محاولة اغتيال عادل جمعة تُشعل الجدل السياسي: بين إدانة البعثة الأممية والدعوات لمحاسبة الجناة
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
ليبيا – تقرير: ردود فعل متعددة على محاولة اغتيال عادل جمعة
في خضم الأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة، شهدت محاولة اغتيال وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء في حكومة الوحدة، عادل جمعة، ردود فعل واسعة من مختلف الجهات المحلية والدولية. وتنوعت التصريحات من جهة البعثة الأممية والدعاة إلى ضرورة التحقيق العاجل، مرورًا بتصريحات مسؤولين حكوميين رافعين شعار رفض العنف السياسي، وانتهاءً بتحليلات تنذر بأن هذه المحاولة قد تكون بداية لمشروع أوسع لاستهداف حكومة الدبيبة.
أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بياناً أدانت فيه محاولة اغتيال عادل جمعة، مشددة على أنه “لا يوجد أي مبرر لاستخدام العنف ضد المسؤولين الحكوميين أو أي مدنيين آخرين”. ودعت البعثة إلى إجراء تحقيق سريع وكامل وشفاف لضمان تقديم الجناة إلى العدالة، وأعربت في البيان، الذي اطلعت المرصد على نسخة منه، عن تمنياتها بالشفاء التام والعاجل للوزير.
تصريحات المسؤولين الحكوميين بحكومة الدبيبةوزير الحكم المحلي: دعوة لملاحقة الجناة
دعا وزير الحكم المحلي بحكومة الدبيبة، بدر الدين التومي، عبر صفحته على موقع “فيسبوك“، كافة الأجهزة الأمنية لمواصلة جهودها لملاحقة الجناة المتورطين في محاولة اغتيال عادل جمعة. واصفاً الحادثة بالجريمة “القذرة والجبانة” التي تأتي ضمن محاولات أطراف مجرمة لاستهداف الشخصيات الوطنية وتشويه العمل الحكومي. وأكد التومي على ضرورة كشف الجناة أمام الرأي العام المحلي والدولي.
نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة المكلف: تأكيد دعم الأجهزة الأمنيةأدان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة المكلف، المهندس رمضان أبو جناح، بشدة محاولة الاغتيال التي تعرض لها عادل جمعة عبر إطلاق نار مباشر على سيارته أثناء استقلالها على الطريق السريع في طرابلس. وطَمأن أبو جناح المواطنين بأن حالة الوزير الصحية مستقرة، متمنياً له الشفاء العاجل، ومؤكداً دعمه الكامل للجهات الأمنية التي باشرت تحقيقاتها لتعقب الجناة وتقديمهم للعدالة. كما شدد على ضرورة تكاتف الجهود لتعزيز الأمن والاستقرار وعدم التهاون مع أي محاولات تهدد سيادة الدولة.
ردود فعل مجلس الدولةفي سياق متصل، أدانت فصائل مجلس الدولة المختلفة محاولة اغتيال عادل جمعة، إذ أعلن مجلس الدولة الذي يرأسه خالد المشري في بيان استنكاره لما وصفه بـ”الأعمال الإرهابية”، فيما عبّر مجلس الدولة بقيادة محمد تكالة عن موقف مماثل بدعواه لفتح تحقيق عاجل وشامل لكشف ملابسات الحادث ومحاسبة مرتكبيه. وأكد كلا المجلسين على ضرورة تعزيز التدابير الأمنية لحماية المسؤولين ومؤسسات الدولة، مشددين على أن الشعب الليبي ماضٍ في بناء دولتهم ولن تثنيه هذه الأعمال عن تحقيق الأمن والاستقرار.
تحليلات واستنتاجات سياسيةأبدى المحلل السياسي محمد الهنقاري تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء محاولة اغتيال عادل جمعة. وفي منشور له على موقع “فيسبوك“، تساءل الهنقاري: “هل دخلنا مرحلة الجريمة السياسية، وهي أخطر الجرائم التي تهز كيان الدولة؟” وأضاف أن التحقيقات القادمة قد تكشف ما إذا كانت الحادثة دافعها شخصي أم أنها بداية لمشروع لاستهداف حكومة الوحدة الوطنية، خصوصاً بعد فشل أسقطها بالوسائل السياسية. وأشار الهنقاري إلى أن هذه المحاولة قد تكون مؤشرًا على تصاعد مخاطر الاستهداف السياسي في وقت تواجه فيه ليبيا تحديات أمنية وسياسية خطيرة.
الخطورة التي يواجهها المشهد السياسيتظهر ردود الفعل المتباينة من البعثة الأممية والمسؤولين الحكوميين ومجلس الدولة، إلى جانب التحليلات السياسية، عمق الانقسام والخطورة التي يواجهها المشهد السياسي في ليبيا. وبينما تدعو جميع الأطراف إلى إجراء تحقيقات شاملة ومحاسبة مرتكبي محاولة الاغتيال، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق الاستقرار وإنهاء العنف السياسي الذي يهدد مؤسسات الدولة ويسبب معاناة الشعب الليبي.
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: محاولة اغتیال عادل جمعة البعثة الأممیة مجلس الدولة
إقرأ أيضاً:
بعض العدالة لدارفور
حمّور زيادة
قضت المحكمة الجنائية الدولية يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بإدانة المتّهم السوداني علي كوشيب بمجموعة من التهم المتعلّقة بحرب إقليم دارفور. وجدته مذنباً في 27 تهمةً من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية. وترتبط إدانة هذا الشخص بالاتهامات الموجّهة إلى الرئيس السابق عمر البشير، وأركان في نظامه وقيادات في الجيش، وبعض القادة المحلّيين الذين جنّدوا لمصلحته مليشيا الجنجويد، التي بدأ منها محمّد حمدان دقلو (حميدتي)، الرجل الذي تحوّل بعد سنوات من قاتل لمصلحة النظام إلى منافس له.
هذه الإدانة المهمّة انتظرتها أرواح مئات آلاف من السودانيات والسودانيين، الذين راحوا ضحية الإبادة الجماعية، والجرائم التي ارتُكبت في دارفور، برعاية السلطة وتنسيقها ومباركتها وقتها. مئات آلاف من الأطفال والنساء والمدنيين دفنوا في قبور جماعية، وتعرّض أحياؤهم للتهجير القسري. وانتظرها آلاف السودانيات والسودانيين الذين عملوا على وقف الإبادة وتوثيق الجرائم والنضال من أجل محاسبة مرتكبيها. قدّم المدافعون عن حقوق الإنسان والسياسيون أثماناً باهظةً من أجل هذا اليوم، إذ فقد بعضهم أرواحهم، بينما عانى آخرون من الاعتقال والتضييق والمنافي. لكن ساعة الانتصار لضحايا الحرب الأهلية التي بدأت في 2003 في الإقليم المنكوب، أتت ولو بعد حين.
ليست إدانة كوشيب “الجائزة الأخيرة”، ولا تعني تحقّق العدالة كاملةً، لكنّها بداية. ما كان الوصول إلى إدانة في جرائم دارفور أمراً هيّناً. حارب نظام البشير المحكمة الجنائية الدولية (ضمن صراعه مع المؤسّسات الدولية، والعداء مع العالم كلّه تقريباً)، واتهم كل من تعاون معها من السودانيين بالخيانة، وواجه بعضهم تهماً جنائية بالتجسّس (!). طارد نظام البشير كل من أدان جرائم دارفور، حتى إنه في عام 2016 أعلن نيّته مقاضاة منظّمة العفو الدولية لأن تقاريرها توثّق الانتهاكات ضدّ المدنيين.
وعقب تولي المجلس العسكري السلطة في 2019، لم يرحّب الجيش السوداني بالتعامل مع المحكمة الجنائية، رغم ترحيب حكومة عبد الله حمدوك لاحقاً، وتعاونها القصير معها، الذي انتهى بانقلاب 25 أكتوبر (2021). حافظ الجيش على هذا الموقف حتى بعد إعلان إدانة علي كوشيب، فلم يصرّح مجلس السيادة، ولا حكومة رئيس الوزراء المعيّن كامل إدريس، بأي شيء يخصّ الأمر، كأنه لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد. وربّما اكتفى بتصريح النائب العام السابق (ديسمبر/ كانون الأول 2024)، الذي رفض فيه محاكمة كوشيب أو غيره خارج السودان، و”طمأن” المجتمع الدولي بأن المؤسّسات العدلية في السودان قادرة على محاسبة أيّ متّهم. قضى النائب العام فترة عمله كلّها في مطاردة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، ومجموعة من السياسيين المعارضين للحكم العسكري، بتهم وبلاغات جنائية، بينما يجول قادة نظام البشير الهاربين من السجون علناً، ويشاركون في السياسة، ويعقدون الاجتماعات، ويخاطبون الرأي العام. هم أنفسهم الذين صنعوا “الدعم السريع” لتقاتل عنهم في دارفور، ومن شاركوه جرائمه في الإقليم. المدهش أن من سارع بالترحيب تحالف “تأسيس”، الذي يرأسه قائد الدعم السريع حميدتي، وهو ليس أحد المتورّطين في الإبادة الجماعية سابقاً فقط، بل هو أيضاً أحد مجرميها حديثاً بعد حرب 15 إبريل (2023). بحسب الأمم المتحدة، قتلت “الدعم السريع” ما بين عشرة مواطنين إلى 15 ألف مواطن في مدينة الجنينة عند بداية الحرب. وصف تقرير أممي ما ارتكبه جند حميدتي بأنه قد يرقى إلى جرائم الحرب. هذا غير مئات الجرائم المرتكبة في ولاية الجزيرة (وسط السودان) والعاصمة الخرطوم. وهي جرائم طالب مجلس حقوق الإنسان بتحويلها إلى الجنائية الدولية، لكن السلطة العسكرية رفضت هذا الأمر سابقاً، لكنّ ذلك يعود حالياً إلى الساحة عقب إدانة كوشيب.
لا يمكن أن تكون هذه الادانة المتأخّرة لأحد قادة المليشيات المتورّطة في جرائم إقليم دارفور نهاية المطاف. ومحاسبة كل من تورّط في الدماء يجب أن تكون الأساس الذي تُبنى عليه الدولة السودانية، بعد عقود طويلة من تكريس مبدأ الإفلات من العقاب والعفو عن المجرمين. لكن السياسة وموازناتها تذبح العدالة على عتباتها. ويبقى ملفّ جرائم إقليم دارفور مفتوحاً، كما ملفّ ضحايا حرب إبريل، وضحايا القمع السلطوي الوحشي في انتظار مزيد من العدالة، وإن رغم أنف السياسة.
نقلاً عن العربي الجديد
الوسومحمور زيادة