سباق الهدنة والحرب في كورسك.. هل هي معركة الربع ساعة الأخيرة؟
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
على خطوط الجبهة بين روسيا وأوكرانيا، يتسابق خيارا الهدنة والحرب بخطى متسارعة، في وقت ينشط فيه الدبلوماسيون الأميركيون من أجل وساطة تفضي إلى تعليق كل الأعمال العسكرية الجوية والبرية والبحرية لمدة 30 يوما.
لكن الظهور السريع والنادر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببزته العسكرية مع القياديين العسكريين الروس في مدينة "كورسك"، في الأيام الأولى من اقتراح الهدنة، أعطى انطباعا دوليا بمنح الرئيس الروسي الضوء الأخضر لجنوده للانطلاق في سباق حواجز والتقدم بسرعة بهدف تحقيق انتصارات خاطفة واستعادة كامل المدينة من سيطرة الجنود الأوكرانيين في أقرب وقت ممكن.
فما الأسباب التي تقف وراء الإصرار الروسي على استعادة كورسك بموازاة مفاوضات شروط الهدنة؟ وما فرص نجاح الهدنة في حال تم إقرارها؟
المعارك وحسابات الهدنةتعد كورسك التي كانت هدفا لهجوم مباغت وواسع من القوات الأوكرانية في أغسطس/آب 2024، واحدة من أوراق المساومة القليلة بيد كييف لتبادل الأراضي مع روسيا التي احتلت خُمس مساحة أوكرانيا منذ ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014 وبدء الغزو الشامل في فبراير/شباط 2022.
وقد تخسر أوكرانيا الآن كورسك بالكامل، بعد أن فقدت عشرات الكيلومترات المربعة في الأيام الأولى من إعلان مقترح الهدنة، بحسب ما ترصده تقارير ميدانية.
إعلانوفي المقابل، نجحت العملية العسكرية الروسية منذ انطلاقها في استعادة أجزاء مهمة من المدينة، بمساعدة طائرات الدرون الهجومية، ما دفع الجنود الأوكرانيون إلى الانسحاب من عدة مواقع وسط تقارير عن نقص في الذخيرة وصعوبات لوجيستية كبيرة يواجهها الجنود الأوكرانيون للانسحاب ونقل الدبابات وإعادة تمركزها.
وتظهر مقاطع فيديو من الجبهات كيف طورت القوات الروسية تكتيكاتها للتقدم بسرعة عبر استخدام الجنود للدراجات الرباعية، نحو المناطق التي يسيطر عليها الأوكرانيون، لتطويقهم بشكل أفضل.
وتعلق الإدارة الروسية خططها المستقبلية على ما سيتحقق على الأرض في كورسك، وهو ما أكد عليه صراحة الرئيس بوتين.
وفي تعليقه للجزيرة نت بشأن العملية العسكرية، يقول الكاتب والمحلل السياسي الألماني كيرستن كنيب: "من المرجح أن تبذل روسيا كل ما في وسعها لطرد الأوكرانيين من منطقة كورسك، لأنه حينها سيكون هناك نقطة بداية أفضل للمفاوضات. وهذا هو السبب على وجه التحديد الذي دفع موسكو إلى شن هجوم سريع الآن، ويتعلق الأمر بإنشاء حقائق على الأرض في أقصر وقت ممكن".
منذ ما يقارب العام نجحت روسيا في إحراز تقدم على الأرض وتمكنت بموازاة المحادثات حول الهدنة من استعادة بلدة سودجا وبلدتين أخريين في منطقة كورسك الحدودية.
ويعتقد خبراء عسكريون أن صحوة القيادة العسكرية الروسية مكنت من تجديد العتاد الذي يعود بعضه إلى الحقبة السوفياتية، ما ساعد الجنود على التقدم وسد الفجوة في مقابل الإمدادات العسكرية والتقنية المتطورة التي تتلقاها أوكرانيا من الحلفاء الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست الأميركية"، يوضح المحلل الجيوسياسي والعسكري الأميركي براندون ويشيرت، أن "الحرب تتسم بأنها عملية ديناميكية، وأيا كانت الأنظمة التي يتم استخدامها في بداية الصراع -خاصة إذا استمر هذا الصراع لفترة طويلة مثل الحرب في أوكرانيا- فإن هذا يعني أنه يتعين على الجيش تكييف أنظمته باستمرار بناء على الخبرات التي يكتسبها من ساحة المعركة".
