اختفاء "المشلي" في ظفار؟
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
د. عبدالله باحجاج
بحثنا في مُعظم منافذ البيع المُعتادة في صلالة عن ثمرة المشلي (النارجيل)، فلم نجد أي أثر لها، كررنا الزيارات مرات مُتتالية، وفي كُلها نجدها خالية منها، عندها أيقنَّا أنَّ هناك مُشكلة كبيرة يتحتم استقصاؤها، وذهب بنا الاعتقاد منذ الوهلة الأولى إلى تأثير حشرة الخنفساء التي كانت تُعاني منهما النارجيل، وتُهدِّدُها وجوديًا، وقد كتبنا عنها عدة مقالات في جريدة الرؤية، ووجدنا استجابة سريعة من وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، التي جهَّزت خطة رصدت لها الأموال لمُكافحتها.
وتساءلنا: هل يُعقل أنه لم تنجح حملات المكافحة المكثفة رغم أنها لم تنته حتى الآن؟ وهل يعقل أن يكون تأثيرها إلى مستوى عدم وجود "المشلي" في منافذ للبيع المعتادة في صلالة؟ إعمال العقل لم يُسلِّم بهذه الهواجس رغم حضورها المبدئي في الذهنية.
وعندما قمنا بجولة في السهل الزراعي من شرق مدينة صلالة إلى غربها؛ بما فيها البساتين الخصبة المليئة بمختلف أشجار النارجيل والموز والفافاي وغيرها من الفواكه، لم نشهد ما يُرجِّح الهواجس الذهنية؛ مما فرض علينا فتح نقاشات مع مصادر رسمية وخبراء زراعيين ذوي ثقة بحثًا عن الأسباب، وقد وجدناها في تسويق وتصدير المشلي كلها إلى خارج ظفار؛ حيث تصل إلى دول مجلس التعاون الخليجي برًا عبر شاحنات يُقدِّرُها مصدر رسمي محلي بعدد كبير، قد يصل لما بين 8 إلى 10 شاحنات يوميًا، ونقل إلينا أن وراءها تجارة مُستترة يمارسها وافدون من جنسيات آسيوية، وتتم بصورة عشوائية ودون ضوابط، وهذا يفسر لنا سبب اختفاء "المشلي" من ظفار كلها.
هنا جُرأة من الوافدين غير مُبرَّرة حتى الآن، فلو كانوا يخافون من العقوبات لما أقدموا على هذه التصرفات، خاصة وأنهم مكشوفون، فليس أمامهم من منفذ تصديري سوى حريط، فكيف لم يلفت انتباه فروع السُلطات المركزية واللامركزية هذا العدد الكبير من الشاحنات؟ الوافدون الآسيويون فرَّغُوا ظفار من أهم ثرواتها بعدما كانت تُستهلك محليًا بنسبة 70% وتُصدِّر 30%، وهذا مرده إلى الإقبال الخليجي الكبير على المشلي لسائلها الحلو الذي لم يتدخل فيه الإنسان، ولُبها الأبيض الذي يُستخدم في أنواع عديدة من المأكولات. وكلنا نعلم أن المشلي ثمرة مفضلة ليست لأهل ظفار فحسب؛ بل لزوار وسائحي المحافظة، وعندما تُفرَّغ ظفار منها، فقد انتُزِعَت منها أهم مقوماتها السياحية؛ بل الاعتداء على أهم هُوِّيَاتِها المعنوية. وهنا جنوح في التفريط في هذه الثروة الوطنية من بيئتها المحلية لدوافع مالية بحتة؛ حيث تُباع في خارجها بأسعار مرتفعة عن المئتين بيسة المُلزِمة رسميًا، وهنا نرصُد طمعًا فاحشًا من الوافدين، لا يُمكن السكوت عليه.
وبالتالي.. فإنَّنا نرفع هذه القضية بصورة عاجلة إلى وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وإلى هيئة حماية المستهلك وإلى شرطة عُمان السلطانية، ليس لتنظيم عمليتي التسويق والتصدير فحسب؛ بل والتحقيق في خلفياتها.
غير أنَّ السؤال المُهم: هل هناك قانون أو أوامر محلية تُجرِّم تسويق وتصدير مثل هذه الثروة الوطنية بمثل هذا الجنوح، أو بالأحرى الجنون؟ وإذا لا يوجد! فعلى نظامنا اللامركزي الإسراع في استصدار أوامر محلية، تتضمن رقابة يومية مع فرض عقوبات مُغلَّظة. ولو كان هذا القانون أو الأوامر المحلية قائمة أو مُفعَّلة لما شهدنا تدمير مزارع واقتلاع الأشجار بما فيها النارجيل في وضح النهار وبموافقات رسمية. وهنا جزئية تجعلنا نتساءل من خلالها عن مستقبل الأراضي الزراعية في صلالة، في ظل جنوح تحويل استخداماتها إلى تجارية وسياحية، وغزو مجموعة آفات حشرية لأشجار النخيل؟!
قد يَرُد مسؤول على التساؤلات الأخيرة بالقول إن هناك مشروعًا لزراعة 100 ألف نخلة نارجيل، وهذا صحيحٌ من حيث المبدأ، وقد جاء بتوجيه من السلطان الراحل قابوس بن سعيد- رحمه الله- عام 2010، لكن أين وصل هذا المشروع حتى الآن؟ كل من يزور منطقة شاع بسهل حمران سيُشاهد مجرد تسوير المنطقة، وسيبدو له وكأن المشروع تأجَّل أو جرى التخلي عنه أو أنه يواجه إشكاليات في تنفيذه، وإلّا فمنذ 2010 وحتى 2025 فترة زمنية كافية وكاملة لرؤية المنطقة عامرة بأشجار النارجيل، تمنح للمنطقة الساحلية شخصية الجمال والهوية المميزة، وتضمن استدامة هذه الثروة الوطنية، وتفتح الآفاق لإقامة صناعات عديدة التي أبرزها: استخراج الزيت، وصناعة الخل، والفحم الطبيعي، والسماد العضوي.. إلخ. وحتى مشروع زراعة 100 ألف نخلة لا يُبرر أبداً تدمير المزارع والبساتين وإعدام الأشجار في صلالة، مهما كانت مبررات الحاجة الفردية أو الرسمية للأراضي. وقد رصدنا بعض النماذج بالصور تُوضِّح وسيلة الإعدام بالجرافات، وتناولناها في حساباتنا الإلكترونية.
ومما تقدم.. تظهر هنا مشكلتان؛ الأولى: تصدير المشلي دون ضوابط، والثانية توقُّف مشروع استدامة النارجيل، وهذه الثنائية لها تداعيات خطيرة على قضية الاستدامة لثروة النارجيل، فتقديرات عمر شجرة النارجيل تصل إلى 100 عام، فكم عُمر أشجار النارجيل في ظفار؟ ربما بعضها يدخل في سن التقادم، ومظهر الكثير منها يُدلِّل على ذلك، بخلاف الاعتداء عليها لدواعٍ تجارية وسياحية في ظل غياب قانون لحمايتها.
ومن هنا لا خيار لنا عن زراعة 100 ألف نخلة لدواعي الاستدامة، وهذا استشراف من السلطان الراحل طيب الله ثراه، وأمانة تنفيذها مسؤولية وطنية عاجلة. فأين أدوار اللامركزية والمجلس البلدي في ظفار من القضيتين؟ نكررهما: استدامة هذه الثروة الوطنية المعطاءة التي تُثمر 12 مرة في العام إذا ما تمَّ الاعتناء بها، والأخرى تصدير المشلي من ظفار لخارج محيطها الجغرافي والوطني.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الحل الآن أقرب لقضية النجد الزراعي
د/ عبدالله باحجاج
هناك حراك إيجابي ورؤية مستقبلية متجددة لمنطقة النجد الزراعية بولاية ثمريت بمحافظة ظفار، وستشهد مشاريع تحتية وفوقية كمصانع غذائية وإقامة كيانات حكومية كبيرة في النجد… وتتوفر لها إرادة تنفيذية قوية نلمسها في لقاءات وزارية معنية بالملف الزراعي في النجد بصورة مباشرة في مسقط، ولقاءات أخرى بين سلط تنفيذية حكومية محلية مع المزارعين في ثمريت.
وسيعقد لقاء للفريق الوزاري نفسه قريبا في ثمريت، في وقت تم الكشف فيه عن إنتاج القمح المحلي لموسم 2024- 2025 بأكثر من 10 آلاف طن، بقيمة تسويقية تصل إلى 3 ملايين و38 ألفا و502 ريال عماني، موزعة كالتالي: ظفار 7723 طنا، والظاهرة 1118 طنًا، والداخلية 877.185 طن.. فيما تبلغ قيمة الأصول التراكمية في منطقة النجد حوالي 190 مليون ريال عماني.
وحجم مساهمة النجد الزراعي في إنتاج القمح المحلي، وفي إيرادات الدولة بعد نجاحه في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكثير من الفواكه والخضار، وكذلك تحويله إلى مصدر دخل للكثير من المواطنين مع أبنائهم يعد -أي النجد- أكبر المناطق في بلادنا المؤهلة للزراعة لتحقيق الاستراتيجية الوطنية لأمننا الغذائي، وتوفير فرص عمل متعددة.
لكن، تظل قضية الحيازات الزراعية في النجد قائمة، رغم أن هناك توجيهات سامية بضرورة الاستعجال في حلها منذ 22 فبراير 2021، فأين وصلت؟ هناك جهود كبيرة بذلت، وتوصلت لرؤى مهمة يمكن البناء عليها، وعوضا عن ذلك، فقد وضع المزارعون في زاوية حادة جدا، وهى عدم التمليك، والبديل هو خيار الانتفاع بالرسوم، وفي اجتماع المسؤولين مع المزارعين في ثمريت حددت مهلة زمنية قصيرة لتوقيع عقود الانتفاع وإلا...! وهذه ليست إدارة مثالية لمثل هكذا قضايا ذات حمولات اجتماعية وأبعاد وطنية وتاريخية، ومن زاوية جهوية استراتيجية، فهل إذا ما انتهت المهلة سيتم سحب المَزارع من المزارعين وتسليمها لغيرهم؟ هل بهذه البساطة يمكن حل القضية خاصة مزارع حصر ٢٠٠٩؟
ربما السلطة التنفيذية المحلية لم تذهب إلى الفهم العميق لما خرج به لقاء مسقط الوزاري، وهو مساواة "حق التمليك بحق الانتفاع في مزارع النجد" ومنها نرى الحل الذي ينبغي تسويقه للمزارعين.
والحل كنت قد أرسلته كمبادرة مني لمكتب محافظ ظفار، لتسليمه لصاحب السمو السيد محافظ ظفار، وفيه وضعت مقاربة متوازنة للحل، وهي: قبول عدم التمليك والتسليم بحق الانتفاع مقابل إلغاء الرسوم وإلغاء أو تخفيض فواتير الكهرباء المتراكمة على المزارعين، وتقديم تسهيلات لهم من بنك التنمية، وهذا يعني شيء مقابل شيء ولو في حده الأدنى للمزارعين، ونراهن كثيرا على هذا السيناريو، ونراه مخرجا للقضية بعدما تم وضعها في زاوية حادة جدا.
والحل المقترح نبنيه من رؤية اللقاء الوزاري الذي نراه انفتاحا إيجابيًا لحل القضية، لكن تطبيقه لم يكن مسايرا لهذا الانفتاح الإيجابي، وندعو اللقاء الوزاري المقبل في ثمريت تبنيه، فالتنازل عن الرسوم مقابل ما يحققه المزارعون من إعجاز زراعي للوطن قليل في حقهم، فهم وراء حالة الاطمئنان الوطنية لأمننا الغذائي، فقد كان لهم ولآبائهم السبق في اقتحام الصحراء لزراعتها، واستخرجوا منها الماء بإمكانياتهم المتواضعة جدا، وهم من أداروا بوصلة الدولة والشركات للنجد لزراعته، والبلاد الآن تنعم بخيرات النجد المتعددة، ويسودها سيكولوجية الاطمئنان في ظل أي أزمات مقبلة، إضافة إلى أن هذا الحل سيحل القضية العالقة من عدة سنوات.
رابط مختصر