عمرو حمزاوي: الداخل الأمريكي يرفض التهجير.. ومعاهدة السلام على المحك.. وحماس لن تعود لحكم غزة (حوار)
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
د. عمرو حمزاوي:
الداخل الأمريكي “ملخبط جدا” بسبب قرارات ترامبالداخل الأمريكي يرفض التهجير أو التورط في إرسال قوات أمريكية إلى غزةالعلاقة بين القاهرة وواشنطن ليست أحادية الاتجاه ومفيدة للطرفينالإدارة الأمريكية تعلم أن مصر بلد قوية ولا يُفرض عليها قراراتمصر لن تسمح بأي تهجير أو اعتداء على السيادة الوطنية المصرية مصر بلد كبيرة تراهن على السلام كأداة استراتيجية على التسوية السلمية للصراعاتمحاولات الضغط على مصر بسيناريوهات التهجير والضم يضع معاهدة السلام على المحك الأوربيون في “حيص بيص” ولا أتوقع منهم مبادرات قوية وإنما دعم دبلوماسي للموقف العربيمنظمة التحرير الفلسطينية الإطار الأكثر شرعية وقبولًا لدى المواطن الفلسطينيحركة حماس لن تعود لحكم غزة والسلطة الفلسطينية لن تُكمل في الضفة بنفس طريقتهالا صوت عربي يعلو صوت رفض تهجير الفلسطينيين من غزة، ولا حديث أوروبي وأمريكي وعربي أيضًا يخلو من تداول تصريحات وقرارات اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ اليوم الأول لتوليه حكم الولايات المتحدة الأمريكية في ولايته الثانية، فبين رفض عربي قاطع وتعنت أمريكي إسرائيلي، تقود الدولة المصرية إجماعًا عربيًا وتواصل تحركاتها الدبلوماسية بمنتهى الرشادة والعقلانية للتأكيد على موقفها وموقف الشعب الفلسطيني والعربي الرافض لمسألة تهجير الفلسطينيين من غزة.
في هذا الصدد، تحدثنا إلى الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن ومدير برنامج كارنيجي للشرق الأوسط وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني المصري، لمعرفة ما يجري في الداخل الأمريكي والمناقشات حول الملف الفلسطيني وتصريحات ترامب بشأن دعوات التهجير، والموقف الأوروبي من تلك الدعوات ومستقبل العلاقات بين القاهرة وواشنطن وكذا مستقبل حركة حماس والسلطة الفلسطينية وخطة اليوم التالي في غزة، وإلى نص الحوار..
ما موقف الداخل الأمريكي من الرئيس دونالد ترامب وتصريحاته بشأن دعوات تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة؟في البداية لا بد أن نشير إلى أن الداخل الأمريكي منصرف عن قضايا السياسة الخارجية البعيدة عنه ويصب كامل اهتمامه على كل ما يحدث داخل الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الفترة الراهنة تشهد سيولة في القرارات التنفيذية التي يصدرها الرئيس دونالد ترامب والتي قد توقف بدورها عمل أجهزة حكومية مثل وكالة المعونة الدولية الأمريكية وتساهم أيضًا في تغيير تركيبة الوزرات وعزل مسئولين ووضع حدود زمنية قصوى لعمل موظفين بالحكومة الفيدرالية.
بالتأكيد هناك تغييرات كثيرة وكبيرة جدًا تُحدث تغييرات في برامج كانت قائمة وممولة من الحكومة الفيدرالية داخل الولايات المتحدة الأمريكية لتصعيد أشخاص ينتمون لأقليات وغيره، لذلك فالداخل الأمريكي يهتم أكثر بالقضايا الخارجية التي تمتد للداخل ذاته وتؤثر عليه، وكل هذا بالطبع دليل على أن الداخل الأمريكي مُعقد “ ملخبط” جدا.
الداخل الأمريكي أيضًا قائم على إيقاع القرارات التنفيذية الكثيرة التي يصدرها الرئيس ترامب وكذلك محاولات إيقاف تلك القرارات من خلال المحاكم، وهذا ما نراه من وقت لآخر من خلال صدور أحكام من قضاة فيدراليين بوقف قرار من قرارات ترامب التنفيذية.
