د. محمد بن عوض المشيخي **

 

يعيش الإنسان في هذا الكون الرحب في صراعات لا تنتهي إلا إذا غيَّبه الموت، وذلك من أجل الكسب والفوز بالمال والمناصب والقصور المنيفة بدون أن يدرك أن الطمع هو الطريق إلى الهلاك والفناء.

الكل يجهل أو يتجاهل أن القناعة كنز ثمين يطيل من أعمارنا في الحياة ويجعل السعادة ترفرف وتسكن في نفوسنا وتلامس عقولنا؛ بل هي المعادلة التي تجعلنا نعيش بسلام مع من حولنا بعيدا عن معركة الفوز بالغنائم، وبالطبع لا يمكن لذلك أن يتحقق إلا إذا ما تمسكنا بقيمنا وأخلاقنا وعادتنا الحميدة، وقبل ذلك كله يجب أن نعرف أن سبب وجودنا هو للعبادة الخالصة للذي أوجدنا في هذه الدنيا الفانية.

من هنا تأتي الفرائض الأساسية وأركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم الدين الحنيف إلا بتطبيقها والتي لا مفر من القيام بها على أكمل وجه؛ كم هو جميل أن نجدد عهدنا مع الله عز وجل بالقيام بكل الأركان الخمسة المطلوبة منَّا جميعا بدون استثناء فالركن الرابع من أركان الإسلام الذي يأتي في العام مرة واحدة؛ ألا وهو الصيام الذي نشتاق إليه والأهم من ذلك وجب أن نُحسن استقباله واحتساب ذلك للخالق الذي أكرمنا ببلوغ الشهر المبارك، لنقوم بما يجب نحو الآخرين لكي نطهر قلوبنا من الأحقاد والضغائن ونفتح صفحة جديدة مع الأصدقاء والجيران وكل من يدور في فلكنا من البشر. فالحياة قصيرة ولا تحتمل الحسد والكبر والفتن التي تضيق بها صدورنا وتعبس فيها وجوهنا بالا مبرر في هذه الدنيا الفانية التي نحن فيها ضيوف.     

وهكذا يعود شهر رمضان من جديد إلى أعماق قلوبنا جميعا بما يحمله من خيرات ونفحات ايمانية كثيرة بفضل الله الذي انعم فيه على المؤمنين بالصيام والقيام، فهو أفضل أشهر العام؛ وفيه ليلة خير من ألف شهر، والأهم من ذلك كله بدايته رحمه ومنتصفه مغفرة وآخره عتق من النار، لمن أحسن منا العبادات المطلوبة في هذه الأيام المباركة التي نحن في بدايتها لكونها تتضاعف فيها الحسنات وتصحوا فيها الابدان بالتقليل من المأكولات غير الضرورية وترتقي فيه الأنفس بالأعمال الصالحة. والشوق إلى قدوم الشهر المبارك سمة خالدة وسجية حميدة طبعت على كل لسان من أبناء الأمة الإسلامية، فلكل منا يرفع يديه إلى السماء ويتضرع مُرددًا الدعاء المعروف "اللهم بلغنا رمضان"، وذلك اسوة برسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

رمضان شهر الصبر والتضحيات والصدقات التي فرضت للفقراء والمساكين والمحتاجين الذين ينتظرون من إخوانهم الجود بما يجودون به من فضل الله من المال والطعام والملبس. ولعل ما ننتظره كل رمضان من جمعية المحامين العمانية تحت عنوان مبادرة "فك كربة" التي تأتي هذا العام بنسختها الـ12 والتي تستهدف الإفراج عن 1300 شخص فقط من المعسرين الذين تراكمت عليهم الديون واصبحوا في السجون في مختلف مناطق السلطنة ولهم أسر خلفهم بدون معيل.

الآمال معقودة هذه السنة على كبار التجار في السلطنة المتقاعسين عن أداء هذا الواجب الديني بالتعاون والانضمام إلى العمل الخيري، أو على أقل تقدير تخصيص الزكاة هذا العام للمعسرين ومد يد العون للمديونين لمضاعفة تلك الأرقام وتحقيق طموح الجمعية بإطلاق جميع السجناء وعددهم بالآلاف؛ وخاصة الذين لهم أطفال لكي ينعم الجميع في هذا الوطن بالأمن والأمان والاستقرار والتكافل الاجتماعي. فواحد من عشرات التجار من أصحاب الملايين في هذا البلد العزيز يستطيع حل هذه المشكلة الإنسانية التي نتابعها في كل عام بدون إيجاد حلول جذرية لهذه الفئة التي قادتها الاقدار وظروف الحياة إلى خلف القضبان.

وعلى الجانب الآخر، هناك من الناس الذين يستعدون لهذا الشهر الكريم بالتفاخر بكثرة الموائد وتنوع أصناف الطعام والسهر إلى طلوع الفجر ثم الخلود إلى النوم طوال ساعات النهار للهروب من الجوع، وكأن أيام الشهر وجدت لتلك العادات الدخيلة علينا والتي لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع السنة المحمدية الشريفة التي تحث الناس على الاعتدال في الطعام، وتجنب الإسراف فيه وقبل ذلك كله قيام الليل والناس نيام.

من المؤسف حقاً أن نرى البعض عند دخول هذا الشهر الكريم يتهممون ويتثاقلون عن الواجبات اليومية المعتادة؛ بل يتوقفون عن أداء الواجبات والأعمال اليومية بزعم أن الصيام يشكل لهم تحدياً غير مسبوق، فذلك شعور نفسي عند ضعاف النفوس مدمني كثرة المأكولات، فتلك عادة ذميمة، وكأنَّ الواحد منا إذا ما ابتعد عن الطعام والشراب لمدة 13 ساعة في اليوم الواحد ستكون كارثة ومصيبة كبيرة على حياته، ولا يدرك هؤلاء أهمية الفوائد الصحية العديدة التي تنجم عن الصوم. فأصحاب العزيمة القوية يعتبرون تلك الأيام المعدودة بمثابة فرص ذهبية لتحقيق الإنجازات العظيمة والتقرب إلى الله بالعمل الجاد الذي هو جزء أصيل من العبادات؛ فيجب أن يعلم الجميع بأنَّ مُعظم انتصارات الأمة وحروبها في الدفاع عن ثغور الدولة الإسلامية كانت في رمضان.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السر فى منتصف الليل.. عصابة السيارات تواجه مصيرها خلف القضبان

أمرت جهات التحقيق بإحالة المتهمين بتكوين تشكيل عصابي لسرقة السيارات بالقاهرة، لمحكمة الجنح، لبدء محاكمتهم، بعد الانتهاء من التحقيقات وتفريغ كاميرات المراقبة.

المتهمين اعترفوا بتكوين تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات بأسلوب الضغط على الباب وتوصيل الأسلاك في منتصف الليل لعدم كشفهم، وتنفيذ 5 جرائم سرقة بنفس الأسلوب.

عاقبت المادة 318 من قانون العقوبات من يرتكب واقعة السرقة بمدة لا تتجاوز سنتين على السرقات التي لم تقترن بظرف من الظروف المشددة.

كما يعاقب بالحبس مع الشغل 3 سنوات على السرقات التي يتوافر فيها ظرف من الظروف المشددة المنصوص عليه فى المادة 317، ويجوز فى حالة العودة تشديد العقوبة وضع المتهم تحت مراقبة الشرطة مدة سنة على الأقل أو سنتين على الأكثر، وهي عقوبة تكميلية نصت عليها المادة 320 عقوبات.

الحكم بالحبس فى جرائم السرقة أو الشروع فيها يكون مشمولا بالنفاذ فورا ولو مع حصول استئنافه.

الظروف المخففة لعقوبة السرقة

نصت المادة 319 عقوبات على أنه يجوز إبدال عقوبة الحبس المنصوص عليها فى المادتين 317، 318 بغرامة لا تتجاوز جنيهين مصريين إذا كان المسروق غلالا أو محصولات أخرى لم تكن منفصلة عن الأرض، وكانت قيمتها لا تزيد على خمسة وعشرين قرشا مصريا.

كما تطبق المادة 319 من قانون العقوبات، فى حال يكون الفعل فى الأصل جنحة أي من السرقات العادية التي ينطبق عليه نص المادة 317 أو نص المادة 318 من هذا القانون، أم إذا كان الفعل جناية فلا يمكن أن يسري عليه الظرف المخفف.

كما نصت المادة 312 عقوبات على أنه لا يجوز محاكمة كل من يرتكب سرقة إضرارا لزوجته أو أصوله أو فروعه، إلا بناء على طلب المجني عليه، وللمجني عليه التنازل عن دعواه لذلك فأية حالة كانت عليها الدعوى، كما أنه له أن يقف تنفيذ الحكم النهائي على الجاني فى أي وقت شاء.

المشرع وضع بهذا النص قيدا على حرية النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية تجاه الجاني، وذلك حرصا على مصلحة الأسرة، كما أن هذا النص ينطبق على سائر السرقات بسيطة أو مشددة، كما يسري على الروع فيها، ويستوي أن يكون فاعلا أو شريكا.

الظروف المشددة لعقوبة السرقة

يعاقب بالحبس مع الشغل:

- على السرقات التي تحصل فى مكان مسكون أو معد للسكن أو فى ملحقاته أو فى أحد المحلات المعدة للعبادة.

- على السرقات التي تحدث فى مكان مسور بحائط أو بسياج من شجر أخضر أو حطب يابس أو بخنادق. ويكون ذلك بواسطة كسر من الخارج أو تسور أو باستعمال مفاتيح مصطنعة.

- على السرقات التي تحصل بكسر الأختام المنصوص عليها فى الباب التاسع من الكتاب الثاني .

-على السرقات التي تحصل ليلا.

-على السرقات التي تحصل من شخصين فاكثر.

-على السرقات التي تحصل من الخدم بالأجرة إضرارا بمخدوميهم ، أو المستخدمين أو الصناع أو الصبيان فى معامل أو حوانيت من استخدموهم أو ف المحلات التي يشتغلون فيها عادة.

-على السرقات التي تحصل من المحترفين بنقل الأشياء فى العربات أو المراكب أو على دواب الحمل ، أو أي إنسان أخر مكلف بنقل أشياء أو أحد اتباعهم ، إذا سلمت إليهم الأشياء المذكورة بصفتهم السابقة.

-على السرقات التي ترتكب أثناء الحرب على الجرحى حتى من الأعداء.







مشاركة

مقالات مشابهة

  • إطلاق خدمات الجيل الخامس في مصر.. ما المزايا التي تقدمها للمواطنين؟
  • عاجل.. المحكمة تُبرئ محمد رمضان من تهمة إهانة علم مصر
  • بعد قليل.. محاكمة الفنان محمد رمضان لاتهامه بـ إهانة العلم المصري
  • افتتاح سوق جارا في 13 الشهر الحالي
  • السر فى منتصف الليل.. عصابة السيارات تواجه مصيرها خلف القضبان
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • إطلاق خدمة الشهر العقاري بمجمع محاكم مجلس الدولة بالدقي
  • مصادر: رد حماس على مقترح ويتكوف كان إيجابياً وهذه التعديلات التي تطلبها الحركة
  • امريكا ترفض ردّ “حماس” الذي يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني
  • ما الذي تضمنه رد حركة حماس على ورقة ويتكوف للهدنة؟