سودانايل:
2025-07-29@08:22:26 GMT

هل السيادة تختزل في الخرطوم وحدها؟

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

يوقن الجميع أن الخرطوم تمثل المركز الإداري والسياسي والاقتصادي للسودان، حيث تتركز فيها المؤسسات الحكومية، الجامعات، المطار الدولي، والمقار الرئيسية للقطاعين العام والخاص. وهذا يجعلها محور الإهتمام في أي صراع على السلطة، ويُنظر إليها كمفتاح للتحكم في الدولة. فإن معركة الخرطوم الجارية حالياً ليست سوى جزء من مشهد أوسع يشمل كامل السودان.


فالتركيز لغرض السيطرة على العاصمة قد يعطي انطباعًا بأن السيادة تُحسم هناك، بينما الحقيقة أن البلاد مترامية الأطراف، وهنالك مناطق أخرى تشهد نزاعات، وتملك تأثيرًا أكثر على مستقبل الدولة واستقرارها.
فالسودان كدولة متعددة الأقاليم والثقافات تحتاج إلى رؤية شاملة تتجاوز مركزية العاصمة، خاصة أن الأطراف كانت دومًا جزءًا أساسيًا من المعادلة السياسية والتاريخية. فمعارك كلاً من دارفور، كردفان، النيل الأزرق، وشرق السودان كلها تعكس صراعات على الموارد، التمثيل السياسي، والهوية الوطنية. إذا كان الصراع في الخرطوم يُنظر إليه على أنه معركة من أجل "شرعية الحكم"، فإن بقية الوطن تخوض صراعات من أجل الاعتراف، التوزيع العادل للسلطة والثروة، والعدالة الاجتماعية. السؤال الحقيقي .. هل يمكن لأي طرف من الأطراف المتصارعة أن يفرض سيطرته على السودان دون الكسب لبقية الأقاليم؟
يصور أنصار المؤتمر الوطني المحلول أن حسم المعركة في الخرطوم هي بمثابة الإنتظار ولا يرون في بقية أقاليم السودان مكونات جميعها تشكل الوطن الواحد فهم بذلك لا يعترفون بالتعدد في السودان. هذا التصور يعكس العقلية المركزية التي لطالما حكمت السودان، حيث يتم اختزال مفهوم الدولة في العاصمة، وتُهمَّش بقية الأقاليم سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. هذا النهج يعبر عن أزمة قديمة في السودان، حيث كانت السلطة دائمًا تُدار من المركز، بينما تُترك الأطراف لمصيرها، سواء من حيث التنمية أو التمثيل السياسي العادل.
وهي رؤية وتصور يرجع إلى ورقة قدمها الاقتصادي الاسلامي عبد الرحيم حمدي ما تُعرف بـ "ورقة حمدي" أو "مثلث حمدي" قدمها وزير المالية الأسبق في عهد نظام المؤتمر الوطني (الكيزان)، حيث طرح رؤية اقتصادية ركزت على ما أسماه "المثلث الحيوي" الذي يشمل الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض، نهر النيل، والشمالية، معتبرًا أن هذا المثلث هو الأكثر قابلية للنمو الاقتصادي، وهو ما أثار جدلًا واسعًا. رغم أن الطرح جاء من منظور اقتصادي، إلا أن تبنيه ضمن سياسات الدولة ساهم في تكريس التهميش لبقية الأقاليم، مثل دارفور، كردفان، الشرق، والنيل الأزرق. فهذه الورقة قد عززت النزعة المركزية وأعطت شرعية لسياسات الإقصاء، مما أدى إلى مزيد من الصراعات بسبب شعور تلك الأقاليم بعدم الاعتراف بها كجزء أساسي من الدولة. وأدى التركيز على مثلث حمدي إلى غياب التنمية المتوازنة، مما فاقم النزاعات وأضعف الولاء القومي وساعد في ترسيخ مفهوم السودان ذو الهوية الأحادية، متجاهلًا التنوع الثقافي والاثني.كان أحد الأسباب غير المباشرة في انفصال جنوب السودان، حيث تم تعزيز السياسات التي جعلت التنمية والاستثمار موجهين نحو المركز، مما أدى إلى تعميق الإحساس بالظلم بين الأطراف الأخرى. لذا فإن من التعقل فهم وإدراك ما يحتاجه من رؤية تنموية شاملة تعترف بجميع أجزاءه وكما قال الشاعر "كل أجزاءه لنا وطن إذ نباهي به ونفتخر"، بحيث يتم توزيع الخدمات والاستثمارات بعدالة، بدلًا من التركيز على مناطق معينة. فالنهج الذي رسخته "ورقة حمدي" لم يكن مجرد تحليل اقتصادي، بل تحول إلى أداة سياسية لصناعة التفاوت التنموي والاقتصادي، وهو ما أدى إلى تفكك الدولة بدلًا من استقرارها.
لذا فإن إنكار التعددية يعني إنكار السودان الحقيقي فالسودان ليس مجرد الخرطوم، بل هو مزيج من شعوب وثقافات متعددة، تمتد من دارفور إلى الشرق، ومن النيل الأزرق إلى أقصى الشمال. لكن الرؤية الأحادية التي تبناها أنصار المؤتمر الوطني المحلول تسعى إلى فرض تصور معين للوطنية يقوم على إقصاء الآخر، وهو ما أدى تاريخيًا إلى النزاعات المستمرة والانفصالات والصراعات المسلحة. فما الذي يعنيه انتظار الحسم في الخرطوم؟ هذا المنطق يفرض بأن السيطرة على الخرطوم هي السيطرةعلى السودان بأكمله، لكنه يغفل حقيقة أن الأطراف باتت أكثر استقلالية في قراراتها وتوجهاتها، وأن أي مشروع وطني لا يشمل الجميع سيظل هشًّا ويعرضه للانهيار. السودان الآن في حاجة ماسة إلى رؤية جديدة تتجاوز عقلية الهيمنة المركزية وتعترف بالتعددية كحقيقة لا يمكن القفز فوقها أو تجاهلها. فهل يمكن للسودان أن يتجاوز هذه الأزمة إذا استمرت هذه العقلية في السيطرة أم لا؟

