الجزيرة:
2025-12-10@18:40:19 GMT

إسرائيل تتغير جذرياً على يد الجماعات الدينية

تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT

إسرائيل تتغير جذرياً على يد الجماعات الدينية

في السنوات الأخيرة، تخلخلت الصورة التقليدية للسياسة الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى. فالمعادلات التي بدت ثابتة لعقود، بين يمين يتغذى على خطاب قومي متشدد، وحريدية تتوجس من الدولة الحديثة، باتت اليوم جزءا من مشهد أكثر اضطرابا، تتجاور فيه الهوية مع المصلحة، ويتقاطع فيه الخوف الوجودي مع الحسابات الانتخابية.

إن متابعة التحولات التي شهدتها علاقات الأحزاب الحريدية باليمين الإسرائيلي تكشف ديناميات أعمق مما يظهر على السطح: دولةً تتسارع فيها الانقسامات الاجتماعية، وأحزابا دينية تزداد حضورا وتأثيرا، وتحولات داخلية تنقل الحركات الحريدية من موقع "الشريك المتردد" إلى موقع "الركن الثابت" داخل كتلة يمينية متغولة.

وعلى وقع هذه التحولات، يبدو أن العلاقة لم تعد مجرد تقاطع مصالح عابر، بل تحولت إلى بنية سياسية تسهم في إعادة تشكيل النظام السياسي ذاته في إسرائيل.

الجذور التاريخية للعلاقة بين الأحزاب الحريدية والدولة الإسرائيلية

منذ اللحظة الأولى لتأسيس الدولة، بدت العلاقة بين الأحزاب الحريدية وإسرائيل علاقة شد وجذب معقدة، تقوم على التردد والاضطرار أكثر مما تقوم على القبول والمشاركة الفعلية.

فقد تأسس الوعي الحريدي، ممثلا في أحزاب مثل أغودات يسرائيل (اتحاد إسرائيل) وديغل هتوراه (راية التوراة) التي تشكلت لاحقا في ثمانينيات القرن العشرين، على رؤية تعتبر الدولة مشروعا دنيويا لا يعكس تصورهم الديني للعالم، بل يهدد في بعض جوانبه استقلالهم الثقافي والروحي.

لذلك كانت المشاركة الحريدية الأولى- في ظل هيمنة حزب ماباي الاشتراكي الذي قاد حكومات الخمسينيات والستينيات- أقرب إلى "التعايش الحذر" منها إلى الشراكة الكاملة، حيث سعت الجماعات الحريدية إلى حماية فضائها الاجتماعي الخاص، دون أن تتحمل كلفة القطيعة الكاملة مع النظام السياسي الناشئ.

ومع ذلك، فإن هذا التردد لم يمنع الحريدية من إدراك أهمية الدولة باعتبارها الإطار الذي يتوجب التعامل معه لضمان مصالح الجماعة، وبخاصة فيما يتعلق بميزانيات المؤسسات التعليمية، والحفاظ على أنماط الحياة الخاصة، وتحديد مكانة الحريديم داخل المجتمع اليهودي.

إعلان

ومن هنا تولدت صيغة سياسية تقوم على "براغماتية محسوبة"، جعلت الحريدية تنخرط في السياسة من باب الضرورة لا من باب الإيمان بجدوى المشروع الوطني الإسرائيلي.

ولذا كان حضورها السياسي في بداياته متقطعا، محكوما بحدود دقيقة، لا يتجاوزها إلا حين تقتضي الضرورة حماية بنية المجتمع الحريدي.

