المسجد الأموي.. صرح يحكي قصة حضارات متعاقبة
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
فالمسجد الذي يعد رابع أكبر مسجد في التاريخ الإسلامي لا يقتصر دوره على كونه مكانا للعبادة، بل هو حكاية تمتد جذورها إلى آلاف السنين، ترويها أحجاره وأعمدته التي حملت عبق الحضارات الآرامية والرومانية والإسلامية.
يرتفع المسجد الأموي على ربوة تعلو المدينة بنحو 10 أمتار، حيث شيد في موقع كان معبدا وثنيا للإله "حدد الآرامي" قبل أكثر من 4 آلاف عام.
وبعد الفتح الروماني لدمشق، تحول الموقع إلى معبد للإله "جوبيتر"، ولا تزال أعمدته الشاهقة قائمة حتى اليوم عند مدخل سوق الحميدية.
وبقيت آثار تلك الحضارات مدمجة في بناء المسجد، مثل الجدار القبلي الذي يعود إلى العصر الروماني، والذي حافظ عليه المسلمون عند تشييد المسجد.
ومع الفتح الإسلامي لدمشق عام 635م دخلت المدينة مرحلة جديدة، وقد اختلف المؤرخون حول طريقة الفتح؛ فبعضهم يرى أنها تمت صلحا بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وبعضهم يؤكد أن نصفها فتح حربا بقيادة خالد بن الوليد.
رمز للتعايش
لكن الثابت أن المسجد الأموي أصبح رمزا للتعايش، فقد تقاسم المسلمون والمسيحيون المكان لسنوات، يدخلون من باب واحد، ويصلون في أروقة متجاورة.
وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (705–715م) بدأ التحول الأكبر، حين أراد الوليد أن يهدي دمشق تحفة معمارية تليق بمكانتها، فاختار موقع الكنيسة البيزنطية وسط المدينة، واشتراها من النصارى بعد مفاوضات دقيقة تعكس حنكته السياسية.
إعلانوعند هدم الكنيسة، اكتشف العمال مغارة تحتوي على رأس النبي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان)، فأمر الوليد بتركه في مكانه وإقامة عمود فوقه كعلامة تخلد الاكتشاف.
وتميزت عمارة المسجد بالإبداع غير المسبوق، فقد تجاوزت التصاميم التقليدية، فالقبة المركزية التي تعرف بقبة النسر تشبه رأس الطائر المنتصر بأجنحته الممتدة، بينما تزين المحاريب الأربعة -أقدمها محراب الصحابة- جدران المسجد برخام أبيض وأسود.
ولم تكن الزخارف الإسلامية مجرد نقوش هندسية، بل هي تجسيد للروحانيات عبر ألوان الزجاج المعشق الذي ينثر أنوارا ملونة تبعث البهجة.
جامعة وجامع
ولم يكن المسجد الأموي مركزا دينيا فحسب، بل جامعة علمية وحاضنة للثقافة، فتحت قبة النسر درس كبار العلماء واجتمع طلبة العلم من مختلف البلدان.
كما ارتبطت أروقته بالتخطيط العسكري، إذ انطلقت منه الفتوحات الإسلامية، وتحول إلى منصة لإدارة شؤون الدولة الأموية التي امتدت من الصين إلى الأندلس.
ولا ينسى دور المسجد في رعاية المرضى النفسيين، فكان الأذان الجماعي الذي ينادى به من مآذن متعددة باتجاهات مختلفة مصدرا للراحة لهم، كما طور المؤذنون مقامات غنائية متميزة لكل صلاة، بحيث يمكن للزائر تمييز الوقت من خلال نغمة الأذان.
ورغم تعرض المسجد للزلازل والحرائق عبر القرون، فإنه حافظ على هيبته، فما بقي من عمارة الوليد بن عبد الملك هو "غرفة المؤذنين" التي تذكر بروعة التصميم الأصلي.
ويقف المسجد الأموي شاهدا على إرث إنساني فريد إذ تتداخل الحضارات في كل زاوية من زواياه، ليظل رمزا للجمال والتسامح والإبداع الذي تجاوز حدود الزمان.
11/3/2025المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان المسجد الأموی
إقرأ أيضاً:
الشرع يدعو من الجامع الأموي لإعادة الإعمار بعد عام من الإطاحة بالأسد
دمشق (زمان التركية)ــ دعا الرئيس السوري أحمد الشرع يوم الاثنين السوريين على العمل معا لإعادة بناء بلادهم وذلك في الوقت الذي أحيوا فيه ذكرى مرور عام على الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد.
وكانت قوات جهادية يقودها الشرع قد شنت هجوما خاطفاً في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، واستولت على العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول بعد ما يقرب من 14 عاماً من الحرب، ما انهى أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد القاسي.
وأشاد الشرع، عقب صلاة الفجر في الجامع الأموي بدمشق، بـ”تضحيات وبطولات المقاتلين” الذين دخلوا دمشق، بحسب بيان رئاسي.
ألقى السيد الرئيس أحمد الشرع كلمة في الذكرى الأولى لتحرير سوريا، وذلك عقب أداء صلاة الفجر في المسجد الأموي بدمشق، عبّر فيها عن مشاعر الفخر التي عاشها السوريون في اللحظات الأولى لاندحار الظلم وانتهاء مرحلة صعبة مرّت بها البلاد. pic.twitter.com/Fv9byEwcic
— رئاسة الجمهورية العربية السورية (@SyPresidency) December 8, 2025
وقال الشرع وهو يرتدي الزي العسكري كما فعل عندما دخل العاصمة قبل عام: “إن المرحلة الراهنة تتطلب توحيد جهود كل أبناء الوطن لبناء سورية القوية وترسيخ استقرارها وصون سيادتها وتحقيق مستقبل يليق بتضحيات شعبها”.
وكشف الشرع عن تلقي بلاده هدية من المملكة العربية السعودية، وضعت في الجامع الأموي، تمثّلت في قطعة من ستار الكعبة المشرفة، تحمل الآية الكريمة: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى».
????هدية ولي العهد الأمير #محمد_بن_سلمان إلى الرئيس #أحمد_الشرع بمناسبة #يوم_التحرير
قطعة من ستار الكعبة عليها آيه
﴿ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ﴾ pic.twitter.com/Jr3KnXfBO8
— نايف بن محمد (@naaif_029) December 8, 2025
ويحتفل السوريون منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني بالذكرى الأولى لبدء الهجوم، وتبلغ الاحتفالات ذروتها يوم الاثنين في أحداث في دمشق، بما في ذلك عرض عسكري وخطاب مقرر للشرع.
ونجح الشرع، الذي قطع علاقته بماضيه الجهادي، في استعادة مكانة سوريا الدولية، وحصل على تخفيف العقوبات.
ولكنه يواجه تحديات كبرى في ضمان الأمن، وإعادة بناء المؤسسات المتداعية، واستعادة ثقة السوريين، والحفاظ على وحدة بلاده.
وقد أدى سفك الدماء الطائفي في معاقل الأقلية العلوية والدرزية في البلاد، إلى جانب الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، إلى زعزعة عملية الانتقال الهشة في البلاد.
وفي بيان له، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن “ما ينتظرنا هو أكثر بكثير من مجرد انتقال سياسي؛ إنه فرصة لإعادة بناء المجتمعات الممزقة ومعالجة الانقسامات العميقة”.
وقال في بيانه، حاثا على الدعم الدولي: “إنها فرصة لبناء دولة حيث يمكن لكل سوري – بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس أو الانتماء السياسي – أن يعيش بأمان وعلى قدم المساواة وبكرامة”.
ودعا زعيم روحي علوي بارز في سوريا، السبت، أعضاء أقليته الدينية التي تنتمي إليها عائلة الأسد أيضا، إلى مقاطعة الاحتفالات، احتجاجا على السلطات الجديدة “القمعية”.
كما أعلنت الإدارة الكردية التي تسيطر على مساحات واسعة من شمال شرقي سوريا، السبت، حظر التجمعات والفعاليات العامة يومي الأحد والاثنين، مشيرة إلى مخاوف أمنية.
وبموجب اتفاق تم التوصل إليه في مارس/آذار الماضي، من المقرر أن تدمج الإدارة الكردية مؤسساتها في الحكومة المركزية بحلول نهاية العام، لكن التقدم توقف.
وأكد الزعيم الكردي مظلوم عبدي في منشور على موقع X يوم الأحد التزام الأكراد بالاتفاق، قائلاً إنه الأساس “لبناء سوريا ديمقراطية لامركزية… معززة بقيم الحرية والعدالة والمساواة”.
Tags: الجامع الأمويالشرع في الجامع الأمويحمد الشرع