د. سامر عوض حسين

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی الخرطوم ما أدى

إقرأ أيضاً:

الأورومتوسطي ..الإنزالات الجوية مهينة والممرات البرية وحدها سبيل الإغاثة الحقيقية

#سواليف

وصف #المرصد_الأورومتوسطي لحقوق الإنسان #إنزال #المساعدات عبر الجو على قطاع #غزة أنّه حلقة إضافية في إذلال #الفلسطينيين وامتهان كرامتهم، ويحمل مخاطر جسيمة على حياة المدنيين في ظل تكدّسهم في أقل من 15% من مساحة القطاع، والأخطر أنه يُوظَّف للاستمرار في #سياسة_التجويع الجماعي التي تنتهجها #إسرائيل عمدًا كأداة من أدوات #الإبادة_الجماعية، في إطار سعيها المنهجي للقضاء على الفلسطينيين في قطاع غزة.

الإنزالات الجوية لا تعكس تحولًا حقيقيًا في الاستجابة الإنسانية بل تهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي والتقليل من وقع الجريمة

وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي إنّ استئناف عمليات إنزال المساعدات جوًا، بعد أشهر من #التجويع_الشامل، لا يلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية، ولا يُخفف من الكارثة التي تسببت بها سياسة التجويع المتعمّدة التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بل يروّج لوهم الإغاثة بينما تواصل الآلة الإسرائيلية استخدام الجوع سلاحًا ضد المدنيين.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أنّ هذه الخطوة، التي تمّت بموافقة الاحتلال الإسرائيلي وبدأ بتنفيذها مساء أمس السبت، لا تعكس تحولًا حقيقيًا في الاستجابة الإنسانية، بل تهدف بالدرجة الأولى إلى تضليل الرأي العام العالمي والتقليل من وقع الجريمة، في محاولة لصرف الأنظار عن جريمة التجويع المنهجية التي تنفّذها إسرائيل في قطاع غزة، والتي أفضت إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة تجسدت في تفشّي المجاعة، وحرمان السكان من الغذاء والماء والدواء، وتدمير سلاسل الإمداد الحيوية، ومنع دخول المساعدات براً، مع استمرار الهجمات على من يسعون للحصول على الطعام، في مشهد يكشف إصرار إسرائيل على استخدام التجويع كأداة رئيسية لإهلاك سكان القطاع وتقويض سبل بقائهم.

مقالات ذات صلة بيان للأمن السوري بشأن ماهر الأسد 2025/07/27

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الأوضاع الميدانية الكارثية تعكس فداحة جريمة التجويع التي تفرضها إسرائيل في قطاع غزة، خاصة بعد أن سُجّلت وفاة 55 شخصًا رسميًا نتيجة التجويع وسوء التغذية خلال أسبوع واحد فقط، فضلًا عن تقديرات بوفاة نحو 1200 مسن خلال الشهرين الماضيين بسبب الحرمان من الغذاء والعلاج، في ظل انهيار كامل للنظام الصحي واستمرار الحصار الشامل.

ونبّه إلى أنّ هذه الإنزالات لا تمثّل استجابة إنسانية حقيقية، بل تُعدّ فصلًا جديدًا من مسلسل إذلال المدنيين في قطاع غزة، بعد الإذلال العلني والقتل المتكرر في نقاط التوزيع التي تديرها مؤسسة “غزة الإنسانية” التي فرضتها سلطات الاحتلال نفسها، إذ يُجبر السكان، بدلًا من فتح ممرات برية آمنة ومنظمة، على التزاحم في مناطق خطرة وتحت القصف لالتقاط طرود تُلقى عشوائيًا من الجو، في ظروف تُهين كرامتهم وتُعرّض حياتهم للخطر، كما حدث في مرات سابقة، في مشهد يُفرغ الإغاثة من مضمونها الإنساني ويعيد إنتاج علاقة استعمارية تقوم على الإخضاع والتحكّم في الحد الأدنى من البقاء، كمنّة مُهينة لا كحق إنساني.

وأكّد أنّ إنزال المساعدات جوًّا، في ظل تقلّص المساحة التي ينزح فيها 2.3 مليون فلسطيني إلى أقل من 15% من مساحة قطاع غزة بفعل سيطرة الاحتلال وفرضه الإخلاء القسري على باقي المناطق، يُشكّل خطرًا جسيمًا على حياة المدنيين، لا سيّما في ظل الاكتظاظ الشديد وعدم وجود مناطق آمنة، مذكّرًا بأن الإنزالات الأولى التي جرت قبل أشهر، حين كانت رقعة الانتشار أوسع نسبيًا، تسببت بمقتل 18 فلسطينيًا وإصابة العشرات.

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الإنزالات الجوية التي جرت الليلة الماضية تسببت بإصابة 11 مدنيًا على الأقل، في تأكيد إضافي على فشل هذه الآلية في تأمين وصول آمن ومنظّم للمساعدات، وتعزيزًا للمخاوف الجدية من تعريض أرواح المدنيين للخطر بدلًا من حمايتهم، لا سيّما في ظل الاكتظاظ الشديد وتقلّص المساحات الآمنة نتيجة سياسات الضم القسري والتهجير القسري التي تفرضها سلطات الاحتلال.

وأوضح أنّ الواقع الميداني يبيّن أن المساعدات التي تصل عبر الجو تُعدّ شحيحة، وعشوائية التوزيع، وتنطوي على مخاطر جدّية، إذ كثيرًا ما تسقط في مناطق مكتظة بالسكان أو فوق خيام النازحين، أو في مناطق مخلاة أو خاضعة لسيطرة الاحتلال، أو حتى في البحر، ما يحوّلها إلى عملية غير آمنة ولا فعالة من الناحية الإنسانية.

ولفت إلى أنّ حالة التجويع الشديد التي يعاني منها المدنيون تدفعهم، منذ أسابيع، إلى التوجه نحو مسارات شاحنات المساعدات ونقاط التوزيع رغم إدراكهم أنها تحوّلت إلى مصائد موت وإذلال، الأمر الذي يجعل اندفاعهم نحو هذه المساعدات مشهدًا يوميًا من الإذلال الجماعي، ويُعرّض حياتهم للخطر المباشر، فضلًا عن خلق بيئة من التوتر والتنازع بين السكان من أجل الحصول على كميات ضئيلة من الغذاء.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أنّ معالجة المجاعة في غزة لا تتم من خلال حلول شكلية أو استعراضية، بل عبر إنهاء الحصار بشكل فوري وفتح ممرات برية آمنة وثابتة، تتيح تدفقًا منتظمًا وكافيًا للغذاء والدواء والوقود، من خلال آليات الأمم المتحدة الرسمية التي كانت تُشرف سابقًا على توزيع المساعدات عبر نحو 400 نقطة، قبل أن تعمل إسرائيل على تعطيلها عمدًا، مشددًا على أن استعادة هذه الآلية وحدها من شأنها أن تضمن وصول المساعدات بشكل عادل وآمن وشفاف إلى جميع المحتاجين، دون تمييز أو إخضاع.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على ضرورة الوقف الفوري لعمل “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي فرضتها سلطات الاحتلال أصلًا كأداة لإدارة الإذلال الجماعي والتحكّم العسكري في المساعدات، خارج أي إطار قانوني أو إنساني معترف به، بهدف السيطرة على توزيع المساعدات بما يخدم أهدافها، لا بما يضمن إيصالها العادل والآمن إلى المدنيين، مع استخدام نقاط التوزيع كساحات قتل جماعي تُدار تحت إشراف الاحتلال.

وأكد أنّ استمرار هذه المؤسسة لا يعرقل فقط أي استجابة إنسانية حقيقية، بل يرسّخ هيمنة الاحتلال الكاملة على قنوات الإغاثة، كما يتجلّى الآن في الإنزالات الجوية التي تُنفذ تحت إشرافه، وفق منطق استعماري قائم على الإبادة الجماعية، ويُمعن في انتزاع كل ما له صلة بالاحتياجات الإنسانية وكرامة السكان المحاصرين.

وحثّ المرصد الأورومتوسطي الدول والكيانات على ممارسة جميع الضغوط الممكنة على إسرائيل لإجبارها على التوقف عن تنفيذ جريمة التجويع، والدفع فورًا باتجاه استعادة الوصول الإنساني ورفع الحصار الإسرائيلي غير القانوني عن قطاع غزة، باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بوقف التدهور الإنساني المتسارع وضمان دخول المساعدات الإنسانية والبضائع، في ظل الخطر الوشيك بحدوث مجاعة، وضمان إنشاء ممرات إنسانية آمنة بإشراف الأمم المتحدة لضمان وصول الغذاء والدواء والوقود إلى جميع مناطق القطاع، مع نشر مراقبين دوليين مستقلين للتحقق من الامتثال.

وطالب المرصد الأورومتوسطي جميع الدول، منفردة ومجتمعة، بتحمل مسؤولياتها القانونية والتحرك العاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة بأفعالها كافة، واتخاذ جميع التدابير الفعلية لحماية الفلسطينيين المدنيين هناك، وضمان امتثال إسرائيل لقواعد القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، وضمان مساءلتها ومحاسبتها على جرائمها ضد الفلسطينيين، داعيًا أيضا إلى تنفيذ أوامر القبض التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق في أول فرصة وتسليمهم إلى العدالة الدولية، ودون إخلال بمبدأ عدم الحصانة أمام الجرائم الدولية.

ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل بسبب انتهاكها المنهجي والخطير للقانون الدولي، بما يشمل حظر شامل لتصدير الأسلحة إليها أو قطع الغيار أو البرمجيات أو المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، أو شرائها منها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري والاستخباراتي والأمني المقدمة لإسرائيل فورًا، بما في ذلك تجميد الأصول المالية للمسؤولين السياسيين والعسكريين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، وفرض حظر على سفرهم، وتعليق عمل شركات الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في الأسواق الدولية، وتجميد أصولها في المصارف الدولية، إضافة إلى تعليق الامتيازات التجارية والجمركية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح إسرائيل مزايا اقتصادية تُسهِم في تمكينها من مواصلة ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.

مقالات مشابهة

  • سفير الخرطوم بالقاهرة: مصر قدمت خدمات جليلة للسودانيين المتواجدين في مصر
  • اقرأ عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية الإثنين 28 يوليو 2025
  • رؤية مشتركة لمستقبل الشباب المصري: الأكاديمية الوطنية تستضيف وزير الشباب والرياضة
  • أكرم القصاص: مصر الطرف الأقدر على تقديم مبادرات وفهم كل الأطراف.. ولم تغلق المعبر
  • زوجة حمدي الميرغني تبهر متابعيها بإطلالتها في المالديف..شاهد
  • عرمان .. جلوس الأطراف للوصول لوقف إطلاق نار إنساني فوري ينهي الكارثة
  • أبرز عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية اليوم الأحد 27 يوليو 2025
  • الأورومتوسطي ..الإنزالات الجوية مهينة والممرات البرية وحدها سبيل الإغاثة الحقيقية
  • لماذا لاينبغي الحوار مع قحت، بل اجتثاثها (١-٣)
  • أشرف صبحي: المنشآت الشبابية والرياضية تدعم رؤية الدولة في بناء الإنسان