الأذان الجماعي في الجامع الأموي.. طقس دمشقي يزيده رمضان حضورا
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
الأذان الجماعي عادة دمشقية وطقس لا تخطئه الأذن في شوارع دمشق القديمة، وطريقة لطيفة يتميز بها الجامع الأموي عن سائر المساجد في العالم الإسلامي اليوم، وله عمق في الوجدان الجمعي السوري لا سيما في شهر رمضان، إذ إن إفطارهم ارتبط به لعقود طويلة ولا يزال.
يجتمع 6 مؤذنين أمام مكبر للصوت داخل غرفة صغيرة في الجامع الأموي الكبير وسط دمشق القديمة، وما إن يحين موعد الصلاة حتى تصدح حناجرهم جماعيا بالأذان، وتقوم هذه العادة على اجتماع 6 مؤذنين عادة، وقد يصل العدد إلى أكثر من ذلك في بعض الأحيان، حيث يبدأ مؤذن بجملة "الله أكبر.
وهؤلاء المؤذنون الستة أعضاء من ضمن 25 مؤذنا يتناوبون ضمن مجموعات على رفع الأذان من الجامع الذي يعد من أبرز المساجد الإسلامية في العالم وشاهدا على عدة حقب دينية وتاريخية.
نشأة الأذان الجماعيينسب العديد من الباحثين والكتاب نشأة الأذان الجماعي وإطلاقه في جامع بني أمية إلى شيخ الشام في زمانه عبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1731م، لكن نسبة إنشاء الأذان الجماعي إلى الشيخ عبد الغني النابلسي -رحمه الله تعالى- هي نسبة غير دقيقة، فالأذان الجماعي موجود قبله، وهناك من الباحثين من أعاده إلى العهد الأموي، ومنهم من جعله مرتبطا ببدايات الحقبة العثمانية.
إعلانوأما ما قام به الشيخ النابلسي هو إضفاء نظام إداري وضوابط فنية على الأذان الجماعي، فهو الذي ألزم المؤذنين بالتزام مقام موسيقي للأذان الجماعي في كل يوم مختلف عن الآخر، فلكل يوم من أيام الأسبوع مقامه الموسيقي الخاص الذي يؤذن به الأذان الجماعي.
وقد أخذ الشيخ النابلسي هذه الفكرة من قانون الأذان العثماني الذي يلزم المؤذنين أن يكون كل أذان من الأوقات الخمسة بمقام موسيقي محدد مختلف عن الآخر، وذلك ليعرف المكفوفون أوقات الأذان ونوع الصلاة التي يؤذن لها، ولا يزال هذا القانون مستمرا في الأذان إلى اليوم في عموم تركيا، بيد أن الشيخ عبد الغني النابلسي جعل المقام الموسيقي لكل يوم مختلفا عن اليوم الآخر ليمايز المستمعون بين أيام الأسبوع من خلال المقامات الموسيقية للأذان.
الخلط بين أذان الجوق والأذان الجماعييقع كثير من الإعلاميين والباحثين في خلط كبير تتبناه أقلام كتاب كثر وينتشر في كثير من المواقع الإلكترونية، وهذا الخلط هو إطلاق وصف "أذان الجوق" على "الأذان الجماعي" الذي يتم أداؤه في الجامع الأموي بدمشق، وهنا يتوجب التفريق بين المفهومين، لأن الخلط بهما له أبعاد تاريخية وأبعاد شرعية أيضا.
أما "أذان الجوق" أو ما بات يعرف بعد ذلك "بالأذان السلطاني" فقد بدأ العمل به من عهد الأمويين، كما ذكر السيوطي وابن عساكر وغيرهما، وتحديدا من عهد هشام بن عبد الملك.
و"أذان الجوق" أو "الأذان السلطاني" لا يقوم على فكرة أن يقوم المؤذن بذكر العبارة ثم تقوم جوقة بإعادتها وراءه كما يظن كثيرون، وقادهم هذا إلى توهم أن الأذان الجماعي في الجامع الأموي هو ذاته أذان الجوق.
بل إن "أذان الجوق" يقوم على فكرة أن يقوم 4 أو 5 مؤذنين بأداء أذان واحد بحيث يؤدي كل واحد منهم جزءا من الأذان، فيقول الأول مثلا: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، فيقول الثاني: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، ويتابع الثالث العبارة التي تليها ثم الرابع وهكذا، فيلقي كل واحد منهم جزءا من الأذان فحسب، فكل واحد من المؤذنين يقول عبارة واحدة من الأذان ليس أكثر، فلا يؤذن أي مؤذن الأذان كاملا بمفرده.
إعلانوهذا الأذان بقي مستمرا في عدد من البلدان الإسلامية إلى وقت متأخر، ومنع في بعضها في أوقات مبكرة، وكانت آخر البلاد التي منع فيها "أذان الجوق" هي مصر في عهد الملك فاروق الأول، إذ منع بفتوى من الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر المتوفى سنة 1945م رحمه الله تعالى، وهو القائل: "إن الأذان السلطاني لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
أما الأذان الجماعي فهو أن يقوم المؤذن بذكر العبارة من الأذان، وتقوم مجموعة من ورائه بإعادتها وترديدها بحيث يؤذن كل واحد منهم الأذان كاملا وليس جزءا من الأذان، وقد كان هذا الأذان موجودا من بدايات العصر العثماني في إسطنبول، ثم انتشر إلى عدد من المساجد الكبرى، فكان يؤدى في المسجد الحرام والمسجد النبوي كما كان يؤدى في الجامع الأموي في دمشق، وتوقف في عموم المساجد والبلدان، لكنه بقي مستمرا في جامع بني أمية بدمشق.
ويكمن الإشكال في إطلاق اسم "أذان الجوق" على "الأذان الجماعي" في التباس الحكم الفقهي، فلو رجعنا إلى كتب الفقه لوجدنا عموم المذاهب الفقهية تذهب إلى عدم مشروعية "أذان الجوق" الذي يؤدي فيه كل مؤذن جزءا من الأذان، بينما تقول غالب المذاهب الفقهية بجواز "الأذان الجماعي" الذي يتم تأديته في الجامع الأموي، واليوم يكرر كثيرون عدم مشروعية الأذان الذي يؤدى في الجامع الأموي لأنه "أذان الجوق" الذي ذكره الفقهاء في كتبهم، وهذا غير صحيح، فالإشكال يكمن في تنزيل الحكم على واقعة لا تشبهه وهو نتيجة غياب التصور الصحيح للواقعة وتوصيفها.
ولا يزال الأذان الجماعي يصدح من مآذن جامع بني أمية، فيثير في القلوب حنينا وشجنا رمضانيا غير مسبوق فالأذان الجماعي في الأموي سيبقى علامة فارقة على رمضان مختلف في سوريا على اختلاف مراحل تاريخها من الاضطهاد إلى الحرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان فی الجامع الأموی الجماعی فی الله أکبر کل واحد واحد من
إقرأ أيضاً:
فضل الله يضع خارطة الحلول لأزمة إيقاف رمضان صبحي
سلط الدكتور محمد فضل الله عضو لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي الضوء على الحلول الواجب اتخاذها لتخفيف عقوبة الإيقاف في قضايا المنشطات.
كنات المحكمة الرياضية الدولية كاس أعلنت عن إيقاف رمضان صبحي لاعب نادي بيراميدز 4 سنوات بسبب أزمة قضية المنشطات.
قال فضل الله عبر الصفحة الشخصية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك: كيف يمكن تخفيض عقوبة إيقاف لاعب في قضايا المنشطات؟ خارطة الحلول القانونية وفق أفضل الممارسات العالمية.
تابع فضل الله: تمهيد :- عندما تُصدر المحكمة الرياضية الدولية ( CAS) حكمًا نهائيًا بإيقاف لاعب في قضية منشطات، يُعد الأمر في غايه التعقيد، وكنت أشرت الي ذلك في بوست سابق أن قرارات المحكمه الرياضيه الدوليه نهائيه والطعن عليها شبه مستحيل، ولكن في الممارسات القانونيه الرياضيه لا يوجد شئ مُستحيل، “فالنهاية لم تُكتب بعد.
أضاف فضل الله: ولذلك في القانون الرياضي الدولي لا توجد نهاية مطلقة، فالنظام العالمي لمكافحة المنشطات (WADA Code) يفتح عدة نوافذ قانونية “استثنائية” يمكن عبرها تخفيض العقوبة، إذا توافرت شروط دقيقة واستُخدمت استراتيجيات قانونية احترافية، كما حدث في العديد من القضايا الشهيرة عالميًا، هذه النوافذ لا تُمنح تلقائيًا، بل تعتمد على حرفية الملف القانوني, الأدلة العلمية, ظروف اللاعب, والعوامل التي قد تغيّر تقييم “الخطأ أو الإهمال” الذي تسبب في المخالفة، وفي السطور التاليه تناول كامل لهذه الحلول :-
أولًا :- ما هي الحلول القانونية المتاحة لتخفيض عقوبة الإيقاف في المنشطات ؟
(١)- تقديم طلب “رفع جزئي للعقوبة” بسبب عدم التعمد (No Significant Fault or Negligence – NSFN) وهذا ما تسمح به المدونة العالمية لمكافحة المنشطات WADA ، إذا أثبت اللاعب أن المادة دخلت جسمه دون نية تحسين الأداء، حيث من الممكن أن تُخفّض العقوبة إلى سنتين أو أقل ، وهذا يتطلب:
- تقريرًا طبيًا تفصيليًا
- أدلة على مصدر المادة
- إثبات الالتزام بالتوعية ومكافحة المنشطات
أمثلة عالمية
- ماريا شارابوفا ، والتي خُفضت عقوبتها من سنتين إلى ١٥ شهرًا بعد إثبات “عدم التعمد”.
- ريتشارد غاسكيه (التنس) ، والذي خُفض الإيقاف الخاص بعد إثبات أن التعاطي لم يكن بهدف تحسين الأداء.
(٢)- طلب إعادة فتح القضية (Reopening) إذا ظهرت أدلة جديدة جوهرية ، وهذا ما يسمح به CAS في حالات استثنائية جدًا إذا ظهرت أدلة علمية أو طبية لم تكن موجودة عند اتخاذ القرار، وهذا قد يشمل ذلك:
- إثبات “تلوث غذائي”
- نتائج مخبرية جديدة
- تطور علمي في تحليل العينة
- اعتراف مزوّد أو طبيب بالخطأ
أمثلة عالمية
قضية لاعب الماراثون الروسي ٢٠١٥ ، حيث تم إعادة تقييم القضية بعد ظهور أدلة علمية جديدة.
(٣)- التفاوض مع المنظمة الوطنية والدولية لمكافحة المنشطات (Reduction for Substantial Assistance) ، وذلك وفق WADA Code مدونه الوادا ، إذا قدّم اللاعب “مساعدة جوهرية” تكشف عن وجود أخطاء قانونيه كبيره في ما تم من فحص المنشطات الخاصه به.
(٤)- اللجوء لبرنامج “الحماية العامة” إذا كان اللاعب ضحية تحريض أو ضغط ، فعندما تُثبت أن اللاعب تعرض لضغط يشكل ظرفًا قهريًا (Coercion / Complicity Protection) ، حيث تستخدم عالميًا هذه الوسائل لحماية الرياضيين الشباب أو ضحايا الابتزاز الرياضي.
(٥)- طلب الاستفادة من مبدأ “العدالة الرحيمة” (Principle of Proportionality)
، وهذا المبدأ طبقته CAS في عشرات القضايا عندما:
- تكون العقوبة غير متناسبة مع الخطأ
- توجد ظروف إنسانية أو طبية أو اجتماعية قاهرة
- تكون المخالفة بسيطة أو ناتجة عن “إهمال بسيط”
مثال عالمي مهم
قضية لاعب رفع الأثقال الكولومبي ٢٠٢٠ ، خفضت العقوبة نتيجة الظروف الإنسانية والصحية المتعلقة بالجائحة.
(٦)- الطعن أمام جهات محلية إذا كان الحكم يتعارض مع النظام العام الوطني (Public Policy Exception)
في حالات نادرة، يمكن الطعن ضد تنفيذ الحكم داخل الدولة إذا خالف:
- قواعد العدالة
- الإجراءات القانونية الواجبة
- النظام العام للدولة
وهذا لا يلغي الحكم، لكنه يعلّق تنفيذه محليًا في بعض الحالات الخاصة.
واصل فضل الله: ثانيًا :- أفضل استراتيجية عملية لتخفيض العقوبة (خارطة طريق)
(١)- تشكيل فريق قانوني + طبي + مخبري متخصص
لأن قضايا المنشطات تعتمد بنسبة ٧٠ % على الأدلة العلمية، وليس فقط النصوص القانونية.
(٢)- بناء ملف “عدم التعمد” باستخدام المختبرات المعتمدة WADA
بما في ذلك:
- Hair analysis
- Isotope testing
- Toxicology profiling
(٣)- تحديد مصدر المادة بشكل يقيني (Root Cause Analysis)
مثلاً:
- مكملات ملوثة
- خطأ طبي
- عيادة غير مرخصة
- خطأ مختبري
(٤)- تقديم طلب رسمي إلى المنظمة الدولية المختصة (WADA أو IF) مع ملف قانوني مدعوم بالأدلة.
(٥)- في حال الرفض ، تقديم طلب إعادة النظر إلى CAS (Exceptional Review)
وأكمل فضل الله: ثالثًا :- نماذج واقعية للاعبين خُفّضت عقوبتهم بعد أن كانت كبيرة
(١)- ماريا شارابوفا ( تنس ) من الإيقاف عامان الي ١٥ شهرًا لعدم التعمد
(٢)- غاسكيه ( تنس) من الإيقاف عامان الي شهرين فقط بسبب ظرف خارجي
(٣)- لاعب هوكي فنلندي عام ٢٠٢١ من الإيقاف ٤ سنوات الي سنتان فقط بسبب مكمل غذائي ملوث
(٤)- سباح جنوبي إفريقي سباحة من الإيقاف اربع سنوات الي سنتين بسبب دليل طبي جديد
واختتم فضل الله حديثه قائلا: الخاتمة القانونية.. حتى مع حكم نهائي من المحكمة الرياضية الدولية، يظل تخفيض العقوبة ممكنًا إذا توفرت أدلة علمية جديدة، أو تعاون قانوني، أو إثبات عدم التعمد، أو توافر ظروف استثنائية ، فالعبرة ليست في الحكم الصادر،بل في جودة الملف القانوني وحرفية بناء الأدلة العلمية واختيار المسار المناسب بين المسارات الستة المذكورة.