زنزانة 65: الدراما كسلاح لمواجهة النسيان السياسي
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
في زمن ينتج فيه السيسي الاختيار، حيث يزيف الحقيقة جهارا نهارا في رمضان في حضرة يوتيوب وكاميرا الديجيتال والبث المباشر، وحيث يصبح التاريخ ساحة معركة لإعادة صياغته وفق مصالح القوى المسيطرة.. في هذا السياق، كان مسلسل "زنزانة 65" كعمل درامي يعيد الاعتبار للأصوات المهمشة، ويقاوم محاولات طمس المعاناة التي تعرض لها المعتقلون السياسيون.
شهدت السنوات الأخيرة موجة متزايدة من الأعمال الدرامية التي تعيد قراءة الأحداث السياسية بطريقة تخدم أجندات النظام، وتلجأ إلى إعادة رسم صورة الجلاد كحامٍ للوطن، فيما يتم تشويه صورة الضحايا وتغييب الحقائق. هذا النهج يفرغ الدراما من رسالتها الأخلاقية ويحولها إلى أداة تطبيع مع القمع.
يأتي "زنزانة 65" ليعيد التوازن ويمنح صوتا لفئة سعى النظام جاهدا لتغييبها عن المشهد ومحو وجودها، كما محا بعضهم من سجلات الدولة وحقهم في المواطنة. من خلال الاستناد إلى شهادات حقيقية وتجارب موثقة، يكشف المسلسل الوجه الحقيقي للسجون السياسية وما تمثله من آلة قمعية تهدف إلى سحق الكرامة الإنسانية
على النقيض من ذلك، يأتي "زنزانة 65" ليعيد التوازن ويمنح صوتا لفئة سعى النظام جاهدا لتغييبها عن المشهد ومحو وجودها، كما محا بعضهم من سجلات الدولة وحقهم في المواطنة. من خلال الاستناد إلى شهادات حقيقية وتجارب موثقة، يكشف المسلسل الوجه الحقيقي للسجون السياسية وما تمثله من آلة قمعية تهدف إلى سحق الكرامة الإنسانية. ولا يكتفي المسلسل بعرض المأساة، بل يتجاوز ذلك إلى مساءلة الصمت الاجتماعي والتواطؤ السياسي الذي يسمح باستمرار هذه الانتهاكات.
لا يمكن قراءة "زنزانة 65" بمعزل عن سياقه السياسي، فالعمل يُعرّي بشكل مباشر ممارسات الأنظمة القمعية التي جعلت من السجون وسيلة لإسكات الأصوات الحرة. من خلال مشاهد دقيقة التفاصيل، يُبرز المسلسل كيف يتم تفكيك شخصية المعتقل ومحاولة تحطيم إرادته، وإعادة تفكيك شخصية الضابط النفسية وما تحمله من تشوهات ونقص مريض يتحول لممارسات وأفعال؛ يعكس من خلالها نفسية النظام السياسي واختلاله إنسانيا في معاملته لهذه الفئة تحديدا وانتقامه منها في خصومة سياسية تجاوزت عقدا من الزمن.
كما يتناول المسلسل أيضا البنية السياسية التي تنتج القمع وتغذيه. فالسجون ليست مجرد مبانٍ، بل هي امتداد لنظام سياسي قائم على الهيمنة وإخضاع المجتمع.
يركز المسلسل بشكل عميق على الأثر النفسي والاجتماعي الذي يتركه الاعتقال على الأفراد وعائلاتهم. عبر شخصيات متعددة، يقدم "زنزانة 65" صورة شاملة للمعاناة: هناك من يُكسر تماما تحت وطأة القهر، وهناك من يحوّل الألم إلى طاقة مقاومة. ومن خلال هذه الثنائيات، يتحدى المسلسل الصور النمطية التي تصوّر المعتقلين إما كأبطال خارقين أو ضحايا عاجزين.
في وقت تحاول فيه الأنظمة القمعية كتابة تاريخ بديل يمحو معاناة الضحايا، يأتي "زنزانة 65" كشهادة حية ضد النسيان، يُذكّرنا بأن لكل معتقل قصة يجب أن تُروى، وأن معركة الحرية ليست شأنا فرديا، بل هي مسؤولية جماعية.
الحكايات التي تُروى، والأصوات التي تعلو رغم القمع، تظل شواهد على مقاومة لا تنكسر. وبهذا المعنى، يتجاوز المسلسل كونه عملا دراميا إلى كونه أداة توثيق ومقاومة
يُبرز المسلسل أن القمع مهما كان ممنهجا وشرسا، لن ينجح في محو الحقيقة بالكامل. فالحكايات التي تُروى، والأصوات التي تعلو رغم القمع، تظل شواهد على مقاومة لا تنكسر. وبهذا المعنى، يتجاوز المسلسل كونه عملا دراميا إلى كونه أداة توثيق ومقاومة.
وعلى الرغم من قلة الإمكانات والتحديات الإنتاجية، إلا أن المسلسل كان تحديا في ذاته أن تكون القصة في هذا الحيز المحدود وفي مسارات قصص متوازية مع خلق رتم رشيق للأحداث دون ملل أو مط، حاولنا أن نوصل رسالتنا بما توفر لنا من إمكانات تحترم المشاهد وتحترم من أردنا أن نوصل صوتهم.
وسعينا أن نستخدم الدراما كسلاح في مواجهة السلطة؛ هذا النوع من الدراما الذي لا يسعى إلى الترفيه فقط، بل يحفز التفكير النقدي ويدفع المشاهدين إلى طرح أسئلة صعبة حول العدالة والحرية والمسؤولية.
في النهاية، أردنا أن نؤكد أن الدراما، حين تكون صادقة في طرحها وملتزمة بجوهر الحقيقة، تمتلك القدرة على اختراق الحواجز، وكشف المستور، وإبقاء ذاكرة المظلومين حيّة في وجه كل محاولات الطمس والإخفاء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه زنزانة 65 الدراما السجون المعتقلين مصر سجون معتقلين دراما زنزانة 65 مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة صحافة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من خلال التی ت
إقرأ أيضاً:
في عيد ميلاده.. أيمن الشيوي بين التألق الفني والإدارة المسرحية وأدوار مؤثرة في الدراما الحديثة
يحتفل الفنان الدكتور أيمن الشيوي بعيد ميلاده، مواصلًا مسيرته المتنوعة التي تجمع بين التمثيل الراقي والعمل الأكاديمي والإدارة المسرحية.
استطاع الشيوي أن يخط لنفسه طريقًا خاصًا في الوسط الفني، حيث جمع بين الدراسة الأكاديمية العميقة والإبداع على خشبة المسرح وشاشات السينما والتلفزيون، ما جعله نموذجًا فريدًا للفنان المثقف متعدد الأدوار.
النشأة والبدايات
وُلد أيمن عبد الحميد حافظ الشيوي في 23 يونيو بمحافظة الدقهلية مركز أجا، حيث بدأ حبه للفن في سن مبكرة، التحق في البداية بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وتخرج في عام 1986 من قسم الإذاعة والتلفزيون، لكنه لم يكتفِ بهذا القدر، بل قرر السير خلف شغفه نحو المسرح والتمثيل.
التعليم الأكاديمي
بعد حصوله على بكالوريوس الإعلام، التحق الشيوي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج فيه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 1991.
واصل مسيرته الأكاديمية بحصوله على دبلوم الدراسات العليا في الإخراج الدرامي ثم درجة الماجستير، وتوّجها بدرجة الدكتوراه، ليصبح أحد أهم الأكاديميين في مجاله.
المسيرة الفنيةيمتلك أيمن الشيوي رصيدًا فنيًا يضم قرابة 88 عملًا فنيًا، تنوعت بين المسرح والتلفزيون والسينما. في السنوات الأخيرة، شارك في عدد من الأعمال الدرامية والسينمائية البارزة، منها: مسلسل "شرنقة" (2025) بدور يوسف بدوي، مسلسل "صفحة بيضا"، مسلسل "دواعي السفر" (2024) بدور عثمان، فيلم "بضع ساعات في يوم ما" (2024)، فيلم "الحريفة 2: الريمونتادا" (2024)، فيلم "سيكو سيكو" (2025)
تميزت أدواره بالحضور القوي والأداء المتزن، ما جعله خيارًا مثاليًا لصناع الدراما الذين يبحثون عن ممثلين يمتلكون حسًا ثقافيًا وفنيًا متكاملًا.
المناصب الإدارية
لم يكتفِ أيمن الشيوي بالتمثيل فقط، بل تدرّج في السلك الأكاديمي ليُصبح أستاذًا مساعدًا بقسم التمثيل والإخراج في المعهد العالي للفنون المسرحية.
كما تولى منصب مدير المسرح القومي، حيث يسهم في تطوير الخطة الفنية والإدارية للمسرح، مع حرصه على تقديم عروض تحمل رسائل فكرية وإنسانية.
الحياة الشخصية
رغم انشغالاته المهنية، يحرص الشيوي على الحفاظ على حياته الخاصة بعيدًا عن الأضواء، وهو متزوج، ويؤمن بقيمة الاستقرار الأسري في حياة الفنان، يُعرف بين زملائه بالتواضع والالتزام، ويُعد قدوة للعديد من طلابه والممثلين الصاعدين.
رؤيته للفن وتصريحاته
رغم قلة ظهوره الإعلامي، يُعرف عن الشيوي تأكيده المتكرر على أهمية الدراما الهادفة ودور المسرح في تشكيل الوعي الجمعي.
كما يؤمن بأهمية التعليم الأكاديمي في إعداد فنان شامل يمتلك أدواته الفكرية قبل أن يمتلك موهبته.