حيرة أوروبا: من تختار، الدب أم ترامب؟
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
حيرة #أوروبا: من تختار، #الدب أم #ترامب؟
د. #هشام_عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولي
عندما استيقظت أوروبا صباح اليوم التالي لفوز دونالد ترامب، لم يكن صباحًا عاديًا. القهوة كانت مرة أكثر من المعتاد، واليورو ارتجف في جيوب البورصات في واشنطن، كان ترامب يحدّق في خريطة العالم كما يفعل صياد محترف أمام بركة أسماك منهكة.
الحرب الأوكرانية: فخ أمريكي أم سوء تقدير أوروبي؟
منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، كان واضحًا أن الولايات المتحدة لا تبحث عن حل بقدر ما تبحث عن مهرجان استنزاف. فخٌ محكم: يد الغرب تمسك بالمدفع، وأوكرانيا تسدد الفاتورة، وروسيا تمارس هوايتها المفضلة في تحويل الخرائط إلى لوحات زيتية حمراء. أما أوروبا، فلا تزال عالقة في المنتصف، مثل طفل بين والدين متخاصمين، تُرغَم على الاختيار لكنها في الحقيقة لا تملك أي خيار.
حاولت بعض العواصم الأوروبية التلويح بشعارات الاستقلالية والوساطة، لكن ترامب كان له رأي آخر: “لا حل إلا المواجهة!”، وهكذا وجدت أوروبا نفسها متورطة أكثر فأكثر، تدفع بسخاء في حرب لا تملك فيها سوى دور المتفرج الممول. المثير للسخرية أن الدول التي طالما تباهت بمبادئ الديمقراطية والسلام أصبحت مصانع أسلحة مفتوحة على مدار الساعة، بينما المواطن الأوروبي يحدق في فاتورة الكهرباء كما لو كانت رسالة تهديد من المافيا
الضرائب الأمريكية: رصاصة أخرى في القدم الأوروبية
لأن الاستنزاف العسكري لم يكن كافيًا، قرر ترامب أن يضيف لمسته السحرية: ضرائب مرتفعة على الصادرات الأوروبية. في لحظة، أصبحت المصانع الألمانية تئن، والفرنسيون يتبادلون اللعنات، والإيطاليون يفكرون جديًا في العودة إلى نظام المقايضة. لم يكن الهدف اقتصاديًا بقدر ما كان رسالة سياسية واضحة: أوروبا ليست أكثر من تابع اقتصادي، وإذا فكرت في التمرد، فهناك ألف طريقة لمعاقبتها.
بريطانيا، وكعادتها، خرجت مبكرًا من هذا المشهد، تلوّح بكوب شاي بارد، تراقب القارة العجوز وهي تغرق ببطء في بحر التعقيدات الأمريكية. أما دول شرق أوروبا، فتبدو سعيدة بدور المشجع الصاخب، تقفز كلما صرخ ترامب، خوفًا من أن تكون الضحية التالية
سيناريو التصعيد النووي: بين العبث والواقع
وسط هذا المشهد السوداوي، يبرز السؤال الذي يخشاه الجميع: هل يمكن أن ينتهي كل هذا بحرب نووية؟ الواقع يقول إن أوكرانيا لم تعد تملك ما يكفي من القوة لاستعادة الأراضي التي خسرتها، والغرب يعلم أن التصعيد مع روسيا قد يفتح أبواب الجحيم. لكن في عالم تحكمه الأوهام، لا شيء مستبعد.
هل يجرؤ بوتين على استخدام السلاح النووي؟ ربما لا. لكنه بالتأكيد يعرف كيف يلعب بورقة التهديد به ليجعل الجميع يركضون بحثًا عن حلول وسط. أوروبا، التي كانت تأمل أن تكون الحكم في هذا الصراع، وجدت نفسها مجرد لاعب ثانوي، يصفق كلما أعلن البيت الأبيض عن حزمة عقوبات جديدة، حتى لو كانت تلك العقوبات تؤذيها أكثر مما تؤذي موسكو.
القضية الفلسطينية: الهروب المستحيل من قبضة واشنطن
وهنا يأتي السؤال الأكثر تعقيدًا: هل يمكن لأوروبا أن تستغل هذا الضغط الأمريكي لتنفض يديها من الهيمنة الإسرائيلية، وتتجه لدعم القضية الفلسطينية بشكل أكثر جرأة؟ في عالم مثالي، ربما. لكن في عالم تحكمه الحسابات الباردة، فإن كل إدانة خجولة للاستيطان الإسرائيلي تقابلها عاصفة غضب أمريكية.
أوروبا تعرف أنها ليست مستعدة لدفع ثمن القطيعة مع واشنطن، ولذلك فإن أقصى ما يمكنها فعله هو تقديم “الدعم المعنوي”، وهو نوع من الدعم لا يطعم جائعًا ولا يحمي منزلاً من القصف. ومع استمرار ترامب في خنقها اقتصاديًا، ستجد أوروبا نفسها أكثر عجزًا من أي وقت مضى، مجرد ظل باهت يتلاشى خلف القرارات الأمريكية.
الخاتمة: أوروبا… رهينة بين قوتين لا ترحم
في نهاية المطاف، يبدو أن أوروبا ليست سوى بيدق في رقعة شطرنج أكبر منها. واشنطن تلعب بها كيفما تشاء، وموسكو لا تزال تراقب، تنتظر اللحظة المناسبة لإعادة رسم قواعد اللعبة. في هذه الفوضى، لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور. لكن المؤكد أن القارة العجوز لم تعد تتحكم في مصيرها، وأن مستقبلها بات مرهونًا بقرارات تُتخذ في أماكن أخرى، بينما هي تكتفي بالمشاهدة… ودفع الثمن
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: أوروبا الدب ترامب
إقرأ أيضاً:
رسوم ترامب تكلف الأميركيين أكثر.. 6 قطاعات تحت الضغط
بعد فرض الرئيس دونالد ترامب حزمة جديدة من الرسوم الجمركية على الواردات، تُنذر موجة من الغلاء بالوصول إلى الأسواق الأميركية، وسط مخاوف من أن يدفع المواطنون ثمن سياسة تجارية تُوصف بـ"الحمائية الهجومية".
ووفق تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تشمل هذه الرسوم سلعًا حيوية مثل الملابس، السيارات، القهوة، مواد البناء، الكحول، وحتى الطاقة.
وبينما تشير الإدارة الأميركية إلى أن الهدف هو "إعادة التوطين الصناعي" وتحقيق دخل إضافي للخزينة، فإن التكاليف بدأت فعليًا بالتسرب إلى جيوب المستهلكين.
الملابس والأحذية.. الارتفاع الأكبر في الأفقوتعتمد سوق الملابس في أميركا اعتمادًا شبه كامل على الاستيراد من دول، مثل فيتنام، الصين، وبنغلاديش. ومع أن ترامب تراجع عن بعض التعريفات القصوى التي أعلنها مبدئيًا، فإن الرسوم المطبقة حاليًا لا تزال مرتفعة جدًا:
30% على الواردات الصينية 19% على السلع من فيتنام وإندونيسيا (بدءًا من 1 أغسطس/آب) 35% متوقعة على بنغلاديشوقد أعلنت علامات تجارية كبرى مثل ليفايس ونايكي نيتها رفع الأسعار.
ووفقًا لمختبر الميزانية في جامعة ييل، يُتوقع أن تقفز أسعار الملابس بنسبة تصل إلى 37% في المدى القصير، وهي زيادة غير مسبوقة منذ عقود.
الطعام والمشروبات.. من البن إلى زيت الزيتونوتُظهر البيانات أن كل القهوة تقريبًا المستهلكة في أميركا مستوردة، ونتيجة للرسوم:
القهوة البرازيلية ستواجه رسومًا بنسبة 50% القهوة الفيتنامية 20% زيت الزيتون الأوروبي (من إيطاليا، إسبانيا، واليونان) يخضع لـ 15%ورغم استثناء بعض المنتجات الزراعية من الرسوم، فإن التقرير يشير إلى أن السلع الطازجة ستكون الأكثر تضررًا، مع تقديرات بارتفاع عام لأسعار الغذاء بنسبة 3.4%، بحسب جامعة ييل.
وفرضت إدارة ترامب في مارس/آذار رسومًا بنسبة 25% على السيارات وقطع الغيار المستوردة، قبل أن تخفضها لاحقًا إلى:
إعلان 15% للاتحاد الأوروبي واليابان 10% للمملكة المتحدةلكن المشكلة، وفقًا لما نقلته بي بي سي عن محللي قطاع السيارات، تكمن في أن العديد من السيارات الأميركية تعتمد على قطع أجنبية، أو تُجمع خارج البلاد، مثل كندا والمكسيك، ما يجعلها أيضًا عرضة للرسوم.
وإذا استمرت الشركات في "امتصاص" الكلفة دون تمريرها للمستهلكين، فإن ذلك لن يدوم طويلًا، بحسب المحللة إيرين كيتنغ من مجموعة كوكس أوتوموتيف.
البناء والإسكان.. الخشب والمعادن تحت النارورفع ترامب الرسوم على الصلب والألمنيوم في وقت سابق هذا العام، وسيبدأ فرض رسوم بنسبة 50% على النحاس في 1 أغسطس/آب، بينما يهدد أيضًا بفرض رسوم على الأخشاب، كل هذه المواد أساسية في بناء المنازل الأميركية، التي تُشيّد غالبًا من الخشب.
وفقًا للجمعية الوطنية لبناة المنازل في أميركا (NAHB)، فإن هذه السياسات قد:
ترفع تكلفة بناء المساكن تُقلل من إقبال المطورين على مشاريع الإسكان الجديدة تُحمّل المستهلك النهائي ارتفاع الأسعاروتشير بيانات غرفة التجارة الكندية إلى أن أميركا تستورد:
69% من أخشابها 25% من الحديد والصلب 18% من النحاس —جميعها من كندا، التي تواجه الآن تهديدًا بتعرفة 35%.وتشير بي بي سي إلى أن الولايات المتحدة تمثل أحد أكبر الأسواق العالمية للكحول الأوروبي، إذ تصدّر دول كفرنسا وأيرلندا ما يقرب من 9 مليارات يورو سنويًا إلى السوق الأميركية، منها:
ثلث صادرات الويسكي الأيرلندي 18% من صادرات الشمبانيالكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت منتجات الكحول قد أُعفيت في اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع ترامب.
في المقابل، يُتوقع أن ترتفع أسعار البيرة المكسيكية، مثل موديلو وكورونا نتيجة الرسوم على الألمنيوم، الذي يُستخدم في 64% من البيرة المُستهلكة في أميركا، وفقًا لمعهد البيرة الأميركي.
الطاقة والوقود.. رسوم على كندا تعيد خلط الأوراقبينما استُثنيت واردات الغاز والنفط من معظم التعريفات، فرض ترامب 10% على واردات الطاقة من كندا، أكبر مزود للنفط الخام لأميركا، إذ شكّلت 61% من إجمالي الواردات بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وتكمن المشكلة في أن المصافي الأميركية مصمّمة لمعالجة خام ثقيل، وهو ما يأتي غالبًا من كندا والمكسيك. وفي حال ردّت أوتاوا بخفض صادراتها، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الوقود، بحسب رابطة الوقود والبتروكيميائيات الأميركية.
وبينما تؤكد إدارة ترامب، أن الرسوم الجديدة ستوفر مليارات للخزينة، وتشجع الشركات على توطين الإنتاج داخل البلاد، يرى مراقبون أن الفاتورة النهائية ستُدفع في محلات الملابس، محطات الوقود، وأسواق الغذاء.
ووفقًا لتقديرات جامعة ييل، فإن معظم آثار هذه الرسوم لم تصل بعد إلى المستهلكين، لكن الأشهر المقبلة قد تحمل تحولًا أكبر في الأسعار، في حال استمرت التوترات مع كندا، والموردين الآسيويين، ودول أوروبا.