تونس- في سجن "المرناقية" في العاصمة تونس يقبع زعيم حركة "النهضة" الإسلامية ورئيس البرلمان، الذي تم حلّه، راشد الغنوشي منذ أكثر من عامين خلف القضبان بعد سلسلة محاكمات شملت عشرات المعارضين للرئيس قيس سعيد، وأثارت جدلا واسعا، في وقت لا يزال ينتظر فيه الغنوشي محاكمة جديدة خلال سبتمبر/أيلول القادم.

ورغم الأحكام المتتالية التي صدرت ضده، يواصل الغنوشي (84 عاما) من سجنه التمسك بما يعتبره دفاعا عن الديمقراطية والتعايش، داعيا لتجميع المعارضة للضغط من أجل استعادة الديمقراطية.

وبينما يرى خصومه أن القضايا الموجّهة إليه ترتبط بشبهات حقيقية تمتد طيلة تقلد حركة "النهضة" الحكم مع حلفائها من 2011 إلى 2021، يرى أنصاره أنها محاكمات سياسية لغلق قوس الثورة وقمع المعارضة.

بلا أدلة

وتشمل التهم الموجهة للغنوشي "التآمر على أمن الدولة" و"تبييض الأموال" وغيرها من الاتهامات التي ينفيها محاموه، معتبرين أن محاكمته ذات خلفية سياسية تهدف لتصفية مسار الانتقال الديمقراطي عقب الثورة.

وفي 17 أبريل/نيسان 2023، اعتقل الغنوشي خلال مداهمة منزله بعد يومين من تقديمه مداخلة أثناء مسامرة رمضانية آنذاك حول تقييم تجربة جبهة الخلاص المعارضة (النهضة أحد مكوناتها) بعد سنة من تأسيسها.

ويضاف هذا الاعتقال لسلسلة من محطات السجن والنفي في مسيرة الزعيم الغنوشي التي واجهها طيلة عقود منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة ثم في فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

ويعتبر القيادي بحركة النهضة بالقاسم حسن أن الملفات القضائية التي يحاكم فيها الغنوشي خالية من الأدلة والحجج الدامغة وتعتمد على شهادات أشخاص مجهولين ومحاكمات غابت عنها شروط العلنية والعدالة.

ويقول للجزيرة نت إن القضايا التي حوكم فيها الغنوشي وصدر بشأنها أحكام ضده عقب اعتقاله تلتقي جميعها في نقطة مشتركة، هي التنكيل به كزعيم سياسي وكرمز من رموز التجربة الديمقراطية والثورة.

إعلان

ويضيف "الغنوشي يدفع ثمن دفاعه المستميت عن الحرية والديمقراطية"، مشيرا إلى أن مجموع الأحكام التي صدرت بحقه في الطور الابتدائي بلغت 40 عاما، في حين لا تزال قضايا أخرى جارية ولم تصدر فيها أحكام.

ويذهب القيادي بلقاسم حسن إلى أن الأحكام الصادرة ضد راشد الغنوشي لم تكن سوى ثمرة لمسار استئصالي مدروس، مؤكدا أن قوى معادية للنهضة "فعلت المستحيل حتى يصل الوضع إلى ما هو عليه اليوم".

معارضون تونسيون يحتجون رفضا لمحاكمات المعارضين في العاصمة تونس (الجزيرة)أبرز القضايا

وواجه الغنوشي سلسلة من القضايا المستندة لأحكام "قانون الإرهاب" على غرار:

