المفهوم الأوروبي من شارل ديغول إلى دونالد ترامب
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
ترجمت مشادة الرئيس الأمريكي مع الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض، مدى حجم التباين والتباعد بين الموقف الأمريكي، الهادف إلى إيجاد الحلول التي تضمن وقف الحرب مع روسيا، والموقف الرسمي الأوكراني الذي تدعمه المجموعة الأوروبية، للوصول إلى سلام عادل ومستدام وشامل، يضمن سيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدة أراضيها، ضمن حدودها المعترف بها دوليا، ومعرفة أسباب التعنت الأوروبي وتمسكه بحق القارة الأوروبية المشاركة في دائرة التفاوض، والمطالبة بخروج روسيا من الأراضي الأوكرانية، كشرط لنجاح اتفاق سلام يضمن الحماية والأمن لأوروبا، في الوقت الذي ترفض فيه الإدارة الأمريكية، مشاركة المجموعة الأوروبية في سعيها إعادة تقييم العلاقة مع روسيا، للوصول إلى وقف سريع لإطلاق النار في أوكرانيا، لتنهي فترة طويلة من التوافق السياسي والعسكري بين الغرب الأمريكي والغرب الأوروبي.
ليس من الصعب فهم طبيعة العلاقة التي جمعت الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها الأوروبيين منذ الانتصار الذي حققه الجانبان في الحرب العالمية الثانية، حين طلبت الدول الأوروبية المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد نقض ألمانيا النازية للمواثيق الدولية، واحتلالها تشيكوسلوفاكيا، ما زاد من تخوف أوروبا والولايات المتحدة من خطورة السيطرة والهيمنة الألمانية على العالم، ناهيك من تخوف واشنطن وحرصها على وقف ازدياد التوسع الياباني في الشرق الأقصى. ما جعل من هذه العوامل، ضرورة للتوغل الأمريكي في القارة العجوز، بعد ربط اقتصادها بالاقتصاد الأوروبي، من خلال مشروع مارشال، حيث أعاد التدخل الأمريكي التوازن في القارة الأوروبية، وساهم في إلحاق الهزيمة بالنازية، التي كانت في طريقها للسيطرة على القارة بأكملها.
يبدو واضحا أن أمريكا الترامبية لا تتفق مع رؤية وأسس تكوين الاتحاد الأوروبي بصيغته الحالية،
كان لمشروع مارشال الخاص بمساعدة أوروبا في النمو والاستثمار، وتحديث الصناعات والبنى التحتية الأوروبية، غداة خروجها من الحرب، الدور الكبير في تبعية أوروبا الاقتصادية لأمريكا، وكما كان لحصار الاتحاد السوفييتي لبرلين عام 1949، العامل المُكمل الآخر لانتشار القوات الأمريكية، وفرض هيمنتها العسكرية على القارة، من خلال منظمة حلف شمال الأطلسي، وإبعادها من الخطر السوفييتي المتصاعد، الذي رسم صورة من الشرعية لهذا الوجود الأمريكي، على الرغم من الخلافات الأولية الخاصة بالحرب الهندية ـ الصينية، وحرب فرنسا في فيتنام، ناهيك عن رفض الجنرال شارل ديغول مؤسس فرنسا الحرة، القبول بجميع بنود هذه العلاقة في نهاية الخمسينيات، حيث أبدى رغبته الواضحة في الانسحاب من القيادة العسكرية للحلف، والتأكيد على استمرار استقلالية فرنسا كقوة نووية حليفة لواشنطن، ولكن غير منحازة للاستراتيجية السياسية والعسكرية الأمريكية، نتيجة للرفض الأمريكي، تقاسم القيادة في منظمة حلف شمال الأطلسي.
ومنذ ذلك الحين لم تتأثر العلاقات الأوروبية ـ الأمريكية عبر تاريخها كما تأثرت أسس شراكتها اليوم مع وصول دونالد ترامب، حيث يرى العديد من متتبعي السياسة الأمريكية، أن الموقف الأوروبي المعادي لفلاديمير بوتين من الحرب في أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الاتحاد الأوروبي، قادرة على إعاقة استراتيجية دونالد ترامب الهادفة إلى إفشال عملية التقارب بين الصين وروسيا. في الوقت نفسه ترى الإدارة الأمريكية في طبيعة الموقف الأوروبي المعادي للأهداف الروسية في أوكرانيا، العامل المساعد في ولادة كتلة روسية ـ صينية، قد تُفشل تحقيق الأهداف المرسومة في جعل القارة الأمريكية الأكبر في العالم. وهذا ما يجعل من طبيعة وجود الهيكل السياسي الأوروبي القائم على مجموعة من الدول المختلفة والضعيفة، ومن خلال رؤية لا تعطي الأهمية لهوية الشعوب وفصل الحدود، بمثابة القبول بولادة تكتل صيني ـ روسي، وبدعم من دول “البريكس” هدفه مجابهة خطط الإدارة الأمريكية الجديدة. لا شك أن نجاح جهود الرئيس الأمريكي ترامب في إيجاد حل لوقف الحرب في أوكرانيا وإهمال الدور الأوروبي، في إعادة تقييم العلاقة مع روسيا، للوصول إلى وقف سريع لإطلاق النار في أوكرانيا وعودة موسكو إلى دائرة الكبار، يهدف إلى منع موسكو من التقارب المفرط مع بكين، ويضرب من خلاله عرض الحائط أسس التحالف الاستراتيجي، الذي وحّد الغرب على مدى ثمانين عاماً، وينهي علاقة الحلفاء الأوروبيين من دائرة الأهداف المشتركة، ويبعد استراتيجيتهم في العديد من القضايا والمعادلات الدولية في بقاع العالم.
