شكّل القرآن ثورةً معرفية وروحية كبرى، نقلت المؤمنين به – والعرب تحديداً- من حياة البداوة إلى مصاف الأمم وقلب الحضارة والوجود التاريخي، بعد أن كانوا على هامش مسرح التاريخ ردحاً من الزمن؛ وهذه النقلة الكبيرة تحققت للعرب كأمة لم تكن يوماً في مصاف الأمم وإنما على هامشها، أمة لا تقرأ ولا تكتب وإنما كل حصيلتها المعرفية حفظ كل ما تقوله عن ظهر قلب، مع قليل من التدوين المحصور في نخب قليلة ومعدودة.
صحيح قد يكون القرآن بعربيته كمادة للرسالة الإسلامية، بمثابة إعجاز بياني يُتحدى به العرب، وهذا مما لا شك فيه ولا ريب، لاعتبارات عدة في مقدمتها أن اللغة العربية هي أنفس ما لدى العرب، المشهورين بالبلاغة والفصاحة والبيان شعراً ونثراً، لكن هذا الإعجاز لا معنى له لغير العرب، أي العجم الذين قد لا تمثل لهم العربية كلغة أي قيمة أو معنى.. فما الذين جذبهم للإسلام وللقرآن الذي يحفظونه غيبا ودون أن يفهم بعضهم حرفا مما يحفظ؟!
فمن أين إذن جاءت فكرة الإعجاز اللغوي البياني للقرآن؟ وهل الإعجاز البياني هو وحده المدخل للحديث عن عظمة القرآن وإعجازه؟ هذا القرآن الذي غيّر مسار الكون والتاريخ والبشرية كلها، وتلقته البشرية على امتداد التاريخ – ولا تزال حتى اللحظة- ككتاب مقدس، باعتباره كلام الله ووحيه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومصدر هداية للبشرية كلها.. إقبال الناس عليه حتى اليوم مدهش، متجاوزين بذلك عقبات اللغة وتعقيداتها الكبيرة.
لقد نقل القرآن العرب نقلة كبرى، لا يمكن تخيل حجم ذلك التحول الذي أحدثه القرآن معرفياً، فالعرب الأميون الذين كان لا يتجاوز عدد من كان يقرأ ويكتب منهم أصابع اليد، تحولوا فجأة وخلال فترة زمنية قصيرة جداً إلى أساتذة للعالم ورموز له، وصاروا محط أنظار العالم ومحور ارتكازه حينها.
لم يقتصر هذا التحول الذي أحدثه القرآن في حياة العرب على مجرد محو أمية القراءة والكتابة، وإنما محا فيهم أمية العلم والتمدن والحضارة، فانطلقوا في أرجاء المعمورة يبنون ويشيدون صروح المعرفة ودروب العمران والحضارة المختلفة، بتشييد المدن وتشييد الجسور ورصف الطرقات وبناء المشافي والمدارس والجوامع والتكايا والزوايا والاستراحات على طرق السير والقوافل والأسفار.. وكل هذه لم تكن في قاموسهم الاجتماعي من قبل، إذ كانوا أمة محاربة تمتهن الحرب فحسب لتكسب منها لقمة عيشها.
إن التحول الكبير في حياة العرب اقترن بالإسلام، وتحديدا بكتابه القرآن! هذا الكتاب الخالد والمعجز، والذي لم يكن إعجازه لمجرد بيانه اللغوي الفريد فحسب، وإنما لما يكتنزه القرآن من دينميات وطاقات روحية هائلة، وما أحدثه في حياة الناس وفي وجدانهم وتصوراتهم وأذهانهم من فارق وعي بالوجود كبير.
تلك النقلة جعلتهم يدركون في أي بؤس وتخلف وهمجية كانوا، وهم أمة الشهامة والنجدة وإغاثة الملهوف، ومع ذلك جاءهم القرآن وجعل لهذه القيم معنى وقيمة روحية ومعنوية وأخروية، بعد أن كانت قيما براجماتية بحتة تحكم علاقة العرب بعضهم ببعض، وفي حدود المصالح المتبادلة والمشتركة، ولم يكن لتلك القيم علاقة بشيء آخر بعد ذلك.
إن هذا البعد الروحي الأخروي، الذي أضفاه القرآن لمصفوفة القيم الأخلاقية، هو الأساس الذي قامت عليه فلسفتنا الإسلامية كلها بمحورية هذا البعد في رؤيتنا للكون والوجود ككل، وهذه القيمة والرؤية هي التي حكمت بعد ذلك توجهاتنا ورؤيتنا للوجود كله من حولنا، ما جعل كل شيء مرتبطا بسياق فلسفي ثقافي، لا يمكن الخروج عنه في النظر إلى الأمور والتعاطي مع التوجهات والتيارات والأيديولوجيات والنظريات المتصارعة، ولا يمكن إلا اعتبار الإسلام وسطاً بين كل ذلك.
فما أحدثه القرآن في حياة العرب ليس شيئا عاديا، فهو الذي نقلهم – وخلال أقل من ثلاثة عقود- من قبائل متناحرة ومتقاتلة على تخوم أعظم إمبراطوريتين حينها، إلى منازلة تينك الإمبراطوريتين، فارس والروم، وتحرير العالم كله من بأسهما وجبروتهما في بضع سنيين؛ وقد استطاع العرب تحقيق ذلك متسلحين بدوافعهم الروحية الهائلة في كتابهم العظيم، القرآن الكريم.
ولهذا يقول غوستاف لوبون في كتابه الذائع (حضارة العرب): “إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن ما ترك العرب المغلوبين أحراراً في أديانهم، فإذا حدث أن اعتنق بعضُ الأقوام النصرانية الإسلام، واتخذوا العربية لغةً لهم، فذلك لما رأوه من عدل العرب الغالبين مما لم يروا مثله من ساداتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل”. ويضيف لوبون القول “إن القرآن لم ينتشر بالسيف إذن، بل انتشر بالدعوة وحدها وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول، وبلغ انتشار القرآن الهندَ التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل” [حضارة العرب صـ ١١٥].
وأمام هذه الظاهرة العجيبة في تقليد الغالب للمغلوب، التي تأتي بالضد من نظرية تقليد المغلوب للغالب الخلدونية الشهيرة، التي تقول إن المغلوب دائماً مولع بتقليد الغالب، يقول توماس أرنولد هنا في تفسيرها إن الذي حدث في تاريخ الإسلام هو العكس تماماً، في تعليقه على اعتناق المغول للإسلام بعد هزيمتهم للعالم الإسلامي، معللا أرنولد ذلك بالقوة الروحية الهائلة التي كانت لدى المسلمين.
أما اليوم، وبنظرة سريعة لوضع العرب ودولهم العديدة، وما تعيشه من أوضاع لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوًّا – كما تقول العرب- فنُصاب بالحيرة والحسرة لهذا المآل المر، ما يجعلنا نتساءل: ما الذي أصاب القوم؟ ولماذا لم يعد للقرآن تلك الفاعلية والطاقة الروحية الهائلة في تحريك هذه الشعوب التي يخاطبها القرآن صباح مساء، وتنفذ كلماته إلى أغوار أغوارهم حينما يخاطبهم القرآن بلغتهم وبيانهم ولسانهم؟! ماذا الذي جرى؟ ألم يعد للعرب علاقة بلغتهم ولم يعودوا يفهمونها كما كانوا قديماً، أم لم يعد القرآن – وحاشاه ذلك- قادرًا على تحريكهم ورفدهم بتلك الطاقة الخلاقة التي قذفها في أسلافهم الذين غيروا مجرى التاريخ؟
كل هذا الاسئلة بحاجة لإجابات شافية لا يتسع المجال هنا لبسطها، ولكن يمكننا الإشارة إلى بعضها سريعا.
أولاً: كم نحن اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في مناهجنا، وأقصد هنا مناهج التلقي المعرفي، تلك المناهج التي يجب أن ترسم لنا طريق التعاطي مع القرآن ومقاصده ومراده وكل ما يتعلق به، لا أن تعتبره مجرد خامة صوتية محصور تعاطينا معها في بوابة التجويد وأحكامه، وهذا هو المسلك المُهيمين اليوم على الظاهرة القرآنية أكثر من أي شيء آخر، وهو ما نلاحظه من أقصى العالم الإسلامي إلى أقصاه في ما يتعلق بالمسابقات والحلقات القرآنية حول العالم، وكلها تدور حول تجويد القراءات القرآنية، وهو مسلك عظيم وقد أشبعته الأمة وعلماؤها درساً وبحثاً وإتقاناً على مدى قرون.
ثانياً، نحن بحاجة ماسة اليوم إلى فتح المجال واسعأً أمام الدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية، وبخلفياتها اللسانية أيضا، لإعادة دراسة النص القرآني في سياقاته التاريخية المختلفة، وكيف تعاطت الأمة معه منذ لحظة النزول وحتى بداية عصور التراجع والانحطاط، لنفهم لحظات التراجع وفقدان النص القرآني لمكانته في النسق الثقافي والاجتماعي في عصوره المختلفة، وكيف يمكن استئناف العودة بالنص إلى مكانته السابقة في تثوير طاقات المجتمعات الإبداعية.
ثالثاً، كان ثمة مبادرة عظيمة للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، تلك المبادرة التي تمخضت عن مدارسة نقاشية حول القرآن ومناهج التعاطي معه، تلك التي قام بها كل من المفكر الإسلامي عمر عبيد حسنة وفضيلة الشيخ العلامة والمفكر الإسلامي الكبير محمد الغزالي (رحمة الله عليه)، وتكللت بإصدار كتاب قيم بعنوان “كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟”، ولكن تلك المبادرة لم يُكتب لها الاستمرارية من حيث تحولها إلى نسق منهجي ثقافي عام في كل المحاضن القرآنية، لتكون قرينة للدرس القرآني وجنباً إلى جنب مع الدرس التجويدي، الذي لا تقل أهمية عنه مطلقاً.
رابعاً، صحيح أن شهر رمضان هو شهر القرآن الذي أٌنزل فيه، وهو موسم للطاعات والعبادات والقربات، ولكن يجب أن لا يرتبط القرآن في أذهاننا بموسمية العبادة الرمضانية فقط، بل أن يبقى الاهتمام بالقرآن حالة مفتوحة ودائمة طوال العام، تدريساً وتحفيظاً وتنظيماً ونقاشاً، وخاصة من قبل وسائل الإعلام المختلفة، لا سيما وأن الإعلام لم يعد حكراً على أحد، وأن بإمكان كل المؤسسات القرآنية أن تطلق منصتها الإعلامية وتجعل رسالتها القرآنية حاضرة طوال العام وعلى الدوام.
خامساً وختاماً، ما أردت قوله هنا وباختصار، هو أن ثمة تنميطا واضحا في العمل من أجل الدرس القرآني، وهو التركيز الشديد على حفظ القرآن وفنون تجويده وتلاوته، وهو شيء حميد ومطلوب، ولكن سلبيات هذا التنميط واقتصاره على هذا الشكل تكمن في تركيز الاهتمام بالقرآن كنص تجويدي فني فحسب، مجرد من طاقته الروحية ودينمياته المحركة للفرد والمجتمع معاً، وهو ما نلاحظه في كثرة الكرنفالات الاحتفائية حول العالم؛ ولكن لا وجود في المقابل لمناشط تتخصص في دراسة السنن والأنساق القرآنية ودينمياته الحاكمة والفاعلة في تثوير المجتمعات وحرث طاقاتها الروحية والاجتماعية الإبداعية الخلاقة، ما قد يُبقي القرآن خارج وظيفته الرسالية العظيمة في صياغة ثقافة المجتمعات وإبقائها حية مقاومة لكل أشكال التدجين والفساد والاستبداد والخرافات
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: اشهر الصيام رمضان شهر الخير فی حیاة لم یعد
إقرأ أيضاً:
لماذا سميت سورة يس بقلب القرآن؟.. 10 أسباب لا يعرفها كثيرون
لماذا سميت سورة يس بقلب القرآن ؟.. سورة يس إحدى بوابات الأسرار والكنوز التي تخفى عن الكثيرين ويبحثون عنها ، بل إنها تحير كل لبيب عرف فضلها ، حيث إن فضل قراءة سورة يس عظيم ، الذي تشير إليه أسمائها ، من هنا تنبع أهمية معرفة لماذا سميت سورة يس بقلب القرآن ؟، وهل فيها دواء لجبر القلوب المنكسرة ولأن من لا يغتنمها خسران خسارة لا تعوض فسر لماذا سميت سورة يس بقلب القرآن قد يحمل معه الكثير من الأسرار.
