التاريخ العُنصري للدولة السُودانية ، وسيادة عقلية البطش علي أساس عُنصري «الجيش ومليشياته والجنجويد ومليشيا الدعم السريع نموذجاً»  .. «١»

نضال عبدالوهاب

١٨ مارس ٢٠٢٥

المُمارسات العُنصرية والإستعباد والإسترقاق ظلت موجودة في كُل العالم وعلي مدي التاريخ الإنساني منذ بداياته وحتي اللحظة الحالية وأنا أكتب فيها هذا المقال ، وحتي بعد تطور المجتمعات وإنتهاء مؤسسة “الرق” بشكل رسمي إلا أن مظاهرها ومُخلفاتها وتبعاتها لاتزال موجودة حتي اللحظة ، وقد لاتنتهي بشكل “كامل” في كُل العالم قريباً مع تفاوت درجاتها ، نسبةً لتعمقها في كثير من مظاهر التنشئية والعقليات الموجودة وبعضها ظل مُتجذراً في كثير من المُجتمعات…
بالنسبة لنا في السُودان عانينا ولانزال نُعاني من أثر هذه “العُنصرية والعبودية” ، فالسُودان ظلّ تاريخياً مُرتبطاً بهذه المؤسسة “مؤسسة الرق” ، وقد كتب العديدون عنها ووثقوا لها ، وأنا هنا لست معنياً بالكتابة عنها تفصيلاً ، لعدم التخصصية أو الإلمام الكامل بتفاصيلها التاريخية الصحيحة ، ولكن ما يعنيني منها كاحد المُهتمين والعاملين لعملية التغيير في بلادنا والقضايا المُتعلقة به خاصة في جانبها السياسِي هو آثارها علي بلادنا وكيفية وضع بلادنا في الطريق الصحيح للتخلص من تأثيراتها علي إستقرار الدولة السُودانية وتماسكها وتقدمها.


