الحياد في زمن الجنجويد وقانون الوسط المستحيل
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
ما زلت أجد صعوبة في استيعاب موقف الذين يقفون على مسافة واحدة من جيش الدولة المعيوب وعصابات الجنجويد، رغم أنه من الواضح تمامًا الآن أن الحياة تعود إلى أي منطقة يسيطر عليها الجيش، وأن الأحياء يهروبون من أي منطقة يقترب منها الجنجويد خوفا علي أعراضهم وسلامتهم. يبدو هذا التموضععلي مسافة واحدة من الجانبين بمثابة هروب يُخفي هروبه تحت ستار أخلاقية منفصلة تمامًا عن الواقع الموضوعي لانه يؤمن بإمكانية إنتصار طرف ثالث متخيل في هذه الحرب.
لفهم سبب إشكالية هذا التموضع ، دعنا نطرح بعض الأسئلة:
– هل تعتقد أن أي طرف آخر غير الجيش أو الجنجويد سينتصر في هذه الحرب؟ أعني، هل هناك أي قوى مدنية أو تشكيل شعبي، جذري أو قاعدي قادر على كسب حرب لا يشارك في معاركها؟ الإجابة هي لا بالطبع.
– إذا كان المنتصر في الحرب حتمًا هو معسكر الجيش أو معسكر الجنجويد، فهل سيدعو الطرف المنتصر أي قوى مدنية أو منظمة شعبية لتكون لها اليد العليا في تشكيل حكومة ما بعد الحرب؟ أشك في ذلك بشدة.
إذا كانت إجاباتي على الأسئلة أعلاه صحيحة، فهذا يعني أن هذه الحرب سينتصر فيها إما الجيش أو الجنجويد، وأن الطرف المنتصر سيشكل النظام السياسي لما بعد الحرب.
وإذا كان ما سبق صحيحًا، فإن السؤال الجوهري الذي تواجهه الحركة السياسية السودانية هو: أيهما أفضل، أم أيهما أهون الشرين، أيهما أخفّ ضررًا: انتصار الجيش أم الجنجويد؟
هناك ثلاث إجابات على السؤال أعلاه:
– معسكر يُفضل انتصار الجنجويد، وكلنا نعرف من هم.
– معسكر آخر يُفضل انتصار الجيش رغم كل عيوبه المعروفة.
– ولكن هناك معسكر وسط غريب عمليا لا يكترث أعضاؤه بمن يفوز في الحرب لأنهم ضد المعسكرين بنفس القدر.
لسوء الحظ، أو لحسن الحظ، فإن معسكر اللامبالاة هذا معزول تمامًا عن عامة السودانيين بسبب أن الغالبية العظمى من الشعب السوداني ترى انتصار الجنجويد أسوأ شر ممكن، كما يتضح من نزوحهم من أي منطقة يقترب منها جندهم إذ يفضلون الرحيل إلى مناطق يسيطر عليها جيش يشعرون بالأمان في وجوده. ورغم أن كثيرين من هذا المعسكر تردد أدبياتهم علي ضرورة التعلم المتبادل من الجماهير إلا أنهم يمارسون السياسة كأستاذة بعثتهم العناية الألهية لتنوير شعب لا يدرك ألا فرق بين جنجويد اغتصبوا قراه وبين جيش يهربون إلي مناطق سيطرته.
هذا الشعبيدرك أنه يُجبر على الاختيار بين نارين، والفرق بينهما شاسع. ويدرك أن الجيش (رغم فساده) هو مؤسسة وطنية يُمكن إصلاحها ولا تجوز مقارنته بميليشيا إجرامية ممولة من الخارج ، تقوم على التطهير العرقي والعبودية.
الشعب يدرك أن الحياة لا تعطينا دائمًا خيارات بيضاء. أحيانًا، يكون الاختيار بين سيءٍ وأسوأ. والراشدون يختارون الأقل سوءًا، لا ليبرروا الشر، بل ليوقفوا شرًا أكبر. من يرفض الاختيار بحجة “النقاء الأخلاقي” هو إم: غير مدرك لخطورة الواقع (فالجنجويد ليست مجرد “طرف صراع”، بل مشروع إبادة) أو يتهرّب من تبعات الموقف الصحيح التي قد تكلفه إزاء رعاة الجنجويد في الداخل والخارج.
الشعب الذي يهرب من الجنجويد إلي مناطق الجيش ليسوا أغبياء أكلوا العلف، فهم لا يجهلون عيوب الجيش، لكنهم يدركون أنه الخيار الأمثل بلا منازع. بالنسبة لهم، الخيار ليس مجرد تمرين أسافير أو ترف أخلاقي سطحي.هم يعلمون أن العالم نادرًا ما يمنحهم خيارًا بين ملائكة طاهرين وشياطين آثمة .
وإذا كان هناك خيارًا ثالثًا — مثل تنظيم جماهيري قادر على هزيمة الجيش والجنجويد معًا — فكيف؟ بأي سلاح؟ بأي دعم شعبي؟ الواقع يقول إن هذه التنظيمات لا وجود لها خارج غرف الفيسبوك والوتسب. وان التنظيمات الجماهيرية الموجودة علي الأرض غير محايدة كما إنها في كل الأحوال لن تستطيع الإنتصار علي الجيش والجنجويد معًا إلا في خيال بلغت خصوبته درجة لا قبل لنا بها.
الحياد في زمن الإبادة ليس فضيلة: إن هذا الشعب من الرشد بحيث يدرك أن هذه الحياة الماكرة أحيانًا تجبره على التفضيل بين خيارين سيئين. وعندما يكون الفرق في درجة السوء شاسعًا كالفرق بين سوء الجيش وسوء والجنجويد، فإن الوقوف علي مسافة واحدة يُعدّ هروبًا مكلفًا من الواقع وتنصل من المسؤولية الأخلاقية حيال غزو أجنبي علي رماح ميليشيا إجرام غير مسبوق.
موقف حزب المسافة الواحدة عمليا يعني أنه في غياب خيار كامل النظافة في أي قضية حياة أو موت علي الإنسان أن يقف علي حياد. وهذا موقف عبثي تماما لا يهمه ما يترتب عمليا علي خياره – أما عن قصورفي التحليل أو بهدف الهروب من تكلفة الخيار الصحيح المحتملة.
لا أقول بان تحليلي أعلاه قران أو إنجيل أو كجور منزل، وانا علي إستعداد لتغيير رايي لو أقنعني أحد بوجود خيار مدني واقعي قادر علي حسم المعركة والإنتصار علي الجيش والجنجيويد معا ليقيم نيرفانا ديمقراطية علي أنقاض جيشي الدولة والجنجويد. أصحاب التكوينات الشعبية المستعدة لإستلام السلطة من غرف الأسافير المدارة من مهاجر مريحة يمتنعون.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: خیار ا
إقرأ أيضاً:
الجيش الإيراني يكشف حصيلة قتلاه خلال الحرب مع إسرائيل
أعلن الجيش الإيراني الجمعة مقتل 56 من عناصره خلال المواجهة مع إسرائيل، وفق وكالة "مهر" للأنباء، في الوقت الذي أفادت فيه هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية بإعلان إيران عن يوم حداد وطني اليوم السبت.
وكانت إسرائيل قد شنت صباح يوم الجمعة 13 يونيو الجاري هجوما على إيران، أدى إلى مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء والمدنيين.
وفي صباح يوم الأحد الموافق 22 يونيو، شنت الولايات المتحدة أيضا ضربات على المنشآت النووية الثلاث فوردو ونطنز وأصفهان.
وخلال الحرب التي استمرت 12 يوما، استهدفت إسرائيل وقتلت أكثر من 20 مسؤولا عسكريا رفيع المستوى، بعضهم قُتلوا داخل منازلهم.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لـ"رويترز"، الجمعة، إن إسرائيل قتلت أكثر من 30 مسؤولا أمنيا إيرانيا و11 خبيرا نوويا خلال الحرب التي شنتها على إيران واستمرت 12 يوما.
وفي الولايات المتحدة، قال خبير مستقل إن مراجعة صور الأقمار الاصطناعية التجارية أظهرت أن عددا قليلا فقط من الصواريخ الإيرانية التي اخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، والبالغ عددها حوالي 30 صاروخا، نجح في إصابة أهداف عسكرية مهمة.
ووفق المسؤول الإسرائيلي الذي تحدث إلى "رويترز" فإن الضربة الافتتاحية التي شنتها إسرائيل في 13 يونيو على إيران ألحقت أضرارا بالغة بدفاعاتها الجوية وزعزعت قدرتها على الرد في الساعات الأولى الحاسمة من الصراع.
وأضاف المسؤول أن القوات الجوية الإسرائيلية ضربت أكثر من 900 هدف وألحق الجيش الإسرائيلي أضرارا بالغة بقدرة إيران على إنتاج الصواريخ خلال الحرب.
وتابع المسؤول الإسرائيلي قائلا: "تعرض المشروع النووي الإيراني لضربة كبيرة. فقد تم تحييد قدرة النظام على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة لفترة طويلة. وتم تحييد قدرته الحالية على إنتاج نواة سلاح نووي".