هذا ما يخص الوضع في الداخل الأمريكي بشكل عام.. لكن ماذا عن الموقف من القضية الفلسطينية ودعوات ترامب للتهجير؟فيما يخص القضية الفلسطينية، ما يهمنا في موقف الداخل الأمريكي أنه سجل رفضه للتهجير “الرفض الفلسطيني والمصري والأردني والسعودي والعربي بشكل عام”، كما شهد الداخل الأمريكي نقاشًا واسعًا عن تصريحات ترامب بشأن التهجير وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع، ويرى أنه ليس من حق الولايات المتحدة تهجير الفلسطينيين أو التورط في إرسال قوات أمريكية إلى غزة، وهذا أكبر دليل على أن الصوت المصري والفلسطيني والأردني والعربي وصل للشعب الأمريكي بصورة واضحة وقاطعة بأنه لن يحدث تهجير.
كيف ترى ويرى الداخل الأمريكي الموقف المصري الرسمي والشعبي الرافض للتهجير ؟الموقف المصري من القضية الفلسطينية مهم جدًا؛ ثابت وواضح وممتد، ومن أفضل المواقف المصرية من القضية الفلسطينية رفض التهجير من غزة ورفض الضم في الضفة الغربية، لأن المتابع لتصريحات ترامب "المُرعبة" والتي قال فيها إن مساحة إسرائيل على الخريطة صغيرة جدًا يتضح له أن تلك التصريحات تسير في اتجاهين وهما التهجير من قطاع غزة والضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية.
الموقف المصري من تصريحات ترامب له مكونات رئيسية، أولها أن مصر ضد تصفية القضية الفلسطينية وضد تهجير الفلسطينيين من غزة وضد الضم والمزيد من عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، وثانيها أن مصر لن تسمح بأي تهجير عمومًا وبالتأكيد لن تسمح بأي اعتداء على السيادة الوطنية المصرية والتراب الوطني المصري، وهو ما وصل لإدارة ترامب بشكل قاطع وواضح بأن مصر لن تكون طرفًا في تهجير الفلسطينيين.
كما أن الموقف المصري موحد من الحكومة والمجتمع المدني وكل من ينكر حالة الوحدة والاصطفاف في الموقف الرسمي والشعبي فهو لا يستطيع قراءة المشهد والحالة المصرية بشكل صحيح.
كيف ترى مستقبل العلاقات بين القاهرة وواشنطن في الفترة المقبلة؟علاقة مصر بالولايات المتحدة الأمريكية علاقة استراتيجية وقوية ويجمعهما تعاون اقتصاديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا، لكنها أيضًا ليست علاقة تسير في اتجاه واحد، فمثلما تحصل مصر على معونة عسكرية مهمة واقتصادية أقل أهمية، فالولايات المتحدة في المقابل تحصل على تنسيق أمني وعسكري وحقوق لها علاقة بمرور السفن في قناة السويس والطيران وغيرها من التسهيلات العسكرية والأمنية؛ وبالتالي فإن تلك العلاقة تؤكد أن مصر ليست بلدًا ضعيفة أو صغيرة كي يُفرض عليها شيء، وهذا ما وصل للإدارة الأمريكية بأن العلاقة ليست أحادية الاتجاه بل مفيدة للطرفين وأن الإخلال بهذه العلاقة لا يعني الضرر لمصر فقط وإنما تضر مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، وهذا ما لا نريده إنما نريد الوصول إلي علاقة ودية قائمة على شراكة استراتيجية وهو ما تعمل مصر عليه.
من الأمور المهمة جدًا في الفترة الأخيرة ما قامت به مصر من تنويع لمصادر العلاقات الاستراتيجية؛ حيث انفتحت على الصين وروسيا بشكل جيد ونوعت مصادر السلاح لإحداث التوازن المطلوب، وهذا لا يعني أن أحدًا يريد أن "يدخل خناقة" مع أمريكا، وإنما ضرورة التوصل لتعاون مثمر فالولايات المتحدة الأمريكية ليست مهمة لمصر فقط في الشرق الأوسط وإنما أيضًا في ملف المياه وهذا ما تعول عليه مصر من تدخل أمريكي بشكل إيجابي بسبب التعنت الاثيوبي في ملف سد النهضة.
كيف ترى مستقبل اتفاقية كامب ديفيد حال استمرار العناد الأمريكي الإسرائيلي في مسألة تهجير الفلسطينيين؟بعد الحديث عن الموقف العام للقضية والسيادة الوطنية لمصر وعلاقتها مع أمريكا، أرسلت مصر رسالة في غاية الأهمية للطرفين الإسرائيلي والأمريكي الذين يروجون لخطط الضم والتهجير، مفادها أنه “بيننا وبين إسرائيل معاهدة سلام وأن مصر ملتزمة بها منذ عام 1979”، ويُحسب للدبلوماسية المصرية الرشادة والعقلانية أنها وفي أوج الحرب على غزة لم تسحب مصر سفيرها من تل أبيب أو تطرد سفير الاحتلال الإسرائيلي من القاهرة، فنحن بلد كبيرة تراهن على السلام كأداة استراتيجية على التسوية السلمية للصراعات، كما أننا لسنا دولة تصعيد عسكري أو حروب؛ لكن عندما يضغط أحد على مصر بسيناريوهات تهجير وجرائم ضم وتهجير إضافية فبالتالي يتم وضع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية على المحك وهذه رسالة لا بد أن تصل واضحة كما هي لأن معاهدة السلام مكون من المكونات الرئيسية للاستقرار المتبقي في الشرق الأوسط فلا يجب تهديدها.
كيف ترى التنسيق العربي بشأن الملف الفلسطيني والموقف من التهجير؟التنسيق العربي مهم جدًا ويجب على مصر ألا تتحرك باسمها فقط وإنما باسم الرفض الفلسطيني ككل للضم والتهجير في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وهذا حاضر بقوة والشعب الفلسطيني شعب بطل لن يترك أرضه، ومصر تتحرك في هذا الملف باسم موقف جماعي وإجماع خماسي عربي “مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر”.
ما مستقبل القضية الفلسطينية بعد تولي ترامب حكم أمريكا؟نحن في لحظة تنازع كبيرة، ونشهد إجماعا عربيا وعالميا، يجب علينا جميعًا مصر والعالم العربي وفلسطين التفكير فيها بهدوء وفي الفرص المتاحة بشكل إيجابي والمتمثلة في مساندة الرأي العام العالمي للحق الفلسطيني كحق وطني لتقرير مصيره وإعلان قيام دولة مستقلة وهي حقوق مشروعة للفلسطينيين، وكذلك رفض الضم والتهجير وهو ما أعلنته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا والجنوب العالمي في كل مكان؛ وهذ أمر جيد جدًا.
كذلك لا بد من التفكير في الرأي العالمي الشعبي والحق الفلسطيني بعد الكارثة والجرائم اللي ارتكبت ضد الفلسطينيين في غزة والتي تُرتكب حاليا في الضفة وتعنت اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي كلما زاد واحتضنه الرئيس الأمريكي ترامب زاد أمامه إجماع الموقف العربي حيث أن مصر والأردن لن يقبلا التهجير والضم، والسعودية لن توافق على سلام دون إقامة دولة فلسطينية.
ماذا عن اليوم التالي في غزة ومن يقرره؟هناك عناصر ضعف في الموقف الفلسطيني أهمها غياب الوحدة الفلسطينية وهذه مسألة لا بد من العمل عليها فورًا في إطار خطة “اليوم التالي في غزة”، وأفضل من تحدث عن اليوم التالي في غزة ما صدر عن وزارة الخارجية المصرية من بيان رسمي بأن اليوم التالي في غزة مرتبط بالضفة الغربية وأنه لا يوجد فصل غزة عن الضفة في اليوم التالي الذي هو يوم تالي للفلسطينيين من خلال استعادة مسار تفاوض من أجل الحق المشروع في قيام الدولة المستقلة.
يجب علينا التفكير والعمل على تحقيق الوحدة الفلسطينية من خلال الدور المصري الكبير وكذا الدور القطري من أجل الدفع باتجاه توحد فلسطيني حوال أجندة وطنية.
رغم المخاوف من سيناريوهات التهجير.. هل تعتقد أن إدارة ترامب حسمت قرارها بشأن التهجير أم أن المواقف ستتغير؟أرى أن الخطر الأكبر قادم من اليمين الإسرائيلي المتطرف والسناريوهات المجنونة والإجرامية للضم والتهجير، لكن رغم ذلك مواقف إدارة ترامب غير محسومة، فعندما تحدث ترامب عن نيته للسيطرة على قطاع غزة، خرج رموز الإدارة الأمريكية وأعلنوا أن ذلك لا يعني إرسال الولايات المتحدة جيش أو جنود إلى غزة أو أن يكون لهم تواجد على الأرض هناك.
مواقف إدارة ترامب غير محسومة ومن المرتقب زيارة قيادات عربية إلى واشنطن ولا بد أن يصل الموقف العربي الرافض للتهجير وكذا الرافض للضم والتهجير وأن لدينا كعرب تصور واضح ومتكامل لإعادة الإعمار في غزة.
والحديث عن أن إعادة الإعمار يستدعي التهجير كلام غير صحيح بالمرة لأن إعادة الإعمار تستغرق سنوات طويلة وعلى مراحل في المناطق الأقل دمارا ثم المناطق الأكثر دمارا كما أن هناك حلولاً تكنولوجية سريعة وناجزة في مجال الرعاية الصحية والتعليم ومياه الشرب والطاقة وغيره كل هذا موجود ومتوفر ويتطلب الضغط العالمي على إسرائيل لكي تسمح بدخول الشاحنات ومواد إعادة الإعمار إلى غزة عبر معبر رفح والمعابر الأخرى.
كيف ترى الموقف العربي والغربي والأوروبي من دعوات ترامب للتهجير بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عامأرى أن الموقف العربي جيد جدا وهناك حالة من الإجماع ظهر من خلال بيان المجموعة الخماسية العربية المؤثرة وصاحبة الأدوار الرئيسية في الملف الفلسطيني وهي “مصر والسعودية والإمارات والأردن وقطر” بحضور ممثل منظمة التحرير الفلسطينية والجامعة العربية، برفض الضم والتهجير والحديث عن قمة عربية مقبلة في هذا الصدد.
مصر تلعب دورًا كبيرًا لدرجة أن الصحف الأجنبية والأمريكية تنشر تقارير صحفية وتتحدث دائمًا عن أن مصر تدفع للأمام بإجماع عربي لمساندة موقفها والموقف الفلسطيني والأردني، وهو ما يصل بالطبع للإدارة الأمريكية.
مصر أيضًا لديها أصدقاء ليس فقط في الإدارة الأمريكية وإنما في الكونجرس لأن أمريكا ليست ترامب فقط وهذا أمر مهم يغفله البعض.
الموقف الأوروبي متعاطف مع العالم العربي، لكن لا نتوقع منه مبادرات كبيرة وإنما أتوقع دعم دبلوماسي للموقف العربي، لأن الأوروبيين في حيرة كبيرة أو “حيص بيص” بالمعنى المصري الدارج، لأنهم ينتظرون قرارات ترامب بشأن التعريفات الجمركية وفي نفس الوقت خائفون مما يحدث في أوكرانيا وكذلك مسألة انتخابات ألمانيا على الأبواب والتي تعد أهم بلد في الاتحاد الأوروبي ولا يدركون كيف ستكون نتيجتها.
دعنى أجيب عن سؤال بشكل أوسع وهو الموقف داخل فلسطين ومستقبل إدارة الضفة وغزة لتمهيد الطريق لدولة فلسطينية مستقلة، فلا بد أن نضع في الاعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الأكثر شرعية والأكثر قبولًا لدى المواطن الفلسطيني، فلا حماس ليس لديها نفس القبول ولا نفس الإمكانات التي كانت عليها قبل أكتوبر 2023 ، ولا السلطة الفلسطينية لديها نفس القبول ولا الإمكانات.
ولا بد لقيام الدولة الفلسطينية من إصلاح المنظومة والتوافق داخل البيت الفلسطيني على أجندة وطنية خلال حوار وطني حقيقي يخرج عنه أسلوب جديد لإدارة شئون غزة والضفة الغربية مع التركيز على عناصر الإصلاح الاقتصادي والسياسي والأمني.
حركة حماس لن تعود لحكم غزة مرة أخرى والسلطة الفلسطينية لن تُكمل في الضفة بنفس طريقتها، لكن يجب إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وإعطاؤها دفعة لإدارة حوار وطني فلسطيني بمساعدات من مصر وقطر لإنجاح الأجندة الوطنية الفلسطينية في تحديد المسار المقبل والرافض للضم والتهجير والعودة للتفاوض لإقامة الدولة المستقلة، وأحذر مرارا وتكرارا من الحديث فقط عن التهجير من غزة ونسيان الضم وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية الذي إذا استمر فسيحول دون الهدف الرئيسي وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ترامب قطاع غزة حركة حماس التهجير معاهدة السلام عمرو حمزاوي قرارات ترامب د عمرو حمزاوي المزيد الولایات المتحدة الأمریکیة التحریر الفلسطینیة الیوم التالی فی غزة القضیة الفلسطینیة تهجیر الفلسطینیین فی الضفة الغربیة الداخل الأمریکی الموقف المصری الموقف العربی إعادة الإعمار معاهدة السلام إدارة ترامب لا بد أن کیف ترى وهذا ما إلى غزة من خلال وهو ما هذا ما من غزة أن مصر
إقرأ أيضاً:
معركة الرسوم الجمركية تهدأ مؤقتاً.. ماذا يعني الاتفاق الأمريكي الصيني للأسواق؟
وسط أجواء من الضبابية الاقتصادية العالمية وتنامي المخاوف من انزلاق جديد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، جاء الاتفاق التجاري الإطاري الأخير بين أكبر اقتصادين في العالم ليبعث بارقة أمل وطمأنينة في الأسواق العالمية المتوترة.
وتُعد تصريحات قادة واشنطن وبكين عقب محادثات لندن خطوة أولى مهمة نحو تبديد حالة عدم اليقين التي استمرت لفترة طويلة، إذ أطلقت إدارة الرئيس دونالد ترامب حربًا تجارية أثرت على أسواق المال والتجارة العالمية، ورغم أن الاتفاق ما زال في مرحلته المبدئية، إلا أنه يمثل مؤشراً واضحاً على رغبة الطرفين في تهدئة التوترات وإعادة ترتيب قواعد الاشتباك التجاري ضمن آليات أكثر انضباطاً وتنظيماً.
ما الذي تم التوصل إليه؟
بعد يومين من المفاوضات المكثفة في لندن، توصلت الولايات المتحدة والصين إلى إطار عمل يعيد إحياء الهدنة في صراعهما التجاري، وجاء هذا الاختراق بعد اتفاق تم التوصل إليه في جنيف الشهر الماضي، والذي استهدف تخفيف التوترات التي تفاقمت بسبب الخلافات حول صادرات المعادن النادرة الصينية وضوابط التصدير الأميركية.
وقال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك إن الاتفاق سيُعرض على الرئيس ترامب، متوقعاً حل ملفات المعادن الأرضية النادرة والمغناطيس في إطار هذا الاتفاق.
من جهته، وصف نائب وزير التجارة الصيني لي تشنغقانغ المحادثات بأنها “عقلانية ومتعمقة وصريحة”، معبراً عن أمله في أن تسهم هذه الخطوة في تعزيز الثقة بين الصين والولايات المتحدة.
موقف ترامب من الاتفاق
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الصين ستزود الولايات المتحدة بالمعادن النادرة مسبقاً كجزء من الاتفاق التجاري، مشيراً في منشور على “تروث سوشيال” إلى أن العلاقة بين البلدين “ممتازة”، وأن الرسوم الجمركية تحقق فائدة كبيرة لأميركا.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستقدم بدورها تنازلات مثل تسهيل قبول الطلاب الصينيين في الجامعات الأميركية.
وأكد ترامب أن الاتفاق ينتظر الموافقة النهائية منه ومن نظيره الصيني شي جين بينغ، معرباً عن نية العمل مع الصين لفتح أسواقها أمام التجارة الأميركية، واصفاً ذلك بأنه “فوز كبير للطرفين”.
الخطوات القادمة
تقول الصحافية الصينية سعاد ياي شين هوا في تصريحات خاصة لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن الانتقال من الاتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي يتطلب مفاوضات تفصيلية حول الرسوم الجمركية، تأمين التكنولوجيا، والاستثمار.
وأضافت أن من المتوقع تأسيس فرق عمل مشتركة لمعالجة قضايا مثل الاقتصاد الرقمي والزراعة والخدمات المالية، ما يشكل نقطة تحول مهمة في استقرار العلاقات الاقتصادية بين القوتين.
الاتفاق لا يحمل فقط دلالات إيجابية للعلاقات الثنائية، بل يمتد تأثيره إلى الاستقرار الاقتصادي العالمي وتعزيز التنمية الشاملة، خصوصاً في ظل تنامي التوترات الجيوسياسية.
تحليل السوق وردود الفعل
في الوقت الذي يشيد فيه المفاوضون الأميركيون بالاتفاق، تبقى أوساط المستثمرين وقادة الأعمال متحفظة، وفق تقرير صحيفة “نيويورك تايمز”. لا يزال هناك تساؤلات حول مدى تحقيق تقدم ملموس، مع خوف من أن تكون هذه الخطوة مجرد إعادة ضبط لاتفاقات سابقة دون ضمان استدامتها.
وتتجلى مخاوف مشابهة في تحركات الاحتياطي الفيدرالي، الذي يحتسب حالياً خفضاً محدوداً في أسعار الفائدة لعام 2025، انعكاساً لحالة عدم اليقين السائدة.
وأكد الخبير الاقتصادي والسياسي نادر رونغ هوان في تصريح خاص لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن المفاوضات الحالية تهدف إلى تنفيذ التوافقات بين ترامب وشي، مشدداً على أن بكين تظهر نية حقيقية للتعاون مع حرص على المبادئ الوطنية، معتبراً أن الاتفاق يمثل خطوة مهمة لبث طاقة إيجابية في الاقتصاد والتجارة العالمية.
في إطار التنافس المنضبط
يمثل الاتفاق مؤشرًا على تحول نحو نمط من “التنافس المنضبط” بين واشنطن وبكين، يسمح بإدارة الخلافات دون تصعيدها إلى أزمات كبرى، كما يعكس رغبة مشتركة في وضع قواعد لعب جديدة أكثر استقرارًا، تؤثر إيجاباً على التجارة العالمية وسلاسل التوريد، خاصة في قطاعات متقدمة مثل الطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الخضراء.
قراءة في التاريخ
وفقاً لتقرير حديث من “ستاندرد أند بورز”، نفذت إدارة ترامب أكبر زيادة في الرسوم الجمركية منذ عام 1910، مما يسلط الضوء على حجم التحديات التي تحيط بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين.
أخيرا ورغم أن الاتفاق الإطاري بين واشنطن وبكين ليس نهاية المطاف، فهو بلا شك خطوة إيجابية حاسمة تمهد الطريق أمام استقرار اقتصادي عالمي أفضل، وسط تحديات جيوسياسية معقدة وتوترات تجارية متواصلة، وتترقب الأسواق العالمية بحذر لكن بأمل، وسط توقعات بأن يشكل هذا الاتفاق بداية لتحول نوعي في علاقات القوتين الأكبر في العالم.