البندقية والكاميرا فى خندق واحد
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
في تقديري أن جمهور المشاهدين وقت الأزمات يعتمد على القنوات الفضائية في تلقي معلوماته حول الوقائع والأحداث الساخنة خاصة تلك المتعلقة بالنزاعات والصراعات باعتبارها مصدرا موثوقا لظنه أن هذه القنوات تعتمد على عدد من المراسلين (المحايدين)الذين ينقلون(الحقيقة)من مواقع الأحداث وأن هذه القنوات تقدم الحقائق مجردة بدون تزييف أو أجندة.
واتضح أن بعض هذه القنوات الفضائية تمارس تغبيش الوقائع والحقائق بصورة متعمدة وهذا التغبيش يبدأ من سياسة انتقاء الضيوف الذين يظهرون على شاشاتها،فهي تعتمد على ضيوف يتماهون مع السياسة التحريرية واجندتها التي تريد تحقيقها أو تختار ضيوف بمعايير محددة تظهر ضعفهم وعدم قدرتهم على الأبانة والتوضيح وإذا وجدت ضيفا لايحقق ما تريده،تحججت بضعف صوت المتحدث أو أشارت الى ضيق الزمن.
لم تعد الحرب تعتمد على جندي يحمل كلاشا أو يقود دبابة أو مسيرة فحسب،إنما صارت لها أهداف ورؤى وفكر وتوظيف دقيق لكل الوسائل والمنصات الإعلامية(قنوات،شبكات تواصل اجتماعي،شبكات رقمية)وكادر بشري مدرب تدريبا عاليا في التعامل مع الوسيلة و صناعة المحتوى الإعلامي وكيفية إدارته واستخدام الأدوات الإعلامية بمهارة فائقة.
الملاحظ أن الحرب الدائرة في السودان وجدت اهتماما إعلاميا واسعا من قبل القنوات الفضائية والمواقع الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي.ويلاحظ أيضا في هذه الحرب توظيف الإعلام بكافة أنواعه واهتمام مليشيا الدعم السريع بالاعلام اهتماما كبيرا وما أن تفتح قناة فضائية أو موقع للتواصل الاجتماعي إلا وتجد مستشاريها يتحدثون عن انتصاراتهم الزائفة في الإعلام وسرعان ما يكذبها الواقع لكنها تثير زعزعة عند بعض المرجفين ويعود ذلك في رأي لإغراقهم شبكات التواصل الاجتماعي بمقابلات وفيديوهات صنعت باحترافية لكنها لا تصمد طويلا طالما اعتمدت على التضليل وتزييف الحقائق.واذا نظرنا الى الجهة المقابلة(القوات المسلحة) نجدها تهتم بالاعلام من خلال ناطقها الرسمي فقط او من خلال الفيديوهات التي يصورها الجنود أثناء المعركة أو بعدها وتفتقر للاحترافية بالإضافة لبعض الكتابات التي يقوم بها مناصرو الجيش بدافع الغيرة والحمية الوطنية.
كشفت هذه الحرب غياب الصحفيين والمراسلين الحربين المحترفين وهذا أمر يدعو للحيرة ،أن يبقى الصحفي متابعا الاحداث والوقائع كعامة الناس،وأيضا كشفت الحرب عن هشاشة و ضعف مؤسساتنا الاعلامية(الراديو والتلفزيون والصحافة وكالة الأنباء السودانية)وغياب التخطيط والتفكير الاستباقي عند وقوع الأزمات.
وهنا يطرح تساؤل مهم ،لماذا لم يستفد الاذاعة والتلفزيون من استيديوهات هيئة إذاعة وتلفزيون ولاية الجزيرة ومعاودة بثهما من هناك(بدلا أن يبث التلفزيون من الثغر)؟!
سؤال جوهري:-
لماذا لم يستفد الجيش من (فكرة) برنامج ساحات الفداء -وليس تجربته -لتأسيس وحدة المراسل الحربي؟!
[email protected]
//////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
خبرات متراكمة أم طاقات متجددة!
أ. د. حيدر أحمد اللواتي**
من أكبر التحديات التي تواجه الخريجين الجدد هي أنهم يُقارنون عادة بموظفين ذوي خبرات طويلة، وهذا يجعلهم في موقف صعب، خاصةً وأن هذه الوظائف غالبًا ما تطلب خبرات متراكمة أكثر من الحاجة إلى أفكار جديدة ومرونة في التعلم.
لذلك، ليس غريبًا أن نرى أصحاب الخبرات يتفوقون بشكل واضح على الخريجين الجدد، ومن هنا، تقع على عاتق المؤسسات والشركات، سواء كانت حكومية أو خاصة، مسؤولية فهم هذا الواقع بدقة، فيجب عليها أن تفتح أبوابها أمام الخريجين الجدد في وظائف تبرز قدراتهم الحقيقية وتمنحهم فرصة لإثبات تفوقهم، وفي الوقت ذاته تعود بالنفع الكبير على المؤسسة نفسها.
إن الوظائف التي تناسب الخريجين الجدد تعتمد بشكل رئيسي على ما يعرف بالذكاء السائل، وهو القدرة على التفكير المرن، وحل المشكلات الجديدة، والتعلم السريع، فهذه المهارات تجعلهم مثاليين للأدوار التي تعتمد على الابتكار، والتعامل مع تقنيات حديثة، والعمل في بيئات سريعة التغير، فعلى سبيل المثال، في شركات التكنولوجيا الحديثة، مثل شركات تطوير البرمجيات، يحتاج الفريق إلى مبرمجين ومطورين شباب قادرين على مواكبة أحدث لغات البرمجة وأطر العمل، وهؤلاء الشباب يمتلكون القدرة على استيعاب الأدوات الجديدة بسرعة، والتفكير خارج الصندوق لإيجاد حلول مبتكرة لمشكلات لم يسبق لها مثيل، كذلك، في مجالات التسويق الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، يعتمد السوق بشكل كبير على جيل جديد يفهم الاتجاهات الحديثة، ويعرف كيفية التواصل مع جمهور متغير بسرعة.
وبالمقابل هناك وظائف تتطلب ما يعرف بالذكاء المتبلور، والذي يعتمد على تراكم المعرفة والخبرة عبر سنوات طويلة، فهذه الوظائف تحتاج إلى أشخاص يمتلكون حكمة عميقة، وفهمًا شاملًا للمجال، وقدرة على توجيه الآخرين بناءً على تجاربهم السابقة، فعلى سبيل المثال، في مجال الطب، لا يمكن للطبيب المبتدئ أن يحل محل الطبيب الذي قضى عقودًا في التشخيص والعلاج، فالخبرة هنا لا تعوضها سرعة التعلم أو الذكاء السائل، بل هي نتاج سنوات من الممارسة والتعامل مع حالات متنوعة، وكذلك في مجال الإدارة العليا، يحتاج القائد إلى خبرة متعمقة في التعامل مع الأزمات، وفهم ديناميكيات السوق، وبناء العلاقات مع الشركاء والمستثمرين، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا عبر سنوات من العمل والتعلم المستمر.
بعض المؤسسات تحتاج إلى نسب أكبر من أصحاب الخبرة بسبب طبيعة عملها التي تعتمد على الاستقرار، والدقة، والتراكم المعرفي، المؤسسات الأكاديمية، على سبيل المثال، تعتمد بشكل كبير على أساتذة ذوي خبرة يمتلكون معرفة متعمقة تساعدهم على تقديم تعليم عالي الجودة، فلقد أظهرت الدراسات أن أساتذة الجامعات الأكبر سنًا يحصلون على تقييمات تدريسية أفضل، خاصة في العلوم الإنسانية، حيث تزداد جودة التدريس مع تقدم العمر والخبرة، كذلك، في المؤسسات الحكومية أو الشركات الكبرى التي تعتمد على عمليات معقدة، تحتاج إلى خبراء يتمتعون بفهم عميق للنظم والإجراءات، مما يضمن تنفيذ الأعمال بكفاءة وأمان، لذلك فتجديد هذه الوظائف واستبدال الخبرات فيها بدماء جديدة، سيولد نتائج عكسية، وبدل أن تتقدم تلك المؤسسات ستتراجع إلى الخلف، لأن الخبرة المكتسبة عبر سنين لا يمكن استبدالها بالمعرفة العلمية الجديدة.
وبالمقابل، هناك مؤسسات تعتمد بشكل أكبر على الشباب والخريجين الجدد بسبب حاجتها المستمرة للتجديد والابتكار، شركات التكنولوجيا الناشئة، على سبيل المثال، تميل إلى توظيف شباب يمتلكون ذكاءً سائلًا عاليًا، يمكنهم من التكيف مع التغيرات السريعة في السوق، وهذا ما يجعلهم أكثر قدرة على تقديم أفكار جديدة، ونماذج أعمال مبتكرة، كذلك في مجالات الإعلام، والإعلانات، وابتكار المحتوى الرقمي، يفضل الاعتماد على جيل جديد يفهم توجهات الجمهور بطريقة طبيعية ويستطيع خلق محتوى يتفاعل معه الناس، في مثل هذه الوظائف، الخبرة قد لا تغدوا ذات فائدة كبيرة، بل ربما تصبح عائقا أمام التطور، ولذا لا بد من تجديد مستمر فيها وعدم الانتظار ليصل الموظف لسن التقاعد ليتم تغييره بل لا بد من استبداله بشكل دوري وسريع.
**كلية العلوم - جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر