دستور تحالف السودان التأسيسي هل يصمد أمام نقض المواثيق العهود؟
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
بقلم : تاج السر عثمان
١
مع استمرار الحلقة الشريرة في البلاد وهيمنة الحكم العسكري، أصبحت الدساتير والمواثيق حبرا على ورق، ولم تصمد أمام نقض العهود والمواثيق، ومع استمرار الحكم العسكري سواء كان اسلامويا أو من الدعم السريع، فلن يصمد الدستور الجديد التأسيسي ، ويزيد الطين بلة محاولة تكوين حكومة موازية غير شرعية في مناطق سيطرة الدعم السريع، مع إتجاه حكومة الأمر الواقع غير الشرعية لتكوين حكومة عسكرية اسلاموية بعد التعديلات الدستورية غير الشرعية التي أدخلها البرهان عليها، فهي حكومة غير شرعية وخرجت من رحمها حكومة غير شرعية، مما يقود للمزيد من الدمار والخراب في البلاد.
فقد وقعت الأطراف المكونة لتحالف السودان التأسيسي يوم الثلاثاء ٤ مارس على الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لسنة 2025 م.، أهم النقاط الموجهة التي نص عليها الدستور هي :
الغي الوثيقة الدستورية الانتقالية لسنة 2019 والمراسيم السابقة.
نص على أن السودان دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، ذات هوية سودانوية، تقوم على فصل الدين عن الدولة ، وكذلك فصل الهويات الثقافية والعرقية والجهوية عن الدولة والتأكيد على أن المواطنة المتساوية هي الأساس للحقوق والواجبات.
يقوم نظام الحكم في السودان على اللامركزية السياسية، والإدارية، والقانونية، والمالية.
الدولة السودانية تؤسس على الوحدة الطوعية والإرادة الحرة لشعوبها واحترام التنوع والتعدد العرقي والديني والثقافي والمساواة بين جميع الأفراد والشعوب في الحقوق والواجبات .
تتكون الفترة الانتقالية من مرحلتين وهما الفترة ما قبل الانتقالية التأسيسية، وتبدأ من تاريخ سريان هذا الدستور وتستمر حتى الإعلان الرسمي عن إنهاء الحروب، الفترة الانتقالية التأسيسية، وتبدأ فور الإعلان الرسمي عن إنهاء الحروب وتمتد لمدة عشر سنوات وحدد الدستور عدد من المهام لحكومة السلام الانتقالية المرتقبة من بينها إيقاف وإنهاء الحروب وإحلال السلام العادل المستدام وتهيئة المناخ لإطلاق عملية سياسية شاملة لتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة والتنمية.تعزيز دعائم الوحدة الوطنية الطوعية وإحلال التعايش السلمي ومحاربة خطاب الكراهية، مجابهة الكارثة الانسانية،حماية المدنيين، تأسيس وبناء مؤسسات الدولة، استكمال مهام ثورة ديسمبر، حماية الحقوق الدستورية لجميع المواطنين بدون تمييز، تهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين واللاجئين ، العمل على بناء وإعمار ما دمرته الحرب وحشد الجهود الوطنية والاقليمية والدولية لتوفير الموارد اللازمة .
وغير ذلك من المواد والبنود التي أشار لها الدستور
٢
كما اشرنا سابقا كان من نتائج الأزمة الوطنية العامة التي نشأت بعد الاستقلال الحلقة الجهنمية للانقلابات العسكرية ونقض العهود والمواثيق كما في الآتي:
أ- بعد الاستقلال في عدم الوفاء بتحقيق الحكم الفدرالي للجنوب، مما أدى لانفجار التمرد عام 1955 وتعميق المشكلة.
ب- في اتفاقية أديس أبابا 1972، فقد كفل دستور 1973م الذي جاء بعد اتفاقية أديس أبابا الحقوق والحريات الأساسية فيما يختص بالمسألة الإثنية والدينية في المواد 38، 47، 52، 56 والتي أشارت إلى الآتي:ـ
– المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب اللغة أو الدين أو العرق أو المركز الاقتصادي أو الاجتماعي.
