لجريدة عمان:
2025-07-26@23:27:01 GMT

عقيدة الهيمنة الإسرائيلية من دمشق إلى غزة

تاريخ النشر: 24th, July 2025 GMT

عقيدة الهيمنة الإسرائيلية من دمشق إلى غزة

ترجمة: بدر بن خميس الظفري

((كلما تصرفت إسرائيل كأنها إمبراطورية إقليمية، ازداد شعور المنطقة بأنها كيان استعماري متغطرس))

الهجوم الإسرائيلي الأخير على دمشق كان تجسيداً حيّا لعقيدة مدروسة، ولم يكن مجرد غارة جوية معزولة، فقبل اسبوع، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية وزارة الدفاع السورية، مقر القيادة العسكرية، ومحيط القصر الرئاسي.

كان القصف في قلب دمشق الرمزي والسيادي، وليس عند الجبهات أو قرب الحدود.

الحجة كانت واهية، وهي حماية مزعومة للأقلية الدرزية في سوريا. لكن لا ينبغي لأحد أن يُخدع، فالمسألة كلها تتعلق بإبراز القوة والغطرسة وليس بالحماية. لم يكن الهجوم لأجل الدروز، وهم عرب سوريون أصيلون، وإنما لتكريس عقيدة إسرائيلية قديمة تقوم على تفتيت المنطقة، تمتد من أنقاض غزة إلى وزارات دمشق المقصوفة، مرورًا بزعزعة استقرار دول بأكملها.

دولة قتلت أكثر من 60 ألف فلسطيني في غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأصابت أكثر من 130 ألفًا، ودمرت قرابة 80% من مباني القطاع، لا يمكنها أن تدّعي فجأة الدفاع عن الأقليات.

دولة تبني ما يُعدّ أكبر معسكر اعتقال مفتوح في العالم، وتستخدم الجوع كسلاح، وتمارس نظام فصل عنصري يومي في الضفة الغربية المحتلة، وتُكرّس التمييز في قانونها الأساسي، لا تمتلك أي مرتكز أخلاقي. وآخر ما يمكنها التظاهر به هو القلق على مصير الدروز في سوريا، وهو القلق الذي تستغله لإخفاء نوايا أكثر ظلمة.

الهدف لم يكن عسكريًا بقدر ما كان رمزيًا، فساحة الأمويين تعدّ روح دمشق، ونُصبًا للفخر السوري والكرامة العربية وليست مجرد تقاطع طرق. فهي تحتضن تمثال "سيف دمشق"، وتستحضر إرث الخلافة الأموية التي امتدت يومًا من الأندلس إلى قلب آسيا.

قبل ثمانية أشهر فقط، شهدت هذه الساحة احتفالات السوريين بانتهاء ستة عقود من الاستبداد. وفي وضح النهار، اختارت إسرائيل أن تضرب هناك، مدركة أن الساحة محاطة بمحطات تلفزة عربية ودولية، وأن المشهد سيتكرر على مدار الساعة في الشاشات ومواقع التواصل. لقد كانت إهانة متعمدة أمام العدسات.

وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عبّر عن ذلك بوضوح حين نشر بفخر مقطعًا لمقدمة برامج سورية تفرّ من مقعدها أثناء البث المباشر، وخلفها وزارة الدفاع تحترق. كان عرضًا مسرحيًا يرمي إلى ترهيب السوريين وتخويف العرب.

كان ذلك القصف غير قانوني ولا أخلاقي، وأسّسَ لخطوة جديدة ضمن استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى فرض الهيمنة الإسرائيلية على منطقة ممزقة وضعيفة ومقسّمة. هذا ركن أساسي من عقيدة إسرائيلية عابرة للحكومات والحدود والحروب، وليست عقيدة طارئة عابرة.

فمنذ اندلاع الثورة السورية، نفذت إسرائيل عددًا من الهجمات على سوريا يفوق ما نفذته طوال العقود السابقة مجتمعة. وقامت بتدمير منظم للبنية التحتية العسكرية، وشنّت مئات الغارات، وعمّقت احتلالها لمناطق استراتيجية، بما في ذلك سلاسل جبلية جنوب سوريا. وتحوّلت غاراتها إلى روتين تفقد طابعها الاستثنائي، في محاولة لتطبيع الانتهاك، ومحو السيادة، وإنهاء الحضور الإقليمي السوري.

لكن المسألة أعمق من الأفعال، إذ أصبحت العقيدة واضحة في تصريحات قادتها، فوزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، صرّح بعد فرار الأسد بيوم واحد فقط: "فكرة سوريا موحدة ذات سيادة غير واقعية". أما المحاضر العسكري رامي سمعاني فقال: "سوريا دولة مصطنعة... ويجب على إسرائيل أن تُسهم في زوالها. ستحل مكانها خمسة كانتونات". وأعلن وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بوضوح: "لن ينتهي القتال إلا عندما يغادر مئات الآلاف من سكان غزة... وتُقسّم سوريا".

إنها سياسة تتجسد على أرض الواقع، وليست مجرد تصريحات ارتجالية.

تعود جذور هذه العقيدة إلى ما يُعرف بـ"عقيدة الأطراف" التي صاغها ديفيد بن غوريون وإلياهو ساسون في السنوات الأولى لقيام إسرائيل. فبما أن إسرائيل لا تستطيع الاندماج في العالم العربي، قررت تطويقه من خلال بناء تحالفات مع قوى غير عربية (تركيا وإيران وإثيوبيا)، واستغلال الانقسامات الداخلية في الدول العربية عبر دعم الأقليات الدينية والعرقية.

لقد كان الهدف ثلاثيًا وهو: بناء علاقات مع دول غير عربية متحالفة مع الغرب، وتقويض وحدة العرب من الداخل، وتعويض رفض العرب الجماعي لإسرائيل. وقد ساعد هذا النهج إسرائيل على البقاء في بداياتها، لكنه لم يكن يومًا دفاعيًا، بل توسعيًا بامتياز.

قال بن غوريون ذات مرة: "هدفنا هو تدمير لبنان، وشرق الأردن، وسوريا... ثم نقصف ونتقدم". وأضاف: "علينا أن نبني دولة ديناميكية تميل نحو التوسع"، مؤكّدًا أن "لا وجود لترتيب نهائي... لا فيما يخص النظام، ولا الحدود، ولا الاتفاقيات الدولية". وقال بصراحة: "حدود الطموحات الصهيونية يحددها الشعب اليهودي، ولا يمكن لأي عامل خارجي أن يقيّدها".

تلك ركائز تأسيسية ما تزال تحكم السلوك الإسرائيلي حتى اليوم، وليست مجرد أحلامٍ طوباوية.

ولكن مع تغيّر المعادلات الإقليمية، تغيّرت الأهداف. فمصر وقّعت معاهدة سلام، وسقط الشاه في إيران، وتقاربت تركيا مع الفلسطينيين، فاضطرت إسرائيل إلى تغيير عقيدتها، لكن الهدف الأساسي، وهو التفتيت، ظل ثابتًا.

طبّقت إسرائيل هذه الوصفة في لبنان والعراق والسودان، ولكن سوريا تبقى الجائزة الكبرى. ذلك أن سوريا هي أكثر الدول العربية المحيطة بفلسطين اكتظاظًا بالسكان، وشعبها لا يرى فلسطين قضية خارجية بل امتدادًا تاريخيًا وجغرافيًا وروحيًا لذاته، ثم إن بلاد الشام ذاكرة جماعية وليست مجرد جغرافيا، وفوق ذلك كله، لأن إسرائيل تحتل أرضًا سورية.

