لا يُبارى بعض الرجال في مسألة كبت المشاعر وسجنها والتنصّل من كل ما قد يؤدي إلى بثّها، فبحسب العُرف والتربية العتيقة هم محافظون لا يتوجب أن يبوحوا أو أن يخافوا أو يبكوا. لا يشكون إذا تعبوا، لا يبكون إذا أُدميت قلوبهم، لا يعبّرون إذا فرحوا، وإن حصل ذلك فيكون على استحياء.
يتربى الولد منذ سنواته الأولى على مفهوم أنه رجل، ولا يليق بالرجال إظهار مشاعر الخوف أو الرغبة في البكاء، وأن هاتين الصفتين اختصّت بهما النساء.
ورغم أن القرآن الكريم سرد قصص الأنبياء والرُّسل كونهم بشرًا لم تُقدّ قلوبهم من صخر، حيث خافوا وحزنوا وتألموا في مواقف، وفرحوا وابتهجوا في مواقف أُخرى، فإننا نحن البشر العاديين نستحي إبداء عواطفنا خوفًا من أن تُفسّر أنها حالة ضعف لا تناسب رجلًا رصينًا أو تعبيرًا عن انتشاء لا يليق بوقور.
القرآن الكريم لم يتحفظ وهو يسرد لنا قصة سيدنا موسى عليه السلام وصراعه مع فرعون مصر على مشاعر الخوف والقلق التي كانت تعتريه بعد أن وكز الرجل المصري فقتله، بل ذكر بصورة صريحة أنه خرج من المدينة «خائفًا يترقب». فلماذا يُنكر علينا المجتمع نحن الذين لا يوحى إلينا الإتيان بأي صورة من صور الخوف؟
وجاء في السيرة النبوية المطهرة أن النبي عليه الصلاة والسلام خاف خوفًا شديدًا وفزع لما شاهد سيدنا جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية، بينما كان يتعبّد في غار حراء. النبي لم يُخفِ تلك المشاعر بل أخبر عنها زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقال لها قولته الشهيرة: «زملوني زملوني، دثروني دثروني».
كما أنه عليه الصلاة والسلام في ناحية أخرى لم يُخفِ مشاعر حبه لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سألته عن مقدار حبه لها، إذ كان رده عليها: «حبي لك كعقدة حبل لا يستطيع أحد حلها». فتضحك، وكلما مر عليه يسألها وتقول: «كيف حال العقدة؟» فيرد عليها: «كما هي».
ومما جاء في السيرة المُعطّرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يُبيّن محبته لابنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وكان يلاطفها ويُقبّلها على جبينها كلما دخل عليها بيتها، فيما نتحفظ نحن على تقبيل بناتنا أو احتضانهن إذا حققن إنجازًا علميًّا أو انتقلن إلى بيت الزوجية أو رُزقن بمولود!
النقطة الأخيرة..
لا علاقة بين الرجولة والقدرة على سجن المشاعر وتقويضها، لا رابط بين البوح وتحرير العواطف وضعف شخصية الرجل؛ فقوة الرجل تكمن في معرفته طرق استلاب القلوب وصناعة الأمل وإضفاء البهجة في نفوس كل من حوله.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة .. تعرف عليها
قالت دار الإفتاء المصرية، إن زيادة عمل الخير والبر بشتَّى أنواعه خلال العشر الأوائل من ذي الحجة يُقرِّبُنا إلى الله تعالى، فعلى المسلم أن يغتنم الفرصة في العشر الأوائل من ذي الحجة بالإكثار من الصلاة والصيام والصدقة.
كما يستحب لكل مسلم في العشر الأوائل من ذي الحجة ألا يغفل عن موسم من مواسم الخيرات والبركات، وعليه التصدق وبذل الإحسان للناس خلال العشر الأوائل من ذي الحجة له أجر عظيم، ولا ينسى الإكثار من ذكر الله والدعاء خلال العشر الأوائل من ذي الحجة.
أعمال العشر من ذي الحجةومن أعمال عشر ذي الحجة ما يلي:
- الدعاء يوم عرفة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» أخرجه مالك في الموطأ.
- لبس الثياب الحسن يوم العيد:
عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنِ مَا نَجِدُ» أخرجه الحاكم في المستدرك.
- الأضحية:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما عمل آدميٌّ من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها -أي: فتوضع في ميزانه- وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسًا» أخرجه الترمذي.
- كثرة الذكر:
كما يستحبُّ الإكثار من الذكر في العشر من ذي الحجة، قال الله عز وجل: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28].
- التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ:
قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» رواه الإمام أحمد.
- الصوم:
يسن صوم أول تسعة أيام من ذي الحجة؛ «وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ» أخرجه أبو داود.
ويستحب لمن أراد أن يضحي، ألا يقص شيئًا من شعره أو أظفاره.
- صيام يوم عرفة لغير الحاج:
قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» أخرجه مسلم.