القيادي بـ «تأسيس» الهادي إدريس يكشف ملامح الحكومة الموازية وموقفهم من إيقاف الحرب في السودان
تاريخ النشر: 16th, March 2025 GMT
في خضم الأزمات المتصاعدة التي يمر بها السودان منذ بداية النزاع في أبريل 2023، ظهرت مبادرة إنشاء حكومة “موازية” في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”، مما أثار قلقاً متزايداً على الصعيدين الداخلي والدولي. هذه الخطوة، التي تثير مخاوف من تفكك البلاد وتقسيمها مجدداً، يراها مؤيدوها فرصة تاريخية لبناء سودان جديد قائم على مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة.
وقد تم توقيع دستور جديد ووثيقة تحدد خريطة طريق للحكم، مما يعكس طموحاتهم في إنقاذ البلاد من الفوضى والتشرذم.
التغيير ـــ و كالات
الحكومة الجديدة، التي أطلق عليها “حكومة السلام والوحدة”، تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس من العدل والمساواة، مع التركيز على تقديم الخدمات الأساسية لجميع المواطنين في مختلف أنحاء السودان، وليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”. وقد أرسل القائمون على هذه الحكومة رسائل طمأنة إلى الشعب السوداني ودول الجوار، مؤكدين أن الهدف الرئيسي هو الحفاظ على وحدة السودان وتعزيز التماسك الاجتماعي.
تأتي هذه المبادرة في وقت حرج، حيث تسعى الحكومة الموازية إلى إثبات جدارتها من خلال اتخاذ مدينة بورتسودان عاصمة مؤقتة لها. تأمل هذه الحكومة في كسب ثقة السودانيين ودعم المجتمع الدولي من خلال التزامها بإنهاء النزاع وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية وعلمانية لا مركزية. يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتمكن هذه الحكومة من تحقيق السلام المنشود، أم ستواجه تحديات جديدة تعيق مسيرتها نحو الاستقرار؟
هل ستتمكن هذه الحكومة من تحقيق السلام الذي نطمح إليه، أم ستكون التحديات فوق قدرتها على إحداث التغيير؟ سنعمل على بحث هذا الموضوع خلال لقائنا مع الدكتور الهادي إدريس، أحد القادة البارزين في تحالف “تأسيس”، الذي وراء تشكيل “حكومة موازية”.
يقول إدريس، وهو عضو سابق في مجلس “السيادة” السوداني خلال حكومة الثورة الثانية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، إن “الحكومة التي نسعى إلى تشكيلها هي حكومة تعزز السلام والوحدة… نحن، كقوة سياسية وعسكرية، كنا حريصين منذ البداية على حل الأزمة السودانية التي بدأت في 15 أبريل 2023 بطريقة سلمية، وبذلنا جهوداً كبيرة لحث القوى الداعمة لاستمرار الحرب على الانخراط في الحوار والتفاعل بشكل إيجابي مع المبادرات السلمية المختلفة (في جدة والمنامة وجنيف)، لكن للأسف، رفض الجيش والسلطة القائمة في بورتسودان التفاوض. لذا كان من الضروري أن نفكر في وسائل أكثر فعالية لدفع الأطراف نحو الحوار وإيقاف الحرب، مما أدى إلى إنشاء حكومة موازية تسعى إلى تقديم خدماتها لقطاع كبير من الناس الذين لا يحصلون على الاهتمام الكافي.
أسباب رفض الجيش للحوار
يرأس إدريس أيضاً تحالف “الجبهة الثورية” الذي يضم حركات مسلحة من دارفور وتنظيمات سياسية من خارج دارفور، مثل مؤتمر البجا المعارض برئاسة أسامة سعيد وحركة “كوش” السودانية من أقصى الشمال. ويقول: “نحن ندرك تماماً سبب رفض الجيش الذهاب إلى طاولة المفاوضات، حيث إن السبب الرئيسي يكمن في تأثير الحركة الإسلامية وأنصار وفلول النظام السابق عليه، والذين يرون أن أي عملية سياسية ستخرجهم من المشهد وتقلل من نفوذهم. لذا، هم يُظهرون حرصهم على استمرار الحرب على الرغم من الكوارث والمعاناة والنزوح الذي تسببه للمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، هناك حركات مسلحة متحالفة مع الجيش تعتبر استمرار الحرب مصلحة شخصية لها، حيث تعتمد هذه الحركات على دوام الصراع لضمان بقائها وبقاء مصالحها. وبعضها يمارس عمليات سلب ونهب لممتلكات المواطنين في وسط الفوضى السائدة حالياً في السودان.”
سياسات التقسيميتهم إدريس قادة الجيش السوداني باتخاذ تدابير قد تؤدي إلى تقسيم البلاد عن طريق إصدار عملة جديدة في المناطق التي يسيطرون عليها، وحرمان مناطق أخرى، بالإضافة إلى إعلان بدء الدراسة في بعض المناطق دون أخرى. كما أشار إلى أنهم يفتحون المجال لإصدار وثائق السفر والهوية لعدد من الأشخاص ويمنعون آخرين. بالإضافة إلى ذلك، تم إصدار قانون غريب يُعرف باسم (الوجوه الغريبة). وأكد إدريس أن “هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تقسيم البلاد، وهو ما نرفضه تمامًا”.
قال إدريس: “الحركة الإسلامية تسعى لتقسيم البلاد، وقد قامت بتقسيم الجنوب سابقاً. نحن الآن نتخذ خطوات لضمان وحدة السودان. نحن نؤمن بأن الوطن يجب أن يبقى موحداً، وأن أي حل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع السودانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الجهوية أو العرقية أو الثقافية… ومن أجل وقف عملية التقسيم الحالية، اقترحنا إنشاء حكومة للسلام والوحدة الوطنية”.
حكومتنا لكل السودانيينيقول أحد القياديين في “تأسيس”: “حكومتنا ليست مخصصة فقط لدارفور أو (الدعم السريع) أو لأي إقليم معين، بل هي تمثل كل السودان، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. لقد أعددنا دستوراً يضمن حقوق الجميع، وقد وقعه أفراد وكيانات متنوعة من جميع أنحاء السودان”. وأوضح أن الحكومة القادمة ستكون مسؤولة عن إعادة بناء الدولة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بما في ذلك التعليم والصحة والأمن.
مخاوف محلية وإقليميةعلى الرغم من أن دولاً مجاورة للسودان ومنظمات دولية وإقليمية قد رفضت بشكل قاطع وجود حكومة موازية في السودان، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة “إيغاد” في القرن الأفريقي، إلا أن إدريس، الذي يرأس أيضاً حركة تحرير السودان/المجلس الانتقالي، يعتقد أن مخاوف الناس غير مبررة، مع اعترافه بحقهم في القلق. ويضيف: “ولكن عندما ترى حكومتنا النور، سيتضح لهم أننا نسعى نحو الوحدة والسلام والاستقرار، وليس العكس”.
ويقول: “نحن نبذل جهوداً لطمأنة دول الجوار من خلال تأكيدنا على أننا نؤيد الوحدة ونرفض تقسيم السودان. نرى أن تقديم الخدمات للناس المحرومين، بما في ذلك أولئك الموجودين في مناطق الجيش، وحماية حقوقهم، سيساهم في بناء ثقة المجتمع الدولي والدول المجاورة القلقة. وإذا قمنا بفتح الحدود للمساعدات وحمينا الناس من الانتهاكات التي تحدث على الأرض، فإن نظرة العالم لنا ستتغير وسيتعامل معنا بشكل إيجابي”.
قضية الاعترافيعتقد إدريس أن مسألة الاعتراف بالحكومة الجديدة “لا تهمنا”، ويشير إلى الزيارات التي قاموا بها سابقاً إلى أوغندا وكينيا وإثيوبيا وتشاد، حيث شعر بدعم لمطالبهم. وأوضح قائلاً: “هذه الدول لديها مصلحة في استقرار السودان”، حيث استقبلهم في أوغندا الرئيس يوري موسيفيني شخصياً، وفي كينيا كانت الأبواب مفتوحة لهم ورحّب بهم الرئيس ويليام روتو.
“في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، التقينا رئيس الوزراء آبي أحمد. وذهبنا إلى تشاد حيث استقبلنا رئيسها محمد إدريس ديبي، بالإضافة إلى عدد آخر من الدول”. وقال: “هذا لا يعني أنهم يرغبون في الاعتراف بنا، ولكنه يعكس اهتمامهم بالأوضاع في بلادنا، لأن استمرار الصراع في السودان قد يؤدي إلى أزمات كبيرة في بلادهم والمنطقة بشكل عام”. وأضاف: “لذا، هم مهتمون باستقرار السودان. وبالتأكيد، عندما نؤسس حكومتنا، سنقوم بزيارة هذه البلدان مرة أخرى، وسيستقبلوننا هذه المرة كسودانيين يديرون شؤون السودان”.
فشل الدولة القديمةيقول إدريس إن “العالم من حولنا يتغير… لقد بدأ عهد جديد في لبنان، ونظام جديد في سوريا، بعد انهيار النظام القمعي القديم. ومن رأيي، فإن الأنظمة السابقة لم يعد لها مستقبل. فمنذ الاستقلال في عام 1956، لم تتمكن أي من هذه الأنظمة من بناء دولة وطنية تحافظ على البلاد وتسمو بها. تاريخ السودان منذ الاستقلال هو تاريخ من الصراعات والاضطرابات. يسأل الناس: لماذا يترك المواطن بلاده منذ عام 1956؟ لأن الاستقرار مفقود. وهذا يشير إلى وجود خلل في بنية الدولة الوطنية. أرى أن هناك موجة جديدة من التغيير قادمة… وستنهض دول جديدة على أنقاض الدولة القديمة… لذا، في اجتماعاتنا في نيروبي، ناقشنا ضرورة إنشاء دولة ديمقراطية علمانية لامركزية، تحافظ على حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الإقليمية”.
دور متوقع للإدارة الأميركيةيقول إدريس: “لقد كان للولايات المتحدة دور كبير منذ بداية الحرب في السودان عام 2023، حيث بذلت إدارة الرئيس جو بايدن السابقة جهودًا كبيرة لمساعدة السودان، لكنها لم تتمكن من إنهاء الحرب. نأمل أن تلعب الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس دونالد ترمب دورًا أكثر فعالية، من خلال استخدام سياسة الجزرة مع جميع الأطراف لتحقيق السلام. نحن منفتحون، وحكومتنا حكومة سلام. ونحن مستعدون للتعامل مع أي طرف يمكن أن يسهم في حل الأزمة. نتطلع إلى أن تأتي الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بسياسات جديدة وواضحة وقوية تستطيع الضغط على جميع الأطراف لوقف هذه الحرب المدمرة”.
حماية المدنيين من القصف الجوييقول أحد قادة “حركة تحرير السودان”: “من واجب أي حكومة أن تحمي مواطنيها، وإلا ستكون بلا قيمة. سنعين وزير دفاع تكون مهمته البحث عن أساليب دفاعية تهدف لحماية المدنيين بشتّى الطرق والوسائل الممكنة. كما نعمل على تشكيل نواة للجيش الجديد من القوات المؤيدة لحكومتنا، بما في ذلك الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية/شمال، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وجميع الفصائل المسلحة. سنقوم بتأسيس هيئة أركان مشتركة. وبعد انتهاء الحرب، سيصبح هذا الجيش نواة للجيش الجديد، الذي سيتولى مسؤولية حماية الحدود والحفاظ على الأمن الداخلي، دون دخول في المجال السياسي”.
ويقول: “لن يكون هناك جيشان منفصلان بعد الآن، بل سيكون هناك جيش موحد. نحن نعارض تعدد الجيوش كما تفعل حكومة بورتسودان الحالية، حيث توجد العديد من الميليشيات والجيوش المختلفة. نعتقد أن أحد أسباب اندلاع الحرب كان تعدد الجيوش، لذا لن نكرر هذه التجربة. ومن اليوم الأول لتشكيل الحكومة، سنعمل على دمج كل هذه القوات في جيش واحد، بما في ذلك قوات الدعم السريع”.
العملة ووثائق السفريؤكد إدريس أن “الحكومة الجديدة ستقوم بإصدار عملة ووثائق سفر وجوازات. وأشار إلى أن قضية العملة كانت من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت للتفكير في إنشاء حكومة جديدة. وأضاف أن العديد من مناطق السودان تعتمد على نظام المقايضة، حيث جففت حكومة بورتسودان العملات من المناطق التي تعاني من نقص فيها، مما يؤدي إلى تبادل السلع مثل الملح والسكر والقمح لعدم وجود عملة متداولة. وفي بعض المناطق، لا تتوفر أموال، مما يجعل الحياة صعبة للغاية… لذا ستتمثل إحدى المهام الأساسية للحكومة في إصدار عملة جديدة، وسيتم تحديد اسمها لاحقًا، وسنعكس من خلالها المبادئ والقيم التي نؤسس عليها دولتنا الجديدة والميثاق الذي وقعناه”. كما قال إنه سيتم إصدار جوازات ووثائق ثبوتية، وستكون متاحة لجميع المواطنين.
موعد إعلان الحكومة
فيما يتعلق بموعد إطلاق الحكومة الجديدة، أوضح قيادي بارز في “تأسيس” أن “هناك مشاورات مكثفة تجري حالياً لتحديد موعد الإطلاق. نحن نتوقع أن يتم ذلك في غضون شهر، وسيتم الإعلان من داخل السودان”. وأضاف أنهم لديهم مجموعة من الخيارات بشأن الأماكن والمدن التي يمكن أن يتم فيها الإعلان، وسيتم الكشف عنها خلال الأيام القادمة.
التواصل مع قيادة “الدعم السريع”
يقول الهادي إدريس: “نحن على تواصل مستمر مع قيادة (الدعم السريع)، وخاصة مع القائد محمد حمدان دقلو (حميدتي)”. وأضاف: “أنا شخصياً أتحادث معه تقريباً كل يوم، وكان آخر اتصال لي معه قبل يومين، وقد نتصل به مرة أخرى هذه الليلة (ساعة الحوار)”. نحن نتعاون معه في العديد من القضايا، ونبحث معه في الاتفاقيات والوثائق الضرورية. نعمل معه بشكل جيد، ولا توجد مشاكل في التواصل. وهو بصحة جيدة، على عكس ما يشاع.
وفيما يتعلق بالانتهاكات التي تُتهم بها “قوات الدعم السريع” وما إذا كانت ستؤثر على الاعتراف بالحكومة الجديدة، يقول إدريس: “نرفض تماماً تلك الانتهاكات، وندين أي اعتداءات تحدث. لا يوجد أحد فوق القانون، وأي شخص يرتكب جرائم يجب أن يُحاسب. هذا ينطبق على جميع الأطراف، بما في ذلك (الدعم السريع). كما أن العقوبات الأميركية والجهات الدولية الأخرى قد اتهمت كلا الطرفين المتحاربين بارتكاب انتهاكات ولم تستثنِ أي طرف”.
ويقول: “هدفنا الآن هو إنهاء الحرب. وبعد انتهاء الحرب، سنقوم كسودانيين بإنشاء آلية وطنية تكشف الحقائق للشعب: من المسؤول عن ارتكاب الجرائم؟ ومن بدأ الحرب؟ ومن تسبب في وفاة الناس ونزوحهم؟ وإلا فلن ينعم هذا البلد بالاستقرار”.
العلاقات مع «صمود»وفيما يتعلق بالعلاقات مع زملائهم المدنيين في تنظيم “صمود” الذي يرأسه الدكتور عبد الله حمدوك، يشير القيادي السوداني البارز إلى أنهم يتشاركون في الأهداف الكبرى والتوجهات السياسية، وكذلك في قضية إنهاء الحرب ومواجهة الحركة الإسلامية التي أشعلت الصراع. ومع ذلك، فإنهم يختلفون فقط في الوسائل حيث يرون أن إنهاء الحرب يجب أن يتم عبر وسائل سلمية ومناشدات. نحن نعتقد أننا قد ناشدنا بما يكفي، والبلد في طريقه نحو الانهيار بسبب تعنت الطرف الآخر، ولذلك رأينا أنه من الضروري مواجهة هذا الطرف من خلال إنشاء حكومة تسحب الشرعية منهم.
وقال: “نحن على اتصال مستمر معهم… واختلاف الطرق لا يؤثر على الروابط. سيكون هناك تعاون كبير بيننا في المستقبل، خصوصًا في جهود حل الأزمة”.
لا خوف من الفشليعتقد إدريس أن القادة الحزبيين وزعماء الجماعات المسلحة يمتلكون الخبرة والمعرفة المطلوبة، ولديهم خلفية واسعة في إدارة الدولة، حيث شغل العديد منهم مناصب حكومية. وأوضح قائلاً: “كنت عضواً في مجلس السيادة، وكذلك كان آخرون وزراء. إذا كنا نشك في إمكانية الفشل، لما اتخذنا هذه الخطوة. وقد أبدى الكثيرون مخاوفهم، بما في ذلك الأمم المتحدة وغيرهم… نحن ندرك هذه المخاوف الدولية… وستثبت التجربة العكس، حيث ستتحول الانتقادات إلى مديح، وسيتعاملون معنا.”
المشاركة في المفاوضاتوفيما يتعلق بالمشاركة في أي مفاوضات مستقبلية، يُعبر إدريس عن موقفه بالقول: “نحن نرحب بأي مبادرة جدية ومسؤولة تهدف إلى حل الأزمة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية… ولكننا لن نتعامل معها إلا بصفتنا الجديدة كحكومة للسلام وحكومة شرعية”.
نقلاً عن صحيفة الشرق الاوسط
الوسومالحكومة الموازية الدعم السريع الهادي إدريس تأسيسالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحكومة الموازية الدعم السريع الهادي إدريس تأسيس
إقرأ أيضاً:
كامل إدريس.. من “سويسرا” إلى “بورتسودان”
صحيح أن رئيس الوزراء “د.كامل ادريس” اقترب من شهره الثالث منذ أدائه القسم الدستوري، وأن حكومته تبدو متعثرة ، ولكن أمامه فرصة عظيمة وحالة نادرة في التاريخ، مع هذا فإن درب الحكم الجديد ليس معبداً ولا الرحلة سلسة.
طريق التغيير من “سويسرا” إلى “بورتسودان” كان مفتوحاً لأن الأغلبية في السودان راغبة فعلاً في التغيير، لأن عملية وصول شخص “مدني” إلى رئاسة وزراء حكومة الحرب كان مخاضاً طويلاً ودامياً، وربَّما أكثر عمليات التغيير تعقيداً في السودان ، ومن هذا المنطلقِ يفترض أن نقرأَ الأحداث الحَالية والتالية في هذا السياق، وليس في سياق ساعة النصر.
هناك من يعتقد أن “القوات المسلحة” في تمظهرها المهني والسياسي تبطئ في حسم الحرب وآخرون يظنّون أنها تتجنب المزيد من الخسائر بين صفوفها. والبعض يرى أنها عاجزة عن القضاء على ما تبقَّى من قوة ” مليشيا الدعم السريع”، ولكن .. رأيي أنها لا تريد حسمهَا إلا وفق نهاية تكتبها هي وليس القوى الاجنبية.
في خضم اهتزازات الواقع السوداني يتساءل المرء مجدّداً: إلى أين تسير بلادنا ؟ هل تستمر الصيغة الحالية لنظام الحكم ؟ أم تنهار هذه التشكيلة السياسية الضامنة لوحدة الأرض، التي قام عليها النظام السوداني عام ٢٠١٩، وهي شراكة العسكر والمدنيين ، والتي اجتازت حتى الآن من دون تصدّع أخطر الحروب والأزمات؟.
في خضم هذه الأمواج العاتية، سيعمل “د.كامل ادريس” على تأسيس الانتقال إلى السودان الجديد، عليه أن يدرك انه “عمود المنتصف”، يجب أن يمشي على أشواك الواقع دون أن تدمي قدميه.
هناك فئتان خطرتان عليه، الأولى معادية، أبرزُها مليشيا الدعم السريع وحلفائها، بعض من فلول النظام السابق، وقوى خارجية ، وعصاباتٌ الفساد السلطوي داخل الدولة؛ هؤلاء سيسعونَ مراراً وتكراراً لخلق مناخ تصادمي يكبر مع الوقت، وسيدفعون باتجاه تقزيم دور رئيس الوزراء وإشغال حكومته في معركة طويلة.
وقوى داخلية من صُلب النظام،تشارك في خلق الأزمات، ولها وجهات نظرها في إدارة البلاد والعلاقة مع العالم. وهذه الموالية لا تقل خطراً على سلطته من المُعادية لأنها تفتح المعارك، وتعمِّق الخلافات، خطرهَا أنها تجر الدولة الى معارك دونكيشوتية وتستدعِي القوى الخارجية للاستثمار في حرب أهلية محلية.
هذه الأفخاخ تتطلَّب حكمة في المعالجة حتى لا تشغل الحكومة عن تنفيذ المهمة الأصعب، وهي بناء الدولة الجديدة التي تنتظرها غالبية السودانيين، من تحسين المعيشة، والانتقال إلى دولة حديثة.
للدكتور “كامل ادريس” شعبية داخلية عليه أن يعززَها حتى لا تتآكل نتيجة تحديات كثيرة مقبلة، أبرزُها الخبزُ والغلاء وتدنِي المرتبات، تضافُ إلى الحاجةِ إلى إطفاءِ الأزمة الاجتماعية التي نتجت عن خطاب الحرب المتطرف،الذِي هو في حد ذاته مشروع حرب أهلية. بالمنخرطين فيه باسم المظالم التاريخية والتهميش يعملون على تأجيج مكونات السكان المتناقضة المسكونة بالقلق والرّيبة.
المجتمع الدولي يريد دولة مدنية تدير منظومة أمنية وعسكرية منضبطة،وهذا لن يحدث اليوم او غداً، لأن ظروفنا المحلية تتطلب وجود “الجيش” في السلطة، وأهمها الهزيمة النفسية التي لحقت بالشعب نتاج تسويف وفشل النادي السياسي في تجنيب البلاد اندلاع الحرب.
اتمسك برأيي القائل بأن أمام “كامل ادريس” فرصة تاريخية نادرة للانتقال بالسودان من الحرب إلى السلام، وأن اليوم التالي سيكون الحوار السوداني/السوداني، داخل الأراضي السودانية، وبارادة سودانية.
ادريس سينجح في تحقيق الانتقال، لأنه أعلن عن انفتاحه على الجميع من خلال تشكيلة حكومته التي اظهرت خبرات مهنية بخلفيات فكرية مختلفة، وأن همَّه سودانياً وليس دولياً. وأظهر اعتدالاً فاجأ الكثيرين وأدار علاقاته ببراغماتية تنسجم مع ما وعد به في رؤيته للسودان ٢٠٢٥ (المارشال) .
وسط هذه التجاذبات فإن المسار سيستمر صعباً. النظام ورث بلداً مدمراً منتهكاً من قوًى داخلية وأجنبية، وسيتطلب لمعالجته المهارات السياسية لا العضلات، وحاسة سادسة تستبق الأزمات وتطوقها.
محبتي واحترامي
رشان اوشي
إنضم لقناة النيلين على واتساب