إدمان بلا مخدرات: هل تحوّلت الهواتف إلى سجون رقمية؟
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
في زخم الحياة الرقمية المتسارعة، يجد الإنسان نفسه محاطًا بشاشات تضيء لياليه، تسرق انتباهه، وتعيد تشكيل إدراكه. لم يعد الأمر ترفًا أو خيارًا،نما أصبح نمطًا معيشيًا يفرض إيقاعه على الأفراد والمجتمعات. في العراق، كما في بقية العالم، باتت التكنولوجيا الرقمية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، تؤثر في العادات والعلاقات والقيم.
وفقًا لتقرير صادر عن مركز الإعلام الرقمي (DMC) للعام ٢٠٢٤ ، بلغ عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العراق 31.95 مليون شخص، ما يعادل 69.4% من إجمالي السكان، ما يعكس حضورًا رقميًا متزايدًا يعيد تشكيل أنماط التفاعل الاجتماعي. لم يعد الاتصال الافتراضي مجرد وسيلة، بل تحول إلى معيار يُقاس به الوجود والتفاعل ، مما أفرز تحولات وتصرفات نفسية وسلوكية غير مسبوقة ولم تكن معتادة
التعلق المرضي بالإنترنت لم يعد حكرًا على جيل دون آخر، بل اجتاح كل الفئات العمرية. الأطفال يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، مما يؤثر على نموهم العقلي والاجتماعي، حيث باتت الألعاب الإلكترونية ووسائل الترفيه الرقمية تأسر انتباههم وتحدّ من تفاعلهم الحقيقي مع العالم الخارجي ومحيطهم العائلي . الشباب، من جهتهم، أصبحوا أكثر انجذابًا إلى المحتوى السريع، مما يقلل من قدرتهم على التركيز العميق والتفكير النقدي. أما كبار السن، الذين يفترض أنهم الأكثر نضجًا، فقد وجدوا في التكنولوجيا وسيلة للهروب من العزلة الاجتماعية، إلا أن هذا الارتباط قد يتحول إلى عزلة من نوع آخر، حيث تُستبدل العلاقات الواقعية بالافتراضية، ما يؤدي إلى فقدان التوازن في التفاعل الإنساني الطبيعي.
تشير البيانات إلى تزايد مستخدمي بعض المنصات مقارنة بالعام الماضي، حيث ارتفع تيك توك إلى 31.95 مليون مستخدم، وقفز فيسبوك إلى 19.30 مليون، بينما شهد إنستغرام نموًا ملحوظًا، في مقابل تراجع مستخدمي يوتيوب. هذه التغيرات تعكس تفضيلات تميل إلى المحتوى الأسرع، ما يطرح تساؤلات حول تأثيره على آليات التفكير والاستيعاب. لم تعد المشكلة محصورة في الوقت المستغرق على هذه المنصات، بل في إعادة تشكيل العقلية نحو الاستجابات الفورية، مما قد يؤدي إلى تراجع القدرة على التحليل النقدي والتركيز العميق.
علي الوردي أشار إلى التناشز بين القيم التقليدية والتغيرات الحديثة، حيث يجد الإنسان نفسه عالقًا بين ما نشأ عليه وما تفرضه التحولات الرقمية. هذه الفجوة أنتجت حالة تعلق قسري بالمنصات الافتراضية، حيث لم يعد الانفصال عن الإنترنت خيارًا بسيطًا، بل محفوفًا بشعور التهميش والخوف من العزلة الاجتماعية، مما أفرز نمطًا جديدًا من العلاقات يُبنى على القبول الرقمي أكثر من التفاعل الحقيقي.
دراسات وزارة الصحة العراقية تكشف أن 25% من المراهقين يعانون من أعراض الإدمان الرقمي، مثل القلق عند محاولة تقليص الاستخدام وفقدان السيطرة على الوقت، ما يعكس تأثيره العميق على الصحة النفسية. محمود الخطاب يرى أن السرعة في استهلاك المعلومات لا تعزز المعرفة بقدر ما تستبدل الفهم العميق بالتلقين السريع، مما يهدد بتآكل التفكير النقدي شيئا فشيئا لصالح الاستجابات الانفعالية الانية .
