أوربان لوفيرييه.. الرجل الذي اكتشف كوكبًا دون أن يراه
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
في عالم الفلك، عادة ما تعتمد الاكتشافات على سنوات من الرصد بالتلسكوبات المتطورة، لكن في القرن التاسع عشر، تمكن العالم الفرنسي أوربان لوفيرييه من تحقيق إنجاز استثنائي: اكتشاف كوكب نبتون دون الحاجة إلى رؤيته مباشرة، وإنما عبر الحسابات الرياضية فقط، كان هذا الاكتشاف بمثابة ثورة في علم الفلك، حيث أثبت أن الرياضيات يمكن أن تكون أداة قوية في استكشاف الفضاء.
بدأت القصة عندما لاحظ الفلكيون أن كوكب أورانوس لا يتحرك وفق المسار المتوقع له، بل كانت هناك اضطرابات غامضة في مداره لا يمكن تفسيرها بسهولة.
أمام هذه الظاهرة، كانت هناك فرضيتان: إما أن قوانين الجاذبية تحتاج إلى تعديل، أو أن هناك كوكبًا غير معروف يؤثر على حركة أورانوس، بدأ لوفيرييه في دراسة المشكلة بعمق، مستخدمًا قوانين نيوتن للجاذبية وحساباته الرياضية لاستنتاج وجود كوكب آخر يقع وراء أورانوس.
بعد شهور من الحسابات الدقيقة، أرسل لوفيرييه نتائجه إلى الفلكي الألماني يوهان غالي في مرصد برلين، طالبًا منه التحقق من موقع الكوكب الجديد.
اكتشاف كوكب نبتونفي ليلة 23 سبتمبر 1846، قام غالي بتوجيه تلسكوبه إلى الإحداثيات التي حددها لوفيرييه، ليجد كوكب نبتون تقريبًا في الموقع الذي تنبأ به. كانت هذه لحظة تاريخية في علم الفلك، حيث تم إثبات أن المعادلات الرياضية وحدها يمكنها التنبؤ بوجود أجرام سماوية غير مرئية.
لم يكن لوفيرييه الوحيد الذي عمل على هذه المشكلة، فقد قام الفلكي البريطاني جون كوش آدامز بحسابات مشابهة في الفترة نفسها، لكنه لم ينشر نتائجه في الوقت المناسب.
أدى هذا إلى تنافس علمي بين فرنسا وبريطانيا حول من يستحق الفضل في اكتشاف نبتون، لكن في النهاية، اعترف بأن لوفيرييه هو صاحب الفضل الأكبر في التنبؤ بموقع الكوكب الجديد.
أثبت اكتشاف نبتون بالدليل القاطع صحة قوانين نيوتن وعزز دور الحسابات النظرية في علم الفلك، كما فتح الباب أمام اكتشافات جديدة، مثل البحث عن كواكب خارج المجموعة الشمسية باستخدام الاضطرابات في حركة النجوم، وهو النهج الذي لا يزال يُستخدم حتى اليوم.
رغم أن أوربان لوفيرييه لم يكن رائدًا في الفلك البصري، فإن طريقته الفريدة في البحث جعلته واحدًا من أعظم العلماء في مجاله، لا يزال اسمه مرتبطًا بنبتون، وتستخدم منهجيته حتى اليوم لدراسة اضطرابات المدارات وتحديد مواقع الأجرام السماوية غير المرئية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: كوكب أورانوس قوانين نيوتن المزيد کوکب ا
إقرأ أيضاً:
فيديو يثير جدلا علميا.. كوكب الأرض يمتلك قلبا ينبض
أعاد مقطع فيديو جديد نشره مشروع "Heritage Matters" إشعال النقاش العلمي والجماهيري حول ما إذا كانت الأرض "تنــبض" فعلا.
الفيديو الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم، يمزج بين بيانات أقمار صناعية حقيقية توثق التمثيل الضوئي على مستوى الكوكب، وأصوات طبيعية مثل هبوب الرياح، إضافة إلى إيقاع منتظم يشبه نبض قلب بطيء وثابت.
فهل للأرض قلب ونبض..؟
رغم أن هذا الفيديو يمزج بين الواقع والخيال، إلا أن هناك بالفعل ظواهر طبيعية حقيقية تضفي بعض المصداقية على فكرة امتلاك كوكب الأرض لقلب ينبض.
ومن أبرز هذه الظواهر "رنين شومان"، وهي موجات كهرومغناطيسية ناتجة عن العواصف الرعدية، تدور باستمرار حول الغلاف الجوي للأرض. تتكرر هذه الترددات بشكل منتظم، ما ينتج عنه اهتزازات إيقاعية يمكن قياسها.
وهناك ظاهرة أخرى، تعرف باسم "النبضات الزلزالية الدقيقة"، وهي اهتزازات غير مفسرة تجّلت كل 26 ثانية تقريب.
يقول العماء إن هذا "النبض" يشبه الزلازل الصغيرة، تبين أن للأرض ما يشبه "نبض القلب"، لكنهم لم يتمكنوا حتى الآن من معرفة السبب وراء حدوثه.
هذا "النبض" يحدث تقريبًا كل 26 ثانية، وهو أبطأ بكثير من نبض قلب الإنسان، الذي يمكن أن يصل إلى 100 نبضة في الدقيقة.
وقد تم تسجيل هذه الظاهرة لأول مرة في أوائل ستينيات القرن الماضي على يد الجيولوجي جاك أوليفر، الذي رجّح أن هذه "الزلازل الصغيرة" قد يكون مصدرها منطقة ما في المحيط الأطلسي الجنوبي أو الاستوائي.
لكن في تلك الحقبة، لم تكن تتوفر التقنيات المتطورة التي تتوفر اليوم، ولهذا لم يكن أوليفر قادرا على دراسة هذه النبضات بشكل دقيق.
وفي وقت لاحق، أعاد عالم الزلازل مايك ريتزولر من جامعة كولورادو بالولايات المتحدة، وفريقه، اكتشاف هذه النبضات بعد مرور عقود على رصدها لأول مرة.
وفي تصريح لمجلة Discover، قال ريتزولر عن أوليفر: "لم يكن لدى جاك في عام 1962 الإمكانات التي كانت لدينا في عام 2005، ولم يكن يملك أجهزة قياس الزلازل الرقمية، بل كان يعتمد على تسجيلات ورقية".
ومنذ ذلك الحين، حاول علماء الزلازل أمثال ريتزولر فهم مصدر هذه النبضات، التي تُعرف أيضا بالزلازل الدقيقة، وأسباب حدوثها. ومن بين هؤلاء العلماء، غاريت أولر، الذي تحدث في مؤتمر لجمعية الزلازل الأمريكية سنة 2013، موضحا أنه استطاع تحديد المصدر المحتمل لهذه النبضات بشكل أدق، وهو جزء من خليج غينيا يُعرف بـ"خليج بوني".
أما عن سبب حدوث هذه الظاهرة، فيرى أولر أنها مرتبطة بحركة أمواج المحيط. وحسب تفسيره، عندما تمر الأمواج عبر المحيط، فإن فرق الضغط في المياه قد لا يؤثر كثيرا على قاع البحر، لكن عندما تصطدم بمنحدر القارة، حيث تكون اليابسة أقرب إلى السطح، فإن ذلك يؤدي إلى ضغط يُشوه قاع البحر، مولدا بذلك نبضات زلزالية تعكس حركة الأمواج.
لكن في ورقة علمية نشرت لاحقا في نفس العام، اقترح الباحث يينغجي شيا من معهد الجيوديسيا والجيوفيزياء في ووهان، الصين، أن السبب ليس الأمواج، بل البراكين.
وأوضح أن مصدر النبض قريب بشكل ملحوظ من بركان موجود في جزيرة ساو تومي الواقعة في خليج بوني. مضيفا أن هناك منطقة أخرى يشكل فيها بركان مصدرا لزلازل دقيقة مشابهة، وهي بركان آسو في اليابان.
ورغم هذه الفرضيات، لا تزال الظاهرة لغزا غير محلول، ويُرجع بعض العلماء ذلك إلى أن هذه القضية ليست من ضمن أولويات علم الزلازل في الوقت الحالي، رغم اهتمام بعض الباحثين بفهمها.
وفي هذا السياق، قال العالم دوغ وينز لمجلة Discover: "هناك مواضيع محددة نركز عليها في علم الزلازل. نحن نسعى إلى فهم البنية الداخلية للقارات، وأشياء من هذا القبيل. أما هذا النوع من الظواهر، فهو خارج نطاق ما ندرسه عادة، لأنه لا يرتبط بفهم البنية العميقة للأرض". وعليه، يرى ريتزولر أن حل هذا اللغز قد يكون من مهام الأجيال القادمة من العلماء.