لذا، قضت إسرائيل العقد الماضي تبني علاقات مع مكونات كردية ودرزية داخل سوريا، تمهيدًا لاستغلالها لاحقًا في مشروع التقسيم. والآن، ترى إسرائيل أن الوقت قد حان لتنفيذ هذا السيناريو.

لكن بالرغم من كل ذلك فإن سوريا ليست هي النهاية، ولكنها مجرد محطة في منتصف الطريق، فطموحات إسرائيل توسّعت لتشمل الأطراف الأبعد من الإقليم، وأصبحت إيران وباكستان في مرمى نظرها.

خلال الحرب الأخيرة على إيران، دعت شخصيات إسرائيلية، خصوصًا في صحيفة "جيروزاليم بوست" ومراكز الأبحاث اليمينية، بشكل صريح إلى تقسيم إيران، وكتب أحدهم مخاطبًا الرئيس الأمريكي: "ادعم تغيير النظام... وامضِ نحو تحالف شرق أوسطي لتقسيم إيران... وامنح ضمانات أمنية للمناطق السنية والكردية والبلوشية الراغبة بالانفصال".

مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات طالبت باعتبار التعدد العرقي في إيران نقطة ضعف استراتيجية ينبغي استغلالها. وحتى باكستان أصبحت الآن ضمن الرؤية، وأطراف إسرائيلية تتحدث عن إعادة رسم المنطقة "من باكستان إلى المغرب".

أما "اتفاقات إبراهيم"، فهي ليست اتفاقيات سلام بقدر ما هي أدوات لتطبيع هذا المشروع الذي هو تحويل إسرائيل إلى مركز اقتصادي وأمني وتكنولوجي للمنطقة.

لقد بات المسؤولون الإسرائيليون أكثر صراحة في طرح رؤيتهم، فقد عرض سموتريتش رؤية لإسرائيل في قلب نظام إقليمي جديد، كإمبراطورية راعية، وقال صراحة إن الدول العربية "عليها أن تدفع" لإسرائيل مقابل حمايتها من إيران وحماس، وكانت الرسالة واضحة، وهي: إسرائيل تقدم العنف، وجيرانها يدفعون الجزية، في صورة تعاون. لكنها في الحقيقة ليست إلا هيمنة متنكرة في هيئة دبلوماسية.

أما ستيفن ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، فقالها بلباقة أكبر: "لو تعاونت كل هذه الدول، لأصبحت أكبر من أوروبا... إنهم يعملون في الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والبلوك تشين... الجميع هناك رجال أعمال".

إن هذا ليس اندماجًا، وانما ضمّ للاقتصادات، والسياسات، والسيادة. إنها خطة لبناء تكتل تقوده إسرائيل، يتجاوز أوروبا ويتحدى مراكز القوى العالمية.

لكن هنا تحديدًا تكمن الحسابات الخاطئة، فكلما توسعت إسرائيل، زاد عدد أعدائها، وقد بدأت بالبحث عن حلفاء في الأطراف، وانتهت بجعل هذه الأطراف عدوًا وجوديًا، فها هي إيران وتركيا وباكستان، التي كانت تُعدّ خصومًا بعيدة، أصبحت اليوم تنظر إلى إسرائيل كتهديد مباشر. وفي العالم العربي، وحّدت مجازر إسرائيل في غزة، وإهانتها لدمشق، وهجماتها على بيروت وصنعاء وطهران، مشاعر الشعوب كما لم تفعل أي قمة سياسية من قبل.

كلما تصرفت إسرائيل كإمبراطورية إقليمية، ازداد وعي المنطقة بها ككيان استعماري. والإمبراطوريات الاستعمارية، كما يعلمنا التاريخ، لا تدوم.

ما تعدّه إسرائيل تفتيتًا قد يتحول في لحظة إلى توحيد: توحيد الغضب، وتوحيد الإدراك بأن التهديد الحقيقي لا يكمن في إيران، ولا سوريا، ولا الإسلام السياسي، بل في عقيدة الهيمنة ذاتها، وهذه العقيدة، بخلاف الصواريخ التي تطلقها إسرائيل اليوم، لن تمر دون رد، فالمستقبل الذي تحلم به إسرائيل، مستقبل السيطرة والخضوع، ليس المستقبل الذي ستسمح به شعوب هذه المنطقة.

لقد مرّوا بهذا من قبل، ونجوا من إمبراطوريات، ودفنوا صليبيين ومستعمرين وطغاة، وتعلّموا أن العقيدة الوحيدة التي تستحق أن تُحمَل، هي تلك التي توحّدهم، لا تفرّقهم.

قد ترسم إسرائيل خرائط جديدة، وتستغل الأقليات، وتقصف العواصم، وتجوع الأطفال، لكنها لن تتمكن من قصف طريقها نحو الخلود. ولن تسكت المنطقة إلى الأبد. ولن تبني مستقبلها على أنقاض الآخرين لأن تلك الأنقاض تبقى في الذاكرة، وفي هذه الأرض، الذاكرة سلاح فتاك وليست مجرد جرح.

سُمية غنوشي كاتبة بريطانية تونسية، متخصصة في شؤون الشرق الأوسط.

الترجمة عن موقع ميدل إيست آي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ولیست مجرد لم یکن

إقرأ أيضاً:

سوريا تُخطط لبناء مطارٍ دوليٍ جديدٍ بدمشق بسعة 30 مليون مسافر سنويًا

دمشق

أعلن رئيس الإدارة العامة للطيران المدني في سوريا عمر الحصري، أن سوريا تخطط لبناء مطار دولي جديد في دمشق بسعة 30 مليون مسافرٍ سنويًا.

ونقلت الوكالة الرسمية السورية للأنباء “سانا” عن الحصري قوله -على هامش منتدى الاستثمار السعودي السوري المنعقد بدمشق-: “إن قطاع الطيران في سوريا متهالكٌ ونحتاج إلى إعادة تأهيل المطارات الخمسة الموجودة عندنا، كما نخطط لبناء مطار جديد في دمشق يتّسع لـ 30 مليون مسافر، بالتوازي مع تأهيل مطار دمشق الحالي ليصل إلى 5 ملايين مسافر سنويًا، وكذلك تأهيل مطار حلب الدولي ليصل إلى مليوني مسافر سنويًا، وهذه فرص استثمارية واعدة”​​​.

وأوضح الحصري أن الحكومة السورية قررت استثمار مطار “المزّة العسكري” بالعاصمة دمشق وتحويله إلى مطار مدني.

مقالات مشابهة

  • سوريا.. الدفاع المدني يجلي 300 شخص من السويداء إلى دمشق
  • سوريا.. مظاهرات بمخيمات فلسطينية ضد التجويع الإسرائيلي في غزة
  • دمشق وواشنطن وباريس: دعم المرحلة الانتقالية في سوريا
  • ماذا بعد بيان دمشق وباريس وواشنطن بشأن سوريا؟
  • تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل في سوريا
  • سوريا تُخطط لبناء مطارٍ دوليٍ جديدٍ بدمشق بسعة 30 مليون مسافر سنويًا
  • سوريا تقرر تحويل مطار المزة العسكري إلى مطار مدني
  • رئيس اتحاد غرف التجارة السورية علاء العلي لـ سانا: الاتفاقيات والشراكات التي أبرمت مع الأشقاء في السعودية اليوم ترتقي بالعلاقات الاقتصادية بين بلدينا نحو الشراكة الشاملة ما سيساهم في تحفيز النمو الاقتصادي المستدام في سوريا
  • وزير الاستثمار السعودي: أشيد بالخطوات الجريئة والإيجابية والشجاعة التي اتخذتها الحكومة السورية لتحسين مناخ الاستثمار وتسهيل الإجراءات الاستثمارية