ولكي نتعلم من كُل أخطاء الماضي وحتي اللحظة ، من المهم الأعتراف التام بوجود تلك المُشكلات التي تُعيق إستقرار و تماسُك وتقدم السُودان ، خاصة في ظل كُل التنوع والتعدد والإختلاف والتباين الموجود به.
ساتناول في هذا المقال البطش المُرتبط بالعنصرية الذي تمت ممارستة من قبل الدولة السُودانية مُمثلة في المؤسسة العسكرية أو الجيش والمليشيات التي تبعت له لاحقاً وأجهزة الامن المختلفة والشرطة والتي مثلت الأنظمة المُتعاقبة منذ الإستقلال في العصر الحديث ولاشك فقد نالت كُل الأنظمة نصيبها في هذه المُمارسات من كُل أجهزة هذ الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية ، وخاصة في ظل الأنظمة الإستبدادية العسكرية والديكتاتورية وللغياب التام لمبدأ المُراجعة والمُحاسبة وإختلالات الدولة وغياب لغة القانون والتساوي عنده والعدالة ، وإنتفاء مقاييس المواطنة المتساوية بالتالي وكافة حقوق الإنسان ، فشهدنا نموذج الدولة العُنصرية الباطشة بدرجات متفاوتة تمثلت ذروتها في نظام الإسلاميين المُمتد من ١٩٨٩ وحتي ٢٠١٩ أي لمدة ٣٠ سنة ، ولكن مع هذا فتاريخ هذا البطش بدأ باكراً ، وهنا اتحدث عن مرحلة مابعد إستقلال السُودان وتولي السُودانيون شؤون الحُكم فيه ، وتركز بصورة أكبر خلال كافة الحروب التي شنتها الدولة المركزية إبتداءً من حرب الجنوب الأولي وحتي الحرب الحالية مابعد ١٥ أبريل ، مروراً بالحروب الأخري في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وجنوب كردفان والشرق.
فمُمارسات مثل العُنف المُفرط ، والذي يصل إلي حد الإبادة ، والتطهير العرقي ، كله تمت ممارسته وبوحشية خلال حرب الجنوب الطويلة ، من قبل الجيش وعناصره ، حرق القري وقتل جميّع أهلها بمن فيهم الأطفال ، وبقر بطون النساء الحوامل ، وقد تحدث الكثير من الضباط والجنود عن هذه المآسي والمشاهد المؤلمة ووثقوا لها ، وأن الجيش كان يستخدم عنفاً غير مسبوق بناء علي لغة العنصرية والتشفي ، ومن المؤكد أن كُل هذا قد ولد الكثير من الأحقاد والعنصرية المُضادة في أجيال كاملة للضحايا من الجنوبيون وساهم في تقريب فكرة الإنفصال لديهم لاحقاً عندما أُتيحت لهم الفرصة ، خاصة في ظل عدم شعورهم بالترحيب بهم في دولة هم ينتمون لها من المفترض والغياب التام لحقوق مساواتهم فيه ومواطنتهم المنقوصة ، كل تلك عمليات القتل والإبادة كانت تتم بصورة ممنهجة ومقصودة وبعنف ، مقرونة بحالات الإغتصاب والإعتداءات الجنسية والإسترقاق والإستعباد وإستخدام الأطفال والنساء وكل مظاهر الرق غير “المُعلن” من قبل منسوبي الجيش النظامي ، في مناطق الحرب والمدن والقري التي يدخلونها أو يستولوا عليها ، ومع الغياب التام للعدالة في السُودان من خلال مُمارسات الدولة ، إنعكس هذا علي بقية مسؤليات الدولة في التنمية والخدمات في التعليم والصحة والعلاج وحتي مياه الشرب وابسط ضروريات الحياة لتلك المناطق من مدن وقري ، و التي تم تعمّد تهميشيها ونسيانها ، خاصة في أطرافها سواء الجنوب نفسه ، ثم الشرق والغرب ، فلنا أن نتخيّل هذا الواقع ، والذي إذداد سؤاً بظاهرة الجفاف خاصة في الغرب دارفور وكردفان وحركة النزوح ، وإنعدام الوظائف مما حدي بالكثيرين للعمل إما في المهن الهامشية ، أو الإستخدام للعمل في المنازل ، أو حتي المهن غير القانونية في الدعارة وبيع الخمور وغيرها ، كل هذا من مظاهر الدولة العُنصرية في السُودان ، خاصة مع تفشي الفقر وسط هذه المجموعات السُكانية ، وكان طبيعي تمدد الجريمة ، وعمليات السطو والسرقة ، فزاد بطش مؤسسات الدولة الأمنية سواء في الشرطة أو الامن والمُلاحقات ، بما عُرف “بالكشات” ، وكان يتم إستهداف بناء علي الهوية خاصة لابناء وبنات الجنوب ودارفور وجنوب كرفان وجبال النوبة ، مع ملاحقات للنساء من تلك المناطق وكافة أنواع المُعاملة القاسية وغير الآدمية والعنيفة والإعتداءات والإنتهاكات المتكررة لدرجة الإغتصابات والتنكيل وغيرها ، كُل هذه المُمارسات ظلت موجودة وتمثل سلوك الدولة وليس أفراد فيها؟؟؟
النتيجة التي أود الوصول إليها من خلال هذه المقالات هو التاريخ العُنصري للدولة في السُودان مابعد الإستقلال ، من خلال إستعراض نموذج مؤسسة الجيش والقوي الأمنية والشُرطية والمليشيات التي صنعتها الدولة أو ساهمت في إنتاجها وعلي رأسها مليشيات الكيزان والجنجويد والدعم السريع ، خاصة في أوقات الحروب التي أشعلوها ، ومن خلال التعامل حتي مع الخصوم السياسين وفق الدوافع القبلية والإثنية والعُنصرية ، وآثارها السئية علي السُودان حاضراً ومستقبلاً إن لم نستطع وضع حد لهذا العُنف العنصري المُمنهج ، خاصة في ظل إنتشار التشظي الإجتماعي و خطابات الكراهية وتمدد الروح الإثنية والقبلية ، وسنحاول المواصلة في إتجاهات جذور المشكلة وصولاً للمُعالجات والحلول التي تُسهم التعافي لبلادنا وإنتهاء الحروب والصراعات ، و في تماسكها وإستقرارها و إستتباب الأمن والأمان والسلام فيها و في وحدتها وتقدمها…..
ونواصل…

الوسومالتاريخ العنصري الجيش المليشيات نضال عبدالوهاب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التاريخ العنصري الجيش المليشيات نضال عبدالوهاب

إقرأ أيضاً:

ماذا تعني تلميحات مناوي بإمكانية تواصله مع الدعم السريع؟

الخرطوم- أثارت تصريحات حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي التي ألمح فيها إلى إمكانية التواصل مع قوات الدعم السريع تساؤلات على المستوى السياسي والشعبي.

وقال مناوي في ختام اجتماع اللجنة السياسية للكتلة الديمقراطية "سنظل في تواصل مع المجتمع الدولي، والقوى السياسية، حتى الدعم السريع إذا وجدنا له رؤية معقولة".

ودفع هذا الموقف المراقبين والمحللين إلى البحث عن خلفياته وتداعياته، وتحدثت الجزيرة نت إلى عدد من المحللين لتستطلع آراءهم بشأن تصريحات مناوي الجديدة.

مناوي (يمين) أكد في ختام اجتماع اللجنة السياسية للكتلة الديمقراطية انفتاحه على الحوار مع الدعم السريع (الجزيرة)دعوة مشروطة

يشغل مناوي منصب حاكم إقليم دارفور المكون من 5 ولايات منذ العام 2021 بعد توقيع اتفاق سلام جوبا، وهو قائد حركة جيش تحرير السودان، التي تقاتل بجانب القوات المسلحة السودانية في حربه الحالية، وهو رئيس اللجنة السياسية بتحالف الكتلة الديقراطية.

ويرى المحلل السياسي أحمد موسى عمر أن تصريحات مناوي لا تبتعد كثيرا عن رؤية الحكومة في التزامها بترك باب الحلول مفتوحا، في حال التزامه بمخرجات اتفاق جدة لإحلال السلام في السودان، الذي وقّعت عليه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية والسودان في 20 مايو/أيار 2023، مع ممثلين للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

وقال في تصريحات للجزيرة نت إن السياق الذي خرج فيه تصريح مناوي هو رؤية للقطاع السياسي للكتلة الديمقراطية وليس رؤية فردية للقائد أو رؤية جماعية لحركته ولا تمثل الدولة.

وأكد أن الحوار مع الدعم السريع لن يكون مُلزما للحكومة السودانية "فهو وإن تم؛ قبل مرحلة الحوار الحكومي، يُهيَأ له باتفاق حول رؤية مقبولة ومعقولة يمكن أن تلعب فيها الكتلة دور الوسيط بين الجيش والدعم السريع؛ بمعنى أن يكون حوارا إجرائيا أكثر من أن يكون حوارا يؤدي لحلول".

إعلان

ويوضح موسى أن الحوار مع الدعم السريع مربوط بتقديمه "رؤية معقولة" لوقف الحرب، وهي دعوة للحوار تنتظر مبادرة الدعم السريع بتقديم ما يمكن أن يكون معقولا، ويشير إلى أن قبول الدعم السريع هذه الدعوة يعتبر فتح باب حوار يؤسس لتسوية سياسية.

وقال إن مناوي ربط جدية الحوار بأن يناقش موقف الحرب؛ "وفي هذا الأمر الكلمة الأخيرة للجيش السوداني، الأمر الذي يضع الكتلة الديمقراطية في موضع الوسيط".

ويوضح أن الكتلة الديمقراطية لديها التزام بتهدئة الأوضاع وفتح المسارات الإنسانية في دارفور، ولتحقيق هذا الأمر تُقدم "دعوة مشروطة للدعم السريع لتقديم رؤية معقولة تصلح لعرضها على الأجهزة الرسمية، "كما أن الأمر لا يخلو من حسابات إقليمية ودولية خاصة حسب قوله".

فواعل دولية

وتشكل مدينة الفاشر أهمية إستراتيجية بالغة الأهمية للجيش السوداني؛ إذ فيها آخر معاقل الجيش في دارفور، كما أنها تشكل مقر قيادة القوات المشتركة، وتمثل خط الدفاع الأول عن مدينة الأبيض، كما يعني سقوطها سيطرة الدعم السريع على كامل ولايات دارفور.

من جهته، يقرأ مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية والإستراتيجية، المحلل السياسي حسن شايب تصريح مناوي بأنه ليس موضوعيا ولا منهجيا في طرح قضية لم يناقشها هو في مجلسي السيادة والوزراء "بصفته أحد شركاء الحكم الآن".

ويرى شايب في تصريح خاص للجزيرة نت أن مناوي لم يفصح عن الكثير فيما يتعلق بمثل هذه التصريحات، وتساءل عن سبب عدم طرح هذا الأمر أمام مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وطرحه للشارع السوداني.

وقال إن مثل هذه التصريحات تمثل نوعا من الممارسة السياسية غير الراشدة، وإن أية تسوية سياسية شاملة داخل السودان لا بد أن يكون فيها مركز صنع القرار، ولا يمكن لمناوي أن يقوم بها وحده.

وأضاف أن أي تسوية سياسية "لا تؤدي إلى خروج هذه المليشيا من المشهد السياسي والعسكري لا يمكن تسميتها تسوية، لأن ما أحدثه الدعم السريع لم يترك خط رجعة للخلف، ولم يترك مساحة لقبوله في المشهد السياسي من قبل الشعب السوداني"، ويرى أن الحديث عن أي تسوية سياسية في الوقت الراهن ربما يكون نتيجة ضغوط خارجية كبيرة، مشيرا إلى إلغاء اجتماع الرباعية.

وتابع أن الفواعل الدولية والإقليمية موجودة في السودان ولديها تأثير كبير في هذا الملف، كما أن صراع المحاور، يمكن أن يشكل ضغطا مع استخدام سياسة العصا والجزرة، مؤكدا أن مسار الحرب في دارفور والتعامل مع الأوضاع الإنسانية هناك يحتاج إلى رؤية ثاقبة، وأنه يجب أن يكون لدى الدولة السودانية رؤية واضحة لفك الحصار عن الفاشر سواء كان ذلك من خلال الرؤية العسكرية أو السياسية.

مرونة أم انعدام تأثير؟

ويصف المحلل السياسي وليد النور، مناوي بأنه "أكثر شخصية سياسية مثيرة للجدل" وأنه "أكثر شخصية تجيد التصريح والتصريح المناقض له في الموقف وفي الاتجاه".

وقال إن تصريحاته الأخير تُعد كسابقاتها؛ وهي لن تؤثر ولن تفتح بابا أمام التسوية السياسية في السودان، لأن التسوية السياسية تحتاج إلى إرادة حقيقية "وليست مزايدات"، ولن تحدث الكثير من الإيجابية.

ولا يتوقع النور أن تتأثر مجريات الحرب بمثل تلك التصريحات؛ فهي تتأثر فقط بمجريات الطبيعة والإرادة السياسية الحقيقية وبالضغط الدولي على الأطراف المتحاربة.

إعلان

أما رئيس تحرير موقع "قلب أفريقيا" الإخباري لؤي عبد الرحمن، فيقول إن في تصريحات مناوي الأخيرة "مرونة سياسية" لا توجد في غالبية السياسيين السودانيين؛ كونهم يتمسكون بمواقفهم، وإن مناوي حاول من خلال تصريحاته أن يرسل رسالة بأنه مرن، وأنه حمل البندقية ليس غاية وإنما وسيلة لواقع أفضل سواء كان لدارفور أو للسودان.

واستبعد أن تمثل هذه التصريحات تغييرا في مواقفه السابقة، ووصف تلك التصريحات بأنها "بادرة طيبة باتجاه السلام، وضوء أخضر للحكومة السودانية للمضي قدما في التفاوض مع مليشيا الدعم السريع".

ورجح لؤي في تصريح خاص للجزيرة نت، أن تزيل مثل هذه الخطوة الحرج عن كثير ممّن كانوا يترددون في طرح مثل هذه المواقف التي تدعو للسلام والحوار، والتفاوض بين السودانيين.

وقال إن هذه التصريحات تعكس جدية مناوي باتجاه السلام، وهي محاولة لمحو الانطباع المشوه عنه الذي كان في السابق في نظام الإنقاذ وما بعد ذلك.

واستبعد أن يكون لمثل تلك التصريحات تأثير على الواقع الميداني للعمليات، وتوقع أنها ربما تساعد في دفع الحكومة باتجاه المفاوضات والعملية السلمية، وتسهم في تهدئة الأوضاع في دارفور وربما تقود إلى سلام شامل.

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع “حميدتي” داخل منزله بالخرطوم
  • حاكم غرب بحر الغزال: عبور عناصر من الدعم السريع إلى جنوب السودان دون إذن رسمي أثار الذعر ونزوح السكان
  • ماذا تعني تلميحات مناوي بإمكانية تواصله مع الدعم السريع؟
  • انخفاض أرباح الشركات الصينية المملوكة للدولة خلال النصف الأول
  • “الدعم السريع” تنهب قافلة مساعدات “أممية” خاصة بدارفور
  • الفظائع التي لن ينساها التاريخ
  • الجيش السوداني يقصف وقوة من “الدعم السريع” تغادر مدينة مهمة في كردفان
  • فارون من انتهاكات “الدعم السريع”.. مصرع وإصابة 27 نازحا من الفاشر
  • إعادة دفن جثامين من “الدعم السريع” في الخرطوم
  • منشق عن “الدعم السريع” يكشف معلومات خطيرة