معالجة هذا الواقع لا تكمن في الدعوة إلى القطيعة مع التكنولوجيا، بل في إعادة هيكلة العلاقة معها. ……..التربية الرقمية باتت ضرورة لا يمكن تجاهلها، حيث يتوجب على الأسر مراقبة استخدام الأطفال للإنترنت دون حرمانهم منه، بل بتوجيههم نحو محتوى تعليمي وترفيهي متوازن. بالنسبة للشباب، فإن تعزيز ثقافة القراءة والتفاعل الحقيقي يمكن أن يشكل بديلًا صحيًا لتقليص التأثير السلبي للإفراط في الاستخدام. أما كبار السن، فالحل يكمن في دمجهم في نشاطات اجتماعية تفاعلية تعزز الروابط الإنسانية الحقيقية، بحيث يكون العالم الرقمي مساحة مكملة، لا بديلًا عن الواقع.
لم تعد هذه التحولات مقتصرة على الأفراد، بل امتد تأثيرها إلى المجتمع، حيث تراجعت القراءة العميقة لصالح المحتوى المرئي السريع، مما يفرض على المؤسسات التعليمية والثقافية إعادة النظر في أساليبها. المواجهة لا تكمن في مقاومة التكنولوجيا، بل في إعادة ضبط العلاقة معها، بحيث تبقى أداة لتعزيز المعرفة لا مجرد وسيلة لإهدار الوقت. ما يحدد تأثيرها ليس عدد الساعات التي تُقضى أمام الشاشات، بل جودة الإدراك المتحصَّل خلالها. المستقبل لن يكون لمن يستهلك التكنولوجيا، بل لمن يمتلك الوعي الكافي لتوجيهها، بحيث تبقى الأداة في خدمة الإنسان، لا العكس.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات لم یعد
إقرأ أيضاً:
مايكروسوفت تمنح Copilot شخصية رقمية تنمو بمرور الوقت.. هل نحن أمام رفيق تقني حقيقي؟
أعلنت مايكروسوفت عن تحديثات نوعية لـ Copilot لتتحول من مجرد مساعد رقمي إلى شخصية رقمية تتطور وتنمو مع المستخدم.
من خلال ميزة Memory، يبدأ Copilot ببناء ملف شخصي عنك، يشمل تفضيلاتك وعاداتك والمواضيع التي تعتني بها، ليكوّن شخصية رقمية قابلة للتطور حسب تفاعلك معه بمرور الوقت .
وجه يُظهر المشاعر وجوانب تعبيرية ملموسةالآن، يمكن لـCopilot أن يظهر وجهاً افتراضيًا يعكس تعابير بصرية وردود غير لفظية مثل الابتسامة أو الإيماء أثناء المحادثة، في خطوة لتقريب التفاعل من الشعور البشري.
ويُراهن مايكروسوفت على أن هذه الميزة المشاركة عبر تجربة Copilot Appearance، تجعل المحادثات أكثر دفئًا وحميمية، وتتضمن تحكمات صوتية واتصالية للمستخدمين بمزيد من القدرات البصرية والذكاء العاطفي.
ميزة Memory تسمح لـCopilot بتذكر تفاصيلك الشخصية مثل الهوايات أو مسببات الذكرى، وتُوفر لك تحكّمًا كاملًا لإدارة وحذف هذه البيانات عبر لوحة تحكم الخصوصية. وبالنسبة لمن يريد أن يكون Copilot أقرب من مجرد أداة فعّالة، فإن هذه القدرة تفتح المجال لتجربة شخصية ذات طابع مميز ومستمر .
هيئة شخصية قابلة للشيخوخة الرقميةفي مقابلة حديثة، وصف Mustafa Suleyman المدير التنفيذي لقسم AI في مايكروسوفت رؤية تطور Copilot إلى شخصية رقمية "تعيش في غرفة خاصة، وتتقدم في العمر رقميًا"، ما يُسَمّى بـ digital patina. الهدف هو خلق علاقة طويلة الأمد تُذكِّر بشراكة مع شخصية مستقلة تتطور مع الزمن.
دمج مرئي وتفاعل بصري عبر الشاشةيُدعم Copilot كذلك ما يُسمى Copilot Vision، الذي يسمح بمشاركة الشاشة أو التطبيقات معه لتحليل المحتوى وتقديم المساعدة في الوقت الحقيقي. هذه الخاصية تتيح للحاسوب رؤية محتوى الشاشة والتفاعل معه بلغة طبيعية، في تجربة تفاعلية بصرية صوتية متطورة .
الخلاصةمع هذه الميزات، تخطو مايكروسوفت خطوة كبيرة في جعل Copilot أكثر من مجرد مساعد ذكي، ليصبح رفيقًا تقصده يوميًا، يتذكر، يتفاعل، يعبر عن نفسه، ويتطور معك بمرور الوقت.