إعلانويتابع ويشيرت في تحليله: "لقد فعلت روسيا هذا، إلا أن أوكرانيا، التي تعتمد على أنظمة الناتو الحديثة، لم تفعل ذلك في الغالب مع نتائج يمكن التنبؤ بها في القتال. بالإضافة إلى ذلك، ربطت موسكو قاعدتها الصناعية الدفاعية في وقت الحرب بالحاجة إلى التكيف والتطوير المستمر للمعدات. وقد استفادت المقاتلة "سوخوي 35″ من هذه التعديلات التي دفعت إليها الدروس المؤلمة التي تعلمتها في ساحات القتال".
ومن نتائج ذلك في أرض المعركة، بحسب ويشيرت، أن مقاتلات "سوخري 35" التي استخدمها سلاح الجو الروسي، نجحت في أداء دورها بفعالية كبيرة ضد الأوكرانيين في الخطوط الأمامية في كورسك.
وكان المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية اعترف صراحة في عام 2023 بأن مقاتلات "إف-16" التي تبرع بها الناتو للجيش الأوكراني "قديمة" ولا يمكنها مواجهة الطائرة الحربية الروسية "سوخوي 35" التي تنتمي إلى الجيل الرابع.
وتمتلك "سوخري 35" عدة مزايا متقدمة يجعل من الصعب رصدها من قبل الدفاعات الجوية الأوكرانية عند تحليقها فوق أراضي العدو، بحسب ويشيرت.
شروط مقابل تحفظاتلم تقف مزايا التحديث الصناعي العسكري الروسي في إحراز تقدم ملموس على الأرض نحو استعادة كورسك، ولكن الآن بات هناك مخاوف على الجانب الأوكراني من وصول الجنود الروس إلى منطقة سومي الأوكرانية.
وقد دفع التقدم الروسي السريع بالفعل الإدارة العسكرية الأوكرانية لمنطقة سومي إلى اتخاذ قرار بإخلاء 8 قرى وبلدات حدودية متاخمة لكورسك، في وقت ألمح فيه رئيس الأركان الأوكراني إلى أن بعض قواته انسحبت من المنطقة.
وساعدت هذه المكاسب على الأرض موسكو لعرض شروطها الأولية قبل الاتفاق النهائي حول الهدنة والانتقال إلى مرحلة التنفيذ، وتحوم تلك الشروط حول نقاط رئيسة من بينها:
وضع آلية مسبقة للسيطرة على الانتهاكات المحتملة للهدنة. عدم استخدام الهدنة لإعادة التسليح والتعبئة من جانب أوكرانيا. تفكيك السلطة الحالية في كييف لمنع أي أعمال عدائية ضد موسكو. رفض أي مقترح لوجود قوات أطلسية أو أوروبية لمراقبة الهدنة المقترحة. الالتزام بالهدنة كتمهيد لحل سلمي دائم يقوم على إزالة الأسباب الجذرية للأزمة. إعلانوعلى الجانب الآخر قوبلت النقاط الروسية بتحفظات من الجانب الأوكراني كان أعلن عنها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ومن بينها:
افتقاد الرد الروسي على مقترح الهدنة إلى الوضوح الكامل والجدية المطلوبة. شكوك حول سعي روسيا لإطالة أمد الحرب وتأجيل السلام إلى أطول فترة ممكنة. اتهام كييف للرئيس الروسي بـ"التلاعب".وتطالب كييف الآن بمزيد من الضغوط الدولية لإجبار روسيا على إنهاء الحرب من دون شروط، ويعتقد المحلل السياسي الألماني كيرستن كنيب في حديثه مع الجزيرة نت، أن الضغوط الآن تلقى على الحكومة في موسكو بعد أن أجرت أوكرانيا محادثات ناجحة مع الولايات المتحدة في الرياض، وهي ضغوط مزدوجة، سواء من جانب الحكومة الأميركية أو من جانب عدد من الدول الأوروبية.