– حرية العقيدة والضمير وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
– حظر السخرة والعمل الإجباري.
– حق الأجر المتساوي للعمل المتساوي.
– حق استعمال الأقليات لغاتها وتطوير ثقافاتها.
لكن نظام مايو الديكتاتوري الشمولي أو حكم الفرد الذي كان سائداً في الفترة (1969- 1985م) أجهض اتفاقية أديس أبابا، واندلعت نيران التمرد والحرب من جديد بشكل أكبر، وازداد الأمر تعقيداً بعد صدور قوانين سبتمبر 1983م.
ج - بعد انتفاضة مارس - أبريل ١٩٨٥، جاءت مبادرة السلام السودانية (الميرغني- قرنق) في 16/ نوفمبر 1988م والتي تم فيها الاتفاق على تهيئة المناخ الملائم لقيام المؤتمر الدستوري، والذي يتلخص في الآتي: ـ
– تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر 1983م، وأن لا تصدر أي قوانين تحتوي على مثل تلك المواد وذلك إلى حين انعقاد المؤتمر الدستوري والفصل نهائياً في مسألة القوانين.
– كما اتفق الطرفان على ضرورة عقد المؤتمر الدستوري.
ولكن انقلاب 30/ يونيو/ 1989م الإسلاموي قطع مسار ذلك الحل، وتم الرجوع للمربع الأول، وتصاعدت الحرب الأهلية بشكل أوسع بعد أن اتخذت طابعاً دينياً..أدت لانفصال الجنوب.
د - تواصلت الجهود بعد انقلاب الإسلامويين للحل السلمي الديمقراطي لقضايا التعدد الإثني والديني في السودان، فنجد إعلان نيروبي 1993م الذي أشار إلى أن تضمن القوانين المساواة الكاملة للمواطنين على أساس المواطنة واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد ودون تمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة، وإعلان المبادئ لمجموعة الإيقاد يوليو 1994م، ومؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا 1995، وفي ابريل 1997م تمت اتفاقية السلام بين حكومة السودان وبعض الفصائل المقاتلة في جنوب السودان، أشارت الاتفاقية إلى: حرية الاعتقاد، والمواطنة على أساس الحقوق والواجبات. إلخ، لكن لم يتم التنفيذ، وتحولت الاتفاقية لمحاصصات ومناصب، وكانت النتيجة عودة للحرب، وفي 25/ نوفمبر/ 1999م، ثم توقيع نداء الوطن بين السيد الصادق المهدي والرئيس عمر البشير، الذي أشار إلى أن: تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات الدستورية، ولا تنال أي مجموعة وطنية امتيازاً بسبب انتمائها الديني والثقافي أو الإثنى، وتراعي المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وتكون ملزمة، والاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية والإثنية في السودان. إلخ، ولكن النداء ظل حبراً على ورق، لم يجد طريقة إلى الواقع.
ه - بعد ذلك تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي كان جوهرها:
– تغليب خيار الوحدة على أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خياراً جاذباً وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلاً (بروتكول مشاكوس).
– التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدى شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت على أن يكون جهاز الأمن القومي جهازاً مهنياً ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز على جمع المعلومات وتحليلها (المادة: 2-7-2-4)، وتم تضمين ذلك في وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، على أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت إشراف مفوضية للانتخابات مستقلة ومحايدة (المادة:2-1-1-1)، واستفتاء على تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة.
– إيجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضاً بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الإنسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني.
لكن لم يتم تنفيذ الاتفاقية وتحولت لمحاصصات ووظائف، وكانت النتيجة فصل الجنوب
كما وقع النظام أيضاً اتفاقيات مع حركات دارفور مثل: اتفاقية أبوجا مع حركة مناوي، وتحولت لمحاصصات ولم يتم تنفيذ الاتفاقية، وكذلك اتفاقية الدوحة التي لم يتم تنفيذها.
