الإسلام الأخضر لمواجهة تحديات البيئة والمناخ بإندونيسيا
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
تعد إندونيسيا، التي يبلغ عدد سكانها 228 مليون نسمة (عام 2023)، إحدى أكثر الدول تلوثا في العالم وأكثرها عرضة للكوارث الطبيعية، ومع تفاقم المشاكل البيئية وتزايد تأثيراتها ظهرت حركة جديدة في الأرخبيل تحت اسم "الإسلام الأخضر"، باتت رائدة في العمل البيئي والمناخي.
وتتلخص فكرة الحركة في استلهام تعاليم الإسلام -الذي ينتسب إليه 87% من السكان- من أجل معالجة المشاكل البيئية ورفع مستوى الوعي بين الإندونيسيين بالتحديات الجمة التي تواجه البلاد في هذا السياق، فيتولى المتدينون المسلمون المسؤولية الأساسية عن تغيير العقليات لمكافحة تغير المناخ في إندونيسيا، التي تعد من بين أكبر مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميا.
تواجه إندونيسيا بجزرها، التي يزيد عددها عن 17 ألف جزيرة، مأزقا حقيقيا فيما يتعلق بالبيئة والمناخ، فإضافة إلى مشكلة التخلص من النفايات، تحضر مشكلتا المناخ الرئيسيتان في البلاد، وهما توليد الطاقة بالفحم وإزالة الغابات.
ويعد هذا البلد الآسيوي أكبر مصدر للفحم الحراري في العالم، وكذلك أكبر منتج لزيت النخيل، مما يؤدي إلى انبعاثات كبيرة لثاني أكسيد الكربون بفعل إزالة مساحات كبيرة من الغابات كل عام لإنتاج زيت النخيل أو التنقيب عن المعادن. كما ازدادت حرائق الغابات والفيضانات حدةً نتيجة للطقس المتطرف الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة.
إعلانكما تمتلك إندونيسيا احتياطات هائلة من النيكل، المُستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، لكن معالجته تتطلب حرق الوقود الأحفوري. وقد شنّ الرئيس المنتخب برابوو سوبيانتو حملة لتوسيع إنتاج الوقود الحيوي الذي قد يُؤدي ضمنيا إلى مزيد من إزالة الغابات ومزيد من التلوث.
ومن شأن هذا النموذج الاقتصادي أن يلحق الضرر بالسكان، فانبعاثات غازات الاحتباس الحراري من محطات الطاقة وإزالة الغابات تُؤثر بشكل كبير على صحة سكان الأرياف وسبل عيشهم، حيث تعاني العديد من المقاطعات النائية والفقيرة في إندونيسيا من الجفاف بشكل منتظم، مما يؤدي أيضا إلى تفاقم الفقر في البلاد.
في ساحة مارديكا بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا، لا يعد مسجد الاستقلال المهيب أحد أكبر المساجد في جنوبي شرقي آسيا وأضخمها من حيث البناء والقدرة الاستيعابية فقط، بل بات أيضا رائدا ضمن توجه "الإسلام الأخضر" ومنبرا للتوعية بالثقافة البيئية والمناخية.
وأصبح المسجد، الذي يمكن أن يستوعب نحو 200 ألف مصل، شاهدا على ما يمكن تحقيقه في الالتزام بالمعايير البيئية، حيث تم تركيب 500 لوح شمسي لتنخفض فاتورة كهرباء المسجد بنسبة 25%. وبفضل صنابير المياه البطيئة التدفق ونظام إعادة تدوير المياه، يستهلك المصلون كميات أقل بكثير من المياه للوضوء قبل الصلاة.
وبهذه المعايير البيئية بات مسجد الاستقلال أول مسجد في العالم يحصل على شهادة بناء أخضر من مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي. وصرح الإمام الأكبر نصر الدين عمر بأنه يسعى إلى تحويل 70% من مساجد إندونيسيا، البالغ عددها 800 ألف مسجد، إلى "مساجد صديقة للبيئة".
ففي إحدى خطب الجمعة، يقول الإمام نصر الدين عمر -الذي يعد رمزا لحركة "الإسلام الأخضر"، وهو أيضا وزير الشؤون الدينية بجمهورية إندونيسيا- إن "من عيوبنا البشرية القاتلة أننا نعامل الأرض كشيءٍ عادي. كلما ازداد جشعنا تجاه الطبيعة، اقترب يوم القيامة".
ويقدم الإمام الأكبر حلولا من خلال تعاليم الإسلام، قائلا "كما هو الحال في صيام رمضان، فإن من واجب كل مسلم أن يكون حارسا للأرض. وكما هو الحال في الصدقات، ينبغي على أتباعه الوقف على الطاقة المتجددة، وهو نوع من التبرعات الدينية. وكما هو الحال في الصلاة اليومية، ينبغي أن تكون زراعة الأشجار عادة".
إعلانوتُعدّ البيئة موضوعا محوريا في خطب الإمام نصر الدين عمر، فبعد أن شعر بالانزعاج من النفايات التي تُلوّث النهر الذي يقع عليه المسجد، أمر بتنظيفه. وبعد أن صُدم بفواتير الخدمات الباهظة، قام بتجهيز أكبر مسجد في جنوبي شرقي آسيا بألواح شمسية، وصنابير مياه بطيئة التدفق، ونظام لإعادة تدوير المياه، مؤكدا أنه يتبع تعاليم الإسلام بالاهتمام بالطبيعة والحفاظ عليها.
وقال الإمام الأكبر نصر الدين عمر في هذا السياق "باعتبارنا دولة بها أكبر عدد من المسلمين في العالم، يتعين علينا أن نكون قدوة حسنة للمجتمع الإسلامي".
وتحظى حركة "الإسلام الأخضر" أيضا بدعم من منظمتي "نهضة العلماء" و"المحمدية"، وهما أكبر منظمتين إسلاميتين شعبيتين في البلاد، وتتوليان تمويل المدارس والمستشفيات والخدمات الاجتماعية. وقد وظّفت نهضة العلماء الناشط البيئي المعروف في إندونيسيا آك عبد الله القدوس في برنامجها "الروحي البيئي" الذي يستخدم التعاليم الإسلامية لتعزيز الحفاظ على البيئة.
كما أصدر مجلس العلماء في إندونيسيا، وهو أعلى هيئة دينية إسلامية في البلاد، فتوى في مارس/آذار 2024 مؤكدا أن جميع الإجراءات التي تسبب أضرارا بالطبيعة أو البيئية وتسهم في أزمة المناخ، بما فيها إزالة الغابات وإطلاق انبعاثات زائدة، هي محرمة في الإسلام.
وعلى الصعيد السياسي بات توجه "الإسلام الأخضر" مؤثرا وفعالا، حيث أكدت حكومة الرئيس السابق جوكو ويدودو تعاونها مع العلماء والمجتمعات الإسلامية وقادتها والمنظمات الإسلامية لتحديد هدف تحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2060.
من جهتها وقعت وزارة البيئة والغابات اتفاقية شراكة مع جمعية نهضة العلماء، أكبر منظمة إسلامية في البلاد، بهدف تحسين الإدارة البيئية والغابات المستدامة.
وتماشيا مع دور حركة "الإسلام الأخضر" أصدر كبار علماء الدين في البلاد فتاوى حول كيفية الحد من تغير المناخ والحفاظ على البيئة، ويدعو نشطاء الأحياء أصدقاءهم وعائلاتهم وجيرانهم والمدارس إلى الحفاظ على البيئة باعتبار ذلك من صميم الدين الإسلامي وضمن تعاليم القرآن الكريم.
إعلانويؤكد أنصار حركة "الإسلام الأخضر" أن تعليم 200 مليون مسلم الاهتمام بالبيئة في علاقته الراسخة بالدين الإسلامي يمكن أن يؤدي إلى التغيير البيئي والمناخي.
وفي هذا السياق، يقول هايو برابوو، رئيس قسم حماية البيئة في مجلس علماء إندونيسيا أعلى سلطة إسلامية في البلاد، لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية "الناس لا يصغون للقوانين، فهم لا يكترثون بها. إنهم يصغون إلى الزعماء الدينيين لأن قادتهم يقولون إنه يمكنك الفرار من القوانين الدنيوية، لكن لا يمكنك الفرار من قوانين الله".
ويشير برابوو إلى أن الفتاوى الصادرة عن المجلس ليست ملزمة قانونا، لكن كان لها تأثير ملحوظ، إذ إن دراسات وجدت أن سكان المناطق الغنية بالغابات وأراضي الخث أصبحوا الآن أكثر وعيا بخطأ إزالة هذه الأراضي بسبب الفتاوى التي تُحرّم هذه الأنشطة.
يقول آك عبد الله القدوس -وهو ناشط بيئي في مقاطعة جاوة الشرقية- "مهمتنا أن نكون خلفاء الأرض، حماتها. هذه هي رسالة الإسلام"، وكان القدوس قد حاول الجمع بين حملة غرس الأشجار والاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ورغم الصعوبات التي اعترضته في البداية، ازداد الدعم له مع مرور الوقت، فأسس مجموعة بيئية تحت اسم "الجيش الأخضر".
ويعمل هذا الجيش الذي يتكون من مجموعة من المتطوعين على حملات تشجير وإعادة تشجير جبل ليمونغان، وهو بركان صغير قُطعت فيه 2000 هكتار من الغابات المحمية، وبفضل عمل المجموعة باتت المنطقة مجددا مغطاة بأشجار الخيزران والفاكهة الخضراء.
في مدينة بوسط جاوة نشأت الطفلة "إيلوك فايكوتول موتيا" على مشاهد قطع أشجار غابات الساج لصالح شركة أثاث تملكها عائلتها. باتت إحدى وظائفها الأولى باحثة في منظمة السلام الأخضر (غرينبيس)، وأسست لاحقا منظمة "إنتر نوسانتارا"، وهي منظمة تهدف إلى توعية الشباب بشأن تغير المناخ، وهي تقول إنها أرادت "أن تكفر عن خطايا والدي في الأرض".
إعلانوتعتقد موتيا أن الإسلام يمكن أن يقدم للإندونيسيين رسالة أكثر لطفا بشأن الحفاظ على البيئة، مشيرة إلى استطلاع وجد أن المسلمين الإندونيسيين يستمعون إلى الزعماء الدينيين أكثر من المسؤولين ووسائل الإعلام والرئيس.
وبشكل ما، ساهم التأثير الهائل لمختلف المنظمات الإسلامية في تعزيز الوعي البيئي في البلاد والدفع نحو سياسات بيئية وطاقية أكثر مسؤولية، وتسعى وزارة التعليم والثقافة في إندونيسيا أيضا إلى جعل البيئة جزءا أساسيا من أساسيات التعلم لدى الطلاب منذ سن مبكرة ودمج التعليم البيئي والممارسات المستدامة في برامجها، استلهاما لانتشار تأثير حركة "الإسلام الأخضر".
وتُظهر إندونيسيا التي تضم أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم كيف يمكن للدين أن يكون محركا قويا في الحركة لحماية الكوكب من أزمة المناخ والحفاظ على البيئة، وقد بدأت حركة "الإسلام الأخضر" بدورها تتخذ بعدا عالميا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان بيئي تعالیم الإسلام إزالة الغابات فی إندونیسیا على البیئة فی البلاد فی العالم
إقرأ أيضاً:
منال عوض: شركاء التنمية عنصر رئيسي في دعم الجهود البيئية والمناخية
كتب- محمد نصار:
عقدت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية والمُكلفة بتسيير أعمال وزارة البيئة، اجتماعًا مع الدكتور علي أبو سنة، الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة، لاستعراض مستجدات التعاون مع شركاء التنمية في تنفيذ عدد من المشروعات البيئية الحالية والمستقبلية.
حضر الاجتماع ياسمين سالم، مساعد الوزيرة للتنسيقات الحكومية، وهدى الشوادفي، مساعد الوزيرة للسياحة البيئية، وتامر أبو غرارة، مستشار الوزيرة للتعاون الدولي، بالإضافة إلى سها طاهر، رئيس الإدارة المركزية للتعاون الدولي والتغيرات المناخية.
وأكدت الدكتورة منال عوض، خلال الاجتماع، أن شركاء التنمية يمثلون حليفًا قويًا في دعم مسيرة العمل البيئي والمناخي في مصر، مشيرة إلى أهمية التعاون الدولي في تنفيذ مشروعات حماية البيئة، وتفعيل الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف التي يتولى جهاز شؤون البيئة متابعة تنفيذها على المستوى الوطني.
واستعرض الاجتماع، آليات التمويل المتاحة من خلال مرفق البيئة العالمية (GEF)، الذي يدعم مجالات متعددة تشمل التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، وتدهور الأراضي، والمياه، والملوثات العضوية، والإدارة المستدامة للكيماويات، وبناء القدرات المؤسسية.
كما تم التطرق إلى التمويل من صندوق المناخ الأخضر (GCF)، باعتباره الأداة المالية الرئيسية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والهادفة إلى دعم الدول النامية في جهود التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ.
واطلعت الوزيرة، على أهم المشروعات البيئية التي يتم تنفيذها حاليًا بدعم من شركاء التنمية، والتي بلغ عددها خلال عام 2024 نحو 16 مشروعًا بإجمالي تمويل يقترب من 500 مليون دولار.
ومن أبرز هذه المشروعات: مشروع تحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، والاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي، وتقريرا الشفافية الأول والثاني، ومشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى، وبرنامج التحكم في التلوث الصناعي.
كما تناول الاجتماع استعدادات وزارة البيئة للمشاركة في عدد من المؤتمرات والمحافل الدولية خلال الفترة المقبلة، من بينها أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والقمة الأفريقية الثانية للمناخ، فضلًا عن التحضير لاستضافة مصر للدورة الرابعة والعشرين لاتفاقية حماية بيئة البحر المتوسط والمناطق الساحلية، والمقرر عقدها في ديسمبر المقبل.
اقرأ أيضًا:
شديدة الحرارة وشبورة وفرص أمطار.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الـ6 أيام المقبلة
بيان عاجل من الكهرباء بشأن انقطاع التيار بالجيزة.. والوزارة: انتهاء التغذيات في هذا الموعد
تعرف على أكواد أعطال عدادات الكهرباء.. وطرق إصلاحها
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الدكتورة منال عوض الجهود البيئية والمناخية الدكتور علي أبو سنةتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
أخبار
المزيدالثانوية العامة
المزيدإعلان
منال عوض: شركاء التنمية عنصر رئيسي في دعم الجهود البيئية والمناخية
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
41 27 الرطوبة: 15% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك