من سول عاصمة التكنولوجيا.. خرافات وعرّافات
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
عرّافات ورقم مشؤوم ولون منحوس وثوم لطرد الأرواح الشريرة وغيرها من الخرافات العديدة التي قد تظنها قادمة من بيئة شعبية في بلد نام، لكن المفاجأة أن هذه الخرافات وغيرها الكثير موجودة حتى اليوم في كوريا الجنوبية، البلد الذي بلغ مكانة عالية في التطور التكنولوجي لم تبلغها دول عديدة.
استكشفنا في الجزيرة نت أبرز تلك الخرافات واستطلعنا آراء بعض المواطنين بشأنها وإذا ما زالوا يؤمنون بصحتها، كما أخذنا رأي خبير في الأنثروبولوجيا بهذا الصدد، فما تلك الخرافات والعادات الكورية الغريبة؟
4: الرقم المشؤوميعتبر الرقم 4 نذير شؤم في الثقافة الكورية بسبب التشابه اللفظي بين كلمة "أربعة" وكلمة "موت" في اللغة الكورية.
وفي بعض الأحيان، قد تجد الطابق الرابع موجودا لكنه يخلو تماما من الأنشطة، كما يتم تجنب الرقم في أرقام المنازل أو الغرف في المستشفيات وحتى في قاعات الجنائز، كما يمكن أن تتأثر سلبا قيمة العقار الذي يحمل تكرارات متعددة من الرقم.
وبهذا الصدد يقول خبير الأنثروبولوجيا البروفيسور جيهيون بارك للجزيرة نت إن هذا التقليد غير خاص بكوريا، وإنما يشيع في شرق آسيا عموما، وسبب ذلك أن رقم أربعة ينطق "سا" وكلمة موت تنطق أيضا "سا"، وإذ إن الثقافة الشرق آسيوية القديمة تؤمن كثيرا بالتوافقات في الأفلاك والتواريخ والأسماء وغير ذلك، وأنه لا يوجد شيء عشوائي، ولكل توافق معنى ما، وبالتالي أصبح توافق نطق رقم 4 مع نطق كلمة موت له مغزى سلبي، وهكذا صار ينظر له بتشاؤم.
في حين أن الألوان تُستخدم في كثير من الثقافات للتعبير عن مشاعر متنوعة، فإن اللون الأحمر في كوريا الجنوبية مرتبط بالموت، وتعد كتابة اسم شخص حي بهذا اللون فألا سيئا للغاية.
إعلانويوضح البروفيسور بارك للجزيرة نت أن هذا التشاؤم يعود إلى التقاليد القديمة للجنائز في كوريا، حيث كانت العائلات تكتب أسماء المتوفين بالحبر الأحمر على السجلات العائلية وكذلك على شواهد القبور بهدف حماية الموتى، إذ إن الشامانية الكورية القديمة، التي كانت جزءا أساسيا من الثقافة الكورية لقرون، تعتقد أن اللون الأحمر يطرد الأرواح الشريرة. ثم مع مرور الوقت، أصبح اللون الأحمر مرتبطا بسجل الموتى وشواهد القبور، فترسخ في وعي الناس أن الكتابة به تجلب الحظ السيئ أو حتى الموت.
الثوم في كوريا ليس مجرد مكون في المطبخ، بل له مكانة أسطورية حيث يروي التاريخ الكوري قصة أسطورية لزوجين من الآلهة -في اعتقادهم- أعطيا الثوم لشخصية بشرية لتتناوله كاختبار للصبر والإيمان.
وفي الثقافة الشعبية، يُستخدم الثوم كوسيلة لحماية المنزل من الأرواح الشريرة، وربما لهذا السبب نجد الكوريين يتناولون كثيرا من الأطعمة التي تحتوي على الثوم النيئ في مكوناتها، مثل وجبة الكيمتشي الشهيرة.
وبالنسبة للكوريين فإنه إذا لم تأكل الثوم، فسوف يستهجنون ذلك على الفور بعبارة "هل أنت طفل؟"، وهي مثل قول "هل أنت كوري؟" بمعنى أنك لست كوريًا إن لم تأكل الثوم.
العرافات: كشف المستقبلتنتشر ظاهرة العرافات (مودانغ) في كوريا الجنوبية بشكل ملحوظ، إذ يلجأ إليها كثيرون من مختلف الطبقات الاجتماعية.
ويوضح البروفيسور بارك أن اهتمام الكوريين بزيارة العرافات يعود إلى تاريخ كوريا الطويل مع الشامانية والمعتقدات الشعبية التي شكلت الهوية الشعبية قبل أن تهيمن البوذية ثم المسيحية.
ويضيف أن الشامان، وهم كهنة الشامانية، كانوا الوسطاء بين عالم الأرواح والناس، يقدمون لهم النصح والحماية، وهذا الإرث تطور ليتجلى في ممارسات مثل قراءة الساجو (التنجيم على الطريقة الصينية) والتاروت (الورق).
إعلانويرى العالم الكوري أنه -من منظور أنثروبولوجي- توجد أسباب كثيرة لانتشار هذه التقاليد، أبرزها أن المجتمع الكوري "تنافسي للغاية، من امتحانات الجامعة إلى سوق العمل، مما يدفع الناس للبحث عن إجابات أو طمأنينة من العرافين حول مستقبلهم". كما أن "طلب المساعدة النفسية في الثقافة الكورية لا يزال محاطا بوصمة العار، فتكون العرافات بديلا للتعبير عن الهموم وتلقي الإرشاد".
كما أن "زيارة العرافين تعطي شعورا بالتحكم في المصير، خاصة عند اتخاذ قرارات كبيرة كالزواج أو الانتقال الوظيفي" بحسب بارك.
القمر البدر: الحظ السيئلا يزال بعض الكوريين يعتقدون أن النظر إلى القمر في أثناء اكتماله قد يجلب الحظ السيئ أو يؤثر سلبا على الأحلام، وهذه المعتقدات تتجلى أيضا في احتفالاتهم التقليدية المرتبطة بالقمر مثل "تشوسوك"، الذي يشبه عيد الشكر في الثقافة الغربية.
ماذا يقول الكوريون؟التقت الجزيرة نت الجدة لي يونغ جونغ (67 سنة)، فقالت لنا "رقم 4 ما زال يقلقني قليلا وأشعر بثقله على قلبي. كما أن الكتابة باللون الأحمر خطيرة عندي، أتضايق إذا كتبوا اسمي به لأنه يعني الموت وكنا نستخدمه في سجلات الجنائز، لكن الشباب اليوم لا يهتمون بهذا كثيرا".
وتضيف الجدة جونغ أن "النظر إلى القمر الكامل كانوا يحذرون منه قديما لأنه قد يحرك الأرواح الشريرة، فكنت أتجنبه احتياطا، لكن في ‘تشوسوك’ ننظر إليه ونتمنى الأمنيات. أما الثوم فأحبه لأنه جزء من روحنا، وكنا نعلقه في البيوت لمنع الأرواح الشريرة من دخول البيت".
أما كيم سوك (70 سنة) وهو موظف متقاعد فيرى أن "الرقم 4 يجلب سوء الحظ خاصة في أمور مثل الزواج أو اختيار مكان أو زمان بناء البيت" ويضيف "أتذكر عندما كان أخي يبني بيته قبل 50 سنة، بدأ البناء في اليوم الرابع من الشهر، وفي تلك الليلة انهار جزء من الأساس فجأة دون سبب واضح، لا يجب العبث مع حكمة الأسلاف"، على حد تعبيره.
إعلانفي المقابل كان للشباب رأي آخر، فعندما طرحنا الموضوع على الشاب كيم مين سو (24 سنة) قال لنا "في الحقيقة لا أؤمن بخرافة الرقم 4، صحيح أن بعض المباني في سيول تتجنبه لأن نطقه ‘سا’ يشبه نطق كلمة الموت، لكن بالنسبة لي هذا تقليد قديم لا يعنيني".
وتابع "أما الكتابة باللون الأحمر فقد تبدو غريبة أحيانا لأنها ترمز للموت، لكني أستخدمها في الجامعة دون مشكلة، أما القمر الكامل فلا أراه نذير شؤم بل هو جميل ورومانسي، والثوم أحبه لأنه في كل أكلاتنا تقريبا، من الكيمتشي إلى الحساء، ويذكرني بالبيت وأكل أمي".
كما قال الشاب بارك جي هون (29 سنة موظف)، إن "الرقم 4 لا يخيفني شخصيا لكني ألاحظ أن بعض زملائي في العمل يتجنبونه، مثل رفضهم غرفة 404 في الفندق. أما الكتابة باللون الأحمر فلا أحبها في السياقات الرسمية لأنها تذكرني بالجنائز".
ثقافة شعبيةعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حققته كوريا الجنوبية في العلوم والتكنولوجيا، فإن عديدا من هذه الخرافات لا تزال جزءا من الثقافة الشعبية، خاصة بين الأجيال الأكبر سنا، لكن الشباب يميلون إلى التقليل من أهميتها مع احتفاظهم ببعضها كجزء من التقاليد الثقافية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب الأرواح الشریرة کوریا الجنوبیة اللون الأحمر فی الثقافة فی کوریا الرقم 4
إقرأ أيضاً:
الكوليرا في اليمن.. بدون إجراءات عاجلة ستُزهق المزيد من الأرواح
ما زال اليمن يرزح تحت وطأة موجة ثانية من تفشي وباء الكوليرا منذ أذار/مارس 2024؛ لكنه في الشهور الأخيرة يشهد تزايدًا لافتًا في الإصابة بالاسهالات المائية الحادة بما فيها الكوليرا، خاصة في عدن وتعز ومأرب وصنعاء وعمران والمحويت وحجة وأبين وغيرها من المحافظات، التي لم تصدر السلطات في كل منها إعلانًا دقيقًا بأرقام الحالات الحديثة، بفعل الخوف من رد الفعل الاجتماعي والسياسي؛ إلا أن تقارير دولية يتواتر تحذيرها من الإصابات المتزايدة؛ لكن بدون الإعلان عن مؤشراتها.
وقال مدير مركز الترصد الوبائي في عدن في تقارير إعلامية محلية، خلال أيار/مايو، إن مركز العزل الصحي الخاص بالكوليرا في مستشفى الصداقة التعليمي يستقبل يوميا ما لا يقل عن 30 إصابة. وأردف موضحًا أن بعض هذه الحالات تصل من مديريات محافظة عدن، بينما يأتي بعضها الآخر من المحافظات المجاورة مثل لحج وأبين والضالع.
وكان لانخفاض التمويل العالمي لخطة الاستجابة الإنسانية الأممية في اليمن، وخاصة خلال عامي 2024 و2025 دورا في تراجع أنشطة برامج المواجهة، علاوة على ما يعانيه القطاع الصحي في اليمن من انهيار نسبة كبيرة من مقوماته، نتيجة الحرب المستعرة هناك منذ عشر سنوات.
من أهم التحذيرات الدولية التي صدرت حديثًا، في هذا الاتجاه، ما أعلنت عنه لجنة الإنقاذ الدوليةـ في أيار/مايو الماضي، عقب اختتام استجابتها المنقذة للحياة من الكوليرا في اليمن. وحذرت اللجنة، في بيان، من أنه في حال عدم اتخاذ إجراءات عالمية ستظل البلاد معرضة بشكل خطير لأوبئة مستقبلية وأزمات صحية متفاقمة.
مفترق طرق حرج
في عام 2024 وحده، سجّل اليمن أكثر من 260 ألف حالة مشتبه بها، وأكثر من 870 حالة وفاة مرتبطة بالكوليرا. ويُمثل هذا العدد، طبقًا للبيان، 35 في المئة من إجمالي الإصابات العالمية، و18 في المئة من إجمالي الوفيات العالمية الناجمة عن الكوليرا.
