصواريخ ذات مدى بعيد، يمكّنها من ضرب أية بقعة داخل إسرائيل. كما أن عددا كبيرا منها يحمل رؤوسا متفجرة ثقيلة، قادرة على إلحاق ضرر بالغ في العمق الداخلي الإسرائيلي.
لكن أخطر سمات ترسانة حزب الله الصاروخية، حسب التقدير الإسرائيلي، تكمن في حقيقة أن عددا غير قليل منها ذو دقة إصابة عالية، يسمح بتوجيهها لضرب أهداف بعينها، وهذا ما يتيح للحزب استهداف مرافق وبنًى عسكرية ومدنية ذات قيمة إستراتيجية.
هذه النوعية الأخيرة من الصواريخ قادرة على تقليص الكفاءة القتالية لسلاح الجو الإسرائيلي من خلال ضرب القواعد الجوية ومنظومات التحكم والسيطرة التابعة له، فضلا عن استهداف مرافق مدنية حيوية، مثل: منصات استخراج الغاز، محطات تحلية المياه، محطات توليد الكهرباء، ومؤسسات سيادية ذات قيمة رمزية، مثل مبنى وزارة الحرب في تل أبيب.
ونظرا إلى أن الكثير من صواريخ حزب الله تجمع بين المدى الطويل والرأس المتفجر الثقيل فإن قدرة منظومات الدفاع الجوي على اعتراضها ستكون متدنية، مما يقلص من قدرة هذه المنظومات على تأمين العمق الإسرائيلي.
في الوقت ذاته، فإن دوائر صنع القرار في تل أبيب تعي أن الظروف الداخلية التي تمر بها إسرائيل تقلص من قدرتها على تحمل تبعات مواجهة شاملة مع حزب الله. فتعاظم الاستقطاب السياسي والتشظي المجتمعي نتاجَ الانقسام الذي فجرته خطة التعديلات القضائية بات يؤثر على قدرة إسرائيل على تحمل تبعات مواجهة عسكرية مع طرف خارجي.
فتآكل الشرعية الداخلية الذي تعاني منه حكومة نتنياهو في أعقاب رفض قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي للتعديلات القضائية يجعل من خوض مواجهة عسكرية مخاطرة كبيرة، ولا سيما في حال لم يتمكن الجيش من تحقيق حسم عسكري واضح فيها.
ونظرا لإقرار قيادات الجيش الإسرائيلي علنا بتراجع الكفاءة والجاهزية العسكرية بعد عزوف قطاعات واسعة من قوات الاحتياط عن الخدمة العسكرية فإن فرص الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية في هذه المواجهة ستكون كبيرة.
وقد حذر غيورا آيلاند، الذي شغل في السابق منصب رئيس مجلس الأمن القومي السابق وقائد شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي أواخر الأسبوع الماضي، من أن يفضي اندلاع مواجهة عسكرية كبيرة في ظل تراجع كفاءة الجيش وجاهزيته للحرب إلى تهديد وجود إسرائيل ذاتها.
ويخشى نتنياهو وغالانت أن يفضي الفشل العسكري إلى تشكيل لجان للتحقيق في أسبابه تنتهي إلى تحميلهما مسؤوليته وتسدل الستار على مستقبلهما السياسي.
حسابات حزب اللهوفي المقابل، فإن نمط سلوك حزب الله على طول الحدود لا يشي بالضرورة برغبة في اندلاع مواجهة شاملة مع إسرائيل. فنشاطاته العسكرية تعكس رغبة في تصعيد "محدود وحذر" يرمي إلى تأكيد حقوق لبنان في "مزارع شبعا"، ويحسّن من مكانة الحزب الداخلية والإقليمية عبر إبراز دوره في تآكل قوة الردع الإسرائيلية.
وسيمثل شروع لبنان في التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية التي منحها إياها اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ورقة ضغط على حزب الله، الذي سيخشى تحميله مسؤولية حرمان لبنان من موارد الطاقة في حال استهدفت إسرائيل حقول الغاز اللبنانية في إطار أية مواجهة مستقبلية معه.
لكن، رغم أن الطرفين لا يرغبان في مواجهة شاملة، فإن تعقيد الحسابات الداخلية لهما، وقراءة أحدهما سلوك الآخر بشكل خاطئ قد يورطهما في هذه المواجهة. فما يعده حزب الله تصعيدا محدودا، يمكن أن يدفع نتنياهو -المأزوم داخليا- إلى الرد بقوة تحت ضغط اتهام المعارضة له بالتقصير والتفريط في قوة الردع الإسرائيلية، ويحدث عندئذ ما يحذر منه الطرفان.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مواجهة عسکریة جیش الاحتلال حزب الله تل أبیب
إقرأ أيضاً:
للرد على الاحتلال الإسرائيلي.. تعرف على الأسلحة التي تملكها إيران في ترسانتها
تعتمد قدرة إيران، في الرد على الهجمات التي شنتها إسرائيل، اليوم الجمعة، إلى حد كبير على قوتها الصاروخية الباليستية.
ويمتلك سلاح الجو الإيراني 265 طائرة قادرة على القتال، وفقًا لتقرير «التوازن العسكري»، لكن معظم هذه الطائرات مقاتلات أمريكية الصنع قديمة، تعود إلى حقبة الحرب الباردة، وتتطلب التزود بالوقود جوًا للوصول إلى إسرائيل، ولدى إيران أقل من 5 طائرات للتزود بالوقود، وفقًا لتقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وتمتلك القوة الجوية الفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني أكثر من 100 قاذفة صواريخ باليستية متوسطة المدى قادرة على إطلاق مقذوفات يصل مداها إلى أكثر من 1000 كيلومتر، وهو ما يكفي لضرب الاحتلال الإسرائيلي، وفقًا لتقرير «التوازن العسكري 2025» الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية «IISS».
تضم القوة الصاروخية الإيرانية صواريخ تعمل بالوقود الصلب وصواريخ باليستية تعمل بالوقود السائل.
تحمل الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل رؤوسًا حربية شديدة الانفجار أثقل وزنًا - 1200 كيلوجرام أو أكثر - مقارنة بحوالي 500 كيلوجرام في الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل، وفقًا لبيانات «مشروع التهديد الصاروخي» في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
لكن ما يميز الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب هي إمكانية إطلاقها على الفور تقريبًا، بينما قد يستغرق تزويد صاروخ يعمل بالوقود السائل عدة ساعات.
يمكن للصواريخ الباليستية التي تُطلق من إيران أن تصل إلى إسرائيل في حوالي 15 دقيقة.
تمتلك إيران أيضًا مجموعة من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز التي يمكنها الوصول إلى إسرائيل، ولكنها قد تستغرق بضع ساعات أو أكثر للوصول إلى هدف على تلك المسافة، وتحمل رؤوسًا حربية أصغر، وهي أكثر ضعفا أمام الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
في أكتوبر الماضي، أطلقت إيران حوالي 200 صاروخ باليستي وطائرة مسيرة ضد إسرائيل، لكن معظمها أسقطته الدفاعات الإسرائيلية والولايات المتحدة ودول شريكة ساعدت في حماية إسرائيل خلال الهجمات.
أعلنت إسرائيل آنذاك عن أضرار طفيفة فقط جراء الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي نجحت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية.