على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «9 – 20»

“لن يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”

مارتن لوثر كينج

د. النور حمد

خلق الحاضنة الشعبية الضرار

الجهود العديدة التي جرى بذلها في محاولات القضاء على ثورة ديسمبر، صاحبها جهدٌ آخر، وهو خلق حاضنةٍ شعبيةٍ ضرارٍ، ليقول عسكريو مجلس السيادة، وقوى النظام القديم، ومن ورائهم جميعًا النظام المصري، إن هناك قوىً مدنيةً أخرى داعمة للثورة.

وأن قوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي التي كان يُشار إليها اختصارًا عند بداية الثورة بـ (قحت)، لا تمثل الشعب السوداني وأنها ليست هي الجسم الوحيد الممثل للثورة. لحظة إنشاء هذه الحاضنة الشعبية الضرار، منحها البرهان وعسكره مبنى قاعة الصداقة في الخرطوم ليعقدوا فيها لقاءهم وليقيموا فيها المؤتمر الصحفي الذي أعلنوا فيه ولادتها. وكان من اللافت جدًا في مهرجان إعلان هذه الحاضنة الضرار، حضور السفير المصري في الخرطوم تلك الجلسة. هذه الحاضنة المزيفة هي نفسها التي، كما سبق أن ذكرنا، دبَّر لها عسكر المجلس السيادي فرصة الاعتصام أمام القصر الجمهوري وقدم لها كل التسهيلات. وفي الوقت الذي كانت فيه قوى الأمن تقمع مسيرات المتظاهرين من شباب الثورة بعنفٍ مفرطٍ، وتمنعهم من الوصول إلى القصر الجمهوري، تركت هؤلاء يقيمون اعتصامهم لمدة أسبوع، أمام القصر الجمهوري، تحت حماية قوى الأمن.

في نهاية اعتصامهم أمام القصر الجمهوري طالب هؤلاء النفر الفريق البرهان بالانقلاب على حكومة الدكتور عبد الله حمدوك التي قامت على أساس الوثيقة الدستورية التي شهد عليها المجتمعان الإقليمي والدولي. وكما ذكرنا فقد كان ذلك الاعتصام متزامنًا مع إغلاق الزعيم القبلي محمد الأمين تِرِك ميناء بورتسودان والطريق البري الرابط بينه وبين بقية البلاد. ولم تمر أيام بعد مناداة تلك الحاضنة الضرار بالانقلاب، حتى نفذ الفريق البرهان الانقلاب على حكومة حمدوك، في 25 أكتوبر 2021، وأودع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الحبس المنزلي وأودع قيادات الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، السجن. وقد كانت مطالبة تلك الحاضنة الضرار للفريق البرهان للقيام بالإنقلاب، مسرحية أعدها أصلاً عسكر المجلس. وكانت استنساخًا، بصيغة أخرى، لما فعله السيسي مع حكومة مرسي حين قال للشعب المصري: أخرجوا إلى الشوارع وأمنحوني تفويضًا. وبالفعل خرج قطاعٌ من الشعب المصري المنقسم على نفسه بشدة، آنذاك، ومنحه التفويض، فأطاح بحكومة الرئيس محمد مرسي المنتخبة وأودعه السجن، إلى أن مات فيه. ثم ما لبث أن بطش بالإخوان المسلمين بطشًا لم يحدث لهم، ولا في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر.

انفرد البرهان بالسلطة بانقلابه على الشرعية، لكنه فشل في تشكيل حكومة. فقام بإطلاق سراح الدكتور عبد الله حمدوك الذي رجع ليترأس الوزراة لفترة قصيرة جدًا، ما لبث بعدها أن استقال. قال حمدوك في أول ظهورٍ له عقب إخراجه من الحبس المنزلي، أنه قَبِل العودة بغرض حقن الدماء. وقد قام بالفعل بإبعاد اثنين من قادة الشرطة، هما عز الدين الشيخ وخالد مهدي بسبب تقاعسهما في إلقاء القبض على الذين يمارسون قنص المتظاهرين بالبنادق في الشوارع. لكن رغم ذلك، استمر قنص المتظاهرين، فلم يجد حمدوك في نهاية الأمر بدًّا من أن يستقيل. وهكذا طُويت صفحة الفترة الانتقالية التي نصت عليها الوثيقة الدستورية.

لابد من الإشارة هنا إلى أن عسكر مجلس السيادة قد كانوا يسابقون بمؤامراتهم الزمن وهم يتآمرون على نسف الفترة الانتقالية. فالوثيقة الدستورية قسمت الفترة الانتقالية إلى قسمين: قسم يرأس فيه العسكريون مجلس السيادة. وقد أصر  العسكر على رئاسة مجلس السيادة في هذا القسم الأول. وأثبتت التجربة أنهم أصروا على أن يترأسوا مجلس السيادة في القسم الأول من الفترة الانتقالية، لكي يتمكنوا من هلهلة حكومة عبد الله حمدوك وإضعافها وعزلها عن جمهورها، ومن ثم، الانقلاب  عليها، قبل أن ياتي موعد رئاية المدنيين لمجلس السيادة. أيضًا، كانت لجنة تفكيك التمكين قد وقفت على فساد الإسلامويين في فترة حكمهم، وقد أوشكت على فتح ملفات بالغة الحساسية. لذلك، كان لابد من الانقلاب قبل كشف تلك الملفات. وكما جرى بذل جهدٍ كبيرٍ في إضعاف حكومة حمدوك وخلق العراقيل لها وإظهارها بمظهر قلة الكفاءة والفعالية، كذلك جرت حملاتٌ إعلاميةٌ ضخمةٌ لشيطنة لجنة إزالة التمكين واسترداد المال العام، بل واتهامها بتهمٍ ملفقةٍ بممارسة الفساد. وما أن قام البرهان بانقلابه، انخرط مباشرةً في أعادة من جرى إبعادهم من رموز النظام القديم إلى مناصبهم، من جديد. كما أعاد الأموال التي حجزت عليها لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال العامة المنهوبة، إلى المؤسسات والمنظمات والأفراد التابعين لنظام الرئيس عمر البشير.

مصر ترعى الحاضنة الضرار

اجتهدت مصر كثيرًا في دعم هذه الحاضنة الشعبية الزائفة لتشق قوى الثورة وتسيطر من خلالها على مجريات الأمور في السودان، لكي تصب، في النهاية، في خدمة مصالحها. فمصر كما سبق أن ذكرنا، تريد أن يكون السودان مجرد مستودعٍ للمواد الخام لتأخذها منه بأبخس الأسعار بل، وبلا مقابلٍ أحيانًا كما سنرى لاحقًا، لتقوم هي بالتصنيع وإضفاء القيمة المضافة، ومن ثم تصديرها إلى الخارج بإسمها هي وحصد عائدات ما ينتجه السودان لنفسها. من أجل ذلك، تريد مصر جنرالاً يضمن لها استدامة هذا الوضع. فالنظام الديمقراطي يتيح الفرصة للشعب السوداني وللصحافة الحرة فرصة مساءلة المسؤولين ومحاسبتهم. خاصةً، في الأمور التي تتعلق بموارد البلاد واستخدامها، إلى جانب الرقابة على مجريات التنمية وحراسة المال العام والحرص على السيادة والكرامة الوطنية. وكل ذلك، في جملته، يسير على العكس تمامًا مما تريده مصر في السودان. لذلك، عندما تحدَّث حمدوك عن ضرورة أن يتجه السودان لإضفاء القيمة المضافة على منتجاته، بدلاً من تصدير المواد الخام والأنعام الحية، أوردت تقارير إعلامية، أن اللواء عباس كامل، مدير المخابرات المصرية، قال للفريق البرهان في زيارة له إلى الخرطوم، جرت قبل الانقلاب على حكومة حمدوك بقليل: إن مصر مستاءة جدًا من حمدوك، وأردف قائلا: “حمدوك لازم يمشي”. وبالفعل “مشى حمدوك”، بأمر المخابرات المصرية. راجع صحيفة وول ستريت جورنال على الرابط:

https://shorturl.at/s1Yj8). و(صحيفة العربي الجديد على الرابط: https://shorturl.at/4fbcH). وقد أوردت صحيفة وول ستريت جورنال في نفس هذا السياق، أن الفريق البرهان طمأن المُوفد الأميركي إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، بأنه لا ينوي الاستيلاء على السلطة. لكنه ما لبث عقب لقائه بفلتمان أن استقل الطائرة إلى مصر لإجراء محادثات سرية لضمان حصول مؤامرته على دعم مصري وإقليمي. وأضافت الصحيفة أن الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 2013 بدعم من السعودية والإمارات، طمأن البرهان على سلامة ما ينوى فعله. وتقول الصحيفة إنها حصلت على المعلومة من ثلاثة أشخاص كانوا مطلعين على الاجتماع. وأضافت أن البرهان اعتقل لدى عودته إلى الخرطوم، عشرات المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، فاضًا بذلك اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين الذي أخرج السودان من ثلاثة عقود من العزلة الدولية. أيضًا أقال الفريق البرهان خبير القانون الدولي ورئيس مفوضية الحدود الدكتور معاذ تنقو، السوداني الأكثر إلمامًا بقضية حلايب وشلاتين والمطَّلِع على الوثائق التي تثبت أن حدود السودان الحقيقية تصل إلى منطقة أسوان. وتحوم الشكوك أن إبعاد هذا الخبير قد كان بتأثير من دولة الإمارات المتحدة والسلطات المصرية.

عقدت مصر لتلك الحاضنة الشعبية الضرار، التي تعوِّل عليها في خدمة أهدافها في السودان، مؤتمرين داخل مصر. بل عقدت لها مؤتمرً ثالثًا رضيت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) الاشتراك فيه، رغم أن مصر هي التي أطاحت مع البرهان بحكومتها. وقد تحايلت ما تسمى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، التي أصبحت لاحقًا جزءًا من تحالف تنسيقية (تقدم) الأكثر اتساعًا، عبر الإشتراك بجسمها القديم الأصغر حجما، وهو قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المعروفة بـ (قحت). وقد كانت تلك حيلةً مكشوفةً الغرض منها ألا يُقال أن تنسيقية (تقدم) قد جلست مع الحاضنة الضرار المصنوعة تحت الرعاية المصرية في الأرض المصرية. في حين يعلم الكل أن الحرية والتغيير) المجلس المركزي) هي القوة الوازنة في تنسيقية (تقدم) وأن البارزين من قيادات (تقدم) هم من قيادات (قحت)، وليسوا من القوى التي انضمت إليها.

إلى جانب الحاضنة الزائفة المصنوعة استقطبت مصر مجموعةً من المثقفين السودانيين، الداعمين للسياسات المصرية في السودان، ليصبحوا صوتًا إضافيًا يجري استخدامه إلى جانب صوت قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية). ولعل السبب وراء وقوع المبعوث الأمريكي إلى السودان، توم بيرللو في قبضة المخابرات المصرية، وفشله المدوي في مهمته، إنما يعود إلى جعله يستمع كثيرًا إلى هؤلاء المثقفين السودانيين المقيمين في مصر، المستقطبين مصريًا. وكذلك، استماعه إلى الحاضنة المزيفة الضرار المتمثلة في الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية). ومن أقوى الأدلة على أن المخابرات المصرية قد وضعت المبعوث الأمريكي في جيبها، أنه ظل يهمش (تقدم) بصورةٍ لافتة. فقد حرص هو ومعه قوى إقليمية على رأسها مصر على تهميش تنسيقية (تقدم) بزعم أنهم يريدون في البداية إنهاء الصراع  المسلح القائم بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع. وكأن أصل المشلكة يتمثل حصرًا في هذا الصراع، وليس في الثورة وأهدافها مع من يسعون للقضاء عليها. هذا ااتشخيصٌ المضلِّلٌ هو الذي جعل جهود المبعوث الأمريكي توم بيريللو تذهب هباء.

تعامل بيرللو مع تنسيقية (تقدم) وكأنها غير موجودة أصلاً. وهذا هو ما كان يريده المصريون، ويريده الفريق البرهان والواقفون وراءه من الإسلامويين سدنة النظام القديم. وهو أن الصراع في السودان قائمٌ حصرًاٌ بين قوتين عسكريتين، وأنه لا وجود لشئ اسمه الثورة، ولا وجود لشيء اسمه الشعب السوداني. ومما يؤكد هذا ما قالته السيدة سناء حمد للإعلامي بقناة الجزيرة أحمد طه، حين قالت إنهم مأمورون شرعًا بموجب النص القرآني أن يجنحوا للسلم، إذا جنحت له قوات الدعم السريع. وعندما سألها أحمد طه، ما إذا كان هذا الموقف ينطبق أيضًا على تنسيقية (تقدم)، وجمت لفترة، ويلد أنها لم تكن تتوقع هذا السؤال، ثم قالت: “إذا رضي الشعب”. وهذا يعني أن تصالحهم مع قوات الدعم السريع لا تقتضي رضا الشعب، لكن تصالحهم مع تقدم يقتضي رضا الشعب. وقد شهدنا جميعا كيف أن نبرة العداء وسط قادة الحيش والإسلامويين تجاه (تقدم) ظلت على الدوام أقوى، بما لا يقاس، من نبرة عدائهم تجاه قوات الدعم السريع.

ودعونا نقرأ، في هذا الصدد، وجهة نظر الباحث في الشؤون الاستراتيجية، محمد عباس، حول دور مصر في إنشاء الحاضنة الشعبية الضرار ورعايتها، فيما أدلى به إلى شبكة “عاين” حيث قال: تقف القاهرة وراء تنظيم مؤتمر قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، لضمان السيطرة على السودان في أي تطورٍ سياسيٍّ قادم، بناءً على المفاوضات المتوقعة في منبر جدة. وأضاف قائلاً أيضًا: مصر قد تشارك في منبر جدة، وفي ذات الوقت تريد التحكم في مقاليد الأمور في السودان، لأن الحرب قد تسببت للقاهرة في تعقيداتٍ اقتصاديةٍ هائلةٍ. وعندما يتوقف الصراع المسلح، يريد النظام المصري أن يُحكم سيطرته على الأوضاع في السودان من خلال صنع تحالفات سياسية موالية للجيش السوداني. (راجع: شبكة عاين على الرابط(https://shorturl.at/BcLbS :.

لجوء سياسيينا إلى مصر!

السياسي السوداني المعارض لنظام الحكم في السودان، الذي يختار مصر مكانًا للجوء، وبخاصةٍ في مثل هذه الظروف الحالية التي يظهر فيها حرص مصر الشديد للقضاء على الثورة السودانية، وأحدٌ من شخصين، لا ثالث لهما. فهو، إما يكون جاهلاً، جهلاً موبقًا، بتاريخ الهيمنة المصرية على السودان، وتآمر الأنظمة المصرية المتعاقبة على الديمقراطية في السودان، وإما أن يكون متماهٍ تمام التماهي مع أجندة مصر في السودان معتقدًا أن فيها الخير العميم لأهل السودان. وما حدث، بالفعل، عقب قيام هذه الحرب أن طائفةً كبيرةً من قيادات قوى الحرية والتغيير، تنسيقية (تقدم)، اختارت أن تلجأ إلى مصر. كما لجأت مجموعةٌ من المثقفين غير المنظمين حزبيًّا الذين درجوا على تقديم تحليلاتهم ونصائحهم إلى مصر من منصة حيادٍ وطنيٍّ مزعومٍ، أيضًا. بل إن بعض هؤلاء كانت القاهرة بالنسبة لهم مَحَجًّا ومنتجعًا للاستجمام قبل حدوث الثورة. ومعلومٌ منذ فترة الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودان أن مصر تبتز قوى المعارضة السودانية التي تقيم على أرضها. ومن نماذج الابتزاز التي مارسها النظام المصري على قيادات المعارضة السودانية المقيمة حاليًا في مصر، التهديد بالحرمان من العودة إلى مصر في حالة الذهاب في مهمة إلى خارج مصر. والمقصود من هذا هو منع المعارضة السودانية المشتتة في دول القرن الإفريقي من الاجتماع خارج مصر. فالنظام المصري يود أن تكون عينه حاضرة في كل لقاءات قوى المعارضة السودانية. كما إن أكثر ما يسوء مصر هو أن تقيم قوى المعارضة مؤتمراتها أو لقاءاتها في إثيوبيا، التي تناصبها مصر أشد العداء، أو في كينيا أو يوغندا. هذا الابتزاز لا تمارسه السلطات المصرية، بصورةٍ ثابتةٍ، وإنما بالسماح أحيانًا، وجعله عسيرًا ومحاطًا بالمحاذير، أحيانًا أخرى. وقد أثمر هذا الابتزاز الذي تضمن أنماطًا مختلفة من الضغوط، في جعل تنسيقية (تقدم) تعقد واحدًا من مؤتمراتها في مصر بسبب صعوبة خروج أعضائها المقيمين فيها، كما سبق أن ذكرنا. بل وصل  الأمر حد أن تعقد قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وهي مكوِّنٌ رئيس في تنسيقية (تقدم)، لقاءً في مصر شاركت فيه الحاضنة الضرار التي أسهمت مصر في صنعها، وهي الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية). (راجع صحيفة سودان تربيون على الرابط: (https://shorturl.at/i9ynp. وقد حضر هذا اللقاء حليفا الفريق البرهان: جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، لكنهما رفضا التوقيع على البيان الختامي. ورغم أن ذلك الرفض يوحي باستقلال قرارهما عما تريده مصر، لكن، ربما جرى ذلك منهما بإيحاء من مصر لإفشال البيان الختامي وتكريس الانقسام وهلهلة (تقدم).

(يتواصل)

على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (8 – 20)

الوسومالانقلاب الحاضنة الشعبية الضرار الحرب السودان القاهرة تنسيقية تقدم جبريل إبراهيم د. النور حمد قوى الحرية والتغيير مارتن لوثر كينج مصر مني أركو مناوي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الانقلاب الحرب السودان القاهرة تنسيقية تقدم جبريل إبراهيم د النور حمد قوى الحرية والتغيير مصر مني أركو مناوي قوى الحریة والتغییر الکتلة الدیمقراطیة المعارضة السودانیة المخابرات المصریة الفترة الانتقالیة قوات الدعم السریع المجلس المرکزی الفریق البرهان القصر الجمهوری عبد الله حمدوک النظام المصری مجلس السیادة هذه الحاضنة على الرابط فی السودان إلى مصر فی مصر قد کان مصر فی

إقرأ أيضاً:

تمدد المتشددين بالجيش السوداني بين النفي والواقع

في خضمّ الحرب المشتعلة في السودان وتزايد تعقيدات المشهدين السياسي والعسكري، يبرز ملف تغلغل التنظيمات المتشددة داخل الجيش السوداني كأحد أكثر الملفات إثارة للجدل، خصوصا بعد تصريحات قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، التي نفى فيها "أي وجود للإخوان المسلمين داخل المؤسسة العسكرية".

غير أنّ مؤشرات ميدانية، وشهادات قوى سياسية وشخصيات بحثية، تكشف رواية مغايرة تماما.

بين خطاب البرهان.. وحقائق الميدان

ظهر البرهان في مقابلة أخيرة نافيا أي حضور للإخوان في الجيش، ومؤكدا أن "كل من يثبت انتماؤه يتم استبعاده". لكنه، وفق مراقبين، قدّم روايتين متناقضتين: الأولى تؤكّد أن الشعب أسقط الإخوان في ثورة 2019، والثانية تنفي وجودهم التام في الحكومة والجيش رغم عودة رموز كثيرة عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021.

هذه المفارقة كانت محور النقاش في برنامج "الظهيرة" على سكاي نيوز عربية، بين الباحث في مركز الأهرام صلاح خليل، والكاتب والباحث السياسي شوقي عبد العظيم.

يرى خليل أن ما يوصف بعودة نفوذ الإسلاميين داخل الجيش هو في الغالب "فوبيا من سنوات حكم الإسلاميين السابقة"، مؤكدا أن المقاربة الواقعية تُظهر أمرا مختلفا.

وقال خليل: "إذا كان الجيش السوداني واقعا تحت هيمنة تيار الإسلام السياسي كما يقال، لما لجأت السلطة السابقة إلى تكوين ميليشيات الدعم السريع وانتزاع قانون لها عام 2017. تكوين هذه الميليشيات كان خوفا من أن يقوم الجيش بانقلاب ضد النظام".

ويضيف أن الإسلاميين، لو كانوا بهذه القوة، لكانوا استخدموا أدواتهم لقمع اعتصام القيادة عام 2019 والحفاظ على نظام البشير، مؤكدا: "الإسلاميون امتلكوا السلطة والجيش والميليشيات، ولو أرادوا البقاء لفعلوا ذلك بالقوة".

كما اتهم خليل بعض الأصوات السياسية والإعلامية بـ"شيطنة الجيش السوداني"، قائلا إن انتساب بعض الضباط السابقين للتيار الإسلامي لا يعني بالضرورة وجود سيطرة فعلية اليوم.

يقاتلون اليوم داخل الجيش باسم جديد

على الضفة الأخرى، قدّم شوقي عبد العظيم وجهة نظر أخرى، قائلا إن نفوذ الإسلاميين لم يغادر مؤسسات الدولة أصلا، بل عاد بقوة بعد أحداث أكتوبر 2021.

وأكد قائلا: "هناك وزراء إسلاميون حاليون، وشخصيات معروفة للجميع عادت للخدمة عقب انقلاب 25 أكتوبر. إعادة المفصولين الإسلاميين ثم مشاركتهم المباشرة في الحرب دليل واضح على أن نفوذهم مؤثر وحقيقي".

وفيما يتعلق بالميليشيات، قال إن الدعم السريع نفسها: "كانت جزءا من مشروع الحركة الإسلامية لحماية سلطتها بجيش مواز".

وأضاف: "كتائب البنيان المرصوص والبراء بن مالك والمجاهدين.. كلها تقاتل اليوم ضمن ما يسمى المقاومة الشعبية، وهم أنفسهم عناصر الإسلاميين القديمة".

وكشف عبد العظيم عن اعترافات لقيادات عسكرية سابقة حول تلقي توجيهات من رموز إسلامية شهيرة خلال الفترة الانتقالية، مؤكدا: "الإسلاميون يقاتلون الآن داخل الجيش ليس دفاعا عنه، بل سعيا للعودة إلى السلطة عبر الحرب".

لماذا ينفي البرهان؟

يعتقد محللون أن البرهان يوجّه رسائل متعددة: للداخل السوداني: بأنه لا يسمح بعودة الإسلاميين وأن الجيش "حائط صد" ضد التطرف.

للعواصم الغربية والعربية: بأن المؤسسة العسكرية "غير أيديولوجية" ويمكن التعامل معها.

للوسطاء الدوليين: بأن أي مفاوضات سياسية يجب أن تُسبق بحسم عسكري.

لكن الوقائع على الأرض، بحسب مراقبين، تجعل من هذه السردية أقل تماسكا، خصوصا مع عودة ضباط معروفين بانتمائهم للحركة الإسلامية، وسط توسع قوات الاستنفار الشعبي ذات الخلفيات الجهادية.

الخطورة.. بين الحرب والتمكين

يختم عبد العظيم بأن أخطر ما يواجه السودان اليوم هو عودة التنظيمات المتشددة إلى الواجهة عبر بوابة الجيش، مؤكدا: "الحرب أصبحت منصة الإسلاميين للعودة إلى الحكم، وكل يوم تطول فيه الحرب يزداد نفوذهم".

أما خليل فيرى أن الحديث عن تغلغل الإسلاميين داخل الجيش هو جزء من "سردية سياسية تهدف إلى شيطنة المؤسسة العسكرية في لحظة مصيرية".

مقالات مشابهة

  • ما في كيزان!!
  • تمدد المتشددين بالجيش السوداني بين النفي والواقع
  • ترامب: يجب الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في القطاع المالي العالمي
  • نائب البرهان يخاطب مبعوث بريطانيا إلى السودان بلغة “ساخنة” ويطلب منه إيصال رسائل
  • نائب البرهان يؤكد رفض أي اتفاق يعيد «الدعم السريع» للمشهد
  • كأس العرب.. العراق لمواصلة الهيمنة والسودان لإنهاء العقدة
  • البرهان: لا حوار ولا مفاوضات مع الدعم السريع إلا في حالة تركهم السلاح
  • البرهان يتمسّك بتسليم الدعم السريع سلاحها قبل أي تفاوض
  • الأقوى يكتب رواية الهيمنة بين الأقوياء والضعفاء
  • الحقيقة وراء الحرب في السودان: تفنيد رواية البرهان وكشف المستور