استراتيجية الفوضى وتصفية دول الجوار
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
#استراتيجية_الفوضى وتصفية دول الجوار _ د. #منذر_الحوارات
لم تكن إسرائيل تحلم بأن تحقق هذا الكم من الأهداف خلال أيام معدودة، فهي الآن آمنة من وجود الجيش السوري القوي في جوارها، كما أمنت سابقًا من الجيش العراقي، وتمكنت من تدمير قدرات كبيرة لحزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي، إضافة إلى احتلال جزء من لبنان وكامل قطاع غزة تقريبًا.
كانت القناعة راسخة لدى كثيرين بأن إسرائيل لا تريد زعزعة استقرار الدول المحيطة بها، مثل سوريا ولبنان والأردن ومصر، إذ كانت ترى أن بقاء هذه الأنظمة، رغم عدائها لها، يمنع خطرًا آخر أشد تهديدًا، وهو وصول جماعات متطرفة إلى السلطة قد تخلّ بالأمن على حدودها، لذلك حرصت على عدم دعم أي عملية تغيير في هذه الدول، بل إنها حاربت الربيع العربي استنادًا إلى هذه الحجة، لكن فجأة، تغيرت هذه السياسة، ووافقت إسرائيل على إسقاط الأسد، وفي خضم الفوضى الناتجة عن هذا التغيير المفاجئ، تمكنت من تدمير البنية الأساسية للقوة السورية، واحتلت بقية الجولان، لتصبح على بعد 25 كيلومترًا من العاصمة دمشق، وهنا يُطرح السؤال مجددًا: هل استبدلت إسرائيل نظرية الاستقرار التقليدية بنظرية الفوضى، بعدما ثبتت مكاسبها السريعة والمغرية؟
ربما نجد الإجابة في تصريحات ترامب الأخيرة، التي طلب فيها من الأردن ومصر استقبال اللاجئين الغزيين تحت التهديد، إذا دققنا في وضع هاتين الدولتين، نجد أنهما الوحيدتان المستقرتان في الإقليم المجاور لفلسطين، إذ تمتلكان نظامًا سياسيًا وبيروقراطيًا وعسكريًا متماسكًا، إلا أن مشكلتهما الرئيسية تكمن في الاقتصاد، وما يتبعه من بطالة وتراكم ديون، إلى جانب اعتمادهما على المساعدات الأمريكية وضمانات القروض من المؤسسات الدولية، وبناءً على ذلك، ربما ترى إسرائيل أن استمرار استقرار هاتين الدولتين ليس في مصلحتها، ووفقًا لاستراتيجيتها الجديدة القائمة على الفوضى، فقد تكونان هدفها المقبل.
مقالات ذات صلة الأسرى الفلسطينيون المسيحيون.. الحجارة الحية 2025/02/04بالتركيز على الأردن، نجد أن التاريخ يقدم إجابة واضحة، ففي عشرينيات القرن الماضي، نشب خلاف أيديولوجي عميق بين اليهود التصحيحيين، بقيادة زئيف جابوتنسكي، من جهة، وبين دافيد بن غوريون والحكومة البريطانية، من جهة أخرى، حول استثناء الأردن من مشروع الدولة اليهودية، فقد كان جابوتنسكي يرى، استنادًا إلى الوعد التوراتي، أن الدولة اليهودية تشمل ضفتي نهر الأردن، واعتبر فصل الأردن عن المشروع الصهيوني “سرقة للأرض اليهودية”، وعلى النقيض، كان بن غوريون أكثر براغماتية، فقبل بفصل شرق النهر، وركّز على إقامة الدولة في الأراضي المتبقية تحت الانتداب البريطاني، ومنذ ذلك الحين، ظل الأردن في نظر التيار الصهيوني المراجعي جزءاً “مسروقًا” من مشروعهم.
واليوم، ومع تحالف اليمين القومي الإسرائيلي، ممثلًا بنتنياهو، مع أنصار الصهيونية الدينية، التي ترى أن الضفة الغربية وقطاع غزة جزء من “أرض الميعاد” وأن استيطانها واجب مقدس، أصبحت هذه الأيديولوجيا أكثر تأثيرًا في صناعة القرار الإسرائيلي، وبعد أحداث “طوفان الأقصى”، تصاعد نفوذ هذا التيار، وأصبح يملك السلطة إلى جانب الأيديولوجيا، وهو ما يفسر الكثير مما يجري حاليًا.
يرى البعض أن إسرائيل تسعى لجعل الأردن وطنًا بديلًا للفلسطينيين، لكن هذا محض هراء، فهي لم تعد تركز على تهجير الفلسطينيين إلى دولة واحدة، بل على تشتيتهم في مختلف أنحاء العالم، ومع ذلك لا شك أن الأردن أصبح هدفًا استراتيجيًا لإسرائيل، التي تسعى إلى استغلال إدارة ترامب المؤمن بأن النظام العالمي الجديد يجب أن يقوم على القوة لا القانون، لكن نظراً لأن الأردن دولة متزنة، تحكمها أسرة مالكة لا ترتكب أخطاء داخلية أو خارجية تمنح إسرائيل ذريعة للتدخل العسكري، فإنها تلجأ إلى استراتيجيتها الجديدة: الفوضى.
من هنا، يمكن فهم دوافع إسرائيل وراء فكرة تهجير الغزيين إلى الأردن، وإقناع ترامب بالضغط على عمان لقبول ذلك، وهي تدرك تمامًا أن الملك عبد الله سيرفض هذا الطرح بشكل قاطع، مما سيدفع ترامب إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية ضد الأردن، على أمل أن يؤدي ذلك إلى انهيار الاقتصاد، ومن ثم نشوب فوضى اجتماعية تعصف بالدولة.
ما سبق ليس تحليلًا تآمرياً، بل واقع تؤكده الأدبيات الإسرائيلية، فقد تخلصت إسرائيل من مخاوفها بشأن الفوضى في دول الجوار، بعدما اكتشفت أنها أداة فعالة لاختراق هذه الدول والسيطرة عليها، والأردن، بلا شك، يمثل هدفًا كبيرًا للمشروع الصهيوني، إذ إن الفوضى داخله تخدم المصالح الإسرائيلية بشكل مباشر.
لهذا السبب، يتحرك الملك عبد الله بسرعة وبديناميكية على مختلف الأصعدة لمواجهة هذا المشروع الإسرائيلي– الأمريكي، وبحكم خلفيته العسكرية، فهو يسعى للتحالف مع الدول القادرة على التصدي لهذا المخطط، ويعمل على إقناع الجهات الأمريكية الصديقة بأن ما تطلبه إسرائيل لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى، التي لن تقتصر تداعياتها على المنطقة فحسب، بل ستمتد إلى مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في العالم.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: استراتيجية الفوضى
إقرأ أيضاً:
ترامب يتجنب دعم هجوم إسرائيل على غزة ويؤكد صعوبة الإفراج عن الرهائن | تقرير
في تصريح جديد أثار الانتباه، تجنب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إبداء دعم مباشر لخطط إسرائيل الرامية إلى شن هجوم واسع على مدينة غزة واحتلالها، مكتفيًا بالقول: "لا أعتقد أن حماس ستفرج عن الرهائن ما لم يتغير الوضع"
وجاءت ملاحظاته خلال مقابلة هاتفية قصيرة مع موقع "أكسيوس" الأمريكي، حيث أوضح أنه رغم تحفظه على إعلان موقف صريح من العملية، إلا أنه يوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ضرورة زيادة الضغط العسكري على حركة حماس.
أشار ترامب إلى أن القرار النهائي بشأن الخطوة المقبلة يقع على عاتق إسرائيل، مؤكدًا: "لدي شيء واحد أقوله: تذكروا السابع من أكتوبر". وأضاف أن تحرير الرهائن في الظروف الحالية سيكون أمرًا "شديد الصعوبة"، معتبرًا أن الوضع الراهن لا يشجع حماس على تقديم أي تنازلات.
زيلينسكي وكارني يتفقان على ضمان شراكة أوكرانيا الكاملة
خطة إسرائيل للسيطرة الكاملة على غزة.. أهداف معلنة للتهجير.. وتحذيرات عربية ودولية من كارثة
ووفقًا لـ"أكسيوس"، فإن بعض كبار القادة العسكريين الإسرائيليين يعارضون الهجوم المخطط على غزة، خشية أن يعرّض حياة الرهائن الإسرائيليين للخطر. لكن ترامب، في تقييمه، يرى أن هذا الخطر قائم دائمًا، وأن الحل يكمن في تغيير المعادلة الميدانية وليس في الانتظار.
كما كشف أنه أجرى "مكالمة جيدة" مع نتنياهو يوم الأحد، من دون الخوض في تفاصيل ما دار خلالها.
يأتي موقف ترامب في وقت يواجه فيه نتنياهو تحديات داخلية وخارجية بشأن خططه العسكرية، حيث يضغط بعض الوزراء لتسريع العملية، فيما تحذر أطراف دولية من تداعياتها على المدنيين في غزة وعلى استقرار المنطقة.
ويرى محللون أن تصريحات ترامب، رغم عدم تبنيها موقفًا حاسمًا، تحمل رسالة مزدوجة: فهي تمنح نتنياهو مساحة للاستمرار في الضغط العسكري، وفي الوقت نفسه تتجنب الظهور بمظهر المؤيد المطلق لأي خطوة قد تزيد الانتقادات الدولية الموجهة لإسرائيل. كما أن إحجامه عن إعلان دعم كامل قد يعكس رغبته في تجنب الاصطدام مع الرأي العام الأمريكي المنقسم حول الحرب في غزة.