ويتابع كنيب، أنه على الرغم من أن بوتين رحب بمقترح البلدين، إلا أن إعلانه عن شروط يشير بوضوح إلى رغبته في كسب الوقت. ونتيجة لذلك، أطلق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر "تحالف الراغبين" لفرض عقوبات أكثر صرامة على روسيا وتقديم المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا إذا رفضت موسكو وقف إطلاق النار "الفوري وغير المشروط".
تنتظر الإدارة الأميركية ما ستؤول إليه المناقشات المستمرة بشأن تفاصيل وشروط الهدنة، ولكن هل يملك الأميركيون أوراق ضغط لدفع الجانبين، وبشكل خاص الروس، للالتزام باتفاق نهائي؟
يشير أولريش بونات الباحث في مركز "أوبن ديبلوماسي"، إلى أن التعامل الأميركي من خلال الوساطة بين الجانبين الروسي والأوكراني، يقوم على سياسة العصا والجزرة.
فإلى جانب جزرة الهدنة المقترحة وإنهاء الحرب المستنزفة للصناعة العسكرية الروسية وإمكانية رفع بعض العقوبات المفروضة على موسكو والحفاظ على المكاسب على الأرض، يرى الباحث في تعليقه لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، أن الإدارة الأميركية تملك أيضا أوراق ضغط تمكنها من دفع موسكو إلى القبول في نهاية المطاف بالصفقة.
إعلانومن بين تلك الشروط: إمكانية زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا أو توجيه ضربات مركزة للاقتصاد الروسي وبشكل خاص قطاع النفط.
وقد اتخذت الإدارة الأميركية خطوة أولى في هذا الاتجاه بالفعل، حيث أعلنت بأنها لم تجدد الترخيص الذي يسمح للبنوك الروسية بمواصلة استخدام أنظمة الدفع الأميركية للعمليات المرتبطة بالعقود الجارية في صناعة النفط الروسية.
ومن بين أوراق الضغط الأخرى أيضا وفق الخبير، تشديد القواعد ضد الشركات والدول التي تتحايل على العقوبات المفروضة على موسكو، بهدف قطع الطريق على روسيا التي تستخدم منذ اندلاع النزاع طرقا للالتفاف عليها بسهولة.
مع ذلك يشير المحلل أولريش إلى أن الرئيس الأميركي، ومن خلال رغبته في التوصل إلى هدنة في أقرب وقت ممكن، يخاطر بأن ينتهي به الأمر إلى تقديم أكبر قدر ممكن من التنازلات لبوتين على حساب أوكرانيا. ليس أقلها أهمية تلك المتعلقة برفض انضمام كييف إلى الناتو.
ويرى أولريش في تحليله أنه في حال كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى إلى اتفاق جدي ودائم، فسوف يتعين عليه الضغط على موسكو. ولتحقيق ذلك، فإن مكان أوروبا سيكون أساسيا لأنه إذا تمكن الأوروبيون من زيادة مساعداتهم العسكرية، فإن كييف سوف تشعر براحة أكبر في مواجهة الولايات المتحدة، على حد قوله.
فرص نجاح الهدنةصحيح أن الجانبين الروسي والأوكراني توصلا وعبر الوساطة الأميركية إلى اتفاق ضمني وجزئي يتعلق بوقف الضربات الموجهة إلى قطاعي الطاقة والبنية التحتية، إلا أن كييف أعربت عن استيائها من الخروقات المتكررة التي ارتكبتها موسكو، والتي أسفرت عن أضرار جسيمة، كان أبرزها استهداف بنية السكك الحديدية.
مع ذلك يعلق الوسطاء الأميركيون والمجتمع الدولي آمالا للمضي قدما في مفاوضات الهدنة والتوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار، عبر جولة جديدة من المحادثات المتوقعة في المملكة السعودية.
إعلانويقول المحلل الألماني كيرتسن كنيب للجزيرة نت: " على المدى الطويل، احتمالات النجاح جيدة، على الأقل فيما يتصل بوقف إطلاق النار، ولكن ليس فيما يرتبط بالتوصل إلى معاهدة سلام. لأن موسكو تربط الاتفاق بشروط لا يمكن لأوكرانيا قبولها. كما سترفض الدول الأوروبية أيضا هذه الشروط، مثل احتفاظ روسيا بالأراضي المحتلة، وعدم وجود قوات حفظ سلام غربية، وإجراء انتخابات جديدة في أوكرانيا".
وبينما ربط بوتين مناقشة الخطوات التالية للهدنة بما سيتحقق على الأرض في كورسك، أوضح زيلينسكي من جانبه أن موسكو لن توافق على وقف إطلاق النار طالما لا يزال هناك جنود أوكرانيون في كورسك.
وفي تقدير المحلل الألماني، فربما يكون الحوار المباشر بين ترامب وبوتين قادرا على تحقيق تقدم. ولكن إذا لم يقدم الرئيس الروسي أي تنازلات جوهرية -وهذا أمر لا بد منه- فإن التوصل إلى اتفاق سلام سيكون صعبا للغاية، إن لم يكن مستحيلا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان وقف إطلاق النار على الأرض فی کورسک من جانب
إقرأ أيضاً:
الكرملين لا يستبعد لقاء بوتين وترمب.. روسيا تشترط استبعاد أوكرانيا من الناتو للتسوية
البلاد (موسكو)
في أحدث تصريحات تعكس تمسك موسكو بمواقفها الصلبة تجاه الحرب في أوكرانيا، حدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شرطين أساسيين لأي تسوية محتملة للنزاع المستمر منذ أكثر من عامين، مؤكدًا أن روسيا لن تتنازل عنهما تحت أي ظرف.
وأوضح لافروف خلال مشاركته في منتدى”وسط المعاني” أن الشرط الأول يتمثل في ضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووقف أي توسّع للحلف نحو الشرق. أما الشرط الثاني فهو الاعتراف بالواقع الميداني على الأرض، في إشارة إلى الأراضي التي سيطرت عليها روسيا منذ بدء الحرب، والتي باتت تُدرجها في دستورها كأراضٍ روسية.
وقال الوزير الروسي:” نصرّ على مطالبنا المشروعة، أي ضمان أمننا القومي. لقد توسع الناتو فعليًا حتى حدودنا رغم جميع التعهدات السابقة”. وأضاف أن روسيا “تخوض للمرة الأولى في تاريخها معركة بمفردها ضد الغرب بأسره”، مشددًا على أن هزيمة الأعداء تمثل أولوية قصوى في هذه المرحلة.
في السياق ذاته، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: إن أوكرانيا لم تقدم بعد أي رد على اقتراح روسي يتعلق بإنشاء ثلاث مجموعات عمل لمعالجة قضايا تبادل الأسرى، تشمل الجوانب السياسية والعسكرية والإنسانية. وأوضح أن روسيا لا تزال بانتظار موقف رسمي من كييف بهذا الشأن، رغم انتهاء الجولة الثالثة من المحادثات في إسطنبول يوم 23 يوليو، والتي اقتصرت نتائجها على اتفاق مبدئي لتبادل الأسرى.
وأعادت روسيا التأكيد على أن مسارها المفضل هو الحل السياسي والدبلوماسي، متهمةً أوكرانيا والدول الغربية بتقويض أي جهود نحو الحوار، وهو ما وصفه بيسكوف بأنه السبب المباشر لاستمرار العمليات العسكرية.
من جانبها، شددت البعثة الروسية لدى الاتحاد الأوروبي على أن أي تسوية للنزاع لن تكون ممكنة دون اعتراف بروكسل بالأسباب الجذرية للصراع، محملةً الاتحاد مسؤولية تأجيجه. وقالت في بيان إن على الأوروبيين التخلي عن”نهج المواجهة”، والاعتراف بالواقع السياسي والميداني القائم.
يأتي ذلك في وقت صادقت فيه دول الاتحاد الأوروبي على الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات ضد موسكو، والتي وُصفت بأنها من أشد العقوبات المفروضة حتى الآن. وردًا على ذلك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الغرب يسعى إلى “احتواء وإضعاف روسيا”، واصفًا هذه الإستراتيجية بـ”الفاشلة”، مشيرًا إلى أن العقوبات تلحق أضرارًا بالاقتصاد العالمي برمته، وليس فقط بروسيا.
وفي تطور لافت، لم يستبعد الكرملين إمكانية عقد لقاء بين بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، على هامش زيارة مرتقبة للرئيس الروسي إلى الصين في سبتمبر المقبل بمناسبة الذكرى الـ80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية. وأوضح بيسكوف أن اللقاء مرهون بتواجد الزعيمين في الصين في ذات التوقيت.