العالمة الدجاني: مجزرة حماة غيرت جينات من شهدوها ونتوقع حدوث ذلك لدى أهل غزة
تاريخ النشر: 7th, March 2025 GMT
في عام 1982 شن نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عملية عسكرية استهدفت مدينة حماة السورية، واستمرت 27 يوما، وأدت إلى مقتل نحو 40 ألف شخص وأكثر من 17 ألف مفقود، فيما أصبح يعرف باسم مجزرة حماة.
واليوم وبعد أكثر من 40 عاما على المجزرة، كشفت دراسة جديدة فحصت جينات أجيال من العائلات السورية عاشت مجزرة حماة قبل الفرار إلى الأردن، وعائلات أخرى عاشت الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، أن المجزرة تركت آثارا مخفية عميقا في جينات الأسر السورية.
وتبين أن أحفاد النساء اللاتي كن حوامل أثناء حصار حماة ــالأحفاد الذين لم يختبروا مثل هذا العنف قط- يحملون علاماته في جينوماتهم. وهذه البصمة الجينية، التي تنتقل عبر أمهاتهم، تقدم أول دليل على هذه الظاهرة لدى البشر.
للحديث حول هذه الدراسة ونتائجها، استضفنا في عيادة الجزيرة الأستاذة الدكتورة رنا الدجاني، الباحثة في علم الجينات في الجامعة الهاشمية في الأردن، والقائد المشارك في الدراسة.
كيف أتت فكرة هذه الدراسة؟الحقيقة أن والدتي من مدينة حماة وحلب من سوريا ووالدي من القدس من فلسطين، وأنا أعيش الآن في الأردن والأحداث التي ذكرت مجزرة حماة أنا عايشتها في ذلك الوقت في 1982، كان لوالدتي أقرباء في مدينة حماة وكنا نتابعهم على الهاتف كل يوم لنطمئن عليهم وكثير منهم هرب من سوريا وجاء وسكن في بيتنا، فكنت قريبة جدا من الأحداث، وهذا جعلني أفكر في أثر هذا العنف الذي تعرض له الأفراد في مدينة حماة وكيف يؤثر على الجينات وهل ممكن لهذه الآثار أن تورث للأجيال القادمة ومن هنا بدأت فكرة البحث، كان سؤالي هل العنف الذي تعرضت له النساء خاصة الحوامل في 1982 في مدينة حماة ترك آثارا في أجسامهن وهل تركت آثار تورث للأجيال القادمة.
إعلانالبحث طبعا البحث الحقيقي يحتاج فريق ولا يستطيع شخص واحد أن يقوم به، فبدأت أبحث عن علماء من مجالات مختلفة لكي نتعاون مع بعضنا البعض لتحقيق هذا الأمر. أول شيء دعيت دكتورة كاثرين بانتر بريك من جامعة ييل في الولايات المتحدة، لأنها متخصصة في الأنثروبولوجيا وفي قياس العنف، وذلك حتى نعرف مدى العنف الذي تعرضت له السيدات. ومن ثم دعيت الدكتورة كوني موليجان من جامعة فلوريدا والتي تتخصص في علم الجينات لكي تساعدنا في تحليل العينات التي نأخذها لمعرفة التغيرات التي تحصل على الجينات، وأهم شيء أننا دعينا ديمة حمضمض وهي باحثة سورية من المجتمع نفسه، وقد تعرض أهلها في مدينة حماة للمجزرة.
عملنا معا لنجد العائلات التي نستطيع أن نأخذ منهم العينات عبر ثلاثة أجيال ونتمكن من التحقق من الفرضية، وهكذا اكتمل الفريق الذي بدأ يعمل منذ سبع أو ثمان سنوات.
ما أهمية الدراسة؟أهمية الدراسة تكمن في عدة محاور أولها تصميم الدراسة فهي مميزة لأننا استطعنا من خلال معرفتنا بتاريخ المجزرة وما حصل للأهالي في سوريا أن نحدد مجموعات ثلاثة مختلفة نقارنهم ببعضهم البعض، ليكون جوابنا على السؤال دقيقا جدا.
أول مجموعة كانت العائلات التي تعرضت للمجزرة في حماة وهربوا إلى خارج سوريا. والمجموعة الثانية كانت الذين كانوا جزءا من الثورة وتعرضوا للعنف من حكومة الأسد وأيضا هربوا من سوريا. والمجموعة الثالثة الذين تركوا سوريا في أول القرن الماضي ولم يتعرضوا لأي عنف وقطنوا في الأردن.
فهذه كانت الثلاث مجموعات وأخذنا عينات من الجدات اللواتي كنّ حامل في زمن المجزرة عام 1982، ومن الأبناء ومن الأحفاد وهذه شكلت منظومة نستطيع من خلالها الإجابة على السؤال.
وثاني أهمية لهذه الدراسة، أننا نعلم من خلال علم الجينات أنه إذا تعرض الإنسان إلى العنف يمكن تتأثر جيناته، لا يتغير الجين وإنما يتأثر ضبطه: هل يستخدم أم لا يستخدم، وهذا ما يسمى علم ما فوق الجينات (Epigenetics).
إعلانالآن نجبب على السؤال: هل الأم الحامل تتأثر في العنف وتتغير جيناتها؟ وهل تورثه إلى أحفادها؟ إجابة هذا السؤال هو نعم في كائنات حية أخرى. ولكن لم نستطع أن نجيب على هذا السؤال في البشر. لذلك أهمية هذه الدراسة أننا استطعنا أن نجيب على هذا السؤال في البشر. وجدنا أن الأمهات اللاتي كن حوامل وتعرضن للعنف تأثر أو تغير لديهن 21 جينا تغير فوق الجيني سببه التعرض لهذا العنف، أما الأحفاد الذين لم يتعرضوا للعنف وجدنا عندهم 14 موقع في الجينوم قد تغير نتيجة العنف التي تعرضت له جداتهم. وهذه أول مرة يتم إثبات ذلك في الجنس البشري.
والأمر المهم الثالث هو أننا وجدنا أن الأجنة التي كانت في داخل أرحام الأمهات اللاتي تعرضن للعنف تسارعت عندهم الشيخوخة البيولوجية، وهذا له علاقة بمستقبل هؤلاء الأطفال وتعرضهم لأمراض مختلفة مثل السكري أو أمراض القلب وغيرها وكانت هذه أيضا أول دراسة تثبت هذا التسارع في الشيخوخة لدى الأجنة، وهذا دليل على تأثر الجنين في البيئة التي تعيش فيها الأم الحامل.
ما التحديات التي واجهتموها؟لا يوجد بحث بدون تحديات، أول تحدي أن الخصائص التي رسمناها للعائلات التي نود أن تشارك في الدراسة كانت دقيقة جدا فكان من الصعب أن نجد عائلة يكون عندها هذه الخصائص: أن تكون الجدة حامل في 1982، أن تكون ابنتها وأحفادها لم يعيشوا أي عنف من الثورة التي حصلت في سوريا بالتالي يجب أن يكونوا قد تركوا بلادهم.
ثانيا كسب الثقة من هذه العائلات لأنهم يتسألون من أنتم؟ وكيف نثق بكم؟ لماذا تقومون بهذا العمل؟ لماذا تأخذون منا عينات؟ والعينة هي عينة الحمض النووي نأخذها من خلايا الخد لنحللها. فبناء الثقة والتواصل معهم كان مهم جدا.
وتحدي آخر تمثل في إيجاد مختبر يمكن أن يقوم بتحليل هذه العينات. للأسف في منطقتنا العربية ليس لدينا المختبرات والتمويل الكافي لعمل هذه التحليلات الدقيقة، نحن لم نبحث عن جين واحد، بل نحن اطلعنا على كل الجينوم وكل التغيرات التي حدثت على هذا الجينوم في 850 ألف موقع.
إعلانوكنا بحاجة لمختبر يستطيع أن يفعل ذلك وعنده التمويل الكافي وهنا كانت الشراكة المهمة جدا لحل هذا التحدي، فكانت الشراكة مع جامعة فلوريدا مع دكتورة كوني التي كان لديها المختبر واستطاعت هي والدكتورة كاثرن أن يأتوا بالتمويل لدفع ثمن تحليل هذه العينات بشكل صحيح والحصول على النتائج.
العائلات السورية التي شاركت في البحث هم الأبطال الحقيقيون لهذه الدراسة
بواسطة د. رنا الدجاني
وبينت الدكتورة رنا أن التواصل الاجتماعي والذي هو جزء من عاداتنا في مجتمعنا العربي جعل هذه الدراسة ممكنة. وتحدثت عن امتنانها للعائلات التي شاركت في الدراسة. وأعربت عن أملها في أن تصل نتائج الدراسة للمشاركين من خلال منصة الجزيرة. وأضافت أنهم ومن جانبهم أعدوا ملخص صغير لمشاركة جميع العائلات النتائج، وسيتم زيارتهم لإيصاله لهم، فهم أبطال هذه القصة.
ماذا تعني هذه الدراسة للأجيال القادمة؟أهمية الدراسة للأجيال القادمة تكمن في أننا اكتشفنا 14 موقع على الجينوم حصل فيها تغيرات، ونحن لا نعلم ما هي وظيفتها. وبينت أن الاحفاد الذين لم يتعرضوا للعنف ورثوا جينات ربما تكون تساعدهم على التعامل مع البيئات الجديدة التي تواجههم، وتمنحهم الخيارات ومرونة للتعامل مع الأشياء غير المعلومة. وهذا مهم لأنه يؤثر على السياسات المستقبلية التي يصممها المسؤولون لكيفية التعامل مع الأجيال القادمة لشعوب تعرضت للعنف.
في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، والتي اسفرت عن أكثر من 50 الف شهيد وعشرات آلاف الجرحى والمفقودين، هل نتوقع حدوث هذه التغيرات الجينية لدى سكان غزة وأبنائهم وأحفادهم مستقبلا؟هناك مسؤولية عظيمة على جميع الأفراد في العالم الذين يشهدون ماذا يحدث الآن في فلسطين، كعالمة يجب أن أكون دقيقة جدا، نحن اكتشفنا هذه التغيرات لدى من تعرضوا للعنف في سوريا، والتوقعات تشير إلى اننا قد نجد هذه التغيرات لدى أحفاد الفلسطينيين الذين تعرضوا للعنف، ولكن ما لم نجر التجربة لا نستطيع أن نجزم بذلك، ممكن أن يكون لديهم مواقع جديدة (في الجينات) والسبب أن العنف الذي تعرض له الناس في فلسطين هو ليس حدث واحد إنما هو سلسلة من الأحداث منذ عام 1948. فماذا يعني التعرض للعنف المستمر؟ هذا السؤال الآن مطروح وما أثره على الجينوم للأفراد اللي عاشوه؟ والأجنة الموجدين في أرحام أمهاتهم اليوم والأحفاد الذين سيأتون في المستقبل؟.
إعلانوالحقيقة أن التخوف أن الآثار ستكون أكبر وأعظم لأحفاد الفلسطينيين الذين يتعرضون الآن للعنف والإبادة في غزة وفي الضفة الغربية الآن.
دراستنا مهمة جدا والسبب أننا أعطينا أول مرة الإثبات أننا نستطيع أن نقيس هذا الأثر على الجينات وإذا استطعنا قياسه فنحن نوثقه وإذا وثقناه سنستطيع استخدامه في المستقبل لمحاسبة المسؤولين عن هذا العنف.
وأنا هنا أود أن أنوه أن شعبنا في سوريا وفي فلسطين الذين تعرضوا للعنف لديهم إيمان بقضيتهم وإيمان بحقهم لأنهم أصحاب حق وأصحاب أرض وهذا ما نسميه الصمود، هذا الصمود النابع من هذا الحق وهو ما لم يدرسه أحد، ماذا يعني هذا الصمود بيولوجيا؟ هل نستطيع أن نقيسه؟ وهل هو جزء من التغيرات التي تحصل على المادة الوراثية؟ هذ÷ أسئلة أخرى تثير فضولي، وإذا اكتشفنا الإجابة كيف نوظفها في خدمة الإنسانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان عيادة الجزيرة للأجیال القادمة فی مدینة حماة هذه الدراسة مجزرة حماة هذا السؤال نستطیع أن هذا العنف فی سوریا
إقرأ أيضاً:
من التحدي إلى التمكين .. كيف غيرت المسيرة القرآنية موازين السياسة والأمن في اليمن
شكلت اليمن نموذجًا معقدًا للأزمات السياسية والأمنية، حيث تداخلت الصراعات الداخلية مع التدخلات الخارجية، مما أدى إلى حالة من الهشاشة الأمنية والاجتماعية في هذا السياق، برزت المسيرة القرآنية المباركة كمبادرة متعددة الأبعاد تجمع بين الدعوة الدينية، العمل الثقافي، والدور الأمني الحيوي، لتقديم نموذج متكامل في مواجهة تحديات الوطن.يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
الخلفية الأمنية .. أسباب الأزمة وتعقيداتهالفهم دور المسيرة القرآنية يجب التعمق في خلفية الأزمة الأمنية التي سبقتها، شهدت اليمن نزاعات سياسية متجذرة في الفوارق الإقليمية والمذهبية، تفاقمت بعد عام 2011 وتزامنت مع انهيار مؤسسات الدولة، مما أدى إلى انتشار الفوضى الأمنية ونشطت جماعات القاعدة وداعش التي ارتكبت أبشع الجرائم .
أدى هذا الواقع إلى تعطيل الحياة المدنية، مما أثر سلبًا على الروابط الوطنية، وتراجع دور المؤسسات الثقافية والدينية، وتصاعد مظاهر التطرف، وهو ما شكل تحديًا أمام جهود إعادة الاستقرار.
المسيرة القرآنية .. أمل يتجاوز البعد الديني إلى الأفق السياسي والأمني
أثبتت المسيرة القرآنية المباركة أنها إطار شامل يعيد تشكيل الوعي المجتمعي والسياسي ويؤسس لواقع أمني مختلف، ويكمن تميز المسيرة في قدرتها على التحول من خطاب الوعظ إلى مشروع بناء شامل للدولة والمجتمع، بما يتجاوز المفهوم التقليدي للدين إلى واقع مادي ملموس يلامس حياة الناس اليومية،
من الإيمان إلى الوعي السياسي .. أحد أبرز التحولات التي قادتها المسيرة هو رفع سقف الوعي السياسي في المجتمع اليمني، من خلال تقديم تفسير قرآني واقعي لطبيعة الصراع القائم، ووضعه في سياق مواجهة الهيمنة الخارجية والتبعية، لقد أعادت المسيرة توجيه الوعي الشعبي نحو إدراك العدو الحقيقي ، المتمثل في القوى الصهيوأمريكية وأدواتها الإقليمية وهو ما شكل تحولًا جذريًا في المفهوم العام للمواجهة السياسية.
كما تبنت المسيرة مفهوم التحرر السياسي من الوصاية الخارجية كركيزة للعمل السياسي، وقدمت نموذجًا في القيادة القائمة على القيم لا المصالح، وهو ما جذب شريحة واسعة من الشعب الباحث عن مشروع سياسي أخلاقي بعيد عن الفساد والتبعية.
المسيرة كعامل تماسك وطني .. في ظل الانقسام السياسي والمناطقي الذي ساد اليمن لعقود، جاءت المسيرة لتطرح خطابًا وحدويًا جامعًا يتجاوز الحزبية والمناطقية والمذهبية، اعتمدت على الهوية الإيمانية المشتركة كأساس للانتماء الوطني، ورفضت الانخراط في مشاريع التقسيم أو الاستقطاب، ما جعلها عامل توازن واستقرار في المشهد السياسي.
الخطاب الذي تتبناه المسيرة لا يستثني أحدًا، بل يدعو الجميع إلى الانخراط في مشروع وطني جامع، يحفظ السيادة ويواجه العدوان، دون تمييز على أساس الانتماء السياسي أو الجغرافي.
التحول من رد الفعل إلى صناعة القرار .. في الوقت الذي بقيت فيه معظم القوى السياسية الأخرى أسيرة ردود الفعل أو المناكفات الداخلية، استطاعت المسيرة أن تبني مشروعًا استراتيجيًا واضح الأهداف والمسارات، يشمل الأبعاد العسكرية، الأمنية، الاقتصادية، والإعلامية، وصولًا إلى الرؤية السياسية للدولة.
وهو ما جعلها شريكًا رئيسيًا في صناعة القرار السياسي والأمني، ليس فقط من خلال التوجيه الخطابي، بل من خلال التأسيس العملي لمؤسسات تحاكي مشروع الدولة المستقلة. ومن اللافت أن هذا المشروع السياسي نما في قلب المعركة، لا من خارجها، ما منحه المصداقية والفاعلية.
بناء الثقة بين المواطن والدولة .. نجحت المسيرة أيضًا في إعادة ترميم العلاقة بين الشعب والسلطة، بعد سنوات من فقدان الثقة بسبب الفساد والخذلان السياسي. اعتمدت على مفهوم “خدمة الناس كواجب إيماني”، وسعت إلى تخفيف معاناة المواطن في كل المجالات الممكنة، ضمن الإمكانيات المتاحة.
هذا النهج جعل الناس شركاء في الدفاع عن بلدهم ومشروعهم، لا مجرد متفرجين أو ضحايا.
دور المسيرة القرآنية المباركة في تثبيت الأمن والقضاء على التهديدات الداخلية
منذ انطلاقها، لم تكتفِ المسيرة القرآنية المباركة بخوض معركة الوعي والتثقيف، بل سرعان ما تحوّلت إلى قوة فاعلة في إعادة صياغة المشهد الأمني الداخلي في اليمن، لا من خلال أدوات القمع أو الاستعراض الأمني، وإنما عبر ترسيخ منطلقات قرآنية تؤمن بأن الأمن يبدأ من الإنسان المؤمن والواعي والمسؤول.
في بيئة داخلية ممزقة، تنشط فيها التهديدات المتنوعة، خلايا نائمة، عناصر إجرامية، شبكات تخابر، وفساد إداري، لعبت المسيرة دورًا محوريًا في تفكيك التهديد من جذوره لا من سطحه، من خلال ثلاث مسارات رئيسية:
تجفيف بيئة الاختراق والتجنيد .. أحد أبرز نجاحات المسيرة في المجال الأمني هو قدرتها على تجفيف البيئة التي تتغذى منها التهديدات الداخلية، وخاصة بيئة الجهل، الانفلات، والفراغ الفكري، فمن خلال تنشيط الحراك الثقافي الإيماني، وتكثيف المحاضرات القرآنية، وتوسيع حملات التوعية داخل الأحياء، نجحت في رفع منسوب الوعي المجتمعي، ما جعل الشباب أقل قابلية للاستدراج من قبل الجهات المعادية التي تعتمد على تجنيد العاطلين والمهمشين.
وقد تم في هذا السياق، إجهاض عشرات المخططات لتجنيد عناصر داخل الأجهزة الأمنية، وكشف حالات كانت تستهدف شباب الجامعات لاستغلالهم في أعمال تخريبية، وتحصين المناطق الحساسة مجتمعيًا من الاختراقات الناعمة (إعلاميًا وفكريًا).
تفكيك الخلايا والعملاء داخليًا .. دعمت المسيرة المباركة بشكل فعّال جهود الأجهزة الأمنية في تفكيك الخلايا التخريبية المرتبطة بقوى العدوان، والتي تنشط داخل المدن والمؤسسات، وقد أُعلن خلال السنوات الماضية عن عشرات العمليات الأمنية النوعية التي أفضت إلى، ضبط خلايا تجسس تعمل ضمن الوزارات والمرافق السيادية، وإحباط محاولات تفجير واغتيال كان مخططًا لها بدقة عالية، وتفكيك شبكات تهريب للمعلومات والاتصالات كانت مرتبطة بسفارات وجهات استخبارية أجنبية.
ويرجع الفضل في كثير من هذه الإنجازات إلى حالة الارتباط الشعبي بالمشروع القرآني، الذي وفّر بيئة موثوقة لتبادل المعلومات، وأسّس لشراكة حقيقية بين المواطن والأمن.
الردع الأخلاقي والسلوكي للظواهر التخريبية .. اعتمدت المسيرة نهجًا مختلفًا عن النمط الأمني التقليدي، من حيث أنها لم تكتفِ بملاحقة التهديد بعد وقوعه، بل استهدفت البنية النفسية والسلوكية التي تُنتج الانحراف والتخريب، سواءً عبر الإعلام التربوي، أو بناء القدوات، أو تبنّي حملات إصلاح اجتماعي وسلوكي داخل الأحياء والمدارس والمراكز الشبابية، وكانت الرسائل القرآنية حاسمة في تقليل نسب الجريمة والانحراف في المناطق التي تتبنى المشروع القرآني، وإضعاف الحاضنة الاجتماعية للجريمة والارتزاق الأمني، وتعزيز القيم التي تحصّن الفرد من الوقوع في دوائر العمالة أو الفساد.
وكانت النتيجة أمن متماسك نابع من قناعة داخلية يتميز بوعي مجتمعي حي ومشاركة شعبية متفاعلة، وجهاز أمني يعمل من منطلقات قيمية،
الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تعزيز الجانب الأمني
لا يمكن فهم نجاح المسيرة القرآنية الأمني بمعزل عن الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية:
البعد الاجتماعي .. تعزيز اللحمة الوطنية عبر بناء جسور التواصل بين مكونات المجتمع وتقوية الروابط الأسرية والقبلية على أساس القيم القرآنية، مما خلق شبكة دعم مجتمعية قللت فرص الفتنة والاختراقات الأمنية.
البعد الاقتصادي .. دعم مبادرات تنموية بسيطة تحفز التعاون والتكافل الاجتماعي، تعزز صمود السكان وتقلل من استغلال الفقر والبطالة في تجنيد الشباب ضمن جماعات مسلحة.
البعد السياسي .. توفير فضاء للحوار البناء وتوحيد الأطراف على قواسم وطنية ودينية مشتركة، مما ساهم في تهدئة الاحتقان السياسي وتعزيز التعاون الأمني.
تكامل هذه الأبعاد شكل دعائم صلبة لإنجاح الجانب الأمني للمسيرة.
خاتمة
تُظهر المسيرة القرآنية نموذجًا فاعلًا في استثمار القيم الدينية والثقافية لبناء الاستقرار السياسي والأمني، وتفتح الباب أمام تجارب مشابهة إقليميًا، وتحليل دور المسيرة القرآنية يبرز الترابط بين الأبعاد الدينية والثقافية والسياسية والأمنية، ويؤكد أن المبادرات القائمة على القواسم المشتركة وبناء الوعي المجتمعي تشكل أدوات فعالة في مواجهة الأزمات، في ظل تعقيدات اليمن، تُعد المسيرة مثالًا حيًا على قدرة الخطاب الديني المعتدل على تحفيز التغيير الإيجابي وتحقيق الاستقرار.