و - بعد ثورة ديسمبر 2018 كما فصلنا سابقاً، تم الانقلاب على الثورة، وتمت مجزرة فض الاعتصام في القيادة العامة والولايات رغم تصريح العسكر بعدم فضه، وتم التوقيع على اتفاق جوبا (3 أكتوبر 2020) مع الجبهة الثورية الذي تحول لمحاصصات ومناصب ولم يتم التنفيذ فضلاً عن الفشل في وقف الحرب، كما تم الانقلاب على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر 2021 بعد قرب استحقاق تسليم المدنيين قيادة الفترة الثانية من المرحلة الانتقالية، إضافة للتوقيع على الاتفاق الإطارى، لكن لم يلتزم العسكر به، وكانت الحرب الدائرة الآن حول السلطة والثروة.
٣
بالتالي في ظل استمرار الحرب وتجربة الحكم العسكري في بورتسودان، محاولة قيام الحكومة الموازية في مناطق الدعم السريع، يصبح الدستور التأسيسي العلماني الذي تم التوقيع عليه حبرا على ورق.
مما يتطلب وقف الحرب واستعادة مسار الثورة، وخروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد ووقف التدخل الخارجي والدعم العسكري لطرفي الحرب، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الانسانية، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، الذي يضمن الالتزام بالعهود والمواثيق كشرط لاستدامة الديمقراطية والسلام، وحتى لا يتم المزيد من تمزيق وحدة البلاد.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحقوق والواجبات جنوب السودان فی السودان على أن لم یتم
إقرأ أيضاً:
المعركة الفاصلة لاستعادة السودان
من نافذة الطائرة التي هبطت للمرة الأولى في مدرج مطار الخرطوم منذ بداية الحرب، بدت نظرات رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الجنرال عبدالفتاح البرهان، حزينة ساهية وهو يتأمل معالم الدمار والخراب والبؤس التي خلفتها المعارك القتالية.
لم يكن البرهان سعيدًا، بالرغم من أن هبوطه هذا بمثابة مرحلة جديدة من الانتصارات، وانطلاق عمليات الإعمار، وانتقال مركز السلطة من ساحل البحر الأحمر إلى مقرن النيلين.. فالمشهد العام يفرض تساؤلات ملحة حول إمكانية استرداد الدولة السودانية من تحت ركام الحرب، وعبور منطقة الألم إلى الأمل.
حجم الدمار وتحديات الإعمارخلال جولة قصيرة داخل مجلس الوزراء، والقصر الرئاسي، والبنك المركزي، وبعض الجامعات ومراكز البحوث، ومقر الوثائق القومية، والدار السودانية للكتب، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، بدا أن كل شيء محطّم ويحتاج إلى جهد خرافي لتنبض فيه الحياة مجددًا، كما أن مخطوطات وآثارًا نادرة تعرضت للتدمير والنهب، ما يثير تساؤلات حول كيفية استعادتها، وتوفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار؟
ربما يصعب القفز على حقيقة أن الحرب لم تنتهِ بعد؛ فلا تزال معظم مدن إقليم دارفور وأجزاء واسعة من كردفان تحت سيطرة مليشيا الجنجويد، وتحتاج مدينة الفاشر تحديدًا، آخر قلعة صامدة في دارفور إلى عمليات إسقاط جوي على الأقل لإنقاذها من سيناريو التجويع والحصار المتعمد، ورفض حميدتي لأي هدنة إنسانية بخصوصها لإجبارها على الاستسلام بعد نفاد مخزون المواد الغذائية والطبية، وذلك بعد فشل أكثر من مائتي محاولة لاقتحامها بالقوة العسكرية.
تحولات ميدانية ونجاحات منتظرةفي شهر مايو/ أيار 2025، نشر الجيش السوداني خارطة حديثة للمساحات الجغرافية التي يسيطر عليها، وتضمنت 10 ولايات سودانية بشكل كامل، و4 ولايات انتشر فيها جزئيًا من بين 18 ولاية، بينما تسيطر مليشيا الجنجويد على 4 ولايات في دارفور وأجزاء من كردفان ومنطقة المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر.
إعلانفي ذات الوقت، نجحت أنظمة الدفاع الجديدة التي امتلكها الجيش السوداني مؤخرًا في إسقاط وكبح نيران المسيّرات التي كانت تطلقها قوات الدعم السريع على بورتسودان والخرطوم وعطبرة، واستهدفت بها محطات المياه والكهرباء.
تلك التطورات تعني أن أكثر من ثلثي مساحة السودان تقريبًا اليوم تحت سيطرة الجيش السوداني، ويمكن القول إنها أصبحت آمنة وانتعشت اقتصاديًا واجتماعيًا، وغدت جاذبة للعودة.
الشاهد على ذلك هو الأرقام الأولية التي تشير إلى عودة ما لا يقل عن مليون سوداني منذ استعادة ولايات الوسط، بما فيها العاصمة الخرطوم، بينما عاد أكثر من 200 ألف سوداني من مصر طوعًا خلال الأشهر القليلة الماضية، وآخرهم تدحرجت بهم عربات القطار السريع من محطة رمسيس إلى أسوان، وهو يحمل على متنه ألف سوداني، تم نقلهم بعد ذلك عبر الصحراء الممتدة إلى وسط السودان.
وهذا يعني بالضرورة أن السيناريو الخفي للحرب، وهو إفراغ الأرض من سكانها؛ تمهيدًا لاحتلالها، قد فشل عمليًا، ونجح الشعب بتلاحمه مع الجيش في كسر قيود النزوح الطويل واستعادة بلادهم جزئيًا على الأقل.
ماذا ستفعل حكومة الأمل؟يضع هذا الواقع حكومة رئيس الوزراء الجديد، كامل إدريس، أمام أخطر التحديات، فاستعادة الأنشطة الحياتية والاقتصادية في هذه المرحلة، إلى جانب ردم فجوة المخاوف الأمنية، ومعالجة مخلفات الحرب، وانتشار المجموعات المسلحة داخل المدن المأهولة بالسكان، وتوفير فرص عمل كريمة، كلها مهامّ عاجلة.
الحقيقة أن آلاف السودانيين تعرضوا لعملية إفقار قاسية، وفقدوا مصادر دخلهم الأساسية، وأصبحوا بلا مأوى، وذهبت الأحلام والوظائف والمشروعات الإنتاجية الصغيرة مع الريح، فكيف يمكن تعويضهم وجبر أضرارهم، وتحقيق التوازن الاقتصادي المطلوب في ظل تدهور قيمة الجنيه السوداني؟
والأهم من ذلك أن الدولة -كما يبدو- تحاول ترميم بعض هذا الدمار، لكنها لم تتعامل بعد مع الخرطوم كقضية إستراتيجية ومعركة نوعية يتعين أن تحشد لها الأفكار والموارد.
في وقت يحاول رئيس الوزراء تلمس الطريق لاستكمال ما أسماه "حكومة الأمل"، وخلق ظروف ملائمة لمشروع الاستشفاء الشامل، لا تبدو يده طليقة.
فمن الصعب أن يفلت من توغل المكون العسكري على صلاحياته، بدليل قيام البرهان بتشكيل لجنة سيادية بقيادة الفريق إبراهيم جابر لدعم استعادة الخدمات وتهيئة البيئة المناسبة لعودة المواطنين، وهو بذلك يفرّغ فكرة الحكومة المدنية من معناها، أو على الأقل ربما ينظر إليه الخارج كعسكرة للعمل التنفيذي والحياة السياسية.
فضلًا عن فرض أسماء محددة في تلك الحكومة بموجب اتفاق سلام جوبا، وطغيان المحاصصة الجهوية والعسكرية، وذلك من شأنه تجاوز معايير الكفاءة، وصعوبة محاسبة هؤلاء الوزراء؛ لأن معادلة السلاح والقوة هي التي فرضتهم، يستدعي ذلك للمفارقة عبارة أحد الكتاب السودانيين: "بلاد كلما حاولت أن تنهض تتكئ على بندقية!".
المعضلة الاقتصادية وتدهور العملةالمعضلة الأخرى اقتصادية؛ فقد شهد الجنيه السوداني تدهورًا غير مسبوق خلال المرحلة ما بين (2019-2025)، والتي تُعد الأكثر دراماتيكية وانهيارًا، ووصل سعر الدولار خلال العام الحالي إلى نحو 3 آلاف جنيه، في تراجع كارثي يستدعي قرع جرس الإنذار، وإعلان حالة الطوارئ الاقتصادية.
إعلانلا شك أن سعر الصرف مؤشر أساسي لحالة الاقتصاد عمومًا، ولذلك تُظهر الأرقام الأخيرة لتدهور العملة السودانية مقابل الدولار أن الجنيه فقد فعليًا معظم قوته الشرائية تقريبًا على مدار العقود الماضية، خاصة منذ 2019.
ويعكس هذا التدهور أزمات اقتصادية وسياسية عميقة ومتفاقمة، إلى جانب الحرب، وسوء الإدارة الاقتصادية والفساد، والعجز المستمر في تحقيق إيرادات كافية من الصادرات لتغطية الواردات، والاعتماد المفرط على تصدير الذهب دون تنويع الصادرات، حتى الذهب نفسه عرضة للتهريب بكميات كبيرة، وذلك بالرغم من أن إنتاج السودان من الذهب بلغ نحو 37 طنًا خلال النصف الأول من العام الجاري 2025، ولكن أثره لا يبدو جليًا في الاقتصاد الكلي، ولا حتى في قيمة الجنيه السوداني.
ويعود ذلك على الأرجح إلى كلفة مقاومة مشروع تركيع السودان، وتوفير النقد الأجنبي لتلبية احتياجات المجهود الحربي، خصوصًا أن السودان رفض الاستدانة من الخارج، وعجز بالمطلق عن استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية الكافية لإحداث نهضة تنموية.
معلوم أنه كلما تدهورت الأوضاع، زادت رغبة الأفراد والشركات في الاحتفاظ بالدولار أو الأصول الثابتة كملجأ آمن، مما يزيد الضغط على العملة الوطنية، فالعوامل الكامنة وراء هذا الانهيار متعددة ومتشابكة، وتتطلب معالجة شاملة تتجاوز السياسات النقدية وحدها.
بالمجمل، فإن تقديرات تكلفة إعادة إعمار السودان تتراوح بين 300 مليار دولار للخرطوم و700 مليار دولار لبقية الأقاليم، وتلك التقديرات بالضرورة تشمل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والاقتصاد نتيجة للحرب التي لا تزال تدور في غرب السودان، تحديدًا إقليم دارفور وكردفان، وهي مناطق إنتاج الصمغ العربي والثروة الحيوانية، ما يعني خروج تلك الموارد من معادلات الصادر.
المشروع الوطني الشاملعمومًا، فإن هذه التحديات تتطلب العمل أكثر على المشروع الوطني الشامل، وإصلاح الحياة السياسية وتوحيد إرادة السودانيين على هدف مقدس، وهو استعادة وطنهم وحماية مواردهم، فالحروب وإن كانت تحدث كثيرًا ودائمًا، وأحيانًا لأسباب تبدو تافهة أو منطقية، إلا الجانب المضيء فيها أنها توقظ الأمة من سباتها العميق، وهو ما احتاج له الشعب السوداني، وكذلك النخبة السياسية والعسكرية التي استسهلت الحياة عمومًا، وانشغلت بصراعاتها وشجونها الصغرى عن الكبرى، حتى انتهى بها الحال إلى مواجهة أسوأ المخاطر الوجودية، واليوم جميعنا في طريق صعب وشائك وملغوم، فهل سوف نعبره بشجاعة، أم نعود إلى كهفنا القديم؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline