قرار صادم.. كيف ستتأثر أفريقيا بوقف ترامب للدعم الأميركي؟
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
في خطوة سياسية استثنائية، قرر الرئيس الأميركي ترامب عقب توليه الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني 2025 دخول تجميد المساعدات الخارجية الأميركية حيز التنفيذ لمدة 90 يومًا، ما أوقف فجأة تدفق المساعدات التي تمثل 38% من إجمالي المنح العالمية وفقًا للأمم المتحدة.
في الوقت الذي تعد فيه المساعدات الأميركية حيوية في تمويل العديد من المبادرات في أفريقيا، بدءًا من التدريبات العسكرية والتعليم والإمداد بالكهرباء والمياه النظيفة، وصولًا إلى دعم المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز التعليم والرعاية الصحية، ومساعدة الحكومات في تحسين البنية التحتية.
يأتي قرار تجميد المساعدات في وقت حساس للغاية؛ حيث تحاول معظم الدول الأفريقية تقوية سيادتها الاقتصادية من خلال تنويع الشراكات، وكسب الثقة الأميركية من خلال مساعداتها المتنوعة.
تتناول المقالة تداعيات القرار على التأثير التنموي طويل الأجل في أفريقيا، وكيف يمكن أن تؤثّر سلبًا في مكافحة الإرهاب وتبعاتها الاقتصادية.
وقد يعكس القرار ربما تقليص النفوذ السياسي الأميركي في القارة، ويصبح خطوة مشجعة للقيادة الأفريقية على الاعتماد الذاتيّ، وتحسين سياسات "السيادة الوطنية"، وإصلاح الأنظمة الاقتصادية، كما يحمل قرار التجميد في طياته دلالات متعددة، ويترتب عليه تداعيات واسعة، سواء على المستوى المحلي في الدول الأفريقية، أو على الصعيدين: الإقليمي والدولي.
إعلانفيما يلي تحليل لأبرز الأسباب المحتملة لهذا الإجراء وآثاره وتداعياته:
تجميد المساعدات الأميركية في أفريقيا ودلالاته السياسيةتعرف المساعدات الأميركية في أفريقيا بجانب من الدعم المالي والفني الذي تقدمه الحكومة الأميركية للبلدان الأفريقية؛ بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين الظروف المعيشية، وتعزيز الاستقرار السياسي، وتشمل أنواع المساعدات الأميركية المساعدات الاقتصادية كالمنح والقروض، والمساعدات الإنسانية كالدعم في حالات الطوارئ، مثل الكوارث الطبيعية أو الأوبئة والرعاية الصحية، والمساعدات العسكرية كدعم الأمن والاستقرار من خلال تدريب القوات المسلحة وتوفير المعدات، والمساعدات التنموية في مجال التعليم والبنية التحتية وغيرها.
وقد قررت الولايات المتحدة تجميد مساعداتها للدول الأفريقية لمدة ثلاثة أشهر، وتقييد القرار بوقت معلوم يشير إلى عزمها على تنفيذ خطوات إستراتيجية غير مباشرة لحماية مصالحها الكبرى في أفريقيا بعد أن أدركت النفوذ الاقتصادي لمنافسيها في المنطقة كالصين وروسيا، وتشير الدلالات السياسية بوجود أسباب لهذا التجميد أهمها:
اعتبارات سياسية وأمنيةقد يكون القرار ردًّا على سياسات حكومات أفريقية تتعارض مع المصالح الأميركية، كتوسّع (كونفدرالية دول الساحل) في شراكاتها مع روسيا، والتي بدورها تسعى إلى تحقيق المصالح الروسية في غرب أفريقيا، بالإضافة إلى تدهور الديمقراطية والشؤون الأمنية في المنطقة.
تغيير أولويات السياسة الخارجية الأميركيةبالنظر إلى التنافس الحيوي بين أميركا والصين في أفريقيا، قد يؤدّي ذلك إلى رغبة الولايات المتحدة في التحوّل من "المساعدات الإنسانية" إلى "الاستثمارات الاقتصادية"، ويأتي قرار التجميد من أجل إعادة صياغة اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع الدول الأفريقية بما يخدم مصلحتها في الانقضاض على المصالح الصينية والروسية في أفريقيا.
تقديم أولويات الإنفاق المحلي
تحاول القيادة الأميركية الجديدة استجابة للضغوط الداخلية بوضع سياسة أولويات الإنفاق المحلي، مقابل المساعدات الخارجية في مجال الصحة والتعليم.
إعلان تداعيات قرار تجميد المساعدات الأميركية على الدول الأفريقيةتجدر الإشارة إلى أن المساعدات الأميركية لأفريقيا ليست عملًا خيريًا محضًا، بل مزيجًا من الحسابات الإنسانية والمصالح الإستراتيجية، في حين تُساهم في تخفيف معاناة ملايين الأفارقة، إلا أنها تخدم أيضًا أهدافًا جيوسياسية واقتصادية للولايات المتحدة الأميركية، خاصة في ظل تحوّل أفريقيا إلى ساحة تنافس عالمية، وهناك دعوات لرفض المساعدات واعتماد إستراتيجيات تنموية محلية، كما تؤكد على ذلك الكاتبة دامبيسا موبو، حيث تُشدد على أن المساعدات تعزز التبعية والفساد وتقوض النمو الاقتصادي المستدام في أفريقيا.
ويترتب على قرار التجميد تداعيات واسعة، سواء على المستوى المحلي في الدول الأفريقية، أو على الصعيدين: الإقليمي والدولي، كما تواجه بعض الدول الأفريقية معاناة شديدة إزاء القرار كالسودان والكونغو الديمقراطية، وقد يؤثّر ذلك سلبًا في العلاقات الثنائية بين الدول الأفريقية والقيادة الأميركية، كما في حالةِ جنوب أفريقيا التي بدأت تنادي بتعليق تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة ردًا على قرار واشنطن، وقفَ تمويله، وفيما يلي أهم تداعيات القرار على الدول الأفريقية:
تداعيات على القطاع الصحيستتأثر العديد من الدول الأفريقية بقرار تجميد المساعدات الأميركية من خلال تراجع قدرتها على مواجهة الأوبئة، كما ستجد عجزًا في تغطية برامج مكافحة الأمراض التي كانت تمولها المبادرات الأميركية من خلال خطة الرئيس الأميركي الطارئة للإغاثة من الإيدز، حيث استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 110 مليارات دولار في الاستجابة العالمية لفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، مما أدى إلى إنقاذ حياة أكثر من 25 مليونًا، ومنع ملايين الإصابات بالفيروس.
تداعيات على الأزمات الإنسانيةوقف المساعدات الإنسانية الأميركية التي تتعلق بدعم اللاجئين والنازحين سوف يسبب تفاقمًا في النزوح، وخاصة في الدول التي تعاني من النزاعات كالكونغو الديمقراطية، أو كوارث مناخية، مثل الصومال وجنوب السودان.
إعلان تداعيات على التنمية الاقتصاديةسيكون من تداعيات القرار التأثير على التنمية الاقتصادية من خلال تباطؤ مشاريع البنية التحتية، الأمر الذي يؤدي إلى تبعات اقتصادية سيئة، وقد كشف رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قام بتعليق التمويل الأميركي الذي يتعلق بالمساعدات الإنمائية الرسمية بشأن برنامج الكهرباء لدولة السنغال لمدة ثلاث سنوات التي كان من المحتمل الاستفادة منها بقيمة 316 مليار فرنك سيفا.
تداعيات على الأمن الإقليميسيؤدي هذا القرار إلى إضعاف برامج مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي التي تدعمها الولايات المتحدة عبر تدريب القوات أو توفير معدات.
