نداء حمدوك.. هل هو أصلاً الخطة الدولية لإيقاف الحرب؟

صلاح شعيب

فجأة بدأ الإعلان الكثيف قبل يومين عن خطاب جديد يقدمه رئيس تحالف صمود د. عبد الله حمدوك للأمة السودانية. واليوم استمعنا لخطة متكاملة يضطلع بها الرجل، وقبل الإجابة على سؤال العنوان دعونا نتلمس ماضي حمدوك القريب في علاقته بالمجتمع الدولي لتبين ما إذا كان الذي نطق به اليوم هو بالفعل الخطة القادمة لتعامل المجتمع الدولي بشأن السودان وحربه:

دخل حمدوك عتبة القيادة السياسية، وهو يستحسن الظن في أطراف الوثيقة الدستورية بأن يعينوه عوضاً عن وضع المتاريس أمامه.

فالرجل الهادي الطبع واجه أعضاء مكون عسكري معظمهم ملطخون بالدماء. وكأنهم يضحكون بعضهم بعضاً حين يسمعونه يجدد الحديث دائماً عن تقديم شراكة سودانية مميزة في التآخي بين العسكر والمدنيين للعبور نحو كمال الديمقراطية.

فالعسكر في عالمنا الثالث يدركون نقاط ضعف المدنيين في أوطان يتغلب فيها صوت السلاح على صوت العقل في كل الحالات، وبالتالي تبدو فرصهم للانقضاض على السلطة في أي لحظة توازي عدداً من العقود في الكفاح المدني حتى يفرض إرادته.

جاءت وزارة حمدوك للسلطة، وهي خلو من مخالب قوية للأجهزة النظامية الفاعلة التي ورثها المكون العسكري. بل إن كل أعضائه ترقوا في السلم الوظيفي نتيجةً لذبحهم المهنية. فالوثيقة الدستورية، التي هي حكم وقتها بسبب التوازن في القوة الذي دخل به الوسطاء لتجاوز الأزمة، كانت تحمل جرثومة فنائها. ذلك بسبب ضعف الضمانات بأن يلتزم المكون العسكري – وعلى رأسه البرهان – بتعزيز خطى الشراكة الانتقالية بما يجعلها مثمرة حتى تقود إلى الانتخابات. ومن مكمن غياب الضمانات تلك كانت فكرة حمدوك للاستعانة بالبعثة الدولية التي جاءت بفولكر.

ومن ناحية أخرى كان حظ المدنيين المتشاكسين مع حمدوك أن يُسير كل طرف الانتقال بناءً على منظوره السياسي، أو الأيديولوجي. ولما انقسم المدنيون بدافع أنانيتهم السياسية ضعفت حظوظ حمدوك في الحفاظ على قاعدة الثورة. وبدا أن المطلوب إسقاط حكومته بواسطة الحزب الشيوعي مقابل دفاع مستميت من أحزاب ضعيفة القاعدة، وهروب مبكر لحزب الأمة من تحمل المسؤولية. وفي هذا الوضع وجد حمدوك نفسه بين اصطراعات قاعدته التي سهلت تآمر المكون العسكري، ومن خلفه الدولة العميقة التي يتولاها الفلول الإسلاميين. وقريب من هذه المشاهد كانت الحركات المسلحة الموقعة على إعلان الحرية والتغيير قد مثلت خصماً من الرصيد القاعدي لرئيس الوزراء الطموح، وفضلت تهيئة الأوضاع للانقلاب على حكومة الثورة التي منحتها السلطة عبر اتفاق جوبا.

لكل هذه الأسباب المختصرة، وهناك أخرى، ترنحت حكومة حمدوك الأولى التكنوقراطية، وفشلت الثانية الحزبية في إنقاذ خطط حكومته للإصلاح السياسي، والاقتصادي، والدبلوماسي، والتربوي، والخدمي، والإعلامي، والزراعي، إلخ. ومع ذلك حافظ حمدوك على الدعم الإقليمي والدولي كنصير يتيم أمام تآمرات بني شعبه للحيلولة دون إنجاح مهمته الشديدة التعقيد.