أنستالينغو: وهي شركة مختصة بصناعة المحتوى، وجَّهت لها السلطة تهمة التحريض على العنف والتآمر على أمن الدولة، واتهمت الغنوشي بأن له صلة بالشركة، وحُكم عليه 22 عاما في الطور الابتدائي (حكم محكمة ابتدائية قابل للطعن). الطواغيت: تتعلق قضية الطواغيت بشكوى تقدم بها أحد عناصر النقابات الأمنية ضد الغنوشي، واتهمه بوصف الأمنيين بالطواغيت أثناء كلمة تأبين لأحد قيادات النهضة، وحكم عليه 15 شهرا. اللوبيينغ الخارجي: وبها اتهم الغنوشي، بوصفه رئيس حركة النهضة، بتلقي تمويل أجنبي لدعم حملاتها الدعائية في انتخابات 2019، وثُبِّت الحكم ضده في طور الاستئنافي بـ3 أعوام سجنا. التآمر على أمن الدولة (2): حيث اتهمته السلطة بتكوين "مجموعة إرهابية" و"التآمر على أمن الدولة الداخلي" و"تمويل الإرهاب" و"غسل الأموال" و"محاولة قلب نظام الحكم"، وحكم عليه ابتدائيا بـ14 عاما. كما يحاكم الغنوشي فيما يعرف بقضية "نماء تونس"، وهي جمعية تأسست بعد الثورة وبرز اسمها في سنة 2022 بعدما وجهت لها السلطة تهمة "تلقي تمويلات مشبوهة" من الخارج، واتهمت الغنوشي بالصلة بالجمعية. القضية الجديدة

وإلى جانب هذه القضايا سيعاد التحقيق معه بقضية "المسامرة الرمضانية"، التي من المتوقع أن تنظر فيها المحكمة مجددا في جلسة سبتمبر/أيلول المقبل.

وأكد الغنوشي -حسب القيادي بالقاسم حسن- في مداخلة أثناء مسامرة رمضانية في 15 أبريل/نيسان 2023 أن تونس أرض توافُق وتعايش ولا يمكن استئصال الإسلاميين أو اليساريين أو الدساترة (مؤيدو فكر الحزب الدستوري).

لكن السلطة أقدمت على اعتقاله بعد يومين من تلك المسامرة بتهمة التحريض على الاقتتال وتهديد السلم الاجتماعي، وفق تأكيده.

وبشأن رأيه في هذه القضايا، يضيف بالقاسم حسن، أن كل المحاكمات التي واجهها الغنوشي تنطلق بتوجيه اتهامات ملفقة وباطلة لا تستند إلى أدلة ملموسة ثم تنتهي بأحكام قاسية ضده، وهي تفتقر أيضا لأبسط مقومات العدالة في ظل خضوع القضاء إلى سلطة النظام الحاكم.

وكان الغنوشي قد اتخذ قرارا بمقاطعة جميع المحاكمات احتجاجا على ما اعتبره "غيابا تاما لضمانات المحاكمة العادلة وتوظيفا سياسيا للقضاء".

وفيما يتعلق بوضعه الصحي، يقول بالقاسم حسن، إنه بحكم تقدمه في السن يعاني الغنوشي من بعض المتاعب لكنه "يواجه السجن بصبر وصمود"، مؤكدا أنه رغم صعوبة الاحتجاز فإنه لا يزال محتفظا بعزيمته.

وأشار إلى أن الغنوشي أعلن -الأحد الماضي- الدخول بإضراب مفتوح عن الطعام تضامنا مع الشعب الفلسطيني في غزة، معتبرا أن هذه الخطوة تعكس بوضوح دعمه الكبير للقضية الفلسطينية باعتبارها "أم القضايا".

مفتعلة وبلا مضمون

من جهته، يقول المحامي والناشط السياسي، عبد الوهاب معطر، للجزيرة نت إنه بحكم اطلاعه على ملفات محاكمة الغنوشي استنتج أن القضايا التي حوكم فيها بأحكام قاسية "تفتقر في مضمونها لأي تهمة حقيقية أو أدلة".

إعلان

ويضيف معطر أن الملفات تحوي سيناريوهات مفتعلة واتهامات باطلة دون أساس قانوني، مما يعكس غياب الاستقلالية القضائية، وفق تعبيره.

ويؤكد معطر أن خضوع القضاء لتعليمات السلطة تفاقم، خاصة بعد عزل الرئيس قيس سعيد 57 قاضيا عام 2022، مما خلق حالة رعب بين القضاة المتبقين الذين يخشون التنقلات التعسفية وتحريك الملفات ضدهم.

ويقول معطر "كل هذا جعل من القضاء مجرد أداة تنفيذ تحت ضغط السلطة، فاقدا دوره في حماية الحقوق وتكريس العدالة"، مضيفا أن طور الاستئناف لم يعد يُمثّل -برأيه- أفقا للإنصاف أو لتصحيح الانحرافات القضائية، بل سيكون امتدادا لنهج يعيد إنتاج الأحكام نفسها، مؤكدا أن القضاء بات "أداة في يد المنظومة الحاكمة لتصفية الخصوم".

ويشير إلى أن ما يحدث في ملف الغنوشي ليس معزولا، بل يندرج ضمن استهداف أوسع يطال النخب الوطنية من سياسيين وناشطين وصحفيين وأكاديميين ورجال أعمال، لمجرد تعبيرهم عن مواقف نقدية تجاه الرئيس.

ويواجه الرئيس قيس سعيد انتقادات حادة منذ 25 يوليو/تموز 2021، إثر اتخاذه لتدابير سماها "استثنائية" أفضت إلى تركيز السلطة في يديه، مما اعتبره خصومه انزلاقا نحو الحكم الفردي، بينما يرى أنصاره أنه أنقذ البلاد من الفساد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات على أمن الدولة إلى أن

إقرأ أيضاً:

الشطرنج يجمع الهواة في «مكتبة محمد بن راشد»

دبي (الاتحاد)
في إطار برامجها الهادفة إلى تنمية مهارات التفكير وتعزيز الوعي الثقافي والمعرفي لدى مختلف فئات المجتمع، نظّمت مكتبة محمد بن راشد بالتعاون مع اتحاد الإمارات للشطرنج، ورشة عمل بعنوان «أساسيات الشطرنج»، والتي قدّمتها الحَكَم الدولي مها محمود، بحضور عدد كبير من المهتمين والهواة من مختلف الأعمار.
وشكّلت الورشة التي امتدت على مدار يومين، فرصة تعليمية قيّمة للمشاركين، حيث خُصّص اليوم الأول لشرح المفاهيم الأساسية في لعبة الشطرنج، بدءاً من التعرف إلى رقعة الشطرنج، وأسماء القطع وآلية تحركها، وصولاً إلى تقديم شروحات مبسطة حول أبرز الخطط التكتيكية المستخدمة في بداية اللعبة «الافتتاحيات»، ومهارات التفكير الاستراتيجي للفوز بالمباريات.
وتميّز اليوم الثاني، بجلسة تطبيقية مكثّفة، تمكّن فيها المشاركون من تجريب ما تعلّموه عملياً، من خلال مباريات تفاعلية أشرفت عليها المدربة، وقدّمت ملاحظات فردية ونصائح تطويرية لكل لاعب، ما ساهم في تعزيز فهمهم لقواعد اللعب وتنمية قدرتهم على اتخاذ قرارات مدروسة خلال مجريات اللعب.
وتأتي هذه الورشة في سياق التزام مكتبة محمد بن راشد بدورها الثقافي والمعرفي، وحرصها على تقديم برامج متنوعة تلبي اهتمامات جمهورها، بما في ذلك الأنشطة المرتبطة بالألعاب الذهنية، وعلى رأسها لعبة الشطرنج التي تُعد من أعرق ألعاب الذكاء وأكثرها تأثيراً في تطوير مهارات التفكير المنطقي واتخاذ القرار.
 

أخبار ذات صلة عبدالله صالح يوقّع كتابه «طوايا» في مكتبة محمد بن راشد مكتبة محمد بن راشد.. أغسطس يتحدث بلغة الإبداع والمعرفة

مقالات مشابهة

  • النهضة يشارك في قرعة بطولة الأندية الخليجية .. غدا
  • الرئيس الإيراني: لاعتداءات التي تعرضت لها إيران لم تكن هجمات صهيونية
  • سد النهضة.. خبير يكشف كمية المياه المتوقع وصولها حال فتح بوابات المفيض
  • الاتحاد: شريك اجتماعي في تونس أم فاعل سياسي بغطاء نقابي؟
  • الشطرنج يجمع الهواة في «مكتبة محمد بن راشد»
  • ???? إدارة ترامب تضاعف المكافأة التي رصدتها للقبض على الرئيس الفنزويلي
  • الكرملين حول زيارة بن زايد: مواقف روسيا والإمارات تتطابق بشأن معظم القضايا الراهنة عالميا وإقليميا
  • مصر والسودان تؤكدان رفضهما النهج الأحادي لإثيوبيا بشأن سد النهضة
  • رئيس الوزراء السوداني: توافق بين مصر والسودان فى عدد من القضايا الإقليمية والدولية