من هنا يبدو واضحا أن أمريكا الترامبية لا تتفق مع رؤية وأسس تكوين الاتحاد الأوروبي بصيغته الحالية، كممثل ومسؤول ضعيف لتجمع من الدول، ما قد يدفعها إلى تحجيم أهمية دور المجموعة الأوروبية، الضعيف سياسيا وعسكريا، مقارنة بالدول العظمى كالصين وروسيا والهند. أن ما يأمل في تنفيذه الرئيس الأمريكي الجديد من خلال شعار “أمريكا أولا” هو تغيير الشكل والمضمون لعالم متعدد الأقطاب وجعله قابلا للهيمنة الأمريكية، يسمح للولايات المتحدة الأمريكية التحكم والتوافق مباشرة مع القوى المهمة في العالم، وعلى حساب القارة الأوروبية. ومن خلال بيئة جيوسياسية، تفصل الغرب الأوروبي عن الغرب الأمريكي، وتنهي التوافق النسبي لدول الحلف الأطلسي الشريكة لواشنطن في تمثيل العالم الغربي في علاقات الغرب الأمريكي السياسية والاقتصادية مع العالم.
ان رغبة الإدارة الأمريكية بحصر التفاوض المباشر مع روسيا، ورفضها لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، ومطالبة الأوروبيين برفع عقوباتهم الاقتصادية المفروضة على روسيا، إذا أرادوا المشاركة في المحادثات، قد يعيد للنخبة الفرنسية تقييمهم لموقف الجنرال ديغول الواضح، ورغبته في الانسحاب من القيادة العسكرية للحلف الأطلسي، ومن ثم معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة، لا تزال الحليفة الدائمة للمصالح الفرنسية وسياستها في العالم. إن إعادة رسم مفهوم العلاقة الأوروبية من خلال العودة إلى فكرة الجنرال ديغول، للمفهوم السياسي والتاريخي لأوروبا، وأهمية الحفاظ على السيادة الوطنية لفرنسا في علاقتها مع الأمم، هي رؤية تتمثل في أهمية أوروبا من “المحيط الأطلسي حتى جبال الأورال” كأمم مستقلة عن بعضها بعضا، حرة في تعاملها مع العالم، تضمن لها سيادتها في أن تكون في الوقت نفسه، حليفة لأمريكا ورافضة للانحياز لسياسة إدارة دونالد ترامب وشعارها المتمثل في أمريكا أولاً.
المصدر: القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أوروبا ترامب أوروبا اوكرانيا ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإدارة الأمریکیة دونالد ترامب فی أوکرانیا مع روسیا من خلال
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الأمن القومي الأمريكي: راعي الأبقار وماشية العالم
على امتداد 29 صفحة، مضافة إليها 3 صفحات للغلاف وتصدير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والفهرس؛ تلجأ “استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة”، التي أصدرها البيت الأبيض مؤخراً، إلى إعادة إنتاج مرتكزات صغرى، ولكنها محورية نصّت عليها استراتيجيات سابقة؛ وتطوي، في المقابل، سلسلة مرتكزات كبرى (أو هكذا بدت، زمن اعتمادها على الأقل) أو تلقي بها إلى سلّة مهملات الإدارة الراهنة، في انتظار أيّ انتشال أو إعادة تدوير مستقبلية.
ومن تحصيل الحاصل، أو لأنّ المنطق البسيط يفترض الانطلاق من هذا التفصيل، تصحّ قراءة الاستراتيجية من عنوانها، كما هي حال المكتوب في القول الشائع؛ أي قرابة الـ 400 كلمة التي كتبها ترامب على سبيل تقديم الوثيقة، وتسير خاتمتها هكذا: “هذه الوثيقة خريطة طريق لضمان أن تبقى الولايات المتحدة الأمّة الأعظم والأرفع نجاحاً في التاريخ الإنساني، وبيت الحرية على الأرض. وخلال السنوات المقبلة سوف نستمر في تطوير كلّ بُعد من قوّتنا القومية ــ وسنجعل أمريكا أكثر أماناً، أغنى، أكثر حرية، أعظم، وأشدّ جبروتاً من أيّ وقت مضى”.
الفصل الرابع من الوثيقة، وبعد قِسم حول المبادئ وآخر حول الأولويات، توزّع الاستراتيجية الجديدة العالمَ إلى خمس مناطق: نصف الكرة الغربي، آسيا، أوروبا، الشرق الأوسط، وأفريقيا؛ في نقلة أولى دراماتيكية تنأى عن المفهوم التقليدي الشائع لفكرة “الغرب” بوصفه أوروبا والولايات المتحدة، وربما نطاق الحلف الأطلسي عموماً. نصف الكرة الغربي، الذي يتصدّر أقسام العالم، هو الولايات المتحدة + أمريكا اللاتينية، حيث إعادة التأكيد على “عقيدة مونرو” الشهيرة، وتُنسب إلى الرئيس الأمريكي الخامس جيمس مونرو، سنة 1823؛ وتحظر على أوروبا، صراحة وليس تلميحاً، أي تدخل في شؤون دول أمريكا اللاتينية، لأنّ هذه المنطقة مجال حيوي أمريكي حصري.
والاستراتيجية الجديدة تطلق على هذا النهج تسمية “لازمة ترامب” البديهية المكمّلة لـ”عقيدة مونرو”، وبالتالي لا تتردد في تحذير العالم بأسره، وأوروبا في المقام الأول، من مغبة التنافس على نصف الكرة الغربي هذا؛ على أي نحو يضعف الهيمنة الأمريكية فيها، أو يهدد “علوّ الشأن” الأمريكي على امتداد “جغرافيات” المنطقة. أكثر من هذا وذاك، تمضي فقرة تالية في الوثيقة إلى تلخيص أغراض الولايات المتحدة هنا، في قاعدتين: الإدراج (بمعنى التطويع والتجنيد)، ثمّ التوسّع (حتى إذا اقتضى التدخل العسكري المباشر). وفي كلّ حال، لا تخفي طرائق تطبيق القاعدتين مزيجَ الترغيب والترهيب: “نريد الأمم الأخرى أن ترى فينا شريك الاختيار الأول، وسنعمل (بوسائل متعددة) على تثبيط تعاونهم مع الآخرين”؛ نعم، هكذا بالحرف!
وللمرء أن يترك لهؤلاء الـ”آخرين” التعليق على لغة لا تكتفي باستلهام عقلية راعي البقر/ زعيم العصابة، بقدر ما تترجمها إلى “استراتيجية” كونية شاملة للقوة العظمى على الارض؛ الأمر الذي في الوسع العثور عليه لدى وزير خارجية ألمانيا (حيث الجزء الأوروبي الأكثر تصنيعاً والأغنى اقتصاداً في القارة)، الذي اكتفى بالقول إنّ بلاده “ليست بحاجة إلى نصائح من الخارج”، متغافلاً عن أنّ أمريكا ما بعد الحرب العالمية الثانية أسدت إلى ألمانيا ما هو أثقل وأفدح وأبعد أثراً، من النصائح. أو، في ردّ فعل “أكاديمي” بعض الشيء، موقف معهد “شاتام” البريطاني العريق، حيث طُبخت وتُطبخ التغطيات الفلسفية والاقتصادية الأكثر تمجيداً للإمبريالية الغربية المعاصرة. هذا إذا لم يذهب المرء إلى الصامتين في قصر الإليزيه أو 10 داوننغ ستريت أو بروكسيل، حيث حصون أوروبا المريضة بـ”شيخوخة ديموغرافية” وقعيدة “أزمة هوية”؛ حسب توصيفات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة.
وبالطبع، ثمة “آخرون” هنا وهناك في أصقاع العالم، أو بالأحرى على كلّ بقاع الكوكب الأرضي التي ليست جغرافية أمريكية رسمية؛ وبالتالي حالها مع استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة تتشابه في كثير أو قليل، أو أنها لا تختلف إلا حيث تتباين أولويات البيت الأبيض، إذْ تقارب شؤون مناطق الكون الخمس. آسيا، في المثال الثاني، تُسجَّل باسم الرئيس الأمريكي ترامب، بوصفها ضربة شخصية من جانبه “قلبت رأساً على عقب ما يتجاوز ثلاثة عقود من الفرضيات الأمريكية الخاطئة حول الصين”؛ وحول النطاق “الهندو ـ باسفيكي”، الذي يشكل اليوم مصدر ما يقارب ثلث الناتج القومي الإجمالي العالمي، وترامب أيضاً هو الذي بسط الهيمنة الأمريكية هناك؛ وحوّل سياسة “أمريكا أوّلاً”، التي أعادت التوازن إلى الميزان التجاري مع اليابان وكوريا وسائر آسيا…
الشرق الأوسط، المنطقة الرابعة، يندرج حسب الوثيقة تحت عنوان ثنائي عريض، تحويل الأعباء وبناء السلام، وهنا أيضاً لا توفّر الاستراتيجية الجديدة انتقاد (وأحياناً تبخيس وتسخيف) ركائز استراتيجيات الولايات المتحدة على امتداد خمسة عقود ما قبل ترامب؛ بمعنى أنها تستذكر معطيات الطاقة، والمنطقة بوصفها ميدان تصارع القوى العظمى، والأزمات الإقليمية التي هددت بالانتقال إلى الجوار والعالم.
اثنتان على الأقلّ من أولويات الشرق الأوسط تبدّلت في الحسابات الأمريكية
اثنتان على الأقلّ من أولويات الشرق الأوسط تبدّلت في الحسابات الأمريكية، فلا الطاقة باتت حكراً هناك، خاصة وأنّ أمريكا اليوم منتجة ومصدّرة؛ ولا أنساق نفوذ القوى العظمى بقي على حاله، وقد انقلب إلى مناورات للولايات المتحدة اليد العليا فيها (بفضل ترامب هنا أيضاً، ودائماً). وأمّا إيران، “قوّة زعزعة الاستقرار الرئيسية في المنطقة”، فقد أضعفتها الضربات الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023، وكذلك عملية “مطرقة منتصف الليل” التي أمر بها ترامب في حزيران (يونيو) الماضي.
وضمن ما قد يلوح نقلة فارقة عن خطّ “المحافظين الجدد”، زمن الرئيس الأسبق جورج بوش الابن واجتياح أفغانستان والعراق ونهج “تصدير الديمقراطية”، تقول الاستراتيجية الجديدة بإسقاط “تجريب أمريكي مضلل” قوامه “التغطرس” على الأمم ومطالبتها باستبدال “تقاليدها وأشكال الحكم التاريخية في بلادها”؛ تحثّ الاستراتيجية الجديدة على “تشجيع الإصلاحات حيث تُقتضى عضوياً، ولكن من دون محاولة فرضها من الخارج”. الوقائع على الأرض تؤكد دوام الحال القديمة ذاتها، من حيث أنساق العلاقات الأمريكية مع الأنظمة، وإدخال تسعة أعشار الاعتبارات من بوّابة المصالح الإسرائيلية، أو القياس على نموذج قاطرات التطبيع الإبراهيمية.
بصدد القارة الأفريقية ترى الوثيقة أنّ السياسة الأمريكية عمدت إلى التركيز على، وإشاعة، “الإيديولوجيا الليبرالية”؛ من دون أن يوضح ثقاة البيت الأبيض الذين كتبوا فقرة افريقيا أيّ “ليبرالية” هذه التي دأبت عليها واشنطن، أو بالأحرى: أية “إيديولوجيا” أصلاً! البديل، في المقابل، هو التالي: مطلوب من الولايات المتحدة “التطلع إلى شريك مع بلدان منتقاة لتخفيف التنازع، وتوطيد العلاقات التجارية متبادلة النفع، والانتقال من أنموذج المساعدة الخارجية إلى أنموذج الاستثمار والنمو، الجدير بثروات أفريقيا الطبيعية الوفيرة ومكامنها الاقتصادية الدفينة”… كما يراها كبير تجّار أمريكا، ساكن البيت الأبيض.
وفي خلاصة القول، لعله ليس مجحفاً بحقّ استراتيجية الأمن القومي الأمريكية ـ طبعة ترامب الثاني، ذلك المجاز التصويري الذي قد يمثّلها في علاقات راعي أبقار أمريكي، يتوهم القدرة على، والحقّ في، قيادة ماشية العالم إلى حيث تشاء مصالحه. أو إلى ذلك المبدأ الاختزالي الأخرق الذي ينتج، كي يستهلك ذاتياً، شعار الـ MAGA الشهير، ليس في جعل أمريكا عظيمة مجدداً فحسب، بل تسخير أربع رياح الأرض لخدمة أمنها القومي كما يرسمه رئيسها اليوم. أو، في مقابل ليس أقلّ غطرسة، كما سبق أن رسمه رؤساء سابقون ويتوجب اليوم تسفيه خلاصاتهم، قبيل طيّها وإحالتها إلى سلال مهملات المكتب البيضاوي.
القدس العربي