الآن يطرح الدكتور حمدوك حلاً للحرب عبر منصة “صمود” بعد مجهودات مكوكية للسلام بذلها مع تنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم”. وللأسف فقدْ فقدَ حمدوك عون معظم القاعدة التي دعمت إعلان الحرية والتغيير. بل إن تداعيات الاتفاق الإطاري ثم انقلاب البرهان فالحرب ضاعفت التصدعات وسط التيارات التي أسست ذلك التحالف المنتصر الذي زف حمدوك للوزارة. ضف إلى هذا أن الرجل واجه حملات مسعورة من الشيطنة، والوصف بالعمالة، والخيانة، في محاولة لقبر شخصيته العامة، بجانب تثبيت أهداف الحرب المعنية بطي صفحة ثورة ديسمبر، ومن ثم تدشين مرحلة استبدادية جديدة بعد التعديلات الدستورية التي أجراها البرهان لحيازة الحكم المطلق في أراضيه المحررة.

وعلى كل حال فإن الأسباب الموضوعية التي منعت حمدوك من إنجاز مهامه كرئيس للوزراء، وقائد لتقدم، تكثفت أكثر فأكثر، وتناسلت للدرجة التي يصعب معها القول إن الرجل قد أخطأ التقدير في تنمية حلمه الوطني لخلق اختراق مع جماعته الضعيفة القاعدة الآن لإيقاف الحرب.

مهما يكن من أمر قبول أو عدم قبول رجاءات ومناشدات حمدوك الأطراف الداخلية المعنية بإيقاف الحرب، فإن حديث حمدوك الجديد رسم خطة للمجتمع الدولي للتعامل بشأن الحرب، وما بعدها. ولا أتخيل أن الرجل تحرك في الفراغ ليطرح مبادرته دون التشاور مع اصدقائه في الاتحاد الأفريقي، والمحيط الإقليمي، والدولي.

نداء حمدوك الأخير مهم للغاية فهو يحوز على علاقات إقليمية، ودولية، لا نجد قيادياً سياسياً في مشهدنا السوداني يماثله في هذه الحظوة التفضيلية. فضلاً عن ذلك فإنه مؤهل علمياً، وعملياً، ومدرك لفداحة أوضاعنا السياسية الداخلية، والإقليمية، والدولية، وتعاريجها من خلفية اكتسابه التجربة خلال تقلده منصبه الانتقالي السابق. لا أتخيل أن الأطراف الفاعلة في المشهد الآن مستعدة للاعتبار بنداء حمدوك في ظل الانقسام المجتمعي الحاد. وحسب الرجل فقط ألا يقنط من رحمة تأتي لمساعيه الدولية النبيلة، وهو محاط بالتحديات الموضوعية التي تمسك بتفاصيل راهن الشأن السياسي. وفوق كل ذلك فإن الملعب السياسي جامد أمام قبول أي مبادرات خيرية لإيقاف الحرب خصوصا في ظل إصرار قادة الموتمر الوطني المنحل على مواصلة الحرب.

بعيداً عن ضعف قاعدة تحالف صمود فإن تحركات رئيسها في المشهد الدولي ستظل موثرة في محصلة التوجه الإقليمي والدولي نحو السودان أكثر من تأثيره على محصلة توجه السودانيين مجتمعين للتقرير بشأن بلادهم. ولكل هذا أرى أن نداء حمدوك الجديد مدفوع بدعم من الاتحاد الأفريقي، ومباركة إقليمية ودولية لدفع الأطراف المعنية بحالة السودان لإنقاذه من استمرار الحرب.

الوسومالأمم المتحدة الاتحاد الأفريقي التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الحرب السودان المجتمع الدولي تنسيقية تقدم د. عبد الله حمدوك صلاح شعيب نداء السودان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأمم المتحدة الاتحاد الأفريقي التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة صمود الحرب السودان المجتمع الدولي تنسيقية تقدم د عبد الله حمدوك صلاح شعيب نداء السودان لإیقاف الحرب نداء حمدوک

إقرأ أيضاً:

توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل

كتب توماس فريدمان أنه رأى هذه المرة إشارات جديدة في إسرائيل تشير إلى أن مزيدا من الإسرائيليين، من اليسار والوسط وحتى من اليمين، يستنتجون أن استمرار هذه الحرب كارثة على بلدهم أخلاقيا ودبلوماسيا وإستراتيجيا.

وذكر الكاتب المعروف بميوله الليبرالية -في عموده بصحيفة نيويورك تايمز- أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وهو من الوسط، كتب مقالا لم يتردد فيه في مهاجمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وائتلافه، قائلا إن "حكومة إسرائيل تخوض حاليا حربا بلا هدف ولا تخطيط واضح، ودون أي فرص للنجاح"، وأضاف "ما نفعله في غزة الآن حرب إبادة، قتل عشوائي للمدنيين بلا حدود، وحشي وإجرامي"، وخلص إلى القول "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: البوسنة والهرسك فاشلة حتى بعد 30 عاما من التدخل الدوليlist 2 of 2إندبندنت: إسرائيل مستمرة بهدم جسور الثقة بينها وبين الغربend of list

أما من اليمين، فهذا أميت هاليفي، وهو عضو حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو، وهو مؤيد شرس للحرب، يعتقد أن تنفيذها كان فاشلا، وأن إسرائيل لم تنجح في تدمير حماس.

 

ومن اليسار، صرح زعيم التحالف الليبرالي الإسرائيلي يائير غولان بأن إسرائيل في طريقها إلى أن "تصبح دولة منبوذة مثل جنوب أفريقيا، إذا لم تتصرف كدولة راشدة لا تحارب المدنيين، ولا تتخذ قتل الأطفال هواية".

الحرب أنهكت المجتمع

وذكّر فريدمان بأنه لم يُسمح تقريبا لأي صحفي أجنبي مستقل بالتغطية المباشرة من غزة، وبالتالي عندما تنتهي الحرب وتمتلئ غزة بالمراسلين والمصورين الدوليين الأحرار، سيتم الإبلاغ عن حجم الموت والدمار وتصويره بالكامل، وستكون تلك فترة عصيبة للغاية بالنسبة لإسرائيل ويهود العالم.

إعلان

ولذلك كان غولان، وفقا لفريدمان، محقّا في تنبيهه شعبه إلى ضرورة التوقف الآن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واستعادة المحتجزين، وإرسال قوة دولية وعربية إلى قطاع غزة، ولكن نتنياهو أصر على مواصلة الحرب.

ومع استهداف الجيش الإسرائيلي مزيدا من الأهداف الثانوية، تكون النتيجة هي قتل مدنيين من غزة كل يوم، مع أنه ليس ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة وحده هو ما يثير غضب الإسرائيليين المتزايد ضد الحرب، حسب فريدمان، بل ما يثيره هو أن الحرب أنهكت المجتمع بأسره.

واستشهد فريدمان هنا بما قاله عاموس هاريل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس بأن مؤشرات الفشل تشمل كل شيء من "تزايد حالات الانتحار إلى تفكك العائلات وانهيار الشركات".

وإذا كان العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنهم محاصرون من قبل قادتهم، فإن سكان غزة أيضا يشعرون بمثل ذلك -حسب فريدمان- وإذا كان بعض القادة الإسرائيليين سوف يواجهون الحساب عندما تصمت مدافع الحرب، فإن الشيء ذاته سيحدث لقادة حماس بغزة.

وإذا كان قادة حماس قد ظنوا أنهم ينزلون كارثة بإسرائيل، فإنهم -حسب فريدمان- منحوا نتنياهو فرصة لتدمير حليفهم حزب الله في لبنان وسوريا، مما أضعف قبضة إيران على هاتين الدولتين، وحتى على العراق، بل ساعد في إخراج روسيا من سوريا، فيما اعتبرها الكاتب هزيمة مدوية "لشبكة المقاومة" التي تقودها إيران.

وإذا كانت عمليات نتنياهو العسكرية مهدت للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يرى فريدمان، فإن نتنياهو يضيع فرصة السلام هذه برفضه أن يفعل الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يطلق العنان لسياسة المنطقة بأكملها، ألا وهو فتح الطريق أمام حل الدولتين مع سلطة فلسطينية مُصلحة.

قبيلة اليهود ضد قبيلة الديمقراطية

ولا عجب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد إضاعة الوقت مع نتنياهو، فهو يذهب إلى الدول التي تعطيه، لا إلى الدول التي تطلب منه مثل إسرائيل، ولكن نتنياهو لن يسمح لترامب بصنع أي تاريخ معه.

إعلان

غير أن ترامب، ربما ليست لديه أي فكرة عن مدى التغيير الداخلي الذي طرأ على إسرائيل، خاصة أن العديد من اليهود الأميركيين لا يدركون مدى ضخامة وقوة المجتمع الديني المتطرف والقوميين المتدينين الاستيطانيين في إسرائيل، ومدى اقتناعهم برؤيتهم لغزة كحرب دينية، كما يقول الكاتب.

وقد أوضح الرئيس السابق للكنيست أفروم بورغ، متحدثا عن اليمين القومي المتدين الاستيطاني في إسرائيل "بيبي (لقب نتنياهو) هو في الواقع بيدقهم وليس اللاعب الحقيقي".

وأضاف بورغ "حدِّثهم عن إمكانية تحقيق إسرائيل السلام مع السعودية، يتجاهلونك ويقولون إنهم ينتظرون المسيح، حدثهم عن فرصة إسرائيل لتحقيق السلام مع سوريا، يردون بأن سوريا ملك للشعب اليهودي، حدثهم عن القانون الدولي، يحدثونك عن القانون التوراتي. حدثهم عن حماس، يحدثونك عن العماليق".

وخلص بورغ إلى أن الانقسام الحقيقي في إسرائيل اليوم ليس بين المحافظين والتقدميين، "بل بين القبيلة اليهودية والقبيلة الديمقراطية. والقبيلة اليهودية هي المنتصرة الآن".

وختم فريدمان بمقارنة بين أسلوبي نتنياهو وترامب المتشابهين في تقويض ديمقراطيتيهما، حسب زعمه، فكلاهما يحاول تقويض محاكم بلاده و"الدولة العميقة"، أما الهدف فهو بالنسبة لترامب إثراء نفسه شخصيا ونقل ثروات البلاد من الأقل حظا إلى الأكثر امتيازا، أما بالنسبة لنتنياهو فهو التهرب من تهم الفساد ونقل السلطة والمال من الوسط الإسرائيلي الديمقراطي المعتدل إلى المستوطنين والمتدينين.

مقالات مشابهة

  • دمار كبير في القطاع الصناعي سببه الحرب في السودان
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • نقابة أطباء السودان تستبعد القضاء على الكوليرا في ظل استمرار الحرب .. حمدوك يخاطب العالم… و«أطباء بلا حدود» تحذِّر من ازدياد الإصابات
  • خبراء: فشل عسكرة المساعدات في غزة كان متوقعا لتناقضه مع القوانين الدولية
  • السودان بين أقدام الفيلة-الحرب، والمصالح الدولية، والتواطؤ الصامت
  • بنك التسويات الدولية يوجّه نداء عاجلاً
  • ألف “أكاديمي إسرائيلي” يطلقون نداءً عاجلًا لوقف الحرب على غزة ويتهمون الحكومة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية
  • ألف أكاديمي إسرائيلي يطلقون نداء عاجلا لوقف الحرب على غزة
  • كاظم الساهر يدعو لإيقاف الحرب على غزة في رسالة صوتية
  • نساء سودانيات يناقشن معاناة اللاجئين في لقاء حمدوك بكمبالا