ورد في مسألة لماذا سميت سورة يس بقلب القرآن ؟، أن اللّقب العظيم الذي لُقِبّت به سورة يس هو قلبُ القرآن، وما قلبُ أيّ شيءٍ إلّا لُبّه وخُلاصتِه ومكنونه الأساسيّ، فسورة يس هي لُبّ القرآن وخالصِه، كما أن ذِكْر الحياة والموت موجودٌ فيها، ويُحتمل أن تكون لصفةٍ فيها؛ وهي أنّها تُقرأ على الموتى لِتُخفّف عنهم، وورد أيضاً في تفسير ذلك أنّها بمثابةِ القلبِ من الجسد.
وورد فيه أنه قد جاء ذكر لقبها بحديثٍ ضعيف مشهور بين الناس، فقد رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ لِكُلِّ شيءٍ قَلبًا وقلبُ القرآنِ يَس)، والسببُ المباشر في تلقيبها بقلبِ القرآن؛ هو أنّه لو كان بالإمكان أن يكون للقرآن قلباً لكانت سورة يس؛ فهي موطنُ الاعتقاداتِ كُلّها ومستودعه؛ لِما فيها من ذكر أحداث القيامة؛ كالبعث، والحشر، والجزاء، والجنّة، والنّار، وفيها ما ليس في غيرها من السّور، وفيها ذكر الأحوال للأجرام العلويّة، والعِظات البليغة، والحِكم والأمثال العظيمة.
وورد فيه أنه على الرغم من قلّة آياتِها، وقصر عدد صفحاتِها؛ إلّا أنّها اشتملت على كُلّ معنى من معاني القَصص في القرآن الكريم، وتضمّنت ذكر التوحيد، والأوامر والنواهي، وسرد قَصص فريقَيْ الإيمان والكفر، وفيها ذِكر العقائد والأحكام، والرقائق والآداب، وذِكرٌ للدنيا والآخرة.
وجاء فيها بيان الحجج والبراهين الشتّى في تصوير إحياء الأرض الميتة، والليل والنهار، وحركة الكواكب والأفلاك في مداراتها، وجريان تلك السُّفُن في البحار، ومصير الكفّار الذليل المخزي عند الموت وحسرتهم يوم البعث والجزاء، ومصير المؤمنين السّعيد المفرِح عند الموت، واشتغالهم مع أزواجهم على الأرائك في الجنة، وفيها من شهادة الجوارح على أهل المعاصي يوم القيامة، ومردّ السورة الرئيس عائدٌ إلى تأكيد أمر القرآن وإنزال الحجّة القوية على أهل الضلالة والخِذلان، والإقرار الدائم بوحدانيّة الله -تعالى- وقدرته على الخلق والإحياء والإماتة، وقد اعتبر الصحابيّ الجليل معقل بن يسار -رضي الله عنه- أنّ قلب القرآن اسماً آخرَ للسّورة لا لَقباً فحسب.
أسماء سورة يسذكِر في تفسير الطنطاويّ -رحمه الله- أنّ سورة يس سُميّت بالمعمّة، أو المدافعة، أو القاضية، ووجه المعنى في ذلك أنّها تعمّ صاحبها بخيريّْ الدنيا والآخرة، كما أنها تُدافع عنه وتدفع عنه السوء، وتقضي له حوائجه بأمر الله وفضله، وقد سُمّيت كذلك بحبيب النجّار؛ وذلك لِما جاء في السورة من ذِكر قصة الرجل الذي جاء يسعى من أقصى القرية، وهو حبيب النجّار، وقد ورد ذلك عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-.
سبب نزول سورة يسكان رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- يوماً من الأيام يقرأ سورة السجدة، ويجهر بها، فقام إليه نفر من قريش ليسكتوه، فإذا هي أيديهم تجمّعت حول أعناقهم، وقد عميت أبصارهم؛ فبدأوا يستنجدون برسول الله -صلى الله عليه وسلّم- ليذهب عنهم ما هم فيه، فدعا لهم حتّى زال ما بهم، فأنزل الله -تعالى- قوله: (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ)،إلى قوله -تعالى-: (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، ولم يؤمن في ذلك الموقف منهم أحد، وقد كان أبو جهل يتوعّد عندما يرى النبيّ -عليه السلام- ليفعلنّ ويفعلن، فانزل الله قوله -تعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا)، إلى قوله -تعالى-: (لَا يُبْصِرُونَ)، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- يقف أمامه ولا يستطيع أن يراه.
وقال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ). والمقصود بالسدّ هو المنع من السير في طريق الهداية والحق، وسبب نزول هذه الآية أنّ أناساً من بني مخزوم أرادوا أن يقتلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-؛ فقدم أحدهم وكان الرسول آنذاك في الصلاة؛ فكان الرجل يسمع صوت النبي -عليه السلام- ولكن لا يرَاه، وقدم آخر لقتله ويقال إنّه أبو جهل؛ فرأى جسماً كبيراً يقدم عليه ليقتله فخاف وعاد؛ فأنزل الله -تعالى- هذه الآية، ومعنى أغشيناهم فهم لا يبصرون؛ أي أعميناهم عن طريق الحقّ، أمّا قوله -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ).
فقد أراد بنو سلمة الانتقال من منازلهم إلى منازل قريبة من المسجد؛ فأخبرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أن آثارهم تكتب في منازلهم، فانزل الله -تعالى- هذه الآية، وسبب نزول قوله -تعالى-: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)، أنّ أحد المشركين تناول عظمة وفتتها، وتسائل عن كيفيّة إحياءها؛ فأنزل الله -تعالى- الآية إلى آخر السورة.
فضل سورة يس واسرارهاورد فيها أنمن أراد أن يقضي الله حاجته فعليه ان يتوضأ ويحسن الوضوء ويصلى ركعتين صلاة الحاجة، إلا أن هناك أمر آخر وهو سورة يس، حيث علمنا أهل الله أن سورة يس فيها سر لما قرئت له، هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكننا لا نجرب مع الله، فنقرأ القرآن كله تقربًا للمولى عز وجل.
وورد فيها أن سورة يس فيها تفريجًا للهموم وقضاءً للحوائج وشفاءً للأمراض ورحمة للأموات وأسرار عظيمة، ولكن لها خصوصية عن باقي سور القرآن الكريم، فالزام يس بيقينك بالإخلاص يعطيك المولى عز وجل ما تحتاجه.
اسرار سورة يس لقضاء الحاجةورد بسورة يس سبع آيات جاء بآخرها كلمة «مبين»، وهناك أربع طرق للدعاء بهذه السورة لقضاء الحوائج، وأول تلك الطرق الأربع هي قراءة السورة كاملة ثم الدعاء بعدها، والثانية أن يردد قارئها الآيات السبع التي ورد بها كلمة «مبين» سبع مرات، والقول الثالث هو ترديد كلمة «مبين» فقط عند قراءتها، والقول الرابع بالدعاء عند الوصول للآية التي ورد بها كلمة «مبين».
عجائب سورة يسورد في الأثر أن "سورة يس لما قرأت له"، أي أن الشخص الذي يتمنى أو يريد تحقيق شيء معين فليقرأ سورة يس بنية قضاء هذه الحاجة"، كما أن "جميع سور القرآن الكريم فيها بركة وهدى فإذا ما قرأنا أي سورة أو آية بنية تفريج الهم والكرب أو قضاء الحاجة فسوف يستجيب الله"، وقد قال أهل الله تعالى عن سورة يس إنها تقضي الحاجة، فعليكِ بها ولا مانع أن تقرأها في أي وقت ولا يشترط أن تكون ليلة الجمعة".
سورة يستعدّ سورة يس من سور القرآن الكريم المكية، وعدد آياتها ثلاث وثمانون آية، وهي سورة عظيمة تركز على قضية البعث والنشور، كما تتطرق إلى مواضيع مهمة، سورة يس كالسور المكية تتناول قضية توحيد الربوبية والألوهية وعذاب من لا يؤمن بها، كما أنّ فواصل سورة يس قصيرة ولها إيقاع عجيب في نفوس المؤمنين، وقد وصف النبي –صلى الله عليه وسلم- سورة يس بأنها قلب القرآن.