موقع النيلين:
2025-05-17@09:01:18 GMT

القوة الخفية وراء محاولات فرض العلمانية

تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT

لم تكن الخطوة التي أقدمت عليها مليشيا الدعم السريع وحلفاؤها من بقايا المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير ومعهم فصيل الحركة الشعبية – شمال الذي يقوده عبد العزيز الحلو، والذين اجتمعوا في كينيا منتصف الشهر الماضي ضمن تحالف أسموه “تأسيس” مؤخراً، والتي أعلنوا فيها تبنيهم لدستور علماني، وتحصينه بما أسموه “مبادئ فوق دستورية”، لم تكن تلك الخطوة معزولة عن سياق ممتد، منذ فجر الاستقلال، لعزل السودان وشعبه عن هويتهم الإسلامية وفرض نظام غريب ومستورد عليهم !!

والمتتبع لتاريخ السودان السياسي، خلال ما يقارب السبعين عاماً التي أعقبت إستقلاله عن الحكم البريطاني، يدرك بشكل جلي أن جهة ما، تحرك الأحداث من وراء ستار، تصر على إبعاد الإسلام – دين الأغلبية المطلقة من السودانيين – من أن يكون مرجعاً لنظام حكمهم ودستور بلادهم، كما سنحاول أن نبين في هذا المقال.

لقد ظلت قضية “الدستور الإسلامي” على رأس أجندة البرلمانات السودانية المنتخبة منذ فجر الاستقلال، وكان يُطلق على تلك البرلمانات مسمى “الجمعية التأسيسية”، وذلك للترابط الوثيق بين نظام تأسيس الدولة عقب الاستقلال وبين قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية التي كان يُراد أن يتأسس عليها دستور البلاد؛ وفي نفس الوقت، ظلت محاولات الحؤول دون ذلك مستمرة، بأوجه متعددة.

وقد شكل انقلاب مايو 1969 الذي قاده تحالف الحزب الشيوعي والقوميين العرب، أولى المحاولات الأكثر جدية لقطع الطريق على إقرار الدستور الإسلامي في الجمعية التأسيسية التي كانت قائمة وقتها، والتي كانت أغلبيتها المطلقة من نواب حزبي الأمة والوطني الاتحادي، وكان نصيب “جبهة الميثاق الإسلامي” فيها خمسة نواب فقط، إذ تجاوز الدستور وقتها مرحلة القراءة الثانية وأوشكت الجمعية على إقراره، لكن الانقلاب قطع الطريق أمام تلك الخطوة !!

أما المحاولة الثانية الأوضح فقد برزت في العام 1983 في أعقاب إعلان الرئيس جعفر نميري تحريم الخمور وإغلاق الحانات وبيوت الدعارة وتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، إذ بمجرد أن بدأ النميري “نهجه الإسلامي”، قبل ذلك بسنوات قليلة، وحتى قبل إعلان تلك القوانين، أخذت الضغوط الغربية تتكاثف عليه، فأوقفت شركة شيفرون الأمريكية نشاطها في حقول النفط التي اكتشفتها في “أبو جابرة”، وتمّ إعلان تأسيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان” بزعامة جون قرنق، ضابط الجيش الذي بدأت علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 1971، وتكررت زياراته الأكاديمية لها حتى نال درجة الدكتوراة من جامعة قرنيل بولاية إيوا عام 1981، ووصلت الضغوط مداها بوقف جميع أشكال القروض والعون التنموي الذي كان يتلقاه السودان من مؤسسات التمويل الدولية.

والحقيقة أن تمويل المشروعات التنموية من الصناديق الدولية ظل متوقفاً منذ ذلك الحين (1983) وإلى يومنا هذا، على الرغم من تعاقب الأنظمة على حكم السودان وتنوعها، بما في ذلك نظام الديمقراطية أو التعددية الثالثة برئاسة رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي، والسبب أن كل تلك الأنظمة إمتنعت – لسبب أو لآخر – عن إلغاء القوانين الإسلامية، بل إن عدم الإلغاء هذا كان سبباً رئيسياً في زيادة الضغوط على حزب الأمة وقيادته، إبان التعددية الثالثة واللجوء إلى البيت الديني الآخر ممثلاً في زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، محمد عثمان الميرغني، فكان أن فوجئت الساحة السياسية بتوقيع الإتفاق الذي عرف باتفاق الميرغني – قرنق في نوفمبر 1988 وفيه أقروا “تجميد قوانين سبتمبر” – وهو المسمى السياسي لقوانين الشربعة – إلى حين إنعقاد ما أسموه المؤتمر الدستوري !!
لم تفلح “الجهود” التي كانت تجري وراء ستار- وقتها – في تمرير إتفاق الميرغني قرنق، فعمدت هذه المرة إلى أسلوب جديد وهو ما عُرف في التاريخ السياسي السوداني ب “مذكرة الجيش” إذ تقدمت قيادة القوات المسلحة في فبرابر 1989 بمذكرة موجهة لرئيس الوزراء المنتخب، ظاهرها مهني، وجوهرها مطالب بفرض مسار سياسي محدد على رئيس الوزراء أبرز بنوده فض الشراكة في الائتلاف الحاكم مع الجبهة الإسلامية القومية، باعتبارها هي الطرف الذي يقف حجر عثرة أمام مخططات إلغاء القوانين الإسلامية.

ويلاحظ المتتبع لهذا التاريخ، دون عناء، أن الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق، ظلت هي رأس الرمح في الجهود والضغوط الغربية لإلغاء القوانين الإسلامية، وقد استمر ذلك حتى انتهى إلى إتفاقية السلام الشامل الموقعة في يناير 2005 والتي استثنت جنوب السودان من تلك الأحكام ،وانتهى أمرها إلى أن ينفصل الجنوب ليصبح دولة مستقلة.

لكن انفصال جنوب السودان لم يوقف مطالب العلمانية، بل لم يوقف الحرب نفسها، إذ عمدت القوى الدولية المُحرّضة على فرض العلمانية إلى إشعال الفتنة ونار الحرب في دارفور ، حتى قبل أن يتم توقيع إتفاق السلام الشامل، ونجحت أداتها في ذلك – الحركة الشعبية الأم – في تحويل “حركة تحرير دارفور” إلى حركة تحرير السودان بقيادة كل من عبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي؛ ثمّ لما حدث الإنفصال، وذهب الجنوب بما حمل، تسلم عبد العزيز الحلو راية العلمانية وجعل فرضها على كل السودان شرطاً لسلام يوقعه مع السلطة المركزية، وبقي عبد الواحد نور عند موقفه الأول !!

وفي نفس الوقت الذي كان يتم فيه التمسك بورقتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور، كانت الترتيبات تجري على قدم وساق لإسقاط النظام المصنف “إسلامي” في الخرطوم، وإلغاء منظومة القوانين والتشريعات التي استنها على مدى ثلاثين عاماً، وقد نجحت تلك الجهود في إسقاط النظام، وتم الشروع في إلغاء القوانين وإلغاء منظومة القيم الإسلامية عبر “تنظيف المناهج الدراسية من الحمولات الدينية”، ثم جرى إستقدام بعثة فولكر الأممية لاستكمال المهمة التي انتهت بمحاولات فرض الإتفاق الإطاري، بالضغوط السياسية والإغراءات المادية، أو عن طريق “القوة الجبرية”، فكانت النتيجة هي الحرب التي تدور منذ عامين والتي تحولت أجندتها من إلغاء الهوية الإسلامية إلى إلغاء “دولة 56” وتحويلها إلى رماد !!

إن تجميع حَمَلة مشاعل العلمانية في نيروبي مؤخراً، ومحاولة بث الروح فيهم بعد أن أصابهم الوهن واليأس من فرض أجندتهم على الشعب السوداني، ما هو إلا حلقة جديدة من حلقات التآمر المستمر على الشعب السوداني، والإصرار على فرض هوية تغريبية عليه، ولا أعتقد أن ذلك التآمر سيتوقف، لأنه مرتبط بأجندة صراع جيواستراتيجي متصل بموقع السودان الجغرافي وبتكوينه السكاني وبما حباه الله به من موارد فوق الأرض وتحتها؛ وعلى أبناء السودان ونخبه السياسية أن يدركوا أن بلدهم مستهدفة في هويتها قبل أن تكون مستهدفة في مواردها وموقعها، وأن يسلكوا سبيلاً غير الذي سلكوه في السابق، لدرء الفتن التي تحاول الإحاطة بهم وتمزيق أوصال مجتمعهم و بلادهم.

العبيد أحمد مروح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الحرکة الشعبیة إلغاء القوانین التی کان

إقرأ أيضاً:

وراء الحدث

#وراء_الحدث

د. #هاشم_غرايبه

في زيارة ضبع البيت الأبيض لدول خليجية، مفاجآت عديدة، أذهلت الجميع، وأولهم هو ذلك الضبع نفسه، الذي كان ينفخ ريشه كالطاووس وهو يبدي ذهول لضخامة ما حصده وفاق كل توقعاته، فقد امتلأ الدلو الذي جاء به لحلب الأبقار المطيعة بل وفاض، وأذهله ثانيا حجم الهدايا الشخصية التي هيئت لتقديمها له عربونا على الولاء والإخلاص، وأذهله ثالثا حفاوة الاستقبال والترحاب الذي قوبل به، ولم يكن يحلم به أن يجده في منطقة اسلامية تعاني من مذابحه بحق إخوة لهم، فلو كانت زيارته لبلد لا يعرف الإسلام لكنه يعلم ولوغه في دماء أطفال أبرياء في القطاع، لكانوا رموه بالبيض وبالأحذية.
لا شك أن كل أبناء الأمة المخلصين لها آلمهم كل ذلك، بدءا من اختيار السجاد البنفسجي لفرش الأرض تحت قدمي هذا السفاح، والذي لا شك كان تلبية لرغبته، بدليل أنه كان يرتدي ربطة عنق بنفسجية أيضا.
إعلام الأنظمة التبريري قدم تفسيرا هزيلا مضحكا، وهو أن اختيار اللون كان من المستضيفين كونه يعبر عن ألوان الزهور الوطنية، لكن الحقيقة أن اختيار اللون البنفسجي مرتبط بطموحات “ترامب” لتولي منصب بابا الفاتيكان (التي أعلنها)، حيث أن هذا اللون هو المفضل عند الكنيسة المسيحية، منذ اعتمده البابا “ايوسنشيوس الثالث” في القرن الثالث عشر، ليكون لونا رئيسيا للباس الكنسي، ويرتدونه في موسم الصوم قبل عيد الفصح، وتقول التنظيرات المسيحية أنه رمز لمحبة المسيح.
بالنسبة لنا فلم تعد تستوقفنا هذه الأمور، فقد تعودنا من الأنظمة العربية الخنوع للغرب، والطاعة لاملاءات رؤسائهم، لكن المؤلم هو الاندلاق المبالغ فيه من هذه الأنظمة لإرضائهم وبصورة أكبر مما هم يتوقعون، وهذا الأمر لا نجده عند أنظمة أخرى في أية دولة أخرى غير عربية مهما كانت ضعيفة أو متخلفة.
لعل تفسير ذلك هو أن كل دول العالم تحكمها حكومات مصدرها وانتماؤها لشعب تلك الدولة، المنطقة الوحيدة في العالم التي فرضت عليها حكومات موالية للغرب، ليس شرطا أنها عميلة مأجورة له، بل يكفي أنها تؤمن بأن بقاءها أو زوالها مرهون بإرادته وليس بإرادة شعبها، لذلك فهي لا تسعى لنيل رضا شعبها، بل تفرضه بلعبة العصا والجزرة، لكن رضا السيد الغربي هو غاية مرادها، فهو ولي أمرها الذي بيده بقاؤها وزوالها.
من هنا ادخر الضبع المختال بصلفه هذه الزيارة للوقت الذي يكون فيه بحاجة للتباهي أمام حيتان المال الذين دعموه للوصول الى البيت الأبيض، ومعددا المكاسب الضخمة التي جناها لهم من مزرعته التي لا يتكلف على رعايتها وتغذيتها شيئا، بل يكفيه ابتزاها بالتخويف بكشف مفاسدها ورفع اليد عن حمايتها.
لذلك وجدنا على رأس المكاسب الضخمة، الجزية التي حصلها وبقيمة 600 مليار، وينوي إيصالها التريليون من الإمارات وقطر، ومنها أكبر صفقة في التاريخ لشراء تجهيزات عسكرية بقيمة 142 مليار دولار، تم توزيع مغانمها على أكبر شركات التصنيع العسكري الأمريكية.
قد يقول قائل: لماذا لا ننظر الى الجانب الإيجابي من هذه الصفقة والتي تتمثل بتوفير قدرات دفاعية أفضل لدول الخليج.
الإجابة مؤلمة كونها متعلقة بسؤال كاشف: الدفاع ضد من؟، ومَن مِن مجاوريها ذلك الذي يهدد بغزو هذه الدول، هل من أحد يفكر بذلك غير الكيان اللقيط، الذي هو الوحيد من بين كل دول العالم لا يعلن حدوده، بل يقول إنها حيث تصل دباباته، وثبت ذلك عمليا فهي تحتل أراضي لكل الدول المجاورة ولا تقبل الانسحاب منها، كما أن “ترامب” ذاته هو من يعلن تأييده لتوسيع حدوده إذ يقول بأنه يرى هذا الكيان صغيرا وينبغي زيادة مساحته، لذا ومنطقيا فكل الدول المحيطة مرشحة أراضيها للإحتلال.
فهل من كانت هذه نواياه يمكن أن يقدم أسلحة قادرة على التصدي للأسلحة التي يمنحها لذلك الكيان المدجج بأحدث الأسلحة وأقواها؟.
مهما بلغت بنا السذاجة والانسياق وراء الأوهام فلن نصدق أن هذه الأسلحة فاعلة أو قريبة من التكافؤ مع العدو الوحيد الذي يعلن عن نواياه العدوانية بلا وجل، ويريد المتخاذلون أن يقنعونا بأنه صديق بل حليف.
هذه الأسلحة لا شك أنها منزوعة الدسم التقني، أو تقادم عليها الزمن، لذا فهي لا تصلح الا لحروب بينية مع الأقطار الشقيقة.

مقالات ذات صلة هل سيُسقط ترامب نتياهو بالتدريج ضمن الشرق الاوسط الجديد..؟. 2025/05/13

مقالات مشابهة

  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
  • المفاجأة التي لم تخطر على المتمرد عبد العزيز الحلو، حليف ميليشيا آل دقلو الإرهابية، أن الجيش على بُعد 43 كيلومترًا من كاودا
  • ما الذي يجبر مواطن بكل قواه العقلية أن يتخذ موقفا ضد بلده بهذا الشكل المخزي والقبيح؟
  • من عدل الفاروق إلى واقعنا المالي: دعوة لمراجعة القوانين
  • أهم حدث في الساحة حاليا هو العدوان الذي يتعرض له السودان من تحالف دولي يدمر في بنيته التحتية
  • هل هي “حمى الذهب والمعادن الثمينة” التي تحرك النزاع في السودان.. أم محاربة التطرف الإسلامي؟
  • هذه الحرب مختلفة عن كل الحروبات التي عرفها السودان والسودانيون
  • عبد المنعم السيد: القوانين الضريبية الجديدة خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة
  • وراء الحدث
  • ولي العهد السعودي: سنواصل جهود إنهاء الأزمة في السودان من خلال منبر جدة الذي يحظى برعاية سعودية-أميركية