وقد أرست هذه البراغماتية المبكرة الأساس لتطور العلاقة لاحقا. فخلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ومع بروز أحزاب مثل شاس وتمرس القيادات الحريدية بالعمل البرلماني، تحولت العلاقة من ترتيبات مرحلية إلى مسار أكثر استقرارا، خاصة بعد أن أدركت تلك القيادات أن الدولة- رغم علمانيتها- مورد لا غنى عنه لاستمرار مؤسساتهم وتوسعها. وهكذا تطورت صيغة المشاركة المشروطة والاعتماد المتبادل بين الأحزاب الحريدية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

ومع صعود الليكود منذ أواخر السبعينيات وتراجع اليسار، ازدادت هذه العلاقة نضجا وتعقيدا. إذ باتت الأحزاب الحريدية تجد في اليمين السياسي شريكا أقرب إلى رؤيتها الاجتماعية المحافظة، وأكثر استعدادا لمنحها ما تحتاجه للحفاظ على استقلالية مؤسساتها. وهكذا، انتقل حضور الحريدية من "التفاعل المتردد" إلى "الوجود المؤثر"، ومن الدور الهامشي إلى دور يُعاد عبره ترتيب التوازنات السياسية في إسرائيل.

تحولات البنية السياسية الإسرائيلية وصعود اليمين

شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية سلسلة من التحولات البنيوية التي أعادت تشكيل التوازنات الداخلية، وجعلت البيئة العامة أكثر ملاءمة لتعاظم الدور الحريدي.

فمنذ تراجع المعسكر العمالي التاريخي الذي قاده ماباي، ثم العمل في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وأفول أحزاب الوسط التي حاولت ملء الفراغ لاحقا مثل كاديما، برز اليمين- وفي مركزه الليكود- ليحتل قلب المشهد، مستندا إلى خطاب قومي متشدد، وقاعدة اجتماعية توسعت بفعل التحولات الديمغرافية والثقافية داخل المجتمع الإسرائيلي.

ولم يكن هذا الانزياح نحو اليمين مجرد نتيجة لتبدل المزاج العام، بل جاء نتيجة تراكم عوامل متشابكة: تصاعد المخاوف الأمنية، وضعف الأحزاب التقليدية، وتآكل صورة اليسار باعتباره قادرا على إدارة الصراع، وتحول سياسات الهوية إلى محور للسجال السياسي.

وفي ظل هذا المناخ، برز اليمين باعتباره القوة السياسية الأكثر قدرة على استيعاب التيارات الدينية والمحافظة، ومنها التيار الحريدي الذي وجد في خريطة اليمين فضاء سياسيا أقل تهديدا لطبيعته المحافظة.

وقد ساعدت هذه التحولات على تقليص الفجوات بين اليمين والأحزاب الحريدية، بعد أن كان الطرفان يحتكان فيما مضى حول أسئلة الهوية والمشروع الوطني.

ومع الوقت، بدأت الأحزاب اليمينية تنظر إلى الحريديم ليس فقط ككتلة انتخابية تضمن الاستقرار البرلماني، بل كحليف يمكن الاتكاء عليه لإعادة تشكيل الخطاب العام باتجاه أكثر محافظة.

أما لدى الحريديم، فقد بات اليمين- على اختلاف أطيافه- أكثر استعدادا لمنحهم مكاسب ملموسة: من ميزانيات التعليم الديني إلى ترتيبات تضمن استمرار الهيمنة الحريدية على مؤسساتهم الداخلية، وهو ما رفع منسوب الثقة المتبادلة وفتح الباب أمام تحالفات طويلة الأمد.

إعلان

ومع ترسخ هذا الخط، أخذت العلاقة بين الطرفين بُعدا بنيويا يتجاوز اعتبارات الصفقة السياسية الآنية. فقد تحولت الأحزاب الحريدية إلى عنصر صلب داخل الائتلافات اليمينية، ليس فقط باعتبارها شريكا انتخابيا ضروريا، بل أيضا بوصفها قوة اجتماعية تدفع باتجاه تحويل الثقافة السياسية الإسرائيلية نحو مزيد من المحافظة.

ولم يمنح هذا التحول البنيوي اليمين قوة إضافية فحسب، بل منح الأحزاب الحريدية مكانة غير مسبوقة داخل النظام السياسي، مكنتها من توسيع نفوذها في المؤسسات الحكومية، وفي المجال العام على حد سواء.

من الشراكة المصلحية إلى الاستقرار البنيوي في التحالف

إن تاريخ العلاقة بين الحريدية واليمين في إسرائيل يكشف مسارا واضحا للتحول من منطق التحالف البراغماتي إلى منطق الاصطفاف البنيوي.

ففي المراحل الأولى من نشاط الأحزاب الحريدية على الساحة السياسية، بعد تأسيس الدولة، اختارت التحالف مع اليمين، حين كانت المعادلة تمنحها مكاسب تتعلق بالحفاظ على استقلاليتها الدينية والموارد المالية التي تتيح لها إدارة مؤسساتها التعليمية والدينية والاجتماعية، إلا أن هذا الاختيار كان دوما قابلا للمراجعة تبعا للظروف.

وكانت الأحزاب الحريدية آنذاك تتحرك بمنطق التعاقد السياسي: تحالفات قابلة للتعديل، ومواقف تتغير تبعا لمستوى الاستجابة الحكومية لمطالبها.

بيدَ أن التحولات العميقة في البنية الديمغرافية والثقافية والسياسية للمجتمع الإسرائيلي دفعت هذا المنطق إلى التحول جذريا. فقد وجدت الأحزاب الحريدية نفسها أمام يمين سياسي يزداد محافظة وتشبثا بالهوية اليهودية والرمزية الدينية، في مقابل يسار آخذ في التراجع ووسط يتآكل نفوذه السياسي والاجتماعي. ومع هذا التحول، لم تعد الحريدية ترى في اليمين مجرد "خيار راجح"، بل باتت تنظر إليه باعتباره المسار الطبيعي لضمان استمرار بنيتها الاجتماعية وتأثيرها السياسي وتوسعه.

ولم يكن التحول من حالة التحالف البراغماتي إلى الاصطفاف البنيوي نتيجة تقارب أيديولوجي عميق، بل نتاج عملية تراكمية أدت إلى نشوء علاقة تبادلية متينة.

فمن جهة، حصلت الحريدية على قدرة غير مسبوقة على حماية أنماطها التعليمية والاجتماعية، وتأمين مكانتها كجماعة مستقلة داخل الدولة. ومن جهة أخرى، ضمن اليمين قاعدة انتخابية مستقرة، ودعما أيديولوجيا يعزز خطابه القومي المحافظ ويشرعن سياساته الداخلية والخارجية.

كما أسهمت عوامل إضافية في تعزيز هذا التحول، من أبرزها ترسخ طبقة سياسية حريدية أكثر خبرة بالعمل الحكومي ودهاليز الدولة، وتوسع المؤسسات الحريدية واعتمادها المتزايد على التمويل العام، وتراجع قدرة الأحزاب غير اليمينية على استيعاب المطالب الحريدية، بالإضافة إلى تحول الاستقطاب الاجتماعي والسياسي إلى جزء بنيوي من الحياة العامة.

ومع الوقت، أصبحت العلاقة بين الطرفين علاقة بنيوية لا تحتاج إلى تفاوض مستمر حول أصل التحالف، بل حول تفاصيله فقط. فلم تعد الأحزاب الحريدية تُجري حساباتها انطلاقا من سؤال: "مع من نتحالف؟"، بل انطلاقا من سؤال: "كيف نحصل على أكبر قدر من المكاسب من داخل التحالف؟".

وهكذا تجذرت علاقة تمنح اليمين غطاء دينيا واجتماعيا، وتمنح الحريديم قدرة على توسيع نفوذهم في مؤسسات الدولة مع بقاء عالمهم الخاص مغلقا ومحصنا.

وهذا التحول البنيوي هو الذي جعل التحالف قابلا للتمدد في لحظات الاضطراب السياسي، وقادرا على امتصاص الصدمات المتكررة داخل النظام السياسي الإسرائيلي. ومع تطور المشهد خلال الأعوام الأخيرة، استُكملت هذه البنية عبر مسارات جديدة فتحت أمام الحريديم واليمين معا فرصا إضافية لإعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية على نحو يخدم الطرفين.

