صحيفة التغيير السودانية:
2025-07-07@03:29:30 GMT

هل دخل السودان عصر الميليشيات؟

تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT

هل دخل السودان عصر الميليشيات؟

هل دخل السودان عصر الميليشيات؟

فيصل محمد صالح

هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة.

وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة الإنقاذ، وتم السماح لها بالتمدد من ناحية العدد ونوعية التسليح حتى صارت تشكل خطراً حقيقياً، ثم جاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مزيداً من الصلاحيات، ويعطيها قدراً من الاستقلالية عن القوات المسلحة السودانية.

إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.

أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.

الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.

كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.

بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».

مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.

الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.

* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

الوسومأبو عاقلة كيكل البراء بن مالك الجزيرة الحرب الخرطوم السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة القوات المشتركة دارفور درع البطانة سنار فيصل محمد صالح قوات الدعم السريع

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أبو عاقلة كيكل البراء بن مالك الجزيرة الحرب الخرطوم السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة القوات المشتركة دارفور درع البطانة سنار فيصل محمد صالح قوات الدعم السريع قوات الدعم السریع القوات المسلحة

إقرأ أيضاً:

أطباء بلا حدود تحذر من فظائع جماعية في ولاية شمال دارفور السودانية

حذّرت منظمة "أطباء بلا حدود" من "فظائع جماعية مستمرة" في ولاية شمال دارفور السودانية، داعيةً أطراف النزاع إلى وقف أعمال العنف العشوائي والاستهداف القائم على أساس عرقي، والعمل على تسهيل إطلاق استجابة إنسانية واسعة النطاق دون تأخير.

وأعربت، في تقرير لها صدر الخميس وتلقت "عربي21" نسخةً منه، عن بالغ قلقها إزاء التهديدات بشنّ هجوم شامل على مئات الآلاف من الأشخاص في عاصمة الولاية، الفاشر، ما قد يؤدي إلى مزيد من سفك الدماء، مؤكدةً أن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر مع اشتداد حدة النزاع في المنطقة منذ أيار/ مايو 2024.

وسلّط التقرير، الذي حمل عنوان "محاصَرون وجوعى تحت وطأة الهجمات: فظائع جماعية في الفاشر وزمزم بالسودان"، الضوء على ما وصفه بالوضع القاتم الذي يعيشه المدنيون في الفاشر ومحيطها، والذي أكد أنه يستدعي تحركا واستجابة فورية.

وأضاف: "استنادا إلى بيانات أطباء بلا حدود والشهادات المباشرة من فرقها، إلى جانب أكثر من 80 مقابلة أُجريت بين أيار/ مايو 2024 وأيار/ مايو 2025 مع مرضى ونازحين من مدينة الفاشر ومخيم زمزم القريب منها، يكشف التقرير عن أنماط ممنهجة من أعمال العنف تشمل النهب وعمليات القتل الجماعي والعنف الجنسي والاختطاف والتجويع، إلى جانب الهجمات التي تستهدف الأسواق والمرافق الصحية والبُنى التحتية المدنية الأخرى".


وأوضح التقرير كيف شنّت قوات الدعم السريع وحلفاؤها "هجوما بريا واسع النطاق في نيسان/ أبريل الماضي على مخيم زمزم الواقع خارج مدينة الفاشر، ما أدّى إلى فرار نحو 400 ألف شخص في أقل من ثلاثة أسابيع وسط ظروف مروعة. وقد لجأ جزء كبير من سكان المخيم إلى داخل مدينة الفاشر، حيث وجدوا أنفسهم محاصرين، من دون إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية، ومعرّضين لهجمات جديدة وأعمال عنف جماعي أخرى".

واستطرد قائلا: "في المقابل، تمكّن عشرات الآلاف من الفرار إلى منطقة طويلة، الواقعة على بُعد نحو 60 كيلومترا، أو إلى مخيمات في تشاد على الجانب الآخر من الحدود، حيث قدّمت فرق أطباء بلا حدود الرعاية لمئات الناجين من أعمال العنف".

وقد أفاد عدد من الشهود بأن جنود قوات الدعم السريع تحدثوا عن نواياهم بـ "تطهير الفاشر" من سكانها غير العرب. ومنذ أيار/ مايو 2024، فرضت قوات الدعم السريع وحلفاؤها حصارا على مدينة الفاشر ومخيم زمزم والمناطق المحيطة بهما، ما أدى إلى انقطاع الغذاء والمياه والرعاية الطبية عن السكان وأسهم في تفاقم المجاعة وشلّ الاستجابة الإنسانية.

وفي ظل الهجمات المتكررة على المرافق الصحية، أُجبرت "أطباء بلا حدود" على وقف أنشطتها الطبية في مدينة الفاشر في آب/ أغسطس 2024 وفي مخيم زمزم في شباط/ فبراير 2025. ففي شهر أيار/ مايو 2024 وحده، تعرّضت المرافق الصحية التي كانت تدعمها المنظمة في الفاشر لما لا يقل عن سبعة حوادث قصف أو تفجيرات أو إطلاق نيران من مختلف أطراف النزاع، وفق التقرير.

وقال التقرير إن "الغارات الجوية العشوائية التي نفّذها الجيش السوداني كان لها عواقب مدمّرة"، منوهة إلى أنه "نظرا لمستوى العنف المروّع على طرق المغادرة من الفاشر ومخيم زمزم، وجد الكثيرون أنفسهم عالقين أو مضطرين إلى المجازفة بحياتهم من أجل الفرار".


تطهير عرقي

من جهته، قال مدير شؤون الطوارئ في أطباء بلا حدود، ميشيل أوليفييه لاشاريتيه: "لا يُحتجز الناس وسط اشتباكات عنيفة وعشوائية بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني وحلفائهما فقط، وإنّما يتعرّضون لاستهداف مباشر من قوات الدعم السريع وحلفائها، لا سيما على خلفية انتمائهم العرقي".

بدورها، أضافت مستشارة الشؤون الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود، ماتيلد سيمون: "بينما يروي لنا المرضى والمجتمعات قصصهم ويطلبون منا أن نتحدث علانية في ظل تغييب معاناتهم عن الأجندة الدولية، شعرنا بأن من واجبنا توثيق هذا النمط المتواصل من العنف الذي يُشنّ بلا هوادة، مدمّرا حياة عدد لا يُحصى من الناس وسط لامبالاة وتقاعس استمرّا طوال العام الماضي".

وتابعت سيمون: "في ضوء الفظائع الجماعية ذات الدوافع العرقية التي ارتُكبت بحق قبيلة المساليت بغرب دارفور في حزيران/ يونيو 2023، والمجازر التي شهدها مخيم زمزم في شمال دارفور، نخشى تكرار هذا السيناريو في مدينة الفاشر"، مشدّدة على أنه "لا بد من وضع حدّ لهذا العنف الضاري".

ودعت منظمة أطباء بلا حدود أطراف النزاع إلى "تجنيب المدنيين ويلات الحرب واحترام التزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني".


وحثّت قوات الدعم السريع وحلفاءها على وقف العنف العرقي ضد المجتمعات غير العربية بشكل فوري، ورفع الحصار المفروض على مدينة الفاشر، وضمان تأمين ممرات آمنة للمدنيين الفارين من أعمال العنف.

وأردفت: "يجب ضمان تمكّن الوكالات الإنسانية من الوصول إلى الفاشر والمناطق المحيطة بها بشكل آمن وغير مقيّد لتقديم المساعدات العاجلة والضرورية".

وناشدت الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك مؤسسات الأمم المتحدة والدول الأعضاء، والدول التي تقدّم الدعم لأطراف النزاع، بـ "التحرّك عاجلا وممارسة الضغوط اللازمة لمنع وقوع المزيد من أعمال العنف الجماعي، وتمكين إيصال المساعدات الطارئة إلى المنطقة".

ولفتت "أطباء بلا حدود"، إلى أن "الإعلانات الأخيرة أحادية الجانب بشأن وقف محتمل لإطلاق النار على المستوى المحلي لا تزال مجرّد أقوال لم تُترجم إلى أي تغييرات ملموسة على أرض الواقع، والوقت يوشك أن ينفد".

مقالات مشابهة

  • الهجرة الدولية : القتال دفع أكثر من مليون مواطن للفرار من الفاشر
  • الجيش السوداني: المصنع الأم للإجرام ومأزق النخبة النيلية:
  • مناورة الدعم السريع الجديدة للتحايل على الهزيمة
  • توجيهات بـ “اجتياح شامل” في كل محاور القتال 
  • “الخارجية السودانية” تكشف محاولات دولة الإمارات لعرقلة صدور إدانات دولية ضد الدعم السريع
  • لو ديبلومات: الحرب تلتهم السودان في ظل صمت عالمي
  • الأسباب مجهولة.. قوات الدعم السريع تختفي من محيط بابنوسة
  • تعرف على طقس السودان اليوم
  • “المشتركة” ترد على أكاذيب “الدعم السريع”
  • أطباء بلا حدود تحذر من فظائع جماعية في ولاية شمال دارفور السودانية