أطلقت "مبادرة رامي مخزومي لحوكمة الشركات" في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، ورقة توجيهية تركز على دمج الاستدامة ضمن حوكمة الشركات.  جمع احتفال الإطلاق مسؤولين حكوميين وقادة أعمال وخبراء، ما مثّل بداية حوار مهم حول كيفية قيام مبادئ البيئة والاجتماع بإعادة تشكيل البُنى الشركاتية والحكومية لخلق قيمة طويلة الأجل ومعالجة التحديات البيئية والاجتماعية الملحّة.



وقد أكد الاحتفال الحاجة الملحة للشركات والحكومات لتبني مقاربة أكثر اشتمالية للحوكمة من خلال إدراج الشركات للمبادئ البيئية والاجتماعية والحوكماتية في صميم عملياتها. وركزت المناقشات على كيفية تمكّن هذه الاستراتيجيات من تخفيف المخاطر البيئية ومعالجة القضايا الاجتماعية وتعزيز الشفافية والمساءلة في بنى الحوكمة.

عصر جديد في حوكمة الشركات

وتحدث عميد كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال الدكتور يوسف صيداني، مؤكدًا "دور التعليم العالي في إعداد القادة المستقبليين لمواجهة التحديات البيئية والاجتماعية الملحة". وقال: "توضح الورقة التوجيهية الجهود الاستراتيجية الجارية في لبنان لدمج مبادئ البيئة والاجتماع وحوكمة الشركات في كل من السياسات المؤسّساتية والعامة وتتناول حوكمة القطاع العام وعلاقتها بحوكمة الشركات في القطاع الخاص، مع التركيز على تحسين الفعالية وتعزيز الشفافية وضمان المساءلة عبر كلا القطاعين".

كما سلط العميد صيداني الضوء على أهمية شبكة "كليات إدارة الأعمال للقيادة المناخية"، وهي شبكة من المؤسسات الملتزمة تعزيز العمل المناخي والاستدامة في تعليم الأعمال". وقال: "هذه المبادرة تتواءم مع الأهداف الأوسع للورقة التوجيهية لدفع الممارسات المستدامة في جميع أنحاء لبنان والمنطقة".

ركزت المحادثة التي تلت ذلك على كيفية مواءمة أُطُر الحوكمة في القطاعين العام والخاص لمعالجة التحديات البيئية والاجتماعية الملحة. ولم تتم صياغة مفهوم الاستدامة كإضافة فحسب، بل كمبدأ أساسي قادر على تشكيل استراتيجيات تنظيمية.

وذكّرت مديرة المبادرة والمؤلفة المشاركة للورقة التوجيهية ندى نوفل، الحضور بأهمية اللحظة. وقالت: "اجتماعنا اليوم أكثر من مجرد تقديم لهذا العمل، إنه دعوة إلى العمل. ونحن جميعاً نتقاسم المسؤولية عن تشكيل أنظمة الحوكمة لدينا، سواء الشركاتية أو الحكومية، لخدمة احتياجات مجتمعنا وكوكبنا للأجيال القادمة. إن رؤية طويلة المدى تدفع النمو المستدام ويمكن أن ترفد مجتمعاتنا والاستفادة المالية. ويجب ألا يكون أحدهما على حساب الآخر".

أضافت: "إن الهدف هو خلق قيمة طويلة الأمد تعزز الأعمال التجارية بينما تخدم كذلك الصالح العام للمجتمع. في جوهره، يتعلق الأمر ببساطة بممارسة الأعمال التجارية بشكل جيد".

 

تتناول الورقة التوجيهية جهود لبنان لدمج مبادئ الاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسساتية في الأطر العامة والشركاتية. شدد المؤلف المشارك للورقة والمحاضر في العلوم السياسية والمدير المؤسّس لمرصد الحوكمة الرشيدة والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور سيمون كشر، على "أهمية الرؤية الطويلة المدى والمساءلة في الحوكمة".

وقال: "أصبحت الحوكمة الجيّدة عنصراً أساس في المناقشات حول المساءلة وأُطُر الإدارة ومصالح أصحاب الاهتمام عبر القطاعات. لدفع الإصلاح وتحسين الأداء والحد من الفضائح واستعادة ثقة الناس، تتمثل إحدى الطرق لتعزيز الحوكمة في مواءمة الحوافز الإدارية مع الأهداف التنظيمية الطويلة الأمد، بدلاً من إعطاء الأولوية للأهداف المالية القصيرة المدى".

بدوره،  قدّم المؤلف المشارك للورقة التوجيهية والمؤسس والشريك الرئيسي لشركة عالم وشركاه المحامي محمد عالم، منظوراً عملياً. وقال: "ما هو على المحك اليوم ليس مجرد قضية بيئية أو حوكماتية، إنه تحدٍ اقتصادي جوهري، وإذا تم فهمه بشكل صحيح، فيمكن أن يصبح فرصة اقتصادية".

ورأى أن "الحوكمة ليست مجرد اهتمام أيديولوجي أو تنظيمي فهي مرتبطة بشكل أساسي بالنتائج الاقتصادية في العالم الحقيقي"،  معتبرا ان "الحوكمة مرتبطة بشكل مباشر برأس المال. يريد المستثمرون رؤية حوكمة واضحة وشفافة قبل التزام دفع الأموال. لم تعد مجرد قضية محلية - بل أصبحت الآن جزءًا من الإطار القانوني العالمي الذي يؤثر علينا جميعًا".

مي مخزومي، التي جاء دعمها السخي، بحسب البيان، مفصلياً في فعالية المبادرة، شدّدت على "الحاجة إلى الجهد التعاوني". وقالت: "نحن في وقت حرج حيث يحتاج الجميع إلى العمل معاً. يجب على صناع القرار والمشرعين والحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة. آمل أن يتم اتخاذ الخطوات اللازمة ليتّم التعامل مع هذه القضايا بالجدية التي تستحقها".

ياسين

وزير البيئة السابق الدكتور ناصر ياسين،  تكلم عن تقدم لبنان في هذا المجال، مسلطاً الضوء على الريادة التي أظهرتها بعض الشركات الخاصة في الكشف عن انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكربون. وقال:" "لدينا أساس في ما يتعلق بالشفافية، ولكن مثل وضعنا في السياسة، نحتاج إلى بذل المزيد من الجهد. ولا يزال التمويل أحد أهم التحديات في الدفع نحو الانتهاء من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون".

 

أضاف: "لبنان خطا خطوات واسعة في هذا الاتجاه، لكن لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به. للتحرك نحو التخلص من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، من الضروري اعتماد طرق جيدة وموثوقة للإبلاغ، هذه العملية تحتاج إلى تبني الشركات لها بشكل كامل وتقدم الورقة التوجيهية أساساً وإرشاداً للشركات والمنظمات التي لا تزال في بداية رحلتها أو لأولئك الذين ربما بدأوا، ولكنهم لم ينضجوا تماماً في نهجهم".

حنين

من ناحيتها، أبرزت الباحثة والقائدة المجتمعية في مبادرة "سايل فور تشاينج" (SAIL for Change) في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة غلاديس حنين، المخاطر الصحية العامة المتزايدة المرتبطة بتغيّر المناخ، ومنها تزايد الالتهابات والأمراض ، مثل داء الليشمانيا، التي تتفاقم بسبب تغيّر المناخ". وأكدت أن "البيئة من المحدّدات الحاسمة للصحة العامة"، وأوصت بـ"وضع سياسات صحية أقوى لإدارة النفايات في المستشفيات وأمكنة العناية الصحية الأولية"، مشيرة إلى أن "طب الأسنان يسبّب كميّة كبيرة من التلوّث كمثل".

أضافت: "في حين تم إحراز بعض التقدم مع فصل النفايات وإعادة التدوير، فإن هذه الجهود غير كافية وتحتاج إلى تعزيزها لحماية الصحة العامة والبيئة".

أبو حيدر

وأكد المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر، الحاجة الملحة إلى تعزيز الحوكمة، محذّرًا من أن "الفرصة قد تكون الأخيرة". وردّد مخاوف المجتمع الدولي في ما يتعلق بكيفية استعادة الثقة بالقطاع العام. وشدد على أن "المصداقية ضرورية، اذ تعمل كختم لضمان الجودة الذي يجذب الاستثمار الأجنبي المباشر". وأبرز أيضًا أن "أنظمة الحكم القوية والشفافة ضرورية ليس فقط للنمو الاقتصادي، بل أيضاً لتحسين نتائج الرعاية الصحية من خلال السياسات التي تعالج الصحّة العامة، وبخاصة في ظل المخاطر الصحية المتزايدة المرتبطة بتغيّر المناخ".

وتحدث عن الخطوات التي اتخذتها الوزارة في هذا الاتجاه، مثل "إنشاء حوافز للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الصديقة للبيئة، وتطوير اتفاقيات تجارية تراعي مبادئ البيئة والاجتماع والحوكمة، وتشجيع الممارسات الاقتصادية الدائرية".

ولفت إلى أن "رقمنة الوزارة للخدمات كانت فعالة في تحسين الشفافية، وتقليل البيروقراطية، ودعم الاستدامة".

عقل

بدورها، تحدثت المديرة العامة لوزارة الصناعة شانتال عقل، تحدثت عن الحاجة إلى اتباع مقاربة شاملة، مشيرة إلى أن "الإدراك والمعرفة في القطاع الصناعي يقتصران حالياً على أقل من خمس وعشرين في المئة، تتركز بمعظمها في جبل لبنان، مع مستويات وعي محلي غير كافية". وقالت:"إن هذا القلق يتماشى مع الكلام الأوسع عن الحاجة إلى التغيير النُظُمي".

نعمه

وشددت مديرة مبادرة إعادة التحريج اللبنانية وعضو شبكة القطاع الخاص اللبناني حيث تقود قسمها البيئي الدكتورة مايا نعمه، شدّدت على أن "تغيّر المناخ خطر رئيسي لا يمكن إنكاره ولم يعد بالإمكان التغاضي عنه". وأكدت أنه "من غير المقبول أن يكون لدى الشركات تقييمات للمخاطر لا تأخذ في الحسبان المخاطر المتعلقة بالمناخ. وفي حين أن القطاع الخاص يخطو خطوات لمعالجة التحديات المطروحة، هناك حاجة إلى المزيد من الجهود، مع الاعتراف بأن العمل الذي ينتظرنا يمثل تحدياً وسيستغرق وقتًا".

وأبرزت المناقشات أن هذه اللحظة المفصلية تتجاوز مجرد نقاش بيئي. وعلى حد تعبير المحامي محمد عالم: "لم يعد هذا نقاشاً حول مقدار اهتمامنا بالبيئة إنها قضية وجودية تؤثّر على الصناعات والخدمات والسياحة. الهدف الذي نريده جميعاً ليس بعيداً. يجب أن نشارك بنشاط في هذا العمل".

ومع اجتماع قادة الأعمال والمسؤولين الحكوميين والخبراء، كان المحور واضحاً: لم يعد دمج مبادئ البيئة والاجتماع والحوكمة مجرّد خيار. لقد أصبح ضرورة دولية. وتوصي الورقة بأنه يتعين على البلدان والشركات على حد سواء اتباع الأطر القانونية العالمية التي تتطلب ممارسات مستدامة، ووضعها في طليعة القرارات التي تضمن النجاح على المدى الطويل، والمرونة البيئية، والتأثير المجتمعي.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: البیئیة والاجتماعیة الجامعة الأمیرکیة حوکمة الشرکات ر المناخ فی هذا

إقرأ أيضاً:

استراتيجية وطنية لدمج الصحة النفسية في خطط مواجهة الأزمات

تزامناً مع اليوم العالمي للصحة النفسية، أطلق المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية حملة وطنية شاملة تستمر على مدار شهر أكتوبر 2025، تحت شعار ”الوصول لخدمات الصحة النفسية في الأزمات والكوارث“.
وتهدف هذه المبادرة إلى ترسيخ مفهوم الرعاية النفسية كجزء لا يتجزأ من خطط الاستجابة للطوارئ الوطنية، ونشر الوعي بأهميتها القصوى في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المجتمعات.
أخبار متعلقة بالسجل التجاري أو شهادة «سابر».. «المحتوى المحلي» تحدد 8 مسارات لإثبات المنشأخدمات نوعية متكاملة لذوي الإعاقة وكبار السن في المسجد النبويتأتي هذه الجهود في وقت تشير فيه الإحصاءات العالمية إلى حجم الأثر النفسي العميق الذي تخلفه الكوارث، حيث يعاني ما يقارب 80% من الناجين من أعراض القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة خلال الأشهر الثلاثة الأولى.
كما تفيد منظمة الصحة العالمية بأن شخصاً واحداً من كل خمسة أشخاص في مناطق النزاع يعاني من اضطرابات نفسية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } استراتيجية وطنية لدمج الصحة النفسية في خطط مواجهة الأزماتدعم نفسيوتستند الحملة إلى جهود كبيرة تبذلها المملكة بالفعل في هذا المجال، حيث يقدم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية دعماً نفسياً متخصصاً في المناطق المتأثرة بالأزمات، فيما عملت هيئة الصحة العامة «وقاية» بالتعاون مع المركز الوطني على إعداد أدلة استرشادية لدعم الصحة النفسية في بيئات العمل خلال الجوائح.
كما يوفر المركز الوطني خدمات استشارية هاتفية وعبر تطبيق ”قريبون“، بالإضافة إلى تمويل أبحاث متخصصة وإصدار أدلة عملية حول المساعدة النفسية الأولية.
وتستهدف الحملة شرائح واسعة ومتنوعة تشمل الجهات الحكومية المعنية بالأزمات مثل الدفاع المدني والهلال الأحمر ووزارة الصحة، إلى جانب القطاع التعليمي والخاص والإعلاميين.
وعلى المستوى المجتمعي، تركز الحملة على تمكين فئات مثل مقدمي الرعاية، والشباب، والناجين من الكوارث، والعاملين في الصفوف الأمامية، وتزويدهم بأدوات الرعاية الذاتية ومهارات الدعم النفسي.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } استراتيجية وطنية لدمج الصحة النفسية في خطط مواجهة الأزماتكسر الوصمةويسعى المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية من خلال هذه الفعاليات إلى تشجيع جميع الجهات على تبني سياسات تدمج خدمات الصحة النفسية ضمن خطط إدارة الأزمات.
وتتضمن الرسائل الرئيسية للحملة التأكيد على أن ”الصحة النفسية في الأزمات أولوية وليست رفاهية“، وأن ”الدعم النفسي في الوقت المناسب قد ينقذ حياة“، بهدف كسر الوصمة المرتبطة بطلب المساعدة النفسية أثناء الطوارئ.
وتتضمن الفعاليات تنظيم محاضرات وورش عمل، وتدريب الكوادر على المساعدة النفسية الأولية، وتوفير استشارات مجانية، إلى جانب حملات توعوية مكثفة عبر المنصات الرقمية والإعلامية المختلفة.
ومن المخرجات المتوقعة إصدار مواد توعوية متنوعة مثل ”علم نفس الأزمات“ و”دليل اضطراب كرب ما بعد الصدمة“، لتعزيز ثقافة الصمود النفسي وبناء مجتمع أكثر مرونة في مواجهة التحديات.

مقالات مشابهة

  • جامعة السلطان قابوس تعزز حضورها الدولي في "إكسبو أوساكا"
  • جامعة السلطان قابوس تشارك في أسبوع الاستدامة ضمن معرض إكسبو اليابان
  • جامعة قطر تستضيف المؤتمر الدولي الثامن لريادة الأعمال من أجل الاستدامة والتأثير 2025
  • الأحزاب أطلقت ماكيناتها الانتخابيّة... وسلام يدعمالتغييريين
  • مركز الابتكار وريادة الأعمال يطلق فعالية صُنع في جامعة عين شمس
  • شحادة من الجامعة الأميركية: متفائلون بقدرة لبنان على تحويل التحديات إلى فرص
  • رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات بتعيين 21 قيادة أكاديمية في 5 كليات
  • استراتيجية وطنية لدمج الصحة النفسية في خطط مواجهة الأزمات
  • الشرطة بغزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب الاحتلال منها
  • عمرو الليثي: جميع الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر لا تتضمن مشاهد من المعركة