التوسع المتزايد للدور الحريدي داخل معسكر اليمين

تبدو مساهمة الحريدية اليوم في صياغة ملامح اليمين الإسرائيلي أعمق وأكثر رسوخا مما كانت عليه في أي مرحلة سابقة. فبعد سنوات كانت فيها مكانتها داخل الائتلافات اليمينية تُبنى على اعتبارات برلمانية، تحولت هذه المكانة إلى عنصر جوهري في هوية اليمين ذاته. فقد أصبح الحريديم جزءا من البنية الأيديولوجية والاجتماعية التي يستند إليها اليمين، لا مجرد كتلة تصويتية تمنحه الأغلبية.

إعلان

وتعود جذور هذا التحول إلى قدرة الأحزاب الحريدية على قراءة التغيرات العميقة في المجتمع الإسرائيلي: صعود الخطاب الديني-القومي، وتزايد حضور الهوية اليهودية في المجال العام، واتساع الفجوات بين الجماعات الاجتماعية، وتراجع مركزية النخب العلمانية التقليدية.

وقد أدركت القيادات الحريدية أن تلك التحولات تخلق فرصة تاريخية للاندماج الانتقائي داخل النظام من موقع قوي، دون التخلي عن الخصوصية الثقافية أو عن استقلال مؤسساتهم. وهكذا تشكل ما يشبه "المعادلة الجديدة" التي بموجبها أصبحت الحريدية شريكا مكونا في ترسيم حدود اليمين وتوجيه سياساته.

ولم يقتصر هذا التوسع على الجانب البرلماني، بل شمل مستويات أعمق من التأثير، بما في ذلك توسيع النفوذ في الوزارات ذات الأهمية بالنسبة للمجتمع الحريدي، وترسيخ حضور رجال دين حريديين في مواقع استشارية داخل مؤسسات الدولة، وتصاعد دور الإعلام الحريدي في بناء روايات داعمة للمحور اليميني، واندماج شرائح شبابية حريدية في أنماط جديدة من النشاط السياسي.

ومع مرور الوقت، أصبح اليمين يعتمد على الحريديم ليس فقط لتحقيق أغلبية مستقرة، بل لتثبيت خطاب اجتماعي محافظ يتجاوز السياسات اليومية نحو إعادة تشكيل الثقافة السياسية الإسرائيلية.

وفي المقابل، منحت هذه البنية الجديدة الأحزاب الحريدية قدرة أكبر على انتزاع مكاسب تتجاوز الدعم المالي، إذ بدأت تساهم في صياغة السياسات المتعلقة بالمجال العام، وفي إعادة ترتيب العلاقة بين الدين والدولة على نحو يعكس رؤيتها في مسائل التعليم، والخدمة العسكرية، والمجال المدني.

وقد تكشف هذا الثقل الجديد بصورة أوضح خلال العقود الأخيرة التي شهدت اضطرابات سياسية وأمنية عميقة، مثل الانتفاضتين الفلسطينيتين (2000-2005 و2015-2016)، والحرب على غزة 2014، والأزمات الانتخابية المتكررة بين 2019 و2022.

ففي الوقت الذي كانت فيه قوى سياسية أخرى، مثل أحزاب الوسط واليسار التي شهدت تراجعا بعد انتخابات التسعينيات وما تبعها من إعادة ترتيب تحالفاتها، تتعرض للتآكل أو إعادة التشكل، حافظت الأحزاب الحريدية على تماسكها التنظيمي، وعلى قدرتها على التفاوض من موقع القوة داخل اليمين.

ومن هنا، بات لها حضور لا يمكن للقيادة اليمينية تجاوزه أو تجاهله، لا من حيث التمثيل، ولا من حيث القدرة على إدارة مفاصل حاسمة في النظام السياسي.

وفي اللحظة التي أعقبت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدا هذا الدور أكثر وضوحا. فعلى الرغم من صدمة الحدث وما تبعه من حالة ارتباك عارمة داخل الدولة، حافظت الأحزاب الحريدية على موقعها داخل الائتلاف، وحرصت على ألا تنزلق إلى خطاب تعبوي قد يدفعها إلى تبني مواقف تمس بثوابتها وتقاليدها الداخلية.

ولعبت القيادات الحريدية دورا مزدوجا: من جهة الحفاظ على تماسك اليمين في لحظة إرباك، ومن جهة أخرى تأكيد خطوطها الحمراء المتعلقة بالحفاظ على إعفاء شبابها من الخدمة العسكرية، وحماية مؤسساتها من أي ضغوط قد تفرضها حالة الطوارئ.

وهكذا بدا أن التحالف بين الطرفين لم يتآكل، بل تكشف عن اعتمادية متبادلة أعمق، أظهرت هشاشة الدولة في مقابل تماسك الجماعات الدينية التي تعرف بدقة كيف تدير علاقتها بالنظام.

وهذا التفاعل بين الحريدية واليمين، خصوصا في تلك اللحظة الحرجة، يؤشر إلى نضج العلاقة البنيوية بينهما، ويكشف أن دور الحريديم لم يعد ظرفيا أو مرتبطا بمرحلة سياسية مؤقتة، بل أصبح جزءا من معادلة أصبحت تحدد شكل الحكم والسلطة داخل إسرائيل.

المشهد الإسرائيلي بين إعادة التشكل واستدامة الاضطراب

لقد أعاد التحالف بين الأحزاب الحريدية واليمين تشكيل ملامح الدولة من الداخل، إذ أسهم في دفع السياسات العامة نحو مزيد من المحافظة، وتقييد الفضاء المدني، وتقليص قدرة القوى غير الدينية على توجيه الحياة العامة.

وقد أدى هذا التداخل بين السلطة والمرجعية الدينية إلى إضعاف المسارات التي حاولت إسرائيل من خلالها بناء مؤسسات حديثة قادرة على استيعاب تعدديتها الاجتماعية.

وفي ظل اتساع نفوذ الحريدية، أخذت الانقسامات تتعمق بين الجماعات اليهودية نفسها، وتزايدت حدة التوتر بين الدولة ومواطنيها العلمانيين الذين باتوا يشعرون بأن نفوذ القوى الدينية يتمدد على حساب المجال المدني.

وتكشف قراءة هذا المسار عن دولة تتغير بنيتها من الداخل، ليس بفعل التهديدات الخارجية، بل بسبب قوة جماعات تعرف كيف تدير علاقتها بالنظام وتنتزع منه ما تشاء. لقد استطاعت الأحزاب الحريدية تحويل حضورها من شراكة ظرفية إلى ركن أساسي في الحكم، بينما وجد اليمين في هذا التحالف وسيلة لتعزيز سلطته رغم اتساع الانقسامات.

إعلان

وفي المحصلة، تبدو إسرائيل أمام مشهد تُعاد صياغته على إيقاع جماعات دينية تتقدم بثبات، فيما تتراجع قدرة الدولة على إنتاج توازنات مستقرة. إن القارئ المدقق سيدرك أن ما يجري ليس مجرد تحولات سياسية، بل عملية أعمق تُلقي بظلالها على مستقبل المجتمع والدولة معا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات حريات السیاسیة الإسرائیلیة الأحزاب الحریدیة على النظام السیاسی العلاقة بین هذا التحول الحریدیة ت من جهة

إقرأ أيضاً:

«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»

«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»

محمد الحسن محمد نور

حين ننظر إلى المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط من منظور القرار الأمريكي في واشنطن، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا لا يدور حول أخلاقية دعم هذا الطرف أو ذاك، بل حول حساب الربح والخسارة في معادلة معقدة. لماذا تظل الولايات المتحدة متمسكة بدعم إسرائيل دعمًا مطلقًا، حتى عندما تتجاوز تصرفاتها حدود القانون الدولي وتسبب إحراجًا دبلوماسيا لواشنطن؟

الجواب لا يكمن في نقطة واحدة، بل في شبكة من المصالح المتشابكة التي تشكل عقيدة استراتيجية راسخة. فإسرائيل، برغم مساحتها الصغيرة، هي أكثر من مجرد دولة حليفة؛ إنها حاملة طائرات غير قابلة للغرق، ومختبر ميداني للتكنولوجيا العسكرية المتطورة، ووكيل موثوق لتنفيذ عمليات تحفظ واشنطن لنفسها تبعاتها المباشرة. هذا الدور التشغيلي الفريد يعطي لإسرائيل قيمة لا تُقدَّر بثمن في منطقة يعتبر الاستقرار فيها شحيحًا والولاءات متقلبة. ولكن تبقى هذه العلاقة محكومة بحسابات البراغماتية الصرفة، فالدعم الأمريكي لا ينبع من عاطفة أبدية، بل من تقاطع مصالح يُعاد تقييمه باستمرار تحت ضوء المتغيرات الإقليمية.

وفي الجهة المقابلة من هذه المعادلة، تقف المملكة العربية السعودية كعملاق جيوسياسي يطرح نفسه بديلاً استراتيجيا جذابًا لأمريكا. وربما مرعبًا لإسرائيل. فبرغم أن مساحة إسرائيل لا تقارن بمساحة السعودية الشاسعة، وبرغم أن ثروة الأخيرة الهائلة تجعلها شريكًا اقتصاديًا لا يُستهان به كما أشار ترمب، إلا أن المقارنة الحقيقية ليست في الجغرافيا أو الثروة وحدهما.

فالسعودية تمتلك ما هو أثمن: نسبة عالية من الاستقرار الداخلي والإقليمي، وغياب الأعداء المباشرين الذين يحيطون بإسرائيل من كل حدب وصوب، ونفوذ ديني وثقافي يمتد لقلب العالم الإسلامي. والأهم من وجهة النظر الأمريكية، أن شراكة السعودية لا ترهق أمريكا بالحروب العديمة الجدوى، ولا تفرض عليها الدخول في صراعات مباشرة؛ بل تقدم نفسها كقوة مستقرة قادرة على إدارة ملفاتها الأمنية بنفسها، وتكون ركيزةً للاستقرار الإقليمي بدلاً من أن تكون بؤرة للصراع الدائم. هذا الواقع يطرح سؤالاً وجوديًا في أروقة تل أبيب: هل تخشى إسرائيل أن تكون السعودية بديلاً لها في يوم ما؟ الخشية حاضرة وبقوة، ولكنها ليست خشية من زوال، بل خشية من إعادة ترتيب للأولويات.

فالقلق الإسرائيلي العميق لا يتعلق باحتمال أن تتخلى واشنطن عن دعمها بين عشية وضحاها، بل بأن يتقلص دورها من حليف استراتيجي لا غنى عنه، إلى مجرد أداة واحدة ضمن عدة أدوات في صندوق أدوات السياسة الأمريكية. إن صعود التحالف الأمريكي-السعودي ليكون المحور المركزي في المنطقة يعني ببساطة أن القيمة التفاوضية لإسرائيل ستهبط، وأن قدرتها على الحصول على دعم غير مشروط لأجندتها الأمنية ستنخفض.

ولهذا، نرى أن إسرائيل تعمل جاهدة على إبقاء ملفات المنطقة ساخنة ومفتوحة، وتقاوم أي محاولة لترتيب الوضع الإقليمي على نحو يقلل من أهميتها العسكرية والاستخباراتية لواشنطن – من مقاومة الاتفاق النووي الإيراني 2015، مرورًا بالضغط لإفشال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وصولاً إلى عرقلة أي تقارب سعودي-إيراني حقيقي. إنها تدرك أن نفوذها مرتبط باستمرار حالة الطوارئ والصراع، فيما تقدم السعودية نفسها كضامن للاستقرار والطاقة والعلاقات الاقتصادية الواسعة، وهي سلع تزداد قيمتها في عالم تتزايد فيه المنافسة مع الصين وروسيا. وإذا حدث هذا التحول وأصبحت الرياض الشريك الأول لواشنطن، فإن المشهد سيتغير جذريًا.

فالسؤال المصيري هو: إذا تحول ميزان القوة لصالح السعودية، هل يزيد هذا من نفوذ أمريكا أم ينقصه؟ الإجابة معقدة وتحتوي على تناقضات.

على المدى القصير، قد يوسع هذا التحول من نفوذ أمريكا، إذ ستمتلك واشنطن بوابة مباشرة إلى قلب العالم العربي والإسلامي عبر شريك قوي ومستقر، قادر على تحقيق استقرار أوسع قد يخفف من حاجة الولايات المتحدة للتدخل المباشر المكلف.

لكن على المدى الطويل، قد تأتي الخسارة من حيث لا تُحتسب. فاستبدال حليف عسكري منضبط مثل إسرائيل، يتحرك كذراع تنفيذي سريع وحاد، بشريك كبير ذي أجندة وطنية مستقلة مثل السعودية، يعني أن واشنطن قد تفقد السيطرة على تفاصيل المشهد. قد تتبع الرياض سياسات اقتصادية أو تقاربًا مع منافسي أمريكا مثل الصين، أو تتبنى مواقف متصلبة في ملفات مثل إيران أو اليمن تتعارض مع الحسابات الأمريكية الدقيقة.

والأخطر من ذلك داخليًا، أن أي تحول في الدعم التاريخي لإسرائيل سيشعل حربًا سياسية ضارية داخل الولايات المتحدة بين المحافظين الإنجيليين والليبراليين وأصحاب المصالح، مما يُضعف قدرة واشنطن على تطبيق سياسة خارجية متسقة وقوية، وهو أكبر هدية يمكن تقديمها لمنافسيها على الساحة العالمية.

في الختام، إن اللعبة الكبرى التي تدور رحاها في الشرق الأوسط اليوم ليست بين السعودية وإسرائيل فحسب، بل هي اختبار حقيقي لذكاء الاستراتيجية الأمريكية نفسها. فالنفوذ الحقيقي لا يكمن في الانحياز الأعمى لحليف واحد، مهما بلغت قوته، بل في الفن الدقيق لإدارة التوازن بين جميع القوى في الساحة، وجعل كل طرف يشعر أنه في حاجة إلى الوسيط الأمريكي بطريقة مختلفة. المصلحة الأمريكية العليا ليست في دعم إسرائيل لأنها الأقوى عسكريًا، ولا في التحول إلى السعودية لأنها الأغنى، بل في منع أي منهما من أن تصبح قويةً لدرجة الاستغناء عن واشنطن، أو أن تشعر بالأمان لدرجة السير في طريق مستقل. الخطر الذي يتهدد النفوذ الأمريكي ليس من منافس خارجي يظهر فجأة، بل من تحول التنافس الخفي بين حلفائه إلى صراع مفتوح، يُجبر واشنطن على الاختيار فتخسر أحد رهاناتها.

وفي النهاية، الولايات المتحدة لا تخسر عندما يتقاتل أعداؤها… بل عندما يتصالح حلفاؤها.

الوسومأمريكا إسرائيل إيران الشرق الأوسط الصين الملف النووي الإيراني دونالد ترامب روسيا سوريا محمد الحسن محمد نور واشنطن

مقالات مشابهة

  • المعايطة: قانون الأحزاب الجديد يعزّز الحاكمية ويصون حقوق المنتسبين..
  • الأحزاب اليمنية تعلن موقفها من انقلاب المجلس الإنتقالي في حضرموت والمهرة
  • أحزاب يمنية ترفض إجراءات الانتقالي والناصري والاشتراكي وطارق صالح يغيبون
  • أشادت بجهود الرئيس العليمي.. الأحزاب اليمنية تعرب عن قلقها من التطورات المتسارعة في شبوة والمهرة وحضر موت
  • واقعة غير مسبوقة.. 127 برلماني أرجنتيني يعلنون ولاءهم لـ“فلسطين حرة” خلال أداء اليمين
  • خبير: تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية يضع قيودًا على نشاطها بأمريكا وخارجها
  • نواب: الحزمة الثانية للتسهيلات الضريبية تعكس تحولا جذريا في فلسفة الإدارة المالية للدولة وتعزز الثقة مع المستثمرين
  • ما موقف ألمانيا من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟
  • «حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»