عربي21:
2025-10-08@02:14:17 GMT

هل انتهى زمن الإيديولوجيا والأحزاب العقائدية؟

تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT

لا نبالغ إذا قلنا إن السياسة والأحزاب العقائدية قد بدأت تختفي من الساحة السياسية، وخاصة في الغرب منذ القرن الخامس عشر وما بعده، عندما بدأ المجتمع الزراعي يتلاشى، ليحل محله العصر الصناعي، حيث حدث الانقلاب الفعلي على الكنيسة ورجال الدين ليبرز مكانهم طبقة جديدة من رجال الأعمال والصناعيين الذين لم يكن همهم وقتها فقط القضاء على الحكم الديني فحسب بل أيضاً التحضير للمرحلة الاستعمارية الغربية، حيث بدأت الطبقة الجديدة من السياسيين تفكر بعلمنة الحياة سياسياً واجتماعياً تمهيداً لتغيير المجتمعات في الداخل وإطلاق الحملات الاستعمارية إلى أفريقيا وغيرها.

بعبارة أخرى، يمكن القول إنه منذ ذلك الحين بدأ القضاء على الفكر السياسي الديني وإبعاده عن الساحة، وذلك بفصل الدين عن الدولة، لا بل قفزت أبعد من ذلك ليكون اهتمامها الأساسي والرئيسي منصباً على القضايا المادية بالدرجة الأولى.

وكلما تطورت الحياة السياسية المادية، كنا نرى ظهور العديد من الأعمال الأدبية من روايات ومسرحيات وخاصة في الأدب البريطاني، وكلها كانت تنتقد وتفضح الجنوح الجنوني في اتجاه المادة والتخلي عن الجوانب الروحية والإنسانية للإنسان. وقد شاهدنا ذلك في روايات أرنولد بَنيت، ودي أتش لورانس، وجين أوستين، وتشارلز ديكنز، وغيرهم. ولا شك أن الاتجاه المادي في الحياة والسياسة الغربية قد أصبح فاقعاً جداً خلال القرن العشرين وما تلاه، وذلك بسبب التقدم الصناعي والتكنولوجي المذهل، بحيث بات الناس في الشرق والغرب مهووسين بالمال والتكنولوجيا، وبدأوا يبتعدون أكثر فأكثر عن الحياة الروحية، فالكل اليوم يريد أن يقتني أحدث المنتوجات التكنولوجية من موبايلات وسيارات وتلفزيونات وألعاب وآلات وأدوات لا يمكن للشعوب أن تعيش من دونها، وبالتالي فإن العقل السياسي لا بد أن يساير هذا التحول التكنولوجي الرهيب ويجاريه سياسياً، خاصة إذا ما علمنا أن الواقع الاقتصادي، كما قال كارل ماركس، هو الذي يحدد ويرسم الواقع الاجتماعي، فالاقتصاد والمال هما اللذان يقودان السياسة والمجتمع وليس العكس.
السياسة تحولت منذ زمن طويل، وخاصة في البلدان المتقدمة، من سياسة عقائدية إلى سياسة اقتصادية وبالضرورة برامجية ووظيفية
وهذا يعني أن السياسة تحولت منذ زمن طويل، وخاصة في البلدان المتقدمة، من سياسة عقائدية إلى سياسة اقتصادية وبالضرورة برامجية ووظيفية، وقد شاهدنا كيف سقطت الأنظمة ذات التوجه العقائدي في الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشيوعية الشرقية عموماً، لأنها بالغت في التركيز على العقيدة السياسية بعيداً عن الواقع الاقتصادي والتكنولوجي المتحول بسرعة رهيبة، لهذا مثلاً كنا نرى كيف كان الشعب السوفياتي يتوق لتدخين سيجارة مالبورو أمريكية، أو تناول وجبة ماكدونالد، لأنه كان غارقاً في عالم عقائدي أجوف، سقط كله أخيراً وتوجه في اتجاه الاقتصاد والسياسة الحزبية البرامجية التي تقوم على وضع برامج اقتصادية وتنموية لخدمة المجتمعات بدل الغرق في خزعبلات الأيديولوجيا.

قد يقول قائل: ألا ترى أن المجتمع الأمريكي مثلاً مازال يشارك في الانتخابات على أساس عقائدي؟ ألم يفز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه المرة بأصوات المعارضين للتحول الجنسي والمثلية؟ لا شك أن شرائح كثيرة من كل الأديان في أمريكا صوتت لترامب لأنه يعارض التحول الجنسي، لكن الذين صوتوا له لم يصوتوا على أساس ديني، بل على أساس اجتماعي، لأن ظاهرة التحول الجنسي باتت تشكل خطراً على المجتمع وحتى على الاقتصاد، وبالتالي فالتصويت لترامب لم يكن على أساس عقائدي محض.


ولو نظرنا اليوم الى الأحزاب المتنافسة في الغرب لوجدنا أن الفروقات العقائدية والأيديولوجية بينها قد بدأت تختفي تدريجياً إن لم تكن قد اختفت تماماً في بعض البلدان، لأن الشعوب باتت تريد أحزاباً برامجية ووظيفية وخدمية أكثر منها عقائدية. الشعوب، وخاصة العربية المسحوقة، تريد اليوم تنمية وخدمات وتطوراً ووضعاً معيشياً مقبولاً، ولم تعد تذهب الى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثلها الروحي.

ولو سألت الناخبين في بريطانيا أو أي بلد أوروبي آخر مثلاً ستجد أنهم أدلوا بأصواتهم لصالح هذا الحزب أو ذاك لأنه يقدم خدمات أكثر من غيره، وليس بناء على توجهاته العقدية. ولو قارنت بين حزبي العمال والمحافظين اليوم في بريطانيا ستجد أن خلافاتهما العقائدية قد خفت كثيراً، وصار التنافس على البرامج والتنمية والخدمات أكثر منه على العقيدة السياسية. فإذا كان الوضع هكذا في الغرب المتقدم علينا بأشواط في موضوع الخدمات والتنمية والتطور، فكيف إذاً بمجتمعاتنا العربية المحرومة من أبسط الخدمات؟ الشعوب العربية اليوم تريد تنمية وتطوراً وتحسين أوضاعها المعيشية المزرية، والأحزاب التي تريد أن تنجح في إدارة أي بلد عربي اليوم يجب أن يركز بالدرجة الأولى على برامجها التنموية، فقد فشلت كل الأحزاب العقائدية على الصعيد التنموي، وتحولت إلى عصابات. وقد شاهدنا السقوط المدوي لما يسمى بنظام البعث في سوريا ونظام الإنقاذ في السودان. التنمية ثم التنمية إذاً أولاً وأخيراً. وطوبى للتنمويين الجدد!

المصدر: القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغرب ترامب بريطانيا بريطانيا الغرب الاحزاب ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وخاصة فی على أساس

إقرأ أيضاً:

من عجائب السياسة.. أصبح ترامب هو المنقذ

كان بإمكان حركة حماس وبقية فصائل المعارضة أن تجيب على المبادرة الأمريكية الإسرائيلية بالرفض وتصعيد الخطاب، لكن قادتها اختاروا منهج التعامل السياسي، وتحكيم العقل، وتغليب المصلحة الوطنية. قبلوا المقترح، وثمّنوا العناصر التسعة الأولى فيه، وطالبوا بتوضيحات بالنسبة للبعض الآخر، واعترضوا بذكاء على كل ما من شأنه أن يفتح الباب من جديد لأي شكل من أشكال الوصاية على القرار الفلسطيني، فأثبتوا بذلك كفاءتهم السياسية إلى جانب قدرتهم على المقاومة العسكرية.

وبذلك أعادوا الكرة الى المرمى الإسرائيلي؛ بعد حشر حماس في زاوية حادة، الرئيس ترامب يعيد خلط الأوراق بالتأكيد على حماس من خلال قبولها لمبادرته بكونها جاهزة لتحقيق السلام الدائم، وأن على إسرائيل إيقاف العمليات العسكرية والعودة إلى التفاوض. هكذا تغير المشهد كليا.

ما يجب التركيز عليه الآن هو الخروج من هذه الحرب القذرة بأقل ما يمكن من الضحايا والخسائر، والتأسيس لمرحلة مغايرة، فالذي يختار الحرب عليه أن يحسن التقاط الفرصة واللحظة المناسبة من أجل بناء السلام
سيبقى يوم السابع من أكتوبر محل خلاف بين المؤيدين لذلك التحول النوعي في الصراع مع العدو الصهيوني، وبين الذين يرون فيه مجازفة خطيرة غير مدروسة من قبل المقاومة، لكن ما يجب التركيز عليه الآن هو الخروج من هذه الحرب القذرة بأقل ما يمكن من الضحايا والخسائر، والتأسيس لمرحلة مغايرة، فالذي يختار الحرب عليه أن يحسن التقاط الفرصة واللحظة المناسبة من أجل بناء السلام.

الجولة الجديدة من المفاوضات ستكون أمام رقابة الجميع، وهو ما سيجعل احتمال انقلاب نتنياهو وحكومته على المسار ضعيفا وليس مستحيلا. فالثقة في هؤلاء سذاجة، لكن مصلحة ترامب تفرض على الإسرائيليين الاستمرار في الخطة وعدم التفكير في نسفها في حال استعادة محتجزيهم، وهي فرضية يتخوف منها الفلسطينيون والعديد من المراقبين. وما جاء على لسان نتنياهو في محاولة لتجاوز الصفعة التي تلقاها من ترامب، يؤكد الطابع الاستئصالي للحكومة الصهيونية التي سترصد أي شيء يمكن استغلاله من أجل العودة إلى إكمال حرب الإبادة. وهي مسألة يدركها المفاوض الفلسطيني، ويُستبعد أن يمكّن عدوه من هذه الفرصة.

تجنبت حماس الخوض في أي جدل عقيم مع ممثلي السلطة الفلسطينية، وبدل التورط في هذا المنحدر الخطير، دعت إلى إشراك الجميع في مناقشة الوضع الفلسطيني بعد توقف الحرب، ودعت الجميع بما في ذلك منظمة التحرير الى مؤتمر سيعقد في القاهرة للبحث عما هو مشترك بين الجميع. وحتى تكون في مستوى الحدث، قبلت حماس بأن يكون هذا الحوار علنيا وصريحا وذا مصداقية عالية، عساه يقطع الطريق أمام المخادعين والمتاجرين بالقضية.

إذا سارت الأمور في هذا النحو ، ستكون أفضل نهاية لهذه المغامرة المؤلمة التي فجرت أخطر حرب خاضها الفلسطينيون في تاريخهم المعاصر
 وفي خطوة موازية، أعلن محمود عباس عن صياغة دستور بعد ثلاثة أشهر، وتنظيم انتخابات بعد سنة. وبقطع النظر عن محتوى هذا الدستور وعن كيفية تنظيم هذه الانتخابات، فالأكيد أن الحالة الفلسطينية مرشحة، مقارنة بالوضع الراهن، للانتقال لمرحلة مختلفة. فانتهاء الحرب من شأنه أن يُدخل الوضع الإسرائيلي في سياق مفتوح على تغييرات يصعب التكهن بمآلاتها. فخروج نتنياهو، وانهيار تحالف أقصى اليمين للصهيونية الدينية، والصراع الذي سينفجر بين هذه الجبهة وبين التيارات الموصوفة بالعلمانية، ستكون له تداعيات كبرى في مجتمع وصفته الوزيرة الصهيونية السابقة تسيبي ليفني بـ"الدولة المنبوذة" نتيجة ما خلّفته الحرب على غزة، وهو ما جعل "أبناءنا اليوم لم يعودوا يريدون دعم إسرائيل". كما يدور الحديث أيضا داخل المجتمع الإسرائيلي عن حرب أهلية يمكن أن تنفجر في أي لحظة بين شقين متعارضين ومختلفين في كل شيء تقريبا.

إذا سارت الأمور في هذا النحو ، ستكون أفضل نهاية لهذه المغامرة المؤلمة التي فجرت أخطر حرب خاضها الفلسطينيون في تاريخهم المعاصر. لقد عانى الفلسطينيون كثيرا وسيعانون أكثر للأسف، والمرحلة الجديدة لن تكون  سهلة، حيث ستعمل أطراف ولوبيات وشياطين من أجل إبقاء الشعب الفلسطيني تحت الهيمنة، خاضعا للابتزاز والمتاجرة بدمائه وحقوقه، لكن الأمل في قيام إرادة وطنية قد يحوّل هذا المسار، الذي سيعمل الأعداء على إضعافه، إلى فرصة للبناء والتوحد حول مشروع بناء دولة فلسطينية ستكون صغيرة في حجمها، لكنها كبيرة في قيمتها، وقوية في شرعيتها.

مقالات مشابهة

  • المجلس المذهبي: تغليب منطق الدولة أساس استعادة الهيبة وبسط السلطة
  • الاتحاد الأوروبي: آفاق السلام في غزة أصبحت اليوم أكثر واقعية
  • أحدهم نال أكبر حكم بالسجن .. 6 أسرى كبار تريد «حماس» تحريرهم
  • تعلن محكمة غرب إب عن بيع المنقولات التابعة للمنفذ ضده شركة أساس للصرافة
  • خالد العناني: العالم يحتاج اليوم إلى اليونسكو أكثر من أي وقت مضى
  • اللبنانية الأولى: شراكات قوية أساس تقدم قضايا المرأة
  • مفوضية الانتخابات:الغرامات تقطع من تأمينات التحالفات والأحزاب والمرشحين
  • من عجائب السياسة.. أصبح ترامب هو المنقذ
  • سياسة بن بريك تقود ضابط جنوبّي إلى الانتحار
  • الروابدة: الإدارة المحلية الفعالة أساس لتحقيق العدالة التنموية ومشاركة المواطنين