وقال القائم بأعمال المدير القطري للجنة في اليمن أشعيا أوعولا: «في ظل محدودية التمويل وتزايد الاحتياجات الإنسانية، تقف استجابة اليمن للكوليرا عند مفترق طرق حرج. وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة، ستُزهق المزيد من الأرواح، وقد تتفاقم الأزمة الصحية الهشة أصلاً وتخرج عن نطاق السيطرة. إن الاستثمار في أنظمة الصحة والمياه في اليمن الآن ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو أيضاً التزام بالاستقرار والصمود والكرامة الإنسانية على المدى الطويل. لقد أوضح اليمنيون احتياجاتهم بوضوح: إنهم لا يحتاجون إلى حلول مؤقتة، بل إلى دعم مستدام وهادف لإعادة بناء مستقبلهم».
وطبقًا لكبير مسؤولي الطوارئ الصحية والتغذية في اللجنة، عمرو صالح: «لا تزال الكوليرا قنبلة موقوتة في اليمن. من خلال مكافحتها، وصلنا إلى بعض أكثر المجتمعات تهميشًا في اليمن برعاية منقذة للحياة. لقد شهدنا ذلك بأم أعيننا».
وأكدت اللجنة أن الأسباب الجذرية لتفشي المرض ما زالت دون معالجة؛ فمحدودية الوصول إلى المياه النظيفة، وسوء الصرف الصحي، وسوء التغذية، وضعف النظام الصحي، لا تزال تُعرّض الملايين لخطر الإصابة بأمراض قاتلة.
في عام 2025، تتطلب خطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة 261 مليون دولار أمريكي لتوفير خدمات صحية مُنقذة للحياة لـ 10.6 مليون شخص، بينما هناك حاجة إلى 176 مليون دولار أمريكي لتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي لأكثر من ستة ملايين شخص.
حتى أيار/مايو 2025، لم يتجاوز تمويل قطاع الصحة 14 في المئة، بينما تجاوز تمويل قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية 7 في المئة بقليل. وبدون استثمار عاجل ـ تقول اللجنة – سيظل ملايين الأشخاص معرضين بشكل خطير لأمراض يمكن الوقاية منها، وستتفاقم دورة الطوارئ الصحية.
وكانت منظمة الصحة العالمية أكدت أن اليمن يتحمل العبء الأكبر من الكوليرا عالميًا. وقد عانى البلد من انتقال مستمر للكوليرا لسنوات عديدة، بما في ذلك أكبر تفشٍّ مُسجَّل في التاريخ الحديث – بين عامي 2017و2020.
وقالت في بيان: «يُلقي تفشي الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والإسهال المائي الحاد، عبئًا إضافيًا على نظام صحي مُنهك أصلًا، ويواجه تفشيات أمراض متعددة. وتواجه منظمة الصحة العالمية والجهات الفاعلة الإنسانية ضغوطًا في جهودها لتلبية الاحتياجات المتزايدة بسبب النقص الحاد في التمويل».
في 27 نيسان/أبريل الماضي وقعت الرياض ولندن على اتفاق تمويل منظمة الصحة والعالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» بمبلغ عشرة ملايين دولار، بواقع خمسة مليون دولار من كل بلد؛ لدعم برامج المنظمتين في مواجهة الكوليرا في أكثر المحافظات اليمنية تفشيًا. لكنها تبقى جهود محدودة لن تُحدث فرقا.
وسبق وحذر تقرير أممي من أن وباء الكوليرا سيستمر في الانتشار في حال لم يتم تأمين التمويل المطلوب من أجل «تعزيز عمليات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، ودعم أنشطة المياه والصرف الصحي، وجهود التواصل بشأن المخاطر المستدامة، وإشراك المجتمع لتحسين المعرفة العامة بتدابير الوقاية».
ما يشهده تفشي الكوليرا في اليمن يؤكد الحاجة إلى إجراءات عالمية عاجلة تلبي الاحتياجات المطلوبة من خلال تغطية التمويل المطلوب؛ بما يعزز من قدرات المواجهة وامكانات محاصرة الأوبئة التي تهدد حاضر اليمن ومستقبله.