غزوة بدر هي يوم الفرقان، ذلك اليوم التاريخي المفصلي في تاريخ الأمة، بقيادة الرسول الأعظم محمد ﷺ. كان يوم الفرقان نقطة تحوّل أخرجت الأمة من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة القوة والعزة والهيبة، محطّمة جبروت الطغاة، وكاسرة أغلال الذل والخنوع، ليبعث الأمل في نفوس المستضعفين.
لكن، وبسبب الانحراف عن هدى الله وتعاليمه، غاب مفهوم يوم الفرقان في وعي الأمة، وحلّت محلّه بدائل زائفة صنعتها دول الاستكبار العالمي، فأصبحت المسارح تمتلئ بالمتبرجات، وأقيمت فعاليات مثل “موسم الرياض”، و”مهرجان الكلاب العالمي”، ومسابقات عبثية مثل “ملكة الدجاج”، وغيرها من الاحتفالات التي تعكس ثقافة الاستكبار العالمي، مُبعدة الأمة عن معاني الجهاد والعزة الحقيقية.
نتيجة لهذا الانحراف، تعاظم طغيان قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها “الشيطان الأكبر” أمريكا ورئيسها الكافر ترامب، الذي تمادى في عدوانه على الشعب الفلسطيني، فتارةً يهدّد بإجلاء سكان غزة، وتارةً يدعم العدو الصهيوني في فرض حصار قاتل بعد أن فشل عسكريًا. كما حاول التصالح مع روسيا لمواجهة الصين اقتصاديًا بهدف إحكام السيطرة على غرب آسيا، ودعم الجماعات التكفيرية لتحقيق هذه الأهداف.
وأمام هذا الكفر والإرهاب والطغيان العالمي، لم تواجه الأمة الإسلامية هذا العدوان بردٍّ حقيقي، بل جاءت مواقف الجامعة العربية هزيلةً وعقيمة، مما شجّع ترامب على تمكين العدو الصهيوني من تشديد حصاره على الشعب الفلسطيني.
لكن من رحمة الله بهذه الأمة أن برز قائد فرقان العصر، سماحة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – ليحذّر من استئناف الحصار البحري لمنع مرور السفن ذات العلاقة بالعدو الصهيوني، مهدّدًا بالتصعيد في حال استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
لم يتحمّل الكافر ترامب هذا التهديد، فلجأ إلى سياسة العربدة والغطرسة، وشنّ عدوانًا همجيًا على شعب الإيمان والحكمة، ساعيًا إلى عسكرة البحر الأحمر لدعم العدو الصهيوني في إحكام حصاره على فلسطين.
وفي مواجهة هذا الطغيان، أعاد قائد الثورة إحياء مفهوم يوم الفرقان، مستلهمًا نهج النبي ﷺ، فدعا شعب الإيمان والحكمة إلى الخروج وتجديد العهد مع رسول الله ﷺ، تمامًا كما فعل أجدادهم الأنصار، معلنين المواجهة والتصعيد في وجه الاستكبار العالمي.
وهكذا، أصبح هذا اليوم فرقان العصر، إذ نقل الأمة من مرحلة الذل والخنوع إلى مرحلة القوة والعزة والهيبة، مكرّرًا ما حقّقه يوم الفرقان الأول في زمن الرسول الأعظم.
وبالفعل، تحقّق النصر، وانكسر طغيان الاستكبار العالمي، وتلقت حاملات طائراتهم ضربات صاروخية موجعة من القوات المسلحة اليمنية، مما أجبرها على المغادرة، فذاق ترامب الهزيمة في البحر الأحمر، وسيلقى مصيره المحتوم، كما غرق فرعون في البحر.
أهمية يوم الفرقان في غربلة النفوس
حين اشتد طغيان المشركين على المسلمين في زمن النبي ﷺ، جاءت التوجيهات الإلهية بالمواجهة، وكانت معركة بدر أول صدام بين الحق والباطل. وفي ذلك اليوم، انقسمت النفوس إلى فريقين:
1. فريق ازداد إيمانًا وثباتًا، فتمسّك بخط الجهاد في سبيل الله، وكان الأنصار في مقدّمتهم.
2. فريق جادل النبي ﷺ رغم يقينه بأنه على الحق، كما وصفهم الله في قوله:
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} (الأنفال: 6).
واليوم، يعيد التاريخ نفسه. فقد تصاعد طغيان العصر، بقيادة الكافر ترامب، ضد الأمة الإسلامية والمستضعفين، فبرز قائد الثورة لمواجهته. وكما حدث في بدر، انقسمت الأمة إلى فريقين:
1. فريق جادل قائد الثورة – يحفظه الله – وكأنه يُساق إلى الموت، وهذا حال كثير من الأنظمة العربية.
2. فريق آخر، هو شعب الإيمان والحكمة، الذي جدّد عهد أجداده الأنصار، وواجه التصعيد بالتصعيد، والجهاد في سبيل الله حتى تحقيق النصر.
وهكذا، يظل يوم الفرقان رمزًا خالدًا في مواجهة الطغيان، ومنهجًا للأمة في استعادة عزّتها وهيبتها أمام قوى الاستكبار العالمي.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
فنزويلا في مواجهة ظل كوندور
هذه الأيام تخرج من قلب قارة امريكا الجنوبية حكمة قديمة كأنها تعود من رماد التاريخ كنبوءة لتحذّر شعوب الكاريبي.:
"حين ينزل اللصّ من الشمال، ترتجف حتى الصخور خوفًا من نهمه."
فها هو ترامب ينقضّ على نفط فنزويلا في عملية قرصنة مكشوفة:
لم يتغيّر شيء: من بينوشيه بالأمس إلى ترامب اليوم… الهدف واحد نهب روح أمريكا الجنوبية قبل ثرواتها.
فمنذ نصف قرن، أمر الرئيس الأمريكي نيكسون وكالة المخابرات المركزية بإحداث انهيار اقتصادي متعمد في تشيلي، صاحبة أكبر مخزون للنحاس في العالم، تمهيدًا للإطاحة بالرئيس المنتخب سلفادور أليندي، الذي وقف عقبة أمام شهية واشنطن.
وفي صباح ملبّد بغيوم سبتمبر 1973، استيقظت تشيلي على صوت الحديد: انقلاب عسكري يطرق باب الجمهورية الاشتراكية. لم يكن ذلك الانقلاب سوى فصل جديد في الملحمة السوداء التي رسمتها واشنطن فوق خرائط الجنوب؛ حيث تُعامل هذه الدول كملفات لشركات أمريكية، ورؤساؤها مجرّد قطع شطرنج قابلة للاستبدال.
دافع أليندي عن القصر حتى آخر لحظة، قبل أن يسقط قتيلًا بينما كانت بلاده تُساق إلى ظلام طويل. وباسم "السوق الحرة"، أُطلقت سياسة "العلاج بالصدمة": انهيار أجور، تفكك طبقي، تضاعف الفقر، وملايين وقعوا ضحايا التجربة النيوليبرالية التي صممتها مدرسة شيكاغو الأمريكية، المعتمدة على القروض الأجنبية.
ثم انفجرت الفقاعة عام 1982: خسرت تشيلي 15% من ناتجها المحلي، قفزت البطالة إلى 23.7%، انهارت البنوك، وتراكمت الديون، واضطرت الحكومة لتأميم مؤسسات مالية كبرى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لكن الجريمة لم تكن اقتصادية فقط؛ كانت جزءًا من "عملية كوندور": المشروع الذي نشر الديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية، وأغرق القارة في القتل والاختفاء والتعذيب وقمع كل معارض لسياسة واشنطن تحت شعار "حماية العالم الحر
وكان بينوشيه مجرد أداة صنعتها وكالة المخابرات الأميركية مازال شعبه يدفع ثمنها حتى اليوم.
فقد خلّفت خصخصة التعليم نظامًا طبقيًا خانقًا: أبناء الأغنياء في مدارس نخبوية ممولة جيدًا، وأبناء الفقراء في مدارس حكومية معدومة الموارد. ويتكرر المشهد في الصحة: رعاية فاخرة للأغنياء، ومستشفيات مكتظة للفقراء.
أما الكارثة الأكبر: تشيلي الدولة الوحيدة في العالم التي خُصخصت فيها المياه بالكامل. شركات فرنسية تملك أغلب أسهم مؤسسات المياه، وبحيرات وأنهار وخزانات تشيلي تحولت إلى حقوق ملكية قابلة للتداول منذ 1981، تسيطر عليها شركات عالمية مثل "أنجلو أمريكان" البريطانية و"BHP" الأسترالية.
ومع مرور الزمن، اتضح أن ما حدث في تشيلي لم يكن حادثًا استثنائيًا… بل نموذجًا جاهزًا تستخدمه واشنطن كلما تجرّأ شعب من جمهوريات الموز علي اتباع طريق مستقل.
ومع ذكرى رحيل بينوشيه يطلّ التاريخ من ظله
وكأنه كان يري لحظة يظهر فيها ترامب، وهو يسطو على نفط فنزويلا
من نيكسون الي ترامب الوجوه تتغير… لكن غريزة النهب واحدة.
فمنذ وصوله للسلطة، وضع ترامب فنزويلا نصب عينيه. عبر عقوبات خانقة، حصار بحري، تهديد بغزو بري وحظر جوي، محاولا إسقاط الرئيس نيكولاس مادورو بذريعة "مكافحة المخدرات" و"محاربة الديكتاتورية". أكاذيب لم يعد أحد يشتريها،
فضيحة تشيلي مازالت حاضرة، والواقع يفضح الذرائع:
إذا كانت المسألة مخدرات، لماذا لا تبدأ واشنطن من المكسيك جارتها ، المورد الأول للمخدرات في السوق الأمريكي ؟
وإن كانت المسألة ديمقراطية، فترامب نفسه أكثر فاشية وهمجية: رفض نتائج انتخابات 2020، حرّض أنصاره على اقتحام الكونجرس، ويتعاون مع بوتين ويقدم له تنازلات مذلة في أوكرانيا.
الحقيقة بسيطة: الهدف سرقة روح ارض أمريكا الجنوبية و السيطرة على النفط الفنزويلي ومعادنها النادرة، وإعادة تشكيل جنوب القارة وفق مزاج وعقيدة مونرو ولكن هذه المرة . بعيدا عن الصين ولعبة البريكس .
وأهم الأدلة علي ذلك لم يكن وثيقة أو تسريبًا… بل مقطع نشرته وسائل الإعلام،
، فبينما تستولي قواته على ناقلة تحمل قرابة مليوني برميل من النفط الفنزويلي. يتباهي ترامب بأنها الناقلة الأكبر على الإطلاق التي يتم احتجازها
لم تكن عملية قانونية، ولا مكافحة مخدرات… بل عمل قرصنة مكتمل الأركان. يتفاخر فيها بلعب دور "قرصان أعالي البحار كما يتفاخر اللص بسرقة خزنةٍ مفتوحة. اختُطف الطاقم، سُرق السفينة، ودُشّن عهد جديد من القرصنة الأمريكية ..
نفط فنزويلا، الذي يذهب 80% منه إلى الصين، أصبح هدفًا مباشرًا لواشنطن الغارقة في ديونها، والغاضبة من مشروع بكين لبناء مصفاة عملاقة في الكاريبي لمعالجة النفط الفنزويلي الثقيل..
وأن تم البناء كسرت العقوبات الأمريكية بالكامل و تربح الصين ملايين الدولارات
.
والمفارقة أن أمريكا التي وصفت اليمنيين بـ"القراصنة" حين اعترضوا سفنًا في طريقها لإسرائيل لمنع جرائم الإبادة في غزة، أصبحت ترى القرصنة مباحة حين يتعلق الأمر بنفط فنزويلا.
لا مكافحة مخدرات… ولا دفاع عن الحرية…
بل سباق محموم لسرقة ثروة بلدٍ كامل
فامريكا تري في فنزويلا فرصة لإعادة إنتاج نموذج بينوشيه، لكن هذه المرة تحت لافتة "الحرب على المخدرات"، بينما كان الهدف الحقيقي واضحًا كالشمس:
السيطرة على النفط، ومعاقبة رئيس رفض أن ينحني لواشنطن.
وعندما تراجعت شعبية ترامب الي 36% حسب اخر استطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب
، بحث عن نصر خارجي يعيد تعبئة الجماهير فكانت عملية القرصنة والتي لاشك انها ستفقده المزيد من الشعبية
وفي هذا السياق السيناتور كريس فان هولين قال منتقدا ترامب بوضوح: "قصتهم عن مكافحة المخدرات كذب كبير. هذا دليل آخر على أن الأمر يتعلق بتغيير النظام بالقوة."
والسيناتور راند بول من حزب ترامب ، انتقد العملية بشدة قائلاً: "الاستيلاء على ناقلة نفط هو إعلان للحرب. بالإضافة الي العديد من و سائل الإعلام انتقدت حماقة ترامب تلك انتقادات من المؤكد انها ستخصم من رصيد ترامب الشعبي الذي أوشك علي النفاذ ويهدد بحرمانه من وقود وغطاء اذا قرر غزو فنزويلا..
لاشك أن عملية كوندور التي عملت علي قمع كل معارض لسياسة أمريكا في تشيلي والأرجنتين والبرازيل وبوليفيا
الأوروجواي، باراجواي عادت للعمل ولكن هذه المرة ضد النفوذ الصيني في أمريكا الجنوبية
وبعد فنزويلا ستكون كولومبيا حسبما أعلن ترامب والهدف الذهبي ستكون البرازيل باب النفوذ الصيني الأكبر في أمريكا الجنوبية التي تتعاون مع بكين لتقويض الدولار
وإقصاؤه كعملة تبادل تجاري ولاشك انه امر مؤلم لامريكا أن تخسر طلب علي الدولار بقيمة 181 مليار دولار هو قيمة التجارة بين الصين و البرازيل ..
الأسلوب واحد: إفقار، حصار، تجويع… ثم انقلاب أو حرب.
وإن تعذّر ذلك، فخلق الفوضى حتى تنهار الدولة من الداخل.
هدف ترامب ليس إسقاط مادورو فقط، بل إعادة رسم القارة كلها وفق منطق أمريكي قديم: من يملك الموارد… يجب أن يخضع
ولذا لم يكن من قبيل الصدفة تزامن عملية السطو على ناقلة النفط الفنزويلية مع ذكرى رحيل عميل واشنطن
بينوشيه في 10 ديسمبر 2006
. والرسالة
بينوشيه مات… لكن ظله ما زال يمشي في القارة: ظل تغيير الأنظمة بالقوة ، ظل الحصار، ظل "العلاج بالصدمة"، وظل "الأسواق الحرة" التي تُفتح للنهب وتُغلق في وجه العدالة.
وتشيلي، بكل ندوبها التي ما زالت تنزف، تهمس لفنزويلا:
"ليس الهدف إسقاط رئيس… بل إسقاط دولة لتكون عبرة للآخرين.
فحين تتدخل أميركا في مصائر الشعوب، لا تجلب الديمقراطية… بل العاصفة.كما حدث في العراق
والشعوب وحدها تدفع الثمن.
أما ترامب، فاعتقد أنه قادر على إعادة فتح كتاب قديم ظنّه صالحًا للاستخدام. بمجرد تغيير الغطاء مكافحة تجارة المخدرات
لكن الجنوب لا ينسي والجبال سوف تلعنه و فنزويلا لن تكون وحدها
فالذاكرة هناك هي سلاح المقاومة الأول… والأخير.
فالجنوب الذي ذاق الألم… لن يسمح بأن يُكتب مصيره بحبر ترامب