لجريدة عمان:
2025-05-31@11:32:10 GMT

الجسد المُعدل والموت الرمزي!

تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT

لا يمكن للنساء أن يجتمعن اليوم دون أن يشغل الحديث عن «الجسد» حيزا من اهتمامهن، وكأنّ هنالك ما يجعلنا غير مُبتهجين بجلودنا الأصلية! أو كأنّ الجسد بضاعة ينبغي ألا تتقادم وإلا سترجم بنشازها عن الجوقة. إذ لم تعد وظيفة الجسد قاصرة على الاتصال وتمرير الدفء والتضامن، وإنّما «مكانٌ لإعادة ترتيب الهوية»، هذا ما يشير إليه دافـيد لوبروتون فـي كتابه المهم «أنثروبولوجيا الجسد والحداثة»، ت: محمد الحاج سالم، صفحة٧، والذي سأعرج على بعض أفكاره اللافتة.

فمع تعاظم النزعة الفردية، وفـي ظل تآكل المرجعيات والقيم، يقف الإنسان اليوم لينظر إلى الجسد الذي يدلـله المجتمع الاستهلاكي، بتلك الطريقة التي نظر بها من قبل لتمثال مثالي، بحثا عن جسد متخيل.

لقد تغيرت علاقتنا بمعنى الجسد، فبتنا مقيدين بأثقال اجتماعية تروجها وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل مُرعب ومحموم لمواكبة شرط العصر المضطرب.. كمال الأجسام، الحميات الغذائية، الفـيتامينات، مستحضرات التجميل، التجميل، وتغيير الجنس.. حيث يغدو جسدنا - فـي فوضى هذا العالم العصي عن الإدراك - وسيلتنا لإيجاد تعريف وهوية لأنفسنا.

فالجسد مُنغرسٌ فـي أعماق هوية الإنسان، «ولولا الجسد الذي يعطينا وجها لما كان لنا أن نوجد، فما عيش الإنسان سوى اختزال لهذا العالم من خلال ما تُضيفه أجسادنا عليه من رمزيات».

نُشاهد فـي اليوم الواحد على شاشة الهاتف وجوها ومنتجات وطرقا، كلها تُغذي نظرة واحدة: أن نبقى شبابا. أن تخلد صورتنا وأن يُمجد الجمال كما تقترحه وسائل الإعلام الحديثة، لا كما نبدو على حقيقتنا، فلم يعد الجسد علامة الفرد الذي يمنح العمق والحساسية، «فكلما تمركز الإنسان على نفسه زادت أهمية جسده حد الاستحواذ عليه».

فهذا الجسد يدخل ماراثون سباق غير منقطع - ولقد لاحظنا العديد من النساء لا يستطعن التنحي عن صهوة جياده الراكضة - فطغيان لذة المظهر عمل غير مُنتهٍ، مسألة تتعقد أكثر فأكثر عندما يُقاس عليها الرضا عن الذات أو الشعور بتحققها.

الجسد أفضل الطرق لفهم الحاضر، لفهم اللغز المُتجذر والعميق - وإن بدا لنا بديهيا- طبعا الجسد ليس باعتباره الشخص وإنّما «النسيج الرمزي»، فالظروف الاجتماعية والثقافـية هي التي تولد تصوراتنا بشأنه، لكنها أيضا تصورات تشوبها الضبابية.

لم يعد «الجسد» هوية ثابتة، لقد أصبح جزءا من دلالة اجتماعية شاسعة، وعليه سيُحجبُ الجسدُ الذي لا يتمكن من التكيف. فبعد أن كان الجسد مادتنا الأولية فـي علاقتنا بالعالم، أضحى اليوم مجرد اقتراح يمكن صقله بوسائل السوق المتجددة.

بل إن التقنيات الطبية انزلقت هي الأخرى -على حد تعبير لوبروتون- نحو التجميل على نحو مرعب. فالأمر لم يعد يتعلق بتثمين رضانا عن أجسادنا بل عن إمكانية تعديلها بصورة مستمرة. العصر الآن يتعامل مع الجسد باعتباره «أنا» أخرى جالبة لخيبة الأمل ما لم تُعدل طوال الوقت!

المفارقة التي يُشير لها لوبروتون بذكاء هي ظن الإنسان أنّه يعيش تحررا من صورة جسده الذي لا يحبه غير أنّه فـي حقيقة الأمر يُكابد تبعية مضنية ولاهثة لمعايير السوق الغامضة.

فلغة السوق الجديدة، تجعلنا نخجل من أجسادنا تلك التي بقيت على سجيتها، أمام طوفان صناعة كاملة للجسد. والنساء على وجه الخصوص يشعرن بأنّهن غير جديرات بالعيش ما دمن لا يواكبن التحولات، وبالتالي لا يحظين بالقبول!

وعلى سبيل المثال، لم يعد للبدينات مكان فـي عالم الإنسانية أمام الأجساد المنحوتة والمُعدلة بالكامل التي تُمطرها علينا وسائل الإعلام والسينما والبرامج، «فالبدينة لا تنحرفُ عن معايير الجاذبية وحسب وإنّما عن الأخلاقيات التي تجعلها مسؤولة عما آل إليه جسدها»، ولذا فهي تتعرض للوم وربما الازدراء!

إنّها المطاردة اللئيمة والمستمرة لتجميد جلودنا، رفضا لسطوة الزمن الذي يعبر فوقها دون رحمة. وكأنّ التجاعيد والبثور والاحمرار والنُدب والدهون هي دنس العصر الجديد. وكل واحدة منا مُهددة الآن«بالموت الرمزي».

