تقسيم سوريا.. بين المُؤامرة والواقع (1- 2)
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
جمال بن ماجد الكندي
مسألة تقسيم سوريا مُخطَّط راود ويُراود القوى الاستعمارية الإمبريالية في المنطقة، ومعها الكيان الصهيوني، وله واقع على الأرض، إما أن ينسجم معه أو يُخالفه، وهذه المُخالفة تنبُع من المجتمع السوري نفسه الذي يصنع هذا الواقع؛ لأنَّه يُدرك تبعات تقسيم سوريا إلى دُوَيْلات صغيرة يكون قرارها السياسي والعسكري ليس بيدها؛ بل بيد من قسَّمها واحتمت بظله.
بدأتُ المقالة بهذه المُقدمة لإبراز سرديتين؛ إحداهما: حصلت في الماضي، والأخرى تحصل اليوم، وكلا السرديتين يُراد منهما تقسيم سوريا، فوقعت بين مُخطط التقسيم من قِبل المُستعمِر، والواقع السوري الذي إما أن يُثبت المخطط أو يقضي عليه. وللقضاء على هذا المخطط، لا بُد من أن تكون هناك مقومات لدى السلطة السياسية، والزعامات الطائفية في سوريا، وهي مبدأ "سوريا الموحدة تحت علم واحد"، حاضنة لكل الأقليات والإثنيات المتنوعة فيها، والتي تُقدر بأكثر من 30% من سكان سوريا؛ إذ من خلال هذه الأقليات، يشتغل الإسرائيلي وغيره على تفتيت المجتمع السوري وإيجاد دُوَيْلات الطوائف.
من هنا، سنذكُر السردية الأولى أو المُخطط الحلم الذي كان يراود الاستعمار الفرنسي لتقسيم سوريا؛ ففي عام 1920م، بعد معركة ميسلون الشهيرة التي انتهت باحتلال فرنسا لسوريا، أرادت فرنسا تقسيم سوريا إلى عدة كيانات طائفية بهدف السيطرة عليها ومنع تكوين دولة سورية موحدة وقوية. وكان المشروع يهدف إلى تقسيم سوريا إلى: دولة حلب، دولة دمشق، دولة الدروز، دولة العلويين، على أن يكون أساس هذا التقسيم طائفيًا في هذه الدُوَيْلات الأربعة.
فماذا واجه هذا المشروع الاستعماري؟
واجه على الأرض الواقعَ السوري في ذلك الوقت، وهو الرفض؛ فالتاريخ النضالي السوري يذكر لنا أنَّ مقاومة هذا المشروع بدأت من مناطق الأقليات السورية، وهي المناطق التي من خلالها يدخل المُحتل لهدم بنيان الوحدة السورية.
بدأت الثورة السورية الكبرى ضد المُستعمِر الفرنسي، وعندما يكون هناك مُستعمِر، تتوحد كل القوى الوطنية في الوطن، وهذا ما حدث في سوريا. بدأت الثورة السورية الكبرى عام 1925، وقادها سلطان باشا الأطرش، وهو دُرزي من جبل العرب (محافظة السويداء)، وهي من المحافظات التي يُحاول الإسرائيلي اليوم استغلالها لتكوين دُوَيْلة دُرزية تحت ذريعة الحماية. وقد فشل الفرنسيون في الماضي في تكوين هذه الدُوَيْلة؛ لأن هناك قيادات وطنية، مثل سلطان باشا الأطرش، حاربت هذا المشروع، وتبعها وطنيون سوريون في دمشق وحماة وحلب واللاذقية، وستبقى أسماؤهم خالدة لأنها أفشلت مشروع التقسيم. ومن أبرزهم: صالح العلي، إبراهيم هنانو، وقبلهم وزير الدفاع السوري وقائد معركة ميسلون يوسف العظمة، وغيرهم من القادة السياسيين والعسكريين الذين أفشلوا المخطط الفرنسي لتقسيم سوريا. وبهذه اللحمة الوطنية، تحقق لسوريا الاستقلال الكامل تحت علم واحد في 17 أبريل 1946، وأصبح هذا اليوم عيدًا للسوريين يسمى "عيد الجلاء".
ما ذكرته في السردية التاريخية هو ما كان يُراد تحقيقه من قبل المحتل الفرنسي، فكان حلمهم، لكن أفشله الواقع؛ فالسوريون في ذلك الوقت لم يرضوا بدولة الطوائف. وسوريا اليوم أمام السيناريو نفسه؛ بل هو أشد وأقسى وأعقد، ويتطلب رجالًا وطنيين من طينة من واجهوا الاستعمار الفرنسي، لأنه في الماضي كانت فرنسا وحدها من تقود هذه الجبهة، أما اليوم فمن يقود هذه الجبهة كُثُر، ليس أولهم ولا آخرهم العدو الصهيوني.
فماذا حصل ويحصل في سوريا اليوم؟
لسرد هذا الأمر لا بُد من أن نعود إلى ما قبل عام 2011؛ أي قبل "الربيع العربي"؛ حيث كانت سوريا تحت قيادة واحدة، وإن كانت سُلطوية، ولكن على الأرض، مقارنة بالوضع الحالي، وكانت تنعم بدرجة كبيرة من الأمان والاستقرار والوحدة الوطنية، والمواطنون يعيشون حياتهم اليومية بشكل طبيعي من دون خوف من القتل على الهوية، كما يحصل اليوم.
قبل 2011، لم تكن هناك جماعات مُسلَّحة تُسيطر على أجزاء من البلد، ولم يكن هناك تهجير جماعي أو أزمة لاجئين ومُهجَّرين كما حدث بعد هذا العام، وكان الوضع الاقتصادي جيدًا، ولم يكن هناك انهيار للعملة السورية، والأسعار لم تكن تتضاعف بشكل جنوني كل يوم، كل هذا وأكثر لم يكن قبل 2011، والأهم من ذلك، كان هناك تعايش سلمي بين مختلف الطوائف السورية دون انقسامات عميقة ينتج عنها إهدار الدم ونزاعات طائفية مُسلحة كما هو الحال في سوريا الجديدة.
ذكرتُ هذه السردية للواقع السوري قبل "الربيع العربي" كي أصل إلى نتيجة ما بعد "ربيع سوريا"، إن صحت تسميته بذلك؛ فالجميع يعلم بـ"عشرية النار"، وهي الحرب السورية بين الحكومة السورية السابقة والجماعات المسلحة في الجغرافيا السورية بكل صنوفها وأجنداتها السياسية، ومن يقف معها، إلى أن توقفت الاشتباكات بين الجيش السوري السابق وهذه الجماعات، وتكوَّن واقع سياسي وعسكري ظلَّ تقريبًا لسبع سنوات باتفاقات مبرمة وأمر واقع.
كانت في الجغرافيا السورية ثلاثة أعلام تقف وراءها دول تساند هذه الأعلام، وقد ذكرتها سابقًا في مقال مفصل بعنوان "ثلاثة أعلام في دولة": أولًا: دولة المُسلَّحين أو حكومة إدلب، وهم تحت المظلة التركية، وتسميتها بدولة المُسلَّحين ليس عبثًا، لكن بسبب الاتفاقيات مع الحكومة السورية السابقة، التي بموجبها تم إرسال هؤلاء المُسلَّحين إلى محافظة إدلب السورية، ولها علمها الخاص. وثانيًا: أكراد سوريا، الذين هم تحت المظلة الأمريكية في شمال شرق سوريا، ولهم علمهم الخاص. وثالثًا: النظام السوري السابق، الذي كان يستحوذ على ما يقارب 70% أو أكثر من الجغرافيا السورية، وكان حلفاؤه هم الروس والإيرانيون.
سنذكر في الجزء الثاني من هذا المقال كيف تغير الوضع بعد مُساكنة عسكرية بين الأعلام الثلاثة طيلة سبع سنوات أو أكثر، وما نتج بعد ذلك من تجاوزات طائفية تمثل مدخلًا للتقسيم إذا لم يتدارك حكام سوريا الجُدد الوضع، ويقوموا بالتصحيح.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تقسيم الميراث.. الإفتاء تكشف حكم توزيع الأب تركته على أبنائه قبل وفاته
تقسيم الميراث من الأمور التي تكثر حولها التساؤلات لمعرفة الحكم الشرعي بشأنها، خاصة في حالة إذا كان الأب قرر توزيع أملاكه على أبنائه لمنع النزاع بينهم بعد وفاته، فيتساءل كثيرون عن حكم توزيع الميراث في هذه الحالة وكيفيته.
وفي السياق، أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال يقول سائله: "هل يحق للأب توزيع تركته في حياته دون مساواة بين أبنائه؟" وذلك في إطار تلقى الدار أسئلة والردود عليها لبيان الأحكام الشريعة.
هل يحق للأب توزيع تركته في حياته دون مساواة؟وقال الدكتور علي فخر، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن الأصل في الشرع حال توزيع التركة هو أن "للذكر مثل حظ الأنثيين"، مشيرا إلى أنه إذا كان الأب لديه أملاك وأراد أن يقسمها على أبنائه في أثناء حياته فهو جائز ومشروع.
وأضاف أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، في فيديو منشور على صفحة دار الإفتاء عبر قناتها على يوتيوب، "يجب تقسيم التركة بقسمة الميراث، فإذا كان ينوي الأب إجراء هذا الأمر لمنع النزاع بين أولاده بعد وفاته، حيث إن هناك بعض الآباء يخشون من بعض أبنائهم في تضييع التركة أو أخذ حق باقي الإخوة".
وأكد أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أنه من "المهم أن يراعي الأب في التقسيم الأحكام والأصول الشرعية في التقسيم، والأنصبة الشرعية لكل وارث".
حكم حرمان الابن العاق من الميراثوكان الدكتور علي فخر، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أكد أن الميراث حق شرعي حدده الله سبحانه وتعالى في كتابه، ولا يجوز لأي إنسان أن يتصرف فيه وفق هواه، أو أن يحرم أحد الورثة منه لأي سبب، حتى لو كان عقوق الابن.
هل يرث الولد من التبني حال تقسيم الميراث.. أزهري يجيب
أولادي عاقين لي وعاوز أحرمهم من الميراث؟.. ورد صادم من أمين الفتوى
وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، أن "الإنسان لا يملك حقيقةً شيئًا، فكل ما في يده هو ملك لله، جعله الله مستخلفًا فيه، وحين يموت، تُقسم أمواله وفقًا لما شرعه الله في القرآن الكريم، لا وفقًا لرغبات البشر".
تقسيم الميراث للأبناءوأضاف أمين الفتوى في دار الإفتاء "من غير الجائز شرعًا أن يُوصي الأب بحرمان أحد أبنائه من الميراث، حتى لو كان عاقًا، لأن الله تعالى قال: (يوصيكم الله في أولادكم)، ولم يفرق بين البار والعاق".
وأشار أمين الفتوى في دار الإفتاء إلى أن "تصرف الأب بحرمان ابنه العاق من الميراث قد يؤدي إلى زيادة العقوق، وربما يحمل الابن هذا التصرف كدليل على ظلم الأب، ما يُبقيه على حالة من الجفاء".
وتابع أمين الفتوى في دار الإفتاء "أما إذا ترك الأب أمر الميراث كما شرعه الله، فقد يكون ذلك سببًا في توبة الابن، وسببًا في أن يبر أباه بعد وفاته بالدعاء له، وهو من أفضل وجوه البر بعد الوفاة".
وحول ما إذا كان تصرف الأب في حياته، مثل إعطاء شقة لأحد الأبناء، جائزًا، أوضح الدكتور فخر أنه "إذا كان هذا التصرف في حال الحياة، ومن باب الإحسان، فلا مانع منه، لكن بشرط العدل بين الأبناء".
وتابع: "الميراث حق لله، ونحن لا نملك أن نغير ما شرعه سبحانه وتعالى، ومن مات وقد أدى ما عليه من العدل والرحمة، فله الأجر، وعلى الله الحساب".