حين يرتفع الدخان وتبقى الأسئلة..
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
حينما أمسكتُ رواية ثرثرة من دخان للكاتب العماني علي المقبالي، وجدتُ نفسي وكأنني أعود بذاكرتي إلى إحدى روائع الأدب العربي، ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ.
ثمة خيط خفي يربط بين العنوانين، ليس فقط في الكلمات، بل في الروح التي تسري بين السطور، تلك التي تحمل في طياتها تأملات عميقة وثرثرة تفيض بالمعاني.
ومع ذلك، فإن العملين يسلكان مسارين دراميين مختلفين، حيث يغوص كل منهما في عوالمه الخاصة، ناقلًا رؤى اجتماعية وسياسية متباينة.
في ثرثرة فوق النيل، يجمع نجيب محفوظ شخصيات مهمشة فوق عوامة على ضفاف النهر، حيث تدور بينهم نقاشات فلسفية وسياسية تتسم بالسخرية والعبثية، بينما تنبعث من الجوزة أدخنة الحشيش التي تغلف الأجواء بضباب من اللامبالاة والضياع. هؤلاء المثقفون، رغم تباين آرائهم، يظلون أسرى لحالة من العبثية والتشتت، التي تقودهم في النهاية إلى الضياع، وكأن العوامة ليست مجرد مكان، بل رمز لحالة وجودية غارقة في اللايقين.
أما في ثرثرة من دخان، فنجد أنفسنا أمام بيئة مختلفة تمامًا، حيث لا تدور الأحداث بين المهمشين، بل بين شخصيات من الطبقة البرجوازية، أولئك الذين يملكون المال والسلطة، لكنهم، رغم ذلك، غارقون في جدليات وأسئلة لا تنتهي عن الحياة والمجتمع والسياسة، بينما يجتمعون حول طاولات فاخرة يدخنون الشيشة، وسط دخان كثيف لا يلبث أن يتلاشى، كما تتلاشى أفكارهم في جدالات لا تنتهي.
من خلال هذا الفارق الجوهري، يكشف لنا الكاتب علي المقبالي كيف أن المال والنجاح المادي، رغم أهميتهما في حياة الشخصيات، لا يمنحانهم الإجابة عن الأسئلة الكبرى التي يطرحها المجتمع. في ثرثرة من دخان، يتناول الكاتب حالة غريبة من الانفصال بين الثروة والسعادة. حيث يظل الشخصيات، رغم امتلاكهم لكل ما قد يحلم به الإنسان العادي، في حالة بحث مستمر عن معنى حقيقي لحياتهم. يتبادلون أطراف الحديث حول قضايا اجتماعية معقدة مثل الزواج وتعدده، وهو موضوع يثير حفيظة النساء في الرواية، ويكشف عن هواجس متأصلة في نظرة المجتمع إلى العلاقات الزوجية. ولكن، رغم كل هذا، تظل أسئلتهم معلقة في الهواء مثل الدخان الذي يتصاعد من الشيشة ويختفي.
بينما يتعمق النقاش بين الشخصيات، يظهر دور العامل البسيط في المزرعة الذي يراقبهم من بعيد، هو شخص لا يملك رفاهية الثروات التي يمتلكها الآخرون، لكنه يجد نفسه في حالة من الذهول أمام حواراتهم المتكررة، متسائلًا: لماذا يثرثر هؤلاء حول قضايا سياسية رغم أنهم يملكون كل شيء؟ لديهم المال والأمان، فما الذي ينقصهم إذن؟ هذا التساؤل يعكس واقعًا اجتماعيًا حقيقيًا، حيث يظل الإنسان، بغض النظر عن مكانته الاجتماعية، في حالة من البحث الدائم عن شيء مفقود ،هذا العامل البسيط ليس مجرد شخصية هامشية في الرواية، بل هو بمثابة عين القارئ على عالم الشخصيات الأخرى، التي تبدو مرتبكة رغم امتلاكها كل أسباب الرفاهية.
في الرواية، نجد أن الكاتب علي المقبالي لا يكتفي فقط برصد الثرثرات التي تملأ الفراغات، بل يعمق الحديث حول انعكاسات هذه الحوارات على حياة الشخصيات من خلال شخصية سامي، الشاب الذي يفضل الانغماس في حياة الاستعراض بسيارته الرياضية، يسلط الضوء على مشكلة عزوف الشباب عن الزواج سامي يمثل النموذج المثالي للشاب العصري الذي يبحث عن التسلية والمتعة اللحظية، لكنه لا يضع في اعتباره الأبعاد النفسية والاجتماعية للعلاقات العاطفية، وعندما يواجه سامي حدثًا غير متوقع يغير مجرى حياته، يظهر لنا الكاتب كيف أن الانفصال عن الواقع، سواء كان في الزواج أو العلاقات الاجتماعية، لا يضمن لك حياة خالية من الألم أو التحديات، من خلال هذا التحول، يظهر لنا الكاتب أن الحياة الحقيقية تتطلب من الفرد مواجهة تحدياته بدلاً من الهروب منها.
ومن الجوانب التي أضافت للبعد الاجتماعي في الرواية هو الحديث عن البيئة التي تجري فيها الأحداث في رواية ثرثرة من دخان، تتصاعد الثرثرة بين الشخصيات في أماكن مغلقة تعكس حالة من العزلة الاجتماعية التي تعيشها الطبقات العليا، لكن هذه العزلة ليست عزلة جغرافية بل نفسية، إذ إن الشخصيات تحيا في فقاعة من الانفصال عن الواقع المحيط بها، وهذا التفاوت الطبقي بين الشخصيات التي تنتمي إلى الطبقة البرجوازية والعامل البسيط في المزرعة هو ما يثير بعض الأسئلة حول معايير النجاح في المجتمع، وما إذا كانت المال والسلطة وحدهما كافيين لإيجاد السعادة الحقيقية.
وتظهر الرواية أيضًا صورة لفاعلية القانون في المجتمع العماني، وكيف أن القانون هو رأس الهرم وهو سيد الموقف والعادل لكل من تسوّل له نفسه ظلم البشر من خلال تشريعاته، ففي إحدى الوقائع التي تتناولها الرواية، نجد جزاء المستعرضين بسياراتهم الرياضية، حيث يقدم الكاتب صورة عن كيفية تجريم القانون العماني لمرتكب هذه الفعلة الشنيعة ،بذلك يسلط الضوء على دور القانون في ردع الفوضى والتجاوزات، ويؤكد على أن العدالة يجب أن تسود في جميع جوانب الحياة، سواء كانت في قضايا كبيرة أو صغيرة، وأن القانون هو أداة لحماية المجتمع من التفلتات الأخلاقية.
إن ثرثرة من دخان هي رواية تعكس الكثير من جوانب الواقع الاجتماعي في المجتمع المعاصر، وتطرح تساؤلات حول معنى الحياة في عالم يبتعد عن جوهر الإنسانية في البحث عن السعادة.
من خلال هذا العمل، يقدم علي المقبالي صورة عن شخصيات تسعى لإيجاد إجابات لكنها في النهاية تبقى ضائعة في بحر من الأسئلة قد تبدو هذه الثرثرة مجرد حديث عابر، ولكن في واقع الأمر، هي صورة حية لمجتمع بأسره يظل في حالة صراع داخلي بين واقعه المادي وما يطمح إليه من راحة نفسية ووجود هادف.
بهذه التساؤلات، يختتم علي المقبالي روايته، تاركًا للقارئ فرصة التأمل في أصداء الثرثرة التي لم تكن مجرد دخان عابر، بل نافذة على مجتمع يعيش صراعًا داخليًا بين الواقع والمأمول.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: علی المقبالی فی الروایة من خلال فی حالة حالة من
إقرأ أيضاً:
الذهب يرتفع 4% ويتجه نحو مستويات قياسية
المناطق_متابعات
سجلت أسواق الذهب العالمية تعاملات نشطة خلال الأسبوع المنقضي، وكان اليوم الأخير للتداول أمس /الجمعة/، مميزا في الأسعار بعد الهجمات الإسرائيلية على إيران؛ ما دفع المستثمرين إلى الإقبال الكثيف على المعدن النفيس باعتباره أبرز الملاذات الآمنة.
وقفزت أسعار الذهب الفوري، أمس، بنسبة 1.3% لتصل إلى 3,452.80 دولار للأوقية، محققة مكاسب أسبوعية بنحو 4%، وهو أعلى ارتفاع أسبوعي منذ شهور، مقتربا من أعلى مستوى قياسي سجله في أبريل عند 3,500.05 دولار.
أخبار قد تهمك الذهب يتجه إلى تحقيق مكاسب أسبوعية 13 يونيو 2025 - 10:39 صباحًا ارتفاع أسعار الذهب لتصل إلى 3364.10 دولارًا للأوقية 12 يونيو 2025 - 9:20 صباحًاوقال دانييل بافيلونيس، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة “آر جيه أو فيوتشرز”، “إن الأسواق تعيش حالة ترقب لمستوى الرد الإيراني، وهو ما يبقي أسعار الذهب مرتفعة”.
في سياق آخر، ساعدت بيانات التضخم الأمريكية المنخفضة على تعزيز آمال خفض أسعار الفائدة؛ ما زاد من جاذبية الذهب الذي يُعد ملاذا آمنا في أوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية، وكذلك في بيئات الفائدة المنخفضة.
وفي هذا الإطار، جددت مؤسسة جولدمان ساكس توقعاتها بارتفاع الذهب إلى 3,700 دولار للأوقية بنهاية 2025، ثم إلى 4,000 دولار بحلول منتصف 2026، وهو نفس المستوى الذي تستهدفه توقعات بنك أوف أمريكا خلال العام المقبل.
ورغم هذه المكاسب، تراجع الطلب الفعلي في أسواق الذهب الكبرى في آسيا، وخصوصا في الهند، حيث تجاوزت الأسعار حاجز 100,000 روبية للأوقية، وهو مستوى يعد مرتفعا بالنسبة للمتعاملين في السوق.
وفيما يخص المعادن النفيسة الأخرى، أنهت الفضة تعاملات الأسبوع مرتفعة بنحو 0.9% رغم تراجعها يوم الجمعة بنسبة 0.3% إلى 36.27 دولار للأوقية، وارتفع البلاتين بنسبة 4.8% على مدار الأسبوع إلى 1,219.03 دولار رغم هبوطه في آخر جلسة بنسبة 5.9%، بينما تراجع البلاديوم بنسبة 1.1% أسبوعيا ليغلق عند 1,041.51 دولار.