عين ليبيا:
2025-05-12@19:00:54 GMT

فهم لخطاب حي على الفلاح

تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT

مشكلتنا مع اللغة أننا أصبحنا في أحيانٍ كثيرة نمارس ما يسمى بالعمى المألوف، وهو أننا نرى الأشياء ولا نراها، نعرفها ولا نؤمن بها، نؤمن بها ولا نمارسها، فمثلاً، نحن نسمع يومياً خمس مرات المنادي ينادي «حي على الفلاح»، ولكن القليل جداً منا يعي معنى الفلاح، فالفلاح في اللغة يعني العمل المثمر، الصالح، والصائب، والناجح، وهو قرين للصلاة ومعطوف عليها.

ولقد ربط الإسلام العبادة بالإيمان والعمل الصالح والبعد عن الظلم في كثير من المواضع في الآيات القرآنية:

(الذين آمنو وعملوا الصالحات..)

(الذين آمنوا وكانوا يتقون …)

(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم..)

يقول المثل “ثبت العرش ثم انقش“.. ونسمع كثرة الاستدلال بهذا المثل مقالا وعدم العمل به حالاََ.

فالفلاح وهو عكس القول والخطابة بل هو عمل ومضمون وليس شكل فقط.

وهذا تماماً ما يخلص إليه كتاب نزل مؤخراً في الغرب للكاتب اين مورس عنوانه: (؟ Why the West Rules لماذا يحكم الغرب؟ أو لماذا الغرب مسيطر؟)، يحلل الكاتب العوامل التي جعلت الغرب يسيطر مثل التقنية والمال والجغرافيا… وغيرها.. ولكنه أيضا يخلص الكاتب إلى أن الأشياء في الغرب تحدث حقيقةً، وليس فقط شكلاً وقولاً، فمثلاً عندما يتحدث الغرب عن حقوق الانسان أو عن حقوق الحيوان، فإنك فعلاً تجد هذه الحقوق على الأرض، وهذا ما أسماه: القدرة على حدوث الأشياء The capacity of making things happen.

طبعا هذا ليس بالمطلق فلدى الغرب من الخلل في القيم ما تشيب له الولدان ولكن الفرق ربما أنهم لا يخفونه ويصلحونه أحيانا.. بينما عندنا نحن أهل الشرق في كثير من الأحيان القول لا يوازي الفعل، فتجد من يتحدّث عن حقوق المرأة وزوجته وابنته لا تعملان، ونجد خطيب مسجد ولكنه لا يتحدث مع جاره، وأحياناً يعيش في قطيعة مع أخيه، وتجد شيخ دين يحض على القتل بين المسلمين بدل من الدعوة للحفاظ على دماء المسلمين والسلم الاجتماعي، بل نعرف عائلات معروفة بأنها متدينة، ولكنها لا تورث المرأة، وتجد موظفاً ملتحياً ويطلب رشوة، وتاجرًا يستغل حاجة الناس ويرفع الأسعار، ناهيك عن الكذب والخلف في الوعود وأكل مال الناس بالباطل.

لن نتحدث عن السياسية وألاعيبها فهي أصبحت رديف للفساد والنفاق، والفرق بين الموقر والجدير بالتوقير، فالسياسي موقر ولكنه ليس جدير بالتوقير.

ناهيك عن الإسلام السياسي ولبس المدنس على المقدس وفتاوي القتل من قبل بعض شيوخ دين بدلا من إصلاح ذات البين وأمر بالصدقة وإلا فلا خير في كثير من نجواهم كما أبلغنا القرآن الكريم، بل وسنوا حتى فقه يسمى (التقية) وهو شرعنة الكذب والنفاق في بعض المذاهب.

من موضع آخر.. يقول رئيس تحرير صحيفة «النهار» اللبنانية الكاتب غسان تويني في أول زيارة له لبيت محمد حسنين هيكل – منظر الاشتراكية في عهد عبد الناصر – في القاهرة (وهي فيلا ديلكس) على النيل، يقول: إن الرجل يعيش حياة ارستقراطية بمعنى الكلمة، وخصوصاً بحجم الخدم لديه رغم تنظيره للاشتراكية فهو يعيش النقيض.

والعديد من الأمثلة الأخرى لعل آخرها هذا المثل (المضحك) وهو أن قرار منع التدخين بالمكاتب الحكومية وقعه رئيس وزراء عربي وكان السيجار في فمه!!.

وهذا فلسفيا ما يقال عنه الفرق بين الدال والمدلول والفرق بين الماهية وما صدق.

فالمعرفة بالشيء لا تعني اكتسابه.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ).

لقد تحولت مجتمعاتنا ودولنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه (مجتمع البطيخ) فهو من الداخل أحمر لون الدم والقتل ومن الخارج أخضر لون التدين.

أغلب الناس تعرف الحق ولكنه مستفيدة من الحالة الراهنة (Status quo)، وتعارض التغير.

كما يقول المثل الشعبي الليبي: “اللي فرحان بهباله.. العقل ما عنده ما يدير به”.

الخلاصة، أقول إن الفلاح هو تطابق القول مع العمل والفعل، وكما يقول المتصوفة: عرفت فالزم (ويقال إنه حديث شريف رغم ضعفه).. فلا معنى للقول إذا لم يرافقه عمل وإلا فسوف يكون كلامنا وعملنا مثل قول الشاعر: “كلامك يا هذا كفارغ فستق ليس به نوى… ولكنه طقش“، أو كما قال الفيلسوف الألماني نيتشة: “قد تكون كثرة الكلام عن شيء، وسيلة لإخفاء شيء”.

ومن جانب آخر، وليس ببعيد يعد القول بعيدا عن العمل في حياتنا هو انحراف البوصلة وتحول الإسلام العظيم إلى طقوس فقط لا تختلف عن العادات والتقاليد التي يجرى التعارف عليها في أي مجتمع ويصبح الدين كلامات فقط دون النظر في فحواها ومعناها.. لقد نسينا أن الدين المعاملة، وأنه لا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد.. نسينا كل ذلك، وعندما تنحرف البوصلة بهذا القدر لا يمكن أن تكون عبارة “حي على الفلاح” أكثر من ثلاث كلمات جوفاء بلا معنى، بل وتصبح مشكلة قيم وأخلاق وليس مشكلة لغة كما أشرت في بداية المقال.

كم نحن في حاجة لفهم هذه الرسالة البسيطة العميقة وهي خطاب «حي على الفلاح»، في مناخ الحرية، لأن إذا فهمنا أمنا، وإذا أمنا عملنا، وإذا عملنا يحصل الفلاح، فالفلاح نتيجة العمل وتوظيف العلم.

فـ”حي على الفلاح” ليست دعوةً إلى الصلاة فحسب، بل هي صيحةٌ لتجديد الحياة، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب: «لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل»، فلنكن ممن يُصلحون أنفسهم قبل غيرهم، فبصلاح القلوب تصلح الأوطان.

(حيّ على الفلاح) هي دعوة مستدامة للعمل المثمر الصالح والمخلص المتطابق مع القول الصادق.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

إقرأ أيضاً:

روسيا ترد على ضغوط الغرب لوقف الحرب: لغة الإنذار غير مقبولة

اعتبر الكرملين الإثنين أن "لغة الإنذارات غير مقبولة" بعدما حضّت كييف وحليفاتها الأوروبية موسكو على قبول وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثين يوما قبل محادثات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا حول تسوية النزاع بينهما.

وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف خلال إحاطته الإعلامية إن "لغة الإنذارات غير مقبولة لموسكو وغير لائقة".

وأضاف بيسكوف: "لا يجوز مخاطبة روسيا بهذه الطريقة".

وحضّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الإثنين روسيا وأوكرانيا إلى الاجتماع "في أسرع وقت ممكن" و"إعلان وقف إطلاق النار" بعد أن دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى لقائه شخصيا في إسطنبول.

وصرّح فيدان للصحافيين "ندعو الطرفين إلى الاجتماع في أسرع وقت ممكن وإعلان وقف إطلاق النار. نأمل أن يتحقق ذلك، وهذا ما نعمل من أجله".

ودعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الرئيس بوتين إلى أن يبرهن على أنه يتعامل "بجدية" مع السلام، خلال اجتماع عقد الإثنين في لندن حول الحرب في أوكرانيا، بعد توجيه إنذار لموسكو للقبول بوقف إطلاق النار.

وعقد الاجتماع بينما اتهمت أوكرانيا روسيا بإطلاق أكثر من مئة طائرة مسيّرة ليلة الأحد- الإثنين.

وأفاد لامي بأن الوقت "حان لفلاديمير بوتين أن يأخذ السلام في أوروبا بجدية، ووقف إطلاق النار بجدية، والمحادثات بجدية".

وطالبت كييف وحلفاؤها الأوروبيون خلال نهاية الأسبوع بوقف كامل وغير مشروط لإطلاق النار لمدة 30 يوما اعتبارا من الإثنين، وهو شرط مسبق وفقا لهم لبدء محادثات مباشرة للسلام بين الروس والأوكرانيين في تركيا.

وأكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس الإثنين أن "لإجراء محادثات السلام، يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار" و"يجب أن نمارس ضغطا على روسيا لأنها تراوغ".

من جانبه، أكد الوزير الفرنسي المسؤول عن الشؤون الأوروبية، بنجامين حداد، أن "الهدنة غير المشروطة" كانت شرطا لإجراء المفاوضات.

وتحدث وزير الخارجية البريطاني الأحد مع نظيره الأميركي ماركو روبيو، الذي أكد له أن "أولوية واشنطن هي وقف القتال والحصول على وقف فوري لإطلاق النار"، وذلك بحسب المتحدثة باسمه، تامي بروس.

والأحد، حثّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوكرانيا وروسيا على الاجتماع "فورا"، دون انتظار وقف إطلاق النار.

مقالات مشابهة

  • روسيا ترد على ضغوط الغرب لوقف الحرب: لغة الإنذار غير مقبولة
  • زيلينسكي يقول أنه سيلتقي بوتين شخصيا الخميس المقبل في تركيا
  • نبوءة هنتنغتون الخاطئة والصراع مع الإسلام
  • دعاء الحر الشديد وماذا كان يقول النبي؟ كلمات نبوية مجربة
  • عاجل. زيلينسكي يقول إنه سيلتقي بوتين يوم الخميس المقبل في تركيا
  • عند تعارض الفتاوى الشرعية .. من يملك القول الفصل؟
  • الاستشراق والمثلث الحضاري
  • ‏ترامب يقول إنه يعتزم مواصلة العمل مع موسكو وكييف لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • إعلام إسرائيلي: ترامب سمح لنتنياهو باستخدام سلاح التجويع بغزة والآن يقول له: كفى
  • مارك زوكربيرغ يعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد يحل مكان الأصدقاء.. فماذا يقول علم النفس؟