لكن ماذا عن بصمتنا، ماذا عن فرادتنا وعلاماتنا؟ لماذا يتم تسخيف كل ذلك.. إنّنا حقا نكابدُ امحاء الجواني العميق فـينا فـي سبيل الخارجي الهش والمتداعي لا محالة!

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لم یعد

إقرأ أيضاً:

عرفة.. خطيب المسجد الحرام: يوم وفاء بالميثاق الذي أخذه الله على بني آدم

قال الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إن يوم عرفة من شعائر الله- تعالى-، وهو يوم الوفاء بالميثاق الذي أخذه الله- تعالى- على بني آدم.

يوم الوفاء بالميثاق

استشهد “المعيقلي” خلال خطبة الجمعة الأولى من شهر ذي الحجة، اليوم، من المسجد الحرام بمكة المكرمة،  بما ورد في مسند الإمام أحمد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - فأخرج مِنْ صُلْبِه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذَّر ، ثم كلَّمهم قُبُلًا، قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).

وأوضح أنه في يوم عرفة ينزل ربنا- جل في علاه- إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وكبريائه وعظمته فيباهي بأهل الموقف ملائكته، وهو أكثر يوم في العام يُعتق الله فيه خَلْقًا من النار، سواء ممن وقف بعرفة منهم ومَنْ لم يقف بها من الأمصار، منوهًا بأن عظيم الأزمنة الفاضلة، من عظيم شعائر الله.

وأضاف: ونحن في هذه الأيام، نعيش في خير أيام العام، التي أقسم الله بها، وفضلها على سِوَاهَا، فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرِ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)، منوهًا بأن عشر ذي الحجة، اجتمع فيها مِنَ العبادات ما لم يجتمع في غيرها.

فضائل هذه الأيام المباركات

وبيَّن أن من فضائل هذه الأيام المباركات أن فيها يوم النحر، وهو من خير أيام الدنيا، وأحبها إلى الله- تعالى- وأعظمها حرمةً، وفيه عبادة الأضحية، والأضحية سُنَّة مؤكدة، لا ينبغي تركها لمن قَدَرَ عليها، ينبغي لمن أراد أن يضحي إذا دخلت عشر ذي الحجة أن يُمسك عن شعره وأظفاره وبشرته، حتى ينحر أضحيته.

خطيب المسجد الحرام: يبقى الدين في الناس ما بقيت فيهم شعائرهشدة حر الصيف .. خطيب المسجد الحرام: ابتلاء يعظم الأجر بـ3 أعمالالمقصود من البلاء والابتلاء.. خطيب المسجد الحرام: 3 منح ربانيةحبل ممدود بين الأرض والسماء .. خطيب المسجد الحرام يوصي بهذا العمل

واستند لما روى مسلم في صحيحه: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليُمْسِكُ عن شَعْرِه وأظفاره)، مضيفًا: فامتثلوا أمر ربكم، وقفوا على مشاعركم، وأتموا نسككم، واقتدوا برسولكم- صلى الله عليه وسلم-، وابتهلوا إلى ربكم رحمته، تفوزوا برضوانه وجنته.

وأشار إلى أن المملكة، بذلت كل وسعها، وسخرت أمنها وأجهزتها، وهيأت كل أسباب التسهيل والراحة والأمن والسلامة، عبر أنظمتها التي تهدف إلى سلامة الحجيج وأمنهم، وتيسير أداء مناسكهم، تحت سلطة شرعية في حفظ النفس والمال.

وتابع: لذا فإن الحج بلا تصريح هو إخلال بالنظام وأذية للمسلمين، مقابل حقوق الآخرين، وجناية لترتيبات وضعت بدقة متناهية، فحري بمن قصد المشاعر المقدسة، تعظيم هذه الشعيرة العظيمة، واستشعار هيبة المشاعر المقدسة بتوحيد الله وطاعته والتحلي بالرفق والسكينة والتزام الأنظمة والتعليمات، وبُعد عن الفسوق والجدال والخصام، ومراعات المقاصد الشرعية، التي جُعِلَتْ من السلامة، والمصلحة العامة، حفظ الله حجاج بيته الحرام، وتقبل حجاجهم وسائر أعمالهم ووردهم إلى أهلهم سالمين وبالمثوبة غانمين.

طباعة شارك خطيب المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي خطبة الجمعة من المسجد الحرام يوم عرفة يوم الوفاء بالميثاق

مقالات مشابهة

  • اكتشاف أدوات من عظام الحيتان عمرُها 20 ألف عام
  • عرفة.. خطيب المسجد الحرام: يوم وفاء بالميثاق الذي أخذه الله على بني آدم
  • حماس: المقترح الأميركي الذي وافق عليه الاحتلال لا يستجيب لمطالبنا
  • نعم الوضع في السودان ليس ذلك الوضع الذي يصل حد الرفاهية
  • السعودية تدفع بفصيل جنوبي لمناهضة “الانتقالي” في عدن.. واتهامات بـ”التعذيب والموت البطيء” 
  • الحزن الذي يحرق شرايين القلوب!
  • الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون القابضة رامز الخياط: الاتفاقيات التي تم توقيعها اليوم ستحول سوريا من دولة لديها عجز في مجال الطاقة إلى دولة مصدرة لها
  • إنزو فيرنانديز.. البطل الذي لا يخسر
  • خالد الأحمد .. العلوي الذي ساعد الشرع وكتب نهاية الأسد - فيديو
  • العينُ على نجل وئام وهاب.. ما الذي يحضره؟