ليبيا.. مبادرة الميزانية الموحدة بين السلب والإيجاب
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
أعلن وزير المالية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية مؤخرا عن ميزانية موحدة لعموم البلاد، وبرغم عدم إفصاح الوزير عن تفاصيل الميزانية أو مضامين الاتفاق، فإنه من المؤكد أنه يقصد الاتفاق مع مجلس النواب، وأن حكومة الوحدة الوطنية هي المعنية بتنفيذ تلك الميزانية.
أولا ينبغي التأكيد على أن توحيد إدارة المالية العامة للدولة وكيفية التعامل مع الإيرادات والنفقات العمومية مسألة حيوية وينبغي دعمها، غير أن مفهوم توحيد الميزانية صار مشوها ويمثل حالة تكيف قسري مع تعقيدات السياسة وتداعياتها، وبالتالي سيكون من المبكر التهليل بهذه الخطوة والابتهاج بها.
الجانب الذي يعتقد أنه إيجابي في هذه البادرة هو أن تتحدد الموارد المالية وأوجه الصرف وتصبح تحت سلطة واحدة ورقابة موحدة، ذلك أن الانقسام الحكومي الراهن وتوابعه جعلت مسألة تحديد الإيرادات وضبط النفقات في غاية التعقيد، فحتى آخر بيان صدر عن المصرف المركزي، الذي خرج من وضعية الانقسام وصار موحدا، حول الإيرادات والنفقات للعام 2024م، فإنه لا تظهر فيه بيانات حول الموارد المالية للحكومة في شرق البلاد ومصروفاتها، والتي قدرت بنحو 50 مليار دينار خلال نفس الفترة.
غير أنه لا ضمانة حقيقية أن يقع هذا التفاهم الإيجابي في ظل الحالة السياسية المأزومة، ويصبح من غير الممكن تحقيق الأهداف المرجوة من الاتفاق على ميزانية موحدة في ظل الوضع السياسي والأمني بل والاقتصادي وحتى الثقافي المتشظي والذي بات يأخذ شكل بنيويا تسقط أمامه فرضية توحيد الإيرادات والنفقات.
عودنا أطراف النزاع على التماهي مع الضغوط ومسايرة اتجاه رياح الخارج التي باتت تؤثر بدرجة واضحة في مواقف وخيارات الساسة في الداخل، ويبدو أن التطورات التي أعقبت التغيير في سوريا ومحاولة استغلال الوضع الجديد من قبل القوى الغربية لمزيد من التضييق على روسيا وحضورها في ليبيا من خلال التقارب بين جبهتي الغرب والشرق في البلاد تجد صدى لها ضمن القوى المحلية المتصارعة، وقد يكون الإعلان عن توحيد الميزانية العامة ثمرة لهذا الزخم خصوصا وأن توحيد الميزانية هو مطلب رئيسي ضمن مطالب البعثة الأممية والأطراف الدولية المؤثرة في الأزمة الليبية.
لا نجاح لميزانية موحدة في ظل استمرار الانقسام الحكومي، ولا أمل في الاتفاق على حكومة واحدة ما لم يتم التوافق على مسائل كلية كشكل الدولة ونظام الحكم وكيفية إدارة الموارد المالية ووضع السلاح والقوى المسلحة...الخ، وأزمة المبادرات المتكررة أنها تتخطى هذه القضايا الكبرى وتتجه إلى معالجة مجتزئة وقاصرة ربما تضاعف من حالة التأزيم ولا تعالجها.هناك عوائق كبيرة أمام مبادرة توحيد الميزانية، أولها ترضية الاطراف المتنازعة، فأن يسند مهمة إدارة الميزانية لحكومة الوحدة الوطنية يعني انتكاسة كبيرة في موقف جبهة الشرق ممثلة في مجلس النواب والحكومة المكلفة من قبله ومن خلفهم القيادة العسكرية، فهؤلاء نافحوا بقوة لسحب البساط من حكومة الوحدة الوطنية، وكان اتجاههم اعتماد ميزانية تشرف عليها حكومة الشرق، وهذا ما وقع العام 2024م.
إن التراجع في الموقف الحاد جدا من حكومة ادبيبة لن يكون نتيجة مباشرة للضغوط الخارجية إن صح أنها العامل الرئيسي في الوصول إلى هذا التفاهم، بل إن مكاسب تحققت لهذه الجبهة تجعلها تسير في هذا الاتجاه، وهذا يعني أنها تحصلت على نصيب وافر من الإيرادات بشكل أو آخر، وليس مجرد الانفاق من قبل حكومة ادبيبة على مشروعات وبرامج تديرها الحكومة والقوى النافذة في الشرق.
النفقات العامة الثابتة والمعلومة والتي تمثلها المرتبات لن تكون محل جدل كبير مع التنبيه أنها ستتضخم أكثر وتشكل ضغطا على النفقات الأخرى التي لا يمكن تقييدها كالدعم والانفاق على مشروعات التنمية وحتى الإنفاق التسييري والنفقات العسكرية، والتي ستكون سببا لتفجر خلاف، وهنا يمكن التحدي، ذلك ان النزاع القائم يفرض وضعية تدافع تستلزم تحكما في الموارد المالية وإنفاقا متزايدا سيهدد التفاهمات حول الميزانية الموحدة، ومن ثم تعود حليمة لعادتها القديمة.
والخلاصة أن أي تفاهمات لا تركز على الأسباب الرئيسية للنزاع القائم ولا تعالجها بشكل شمولي ستكون عريضة للإخفاق، ولن تتعدى كونها ترقيع لفجوات تتسع بسبب الصراع القائم الذي أخذ أبعادا معقدة وتغذيه عوامل محلية وخارجية.
لا نجاح لميزانية موحدة في ظل استمرار الانقسام الحكومي، ولا أمل في الاتفاق على حكومة واحدة ما لم يتم التوافق على مسائل كلية كشكل الدولة ونظام الحكم وكيفية إدارة الموارد المالية ووضع السلاح والقوى المسلحة...الخ، وأزمة المبادرات المتكررة أنها تتخطى هذه القضايا الكبرى وتتجه إلى معالجة مجتزئة وقاصرة ربما تضاعف من حالة التأزيم ولا تعالجها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ميزانية ليبيا ليبيا اقتصاد ميزانية رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حکومة الوحدة الوطنیة توحید المیزانیة الموارد المالیة
إقرأ أيضاً:
توحيد الصف الخليجي.. طوق النجاة
محمد علي البادي
حبا الله دول الخليج العربي بثروات مالية لا تُعد ولا تُحصى، وموقع جغرافي استراتيجي، وحكّام يحرصون على خدمة وتنمية شعوبهم. غير أنَّ هذه النعم لم تحصن الخليج من رياح الأزمات، فقد تعرضت دوله لاضطرابات كبرى، وزُجّت في حروب لم تكن طرفًا مباشرًا فيها، بل كانت ضحية لموقعها الجغرافي الحساس.
الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، لم تقتصر آثارها على الدولتين المتحاربتين، بل امتدت تداعياتها إلى كل دول الخليج، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وأرهقت شعوب المنطقة وأقضّت مضاجعها.
ثم جاءت مأساة غزو الكويت، حين أقدم الرئيس صدام حسين على قرار فردي خاطئ، ظنّ فيه أنَّ الكويت لقمة سائغة. فكانت الكارثة التي اجتاحت مقدرات الكويت، وضربت عمق الأمن الخليجي. لكن دول الخليج وقفت موقفًا مشرفًا، سدًا منيعًا في وجه الغزو، لتسطر صفحة من صفحات الوفاء والتضامن، ساهمت في تحرير الكويت وعودتها إلى أهلها.
بعد ذلك، جاءت الحرب الغربية على العراق، فانهار ما تبقى من الدولة، وتبعثرت مقدراتها، وتعمّقت جراح شعبها. واليوم، وبعد أكثر من عشرين عامًا، ما زال العراق يئن تحت وطأة الغزو، والخذلان، والفوضى. وقد كانت دول الخليج في تلك المرحلة في واجهة الأحداث، بل ودفعت من استقرارها ثمنًا باهظًا.
واليوم، تُعاد الكَرَّة؛ فإسرائيل تدخل في مواجهة مباشرة مع إيران، الدولة المسلمة الجارة لدول الخليج، في حربٍ لا يعلم مداها إلا الله. وقد تجد دول الخليج نفسها من جديد في قلب العاصفة، لا لشيء سوى قُربها الجغرافي وتشابك الملفات السياسية والعسكرية.
ومن هنا، فإن الواجب الملحّ على دول الخليج العربي اليوم هو الوحدة والتكاتف والتكامل. وعلى الشعوب الخليجية أن تدرك حساسية المرحلة، وألا تنجرّ وراء الشائعات أو الحملات الإعلامية المضلّلة التي لا همّ لها إلا زرع الفُرقة والشكوك بين أبناء الخليج الواحد.
لقد أثبتت التجارب الماضية أن الثقة بالقيادة الرشيدة، وتغليب صوت الحكمة على التهوّر، هما طوق النجاة في خضمّ الأزمات. والشعوب، كما عهدناها، قادرة على أن تكون درعًا لوطنها، متماسكة متراصة خلف قيادتها، محافظة على أمنها ووحدتها.
إنَّ المصير مشترك، والمخاطر لا تفرّق بين دولة وأخرى، والأمن لا يتحقق إلا بثبات الصف ووحدة الكلمة.