على الصعيدين: الإقليمي والدولي، فإن إيقاف الولايات المتحدة الأميركية مساعداتها في أفريقيا يستدعي القوى الكبرى كالصين وروسيا إلى احتواء الفراغ من خلال تعزيز النفوذ الصيني عبر المشاريع التنموية المختلفة، وتوسيع الدور الروسي العسكري والأمني في دول مثل مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهذا الأمر سيكون له تداعيات سلبية على القارة، حيث سيؤدّي إلى زيادة الهشاشة السياسية من خلال تصاعد الاحتجاجات في دول تعتمد على المساعدات الأميركية؛ لتمويل الخدمات الأساسية، في ظلّ طغيان التحديات على الفرص البديلة دون وجود بدائل فورية.
من جانب آخر، قرار تجميد المساعدات ربما يقلص النفوذ السياسي الأميركي في القارة، ويؤثر في سمعة الولايات المتحدة من خلال انتقادات المنظمات الدولية والمجتمع المدني الأفريقي، مما يغذي تآكل الثقة في الشراكة الأميركية- الأفريقية، وتصبح خطوة مشجعة للقيادة الأفريقية على الاعتماد الذاتيّ، وتحسين سياسات "السيادة الوطنية"، وإصلاح الأنظمة، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة قد تعيد توجيه المساعدات بعد 90 يومًا عبر قنوات غير حكومية (كالجمعيات الخيرية) لتجنب الانتقادات ومواصلة دورها في التأثير العالمي.
إعلان الخلاصةتجميد المساعدات الأميركية ليس مقتصرًا على الدول الأفريقية فقط، مما يشير إلى كونه أداة سياسية تعكس تحولات في الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة.
في المقابل، قد يدفع هذا الإجراء الدول الأفريقية إلى مراجعة نموذج اعتمادها على المساعدات الخارجية، والسعي نحو تعبئة الموارد المحلية أو بناء شراكات أكثر تنوعًا، نظرًا للتداعيات السلبية التي يمكن أن يسببها هذا القرار في قطاعات الصحة والتعليم والقضايا الإنسانية، وفي شؤون الهجرة وتغير المناخ وغيرها.
وعلى الدول الأفريقية السعي الحثيث للبحث عن بدائل عبر تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج في الشرق الأوسط بما يسهم في تجسيد "السيادة الوطنية"، الأمر الذي يستدعي الإصلاح العاجل للأنظمة السياسية والاقتصادية لجذب الاستثمارات بدل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قرار تجمید المساعدات على الدول الأفریقیة المساعدات الخارجیة الولایات المتحدة تداعیات على فی أفریقیا من خلال
إقرأ أيضاً:
مشاهد مفجعة غير مسبوقة من مركز المساعدات الأميركي في غزة
في مشهد صادم، تدافع آلاف الفلسطينيين الجوعى يوم السادس والعشرين من مايو/ أيار 2025، أمام أحد مراكز توزيع المساعدات في رفح، مما أدّى إلى فوضى عارمة اضطرّت معها القوات الإسرائيلية لإطلاق النار في الهواء.
لم يكن هذا مجرد خلل تنظيمي، بل صورة مكثفة لمعاناة شعبٍ حُوصر حتى العظم، وترك ليتقاتل على فتات الغذاء تحت بنادق الجنود. وفي محاولة سابقة، كان مشروع "الميناء العائم" الذي روّجت له إسرائيل والولايات المتحدة كحلٍّ مبتكر لإدخال المساعدات، قد انهار قبل أن يبدأ فعليًا، وسط انتقادات لوجيستية وأمنية حادة، ما زاد من الشكوك حول جدية هذه المبادرات.
وسط هذه الكارثة، برزت مبادرة إسرائيلية- أميركية جديدة تحت عنوان "المساعدات الإنسانية"، أثارت أسئلة جوهرية: هل يمكن لخطة تُدار بمنطق الاحتلال وتُوزّع تحت إشراف عسكري أن تُوصف بأنها إنسانية؟ وأين الحياد والاستقلال حين تُهمَّش الوكالات الأممية لصالح كيانات أمنية جديدة؟
هذا التقييم يحاول تفكيك تلك الخطط من خلال محاور قانونية وإنسانية لرصد مدى التزامها – أو انحرافها – عن المبادئ الدولية للعمل الإغاثي.
أولًا: الوضع القانوني لغزة ومسؤوليات الاحتلالرغم انسحاب إسرائيل من داخل غزة عام 2005، لا تزال تُعدّ قانونيًا قوة احتلال، نظرًا لاستمرار سيطرتها على الحدود والمعابر، وفقًا لمحكمة العدل الدولية والأمم المتحدة.
إعلانوهذا يُحملها مسؤولية تأمين احتياجات السكان، بما يشمل إدخال المساعدات بشكل تلقائي وانسيابي. ورغم عملية (7 أكتوبر/ تشرين الأول)، لا يبرر القانون الدولي سلوك إسرائيل العقابي بحق المدنيين، إذ يحظر العقوبات الجماعية، ويُوجب استمرار حماية السكان.
لذا، فإن أية خطة مساعدات لا تنبع من هذه المسؤولية- بل تُوظّف للتهرّب منها- تُعدّ مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني.
خرق المبادئ الإنسانية في خطط الإغاثةتستند عمليات الإغاثة الدولية إلى أربعة مبادئ إنسانية أساسية توجه عمل المنظمات، وهي
(الإنسانية): تخفيف المعاناة وحماية الحياة والصحة (الحياد): عدم الانحياز في النزاعات (الاستقلال): عن أي اعتبارات سياسية أو عسكرية وعدم التمييز (الحيادية): أي إيصال المساعدة للمحتاجين دون تفرقة. هذه المبادئ تهدف لضمان أن تكون المساعدات خالصة للأغراض الإنسانية، لا تُستغل لتحقيق أجندات سياسية أو عسكرية.غير أن الخطط الإسرائيلية- الأميركية في غزة – وعلى رأسها مبادرة "مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)" – تثير تساؤلات جدية حول مدى احترامها هذه المبادئ. تأسست (GHF) في الولايات المتحدة (ولاية ديلاوير) في (فبراير/ شباط 2025) بدعم من إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية؛ بهدف توزيع الغذاء في غزة بصورة "آمنة وشفافة".
ولكن منذ انطلاقتها واجهت المؤسسة انتقادات حادة من منظمات إنسانية تتهمها بتسييس توزيع المساعدات. فالخطة التشغيلية المعلنة لـ (GHF) شذت عن الأعراف المعمول بها: حيث اعتمدت إقامة 4 مراكز توزيع كبيرة (غالبيتها في جنوب القطاع)، تحت حراسة مشددة من الجيش الإسرائيلي، وشركات أمنية أميركية خاصة، مع نشر جنود إسرائيليين في محيطها لـ"ضمان الحماية".
وقد تفاخر القائمون على الخطة بأنها النموذج الوحيد الذي نال موافقة إسرائيل لتوزيع الإغاثة، ما يعني ارتهان العملية بالكامل لإرادة القوة المحتلة.
إعلانوفي هذا تعارض صارخ مع مبدأ الاستقلالية. فبدلًا من أن تكون المساعدات بقيادة جهات أممية أو محايدة، باتت مشروطة بتنسيق أمني إسرائيلي يشرف على كل تفصيل.
كذلك مبدأ الحياد تعرض للخرق عبر اشتراط "تدقيق أمني" للمستفيدين؛ إذ أعلن مسؤولو (GHF) أنهم سيُخضعون السكان للفحص بشأن أي صلة محتملة بحماس عبر تقنيات كالتعرف على الوجوه والبيومترية. هذا الشرط يعني تمييزًا سياسيًا في إغاثة المدنيين، وهو انتهاك لمبدأَي: الحياد وعدم التمييز.
أما مبدأ الإنسانية نفسه فموضع شك، إذ حجّمت الخطة نطاق المساعدات بصورة كبيرة لا تفي بالاحتياجات الهائلة. فقد اقترحت (GHF) توزيع وجبات معلبة ومواد نظافة ودواء مرّة أو مرتين شهريًا فقط عبر مراكزها، مع تحديد تكلفة الوجبة بنحو 1.3 دولار فقط (بما يشمل الشراء والتوزيع)، ما يُظهر محدودية المحتوى الإغاثي.
انتقدت الأمم المتحدة وجمعيات دولية هذا البرنامج بوصفه غير شفاف وغير كافٍ، مؤكدة أنه لن يلبّي الاحتياجات واسعة النطاق في غزة.
وتساءل مسؤولون أمميون إن كانت هذه "المساعدات" سوى ورقة توت لتغطية أهداف عسكرية وسياسية. وقد صرّح توماس فليتشر – كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة – بأن خطة (GHF) ليست إلا "واجهة زائفة لمزيد من العنف والتهجير"، محذرًا من أنها تجعل إيصال الغذاء مشروطًا بالأهداف السياسية والأمنية الإسرائيلية، بحيث يتحول "التجويع إلى ورقة مساومة"، ووصفها مسؤول أممي آخر صراحة بأنها "تسليح للمساعدات" (Weaponizing Aid).
هذه الانتقادات تبلورت بشكل عملي عندما استقال المدير التنفيذي لـ (GHF) جيك وود في (25 مايو/ أيار 2025)، معلنًا أنه وجد استحالة في تحقيق أهداف المؤسسة مع "الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية من إنسانية وحياد وعدم انحياز واستقلال".
وأقرّ وود أنه لن يشارك في أي خطة تنطوي على تهجير قسري للفلسطينيين، داعيًا إسرائيل إلى فتح المعابر أمام إدخال كميات أكبر من المساعدات دون إعاقة أو تمييز.
إعلانورغم ذلك أعلنت (GHF) المضي قدمًا بدونه، وادّعت أنها ستباشر إطعام مليون فلسطيني خلال أسبوع. لكن أولى عمليات التوزيع كشفت هشاشة الخطة؛ فمع افتتاح مركز في رفح في (26 مايو/ أيار 2025) تدافع آلاف الجوعى بشكل خرج عن السيطرة، واضطر الموظفون للانسحاب بعد إطلاق الجيش الإسرائيلي نيرانًا تحذيرية لتفريق الحشود اليائسة.
مشاهد الفوضى هذه أكدت مخاوف المراقبين من أن الخطة تفتقر لمقومات الحياد والسلامة، وتضع المدنيين في خطر، في ظل تهميش متعمّد للوكالات الدولية التقليدية: (كالأونروا واللجنة الدولية للصليب الأحمر) ذات الخبرة في التعامل المباشر مع السكان.
واللافت أن إسرائيل استبعدت فعليًا الأونروا والمؤسسات الأممية من آلية الإغاثة الجديدة؛ بذريعة انهيار قنواتها، ما اعتبره الفلسطينيون محاولة لاستبدال المؤسسات الشرعية بكيانات مُسيطر عليها إسرائيليًا.
وقبل ظهور مؤسسة (GHF)، طُرحت مبادرة إنشاء "ميناء بحري عائم" قبالة شواطئ غزة بإشراف الجيش الأميركي كممر لدخول المساعدات. رُوّج لهذه الخطة باعتبارها حلًا مبتكرًا لتجاوز العقبات اللوجيستية، لكنها افتقرت منذ بدايتها إلى أساس قانوني وإنساني واضح.
فالميناء لم يكن مستقلًا، بل خاضعًا للتفتيش والسيطرة الإسرائيلية، ومحدود القدرة، دون إشراك فعّال للوكالات الأممية. وما لبث أن انهار فعليًا في (أبريل/ نيسان 2025)، حين جرفت العواصف منشآته الأولية، تزامنًا مع فضائح تتعلق بتضارب الصلاحيات وغياب التنسيق.
وقد وصفته منظمات دولية بأنه "ميناء دعائي" أكثر من كونه مسارًا إغاثيًا حقيقيًا. هذا الفشل الميداني يكمّل إخفاق تجربة (GHF)، ويعكس هشاشة كل مشروع إغاثي يُبنى على اعتبارات أمنية لا على أسس إنسانية وقانونية.
تُظهر تحليلات إضافية أن الخطط الإسرائيلية- الأميركية المقترحة لغزة، وعلى رأسها مبادرة (GHF)، لا تعاني فقط من اختلالات في المبادئ الإنسانية، بل تنطوي على أهداف أعمق تتجاوز الإغاثة الظاهرية.
إذ يرى مراقبون أن هذه الخطط تسعى إلى "إعادة تغليف الحصار وتقنين التجويع"، في صورة مشروع إنساني، حيث يُستخدم الغذاء كأداة إخضاع لدفع السكان نحو النزوح عبر إنهاكهم الجسدي والنفسي.
إعلانكما أن عسكرة التوزيع لا تقتصر على الحماية العسكرية، بل تشمل أبعادًا استخباراتية، من خلال إشراك شركة أمنية أميركية (Safe Reach Solutions) أسسها ضابط سابق في (CIA)، تتولى جمع وتحليل بيانات المستفيدين، وربما استخدام تقنيات بيومترية، ما يجعل الفلسطيني يخشى أن يتحول إلى هدف أمني لمجرد طلبه المساعدة.
وفي السياق ذاته، حذرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (PNGO) في بيان بتاريخ (22 ديسمبر/ كانون الأول 2024) من أن إسرائيل تسعى إلى التحكم الكامل في توزيع المساعدات، وإسكات الأصوات التي توثق الانتهاكات، معتبرة أن هذه السياسات تتزامن مع تصاعد الجرائم إلى حد الإبادة، كما وثّقته تقارير أمنستي وهيومن رايتس ووتش.
ويُعد استبعاد الأمم المتحدة ووكالاتها من آلية الإغاثة الجديدة خطوة خطيرة، إذ يُفقد العملية الإنسانية شفافيتها، ويحرم السكان من آليات الشكوى الدولية.
وقد رحّبت منظمات حقوقية دولية، مثل (AIDA)، بمواقف دول كأيرلندا، وإسبانيا، والنرويج التي شدّدت على ضرورة دعم الأونروا وعدم الالتفاف عليها.
من اللافت أن النسخة السويسرية من (GHF) أُغلقت قبل أن توزع أي طعام، تحت وطأة تحقيقات جنائية، ما اضطر القائمين عليها إلى نقل العمليات إلى كيان أميركي يحمل الاسم نفسه.
وقد كشفت تحقيقات صحفية في New York Times وWashington Post أن هذه الخطة وُلدت من داخل الحكومة الإسرائيلية، التي حاولت إخفاء دورها عبر واجهات خيرية أجنبية، فيما وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد كلًا من (GHF) وشركة (SRS) الأمنية بأنهما "شركات وهمية" هدفها التغطية على تورط الحكومة.
ثالثًا: تجويع غزة بين الجريمة المقصودة والخطط المُعلّبةومع بدء الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة في (أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، لم تقتصر الانتهاكات على القصف والتدمير العسكري، بل اتّخذت شكلًا مركبًا من سياسات التجويع والتهجير القسري، والتدمير الجماعي للبنى التحتيّة والمدنيين، ما دفع منظّمات دولية مرموقة، كالعفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، إلى اعتبار ما يجري جريمة إبادة جماعية محتملة.
إعلانوقد استندت هذه التوصيفات إلى حجم الخسائر البشرية الهائل، ونمط الحرمان الممنهج من مقوّمات الحياة، ووضوح نيّة الإبادة في الخطاب الرسمي لبعض القادة الإسرائيليين.
وفي الوقت ذاته، فُرض حصار شامل على القطاع طال الغذاء والماء والكهرباء والدواء، واعتُبر استخدام "التجويع كسلاح حرب" جريمة إضافية تؤسس للمساءلة الجنائية الدولية، خصوصًا بعد أن طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع، لضلوعهما في استخدام الحصار والتجويع كوسيلة لمعاقبة جماعية.
وفي هذا السياق، فإن المتّهم بارتكاب أفعال ترقى إلى الإبادة الجماعية والعقاب الجماعي، يَبرز معه سؤال جوهري: كيف يمكن لمن يرتكب جرائم إبادةٍ وحصارٍ أن يطرح خططًا إنسانية؟ كيف يمكن للجاني أن يتقمّص دور المُنقذ؟ إن ما يُعرض على أنه "مساعدات" ليس إلا تغليفًا ناعمًا لسياسة الخنق، بل محاولة لشرعنة الجريمة من خلال إنشاء مؤسسات ذات طابع أمني- سياسي مثل مؤسسة (GHF)، تهمّش الوكالات الإنسانية المحايدة، وتقيّد التوزيع بشروط أمنية تمسّ جوهر الحياد والاستقلال.
آفاق المستقبل: نحو تحصين العمل الإنساني من العبث والتسييس
تُعد تجربة (GHF) نموذجًا تحذيريًا لما قد يحدث حين تُختطف المبادئ الإنسانية وتُدار الإغاثة كأداة في يد المحتل. لكن هذا الفشل بحد ذاته يفتح نوافذ مستقبلية يمكن البناء عليها، أبرزها:
أثبت الواقع أن أي خطة إغاثية لا تقوم على الحياد والاستقلالية والإنسانية وعدم التمييز، مصيرها الفشل. سيُدفع المجتمع الدولي إلى مراجعة سياساته بخصوص إشراك الدول المحتلة في إدارة المساعدات، تجنبًا لتكرار ما حصل في غزة. تعزيز دور الوكالات الأممية والجهات المحايدة:
الفشل الصارخ لمحاولة تهميش الأونروا والصليب الأحمر سيُعيد التأكيد على ضرورة التمسك بالفاعلين التقليديين ذوي الخبرة والثقة المجتمعية. هذا يعزز مكانة العمل الإنساني كمجال مستقل، لا كذراع سياسية لأي جهة. مأسسة الحماية القانونية للعمل الإنساني:
ستكون هناك حاجة ملحة لوضع خطوط حمراء قانونية تمنع عسكرة المساعدات. منظمات الإغاثة الدولية ستطالب بوثائق مرجعية جديدة، تُلزم الدول باحترام المعايير، وقد يُدفع نحو إصدار بروتوكول إضافي ملزم ضمن اتفاقيات جنيف. تفعيل المساءلة القضائية:
ما جرى في غزة قد يخلق سوابق قانونية تُدين استخدام التجويع كسلاح، وتمهّد لإدراج تسييس المساعدات ضمن أشكال الجرائم ضد الإنسانية. وستُستخدم تجربة (GHF) كشاهد في المحاكم الدولية لإثبات سوء النية وانتهاك المبادئ. غزّة من قضية محلية إلى اختبار أخلاقي عالمي:
لم تعد غزة مجرّد شأن فلسطيني داخلي أو صراع إقليمي معزول، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس مدى التزام العالم بروح العمل الإنساني. إنها ليست فقط ساحة للمأساة، بل لحظة كاشفة لاختبار الضمير العالمي: هل لا يزال التضامن الإنساني قادرًا على تجاوز الجغرافيا والاصطفافات السياسية؟ لقد أظهرت الفضيحة المرتبطة بتسييس المساعدات أن الإنسانية ذاتها أصبحت موضع مساومة. ومن هنا، فإن غزة ليست محطة عابرة، بل نقطة تحوّل يمكن أن تعيد تعريف مفاهيم الحياد والاستجابة الطارئة، وتدفع باتجاه بناء منظومة إغاثية عادلة لا تُسلّح ولا تُشترط، بل تصون الكرامة وتُبقي الحياة ممكنة في وجه الحصار والإبادة. إعلان
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline