بانوراما نيويورك التسعينيات مجمدة في الزمن.. هل ستخضع للتحديث؟
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يبلغ ارتفاع مبنى إمباير ستيت حوالي 38.1 سنتيمترًا، في حين يبلغ ارتفاع تمثال الحرية أقل بقليل من 5 سنتيمترات من دون قاعدته. وبهذا المقياس، حتى النمل سيكون ضخمًا جدًا كي يُمثل الناس في الشوارع بالأسفل.
هذه المجسّمات المصغّرة الواقعية للمعالم الشهيرة موجودة على البانوراما التي تبلغ مساحتها 867،25 مترًا مربعًا، وتجسّد أكبر نموذج لمدينة نيويورك، وقد بُني يدويًا بدقة عالية بمقياس 1:1,200.
وللنموذج مترامي الأطراف غرفة خاصة في متحف كوينز، حيث تم تركيبه لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، ويدور برقة بين إضاءة النهار والليل، فيما يُمنح الزوار على الممرات الزجاجية إطلالة بانورامية على جميع أحياء المدينة الخمسة.
وبعد الاحتفال بالذكرى الستين للنموذج، العام الماضي، نشر المتحف كتابًا جديدًا يقدم نظرة من خلف الكواليس على كيفية صنع البانوراما. كما عُرضت في المتحف لقطات أصلية لآخر تحديث رئيسي للنموذج، الذي اكتمل العام ١٩٩٢، كجزء من فيديو مدته ١٢ دقيقة يتضمن مقابلات مع بعض المُجدِّدين.
رافقت لين ماليسزيوسكي، مساعدة مدير الأرشيف والمجموعات في متحف كوينز، CNN بزيارة إلى بانوراما في مطلع مارس/ آذار، وأعربت عن أملها بأن يساعد الكتاب والفيديو على جذب المزيد من الزوار، والانتباه إلى الجهد الكبير الذي بُذل في بناء النموذج، أكثر من ١٠٠ عامل بدوام كامل، من يوليو/ تموز ١٩٦١ إلى أبريل/ نيسان ١٩٦٤.
ولفتت ماليسزيوسكي: "أحيانًا عندما أدخل إلى هنا، تنتابني القشعريرة، لأن هذا النموذج يُجسّد الأحلام، والآمال، والعائلة، والنضال، واليأس، والحماس.. كل جانب من جوانب المشاعر الإنسانية موجود هنا (في نيويورك) في ذات الوقت. إنه يُظهر لنا أشياء لا يُمكنك إدراكها وأنت على أرض الواقع".
بُنيت بانوراما في الأصل لمعرض نيويورك العالمي العام ١٩٦٤، الذي كان آنذاك أكبر معرض دولي في الولايات المتحدة، وكان يهدف إلى تسليط الضوء على ابتكارات المدينة.
أشرف على المعرض روبرت موزس، مخطط المدن المؤثر والمعروف، والذي تسببت مشاريعه للطرق السريعة في نزوح مئات الآلاف من سكان نيويورك. عندما كُلّف موزس ببناء بانوراما كانت تحتوي على أجزاء قابلة للإزالة وإعادة تصميمها بغية تحديد أنماط حركة المرور الجديدة وتصاميم الأحياء، فرأى فيها فرصةً لاستخدامها كأداة تخطيط للمدينة.
بُني النموذج وعُدِّل أساسًا، بهامش خطأ أدنى من 1%، وحُدِّث مرات عدّة قبل تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه مُجمَّد الآن في الزمن. ووفق ماليسزيوسكي، فقد كلَّف صنعه أكثر من 672,000 دولار أمريكي في العام 1964، (6.8 مليون دولار أمريكي بأسعار اليوم)، وأُنفق قرابة مليوني دولار أمريكي (حوالي 4.5 مليون دولار أمريكي بأسعار اليوم) عند آخر تعديل له في العام 1992.
أما عن سبب عدم تحديث البانوراما منذ ذلك الحين، فتعتقد ماليسزيوسكي أن الموارد البشرية والمالية اللازمة لتصوير ثلاثة عقود من المباني الجديدة ستكون "استثنائية". إضافةً إلى ذلك، تتطلب صناعة النماذج الفريدة متخصصين يصعب العثور عليهم.
وأوضحت ماليسزيوسكي أنه في حين أن هذه الحرفة كانت تُستخدم في السابق من قِبل العديد من المهندسين المعماريين ومخططي المدن والمصممين، فقد استُبدلت إلى حد كبير بالنمذجة الرقمية.
ومع ذلك، تُضفي الدقة التاريخية للنموذج سحرًا خاصًا.
ولفتت ماليسزيوسكي إلى أنّ "ما ننظر إليه هو الأول من يناير/ كانون الثاني 1992، وهو أمرٌ مُذهل، بالنظر إلى مدى التغيير الذي طرأ، وكم من الأحياء ستُصبح غير قابلة للتمييز حتى لو صغر حجمها وظهرت على هذا النموذج".
وأضافت: "يستمر العالم في التطور بسرعة كبيرة، أليس كذلك؟ لكن في مدينة نيويورك، من حيث البنية التحتية، فإنّ التطور أسرع".
معالم جديدة وقديمةيُدعم نموذج البانوراما بـ497 دعامة فولاذية، مُغطاة بطبقات من الخشب والإسفنج نُحتت لتشبه تضاريس مدينة نيويورك، وفقًا للكتاب. وتُزيّن جسور صغيرة مصنوعة من النحاس، والعديد من عربات أكريليك، وحافلات، وقطارات، وعربات مترو أنفاق، النموذج الذي صُمم في الأصل ليمشي عليه الزوار، تحديدًا في المناطق ذات المباني المسطحة والأصغر، والممرات المائية والحدائق الواسعة.
يحتوي النموذج على حوالي 895,000 نسخة طبق الأصل من المباني، ضمنًا منازل من الحجر البني ومنازل خاصة، مصنوعة بتقنية حقن الأكريليك، بالإضافة إلى مبانٍ مميزة، مثل ناطحات السحاب والمتاحف والكنائس، مصنوعة من الخشب والورق المطلي يدويًا.
وخضع النموذج لخمس عمليات تحديث، شملت أبرز الإضافات مجمع مركز التجارة العالمي العملاق، ولا يزال البرجان التوأمان معروضين في النموذج، بالإضافة إلى مدينة باتري بارك، وهي مكب نفايات سابق أُعيد تطويره في سبعينيات القرن الماضي، ومركز لينكولن، حجر الزاوية في الفنون والثقافة في المدينة.
وبين المعالم الجديدة المفقودة بشكل ملحوظ، حي هدسون ياردز (الذي يضم أيضًا أحد مقرات CNN)، وهاي لاين، وهو ممشى بطول 1.45 ميل (2،33 مترًا) حُوِّل من سكة حديدية للشحن في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والعديد من ناطحات السحاب "النحيفة للغاية" التي تُهيمن الآن على أجزاء من أفق المدينة.
"كل شيء مصنوع يدويًا"يتذكر توم جارو، أحد أعضاء فريق العمل المشاركين في مراجعة العام ١٩٩٢، رؤية النموذج خلال المعرض العالمي للعامين ١٩٦٤-١٩٦٥، عندما كان في السابعة من عمره تقريبًا. في ذلك الوقت، كانت هناك لعبة "هليكوبتر" مصنوعة من سيارة بلاستيكية مجنزرة تدور حول محيطها، ما يسمح للركاب برؤية نموذج المدينة على ارتفاع ٢٠ ألف قدم.
صرح جارو لـCNN أنّه "بالنظر إلى النموذج، من المخيف التفكير في أن أي شخص يمكنه إنشاء نموذج بهذا الحجم والضخامة (وبهذا القدر) من التفاصيل".
استذكر جارو، الذي عمل لدى ليستر وشركاه، الشركة الرائدة في تصميم نماذج البانوراما المعمارية، لمدة 15 عامًا قبل أن يؤسس شركته الخاصة المتخصصة في المعارض، إس-تيك أسوشيتس، بعض المهام الدقيقة التي نُفذت خلال عملية التجديد، والتي كانت المرة الوحيدة التي أُزيل فيها النموذج، الذي يزن حوالي 45,000 رطل، من الغرفة التي يوجد فيها حاليًا.
وشملت بعض الأعمال حفر أدق تفاصيل النوافذ والأبواب باستخدام مادة حمضية، وصب مئات الأشكال الجديدة للمباني الإضافية، وإنتاج أشجار وشجيرات صغيرة من الإسفنج المطلي.
وقال جارو: "لو كانت لدينا طابعات ثلاثية البعد حينها لكان الأمر رائعًا، كان بإمكاننا طباعة كل شيء بتقنية ثلاثية البعد، لكن كل شيء كان يتم يدويًا".
كان العمل الرئيسي لجارو كهربائيًا. كانت البانوراما تُضاء سابقًا بأكثر من 3000 مصباح صغير ملون، كان يتعين فكها يدويًا في كل مرة لزم استبدالها. وكجزء من عملية التجديد، قام جارو بتحديث النموذج بأضواء أكثر سطوعًا، رغم أنه اضطر إلى استخدام تقنية كانت تُعتبر قديمة حتى ذلك الوقت بسبب قيود الأسعار، كما يتذكر. وقال: "هناك أميال وأميال من الأسلاك أسفل هذا النموذج، وكلها إضاءة منخفضة الجهد". معظم المصابيح، التي كانت تُستخدم في الأصل لترميز ألوان مرافق البلدية المختلفة في جميع أنحاء المدينة، لم تعد تعمل اليوم.
يتفق كل من جارو وماليسزيوسكي على أن النموذج الحالي سيستفيد من نظام إضاءة أكثر حداثة تسهل إدارته، ويكون أيضًا أكثر تفاعلية مع الزوار، وهو ما يعمل المتحف على تحقيقه بحلول العام 2027، من خلال منحة ممولة من معهد خدمات المتاحف والمكتبات. إلى ذلك، يرغب المتحف بإضافة خطوط مترو الأنفاق رقميًا، والتي لا تظهر حاليًا في النموذج لكنها تلعب دورًا رئيسيًا في تجربة المواطن النيويوركي العادي، بحسب ماليسزيوسكي.
أمريكاتصاميمعمارةمتاحفنيويوركنشر السبت، 22 مارس / آذار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: تصاميم عمارة متاحف نيويورك مدینة نیویورک دولار أمریکی ا النموذج فی الأصل أکثر من یدوی ا کانت ت
إقرأ أيضاً:
أربع سيناريوهات للبلديات: الثقة الشعبية أساس القرار؟ / د. عامر بني عامر
أربع #سيناريوهات للبلديات: #الثقة_الشعبية أساس القرار؟
د. عامر بني عامر
من يقود بلديتك؟
سؤال قد يبدو إداريًا في ظاهره، لكنه في جوهره يختبر العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويطرح تحديًا عميقًا حول السلطة، والتمثيل، والمساءلة. ومع اقتراب الحكومة من تعديل #قانون_الإدارة_المحلية، يعود هذا السؤال إلى صدارة النقاش العام: من يجب أن يرأس #البلديات؟ هل نبقي على الانتخاب المباشر؟ ننتقل إلى التعيين؟ أم نبتكر نموذجًا ثالثًا يراعي الواقع الأردني وتنوعه؟
الإجابة لا تكمن في الشكل القانوني وحده، بل تتعلق بمستقبل الحوكمة المحلية، وبناء الثقة، واستعادة دور المواطن كشريك لا كمتلقٍ. ومع أن آلية اختيار الرئيس — سواء أكانت انتخابًا أم تعيينًا — ليست العامل الوحيد الذي يحدد نجاح البلديات، إلا أنها تظل عنصرًا مؤثرًا في نوعية القيادة، وموقع البلديات في منظومة الإدارة العامة، وثقة الناس بالمؤسسات القريبة من يومياتهم.
الانتخابات البلدية السابقة، التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها غالبًا 30%، تعكس فجوة في العلاقة بين المواطن والمجالس المحلية. فهل السبب هو ضعف الثقة بالعملية الانتخابية؟ أم الإحساس العام بأن المجالس بلا صلاحيات فعلية؟ وهل تغيير طريقة اختيار الرئيس سيُعيد الثقة… أم يعمّق الإحباط؟
مقالات ذات صلة المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرتين مسيّرتين 2025/06/02الخيار الأول يتمثل في الإبقاء على الانتخاب المباشر، حيث يختار المواطنون رئيس بلديتهم بأنفسهم. هذا الخيار يحافظ على الشرعية التمثيلية، ويتيح رقابة مجتمعية، ويشجع على المشاركة في الشأن العام، وقد أثبتت التجربة أن العديد من الرؤساء المنتخبين كانوا على قدر المسؤولية وقدّموا نماذج ناجحة، ومع ذلك، لم تُفلح بشكل كبير هذه الصيغة في حماية البلديات من تراجع في مستوى الحوكمة، أو من ضعف في تقديم الخدمات، أو من تفشّي ممارسات فساد إداري صغير، كما أن تداخل الدور السياسي والإداري في شخص الرئيس المنتخب أضعف الطابع المهني للعمل البلدي، وأدى أحيانًا إلى تعطيل بناء مؤسسات مستدامة وقادرة.
الخيار الثاني هو التعيين المباشر من قبل الحكومة، غالبًا من خلال وزارة الإدارة المحلية، يُروّج لهذا النموذج بوصفه وسيلة لضمان الكفاءة والانضباط الإداري، خصوصًا في البلديات الكبرى ذات البُعد الاقتصادي والتنظيمي، وقد يُسهم في تحسين التنسيق وتقليل الضغوط السياسية، لكنه يواجه تحديًا في الشرعية والقبول المجتمعي. فغياب صوت المواطن في الاختيار قد يُضعف الثقة، ويحوّل المجالس إلى كيانات شكلية، كما أن هذا الخيار قد يعمّق المركزية ويُبعد القرار عن الناس، لا سيما إن لم تُعتمد معايير شفافة وواضحة في التعيين.
الخيار الثالث يُقدّم مقاربة أكثر توازنًا، تُراعي الكفاءة دون التفريط بالتمثيل. في هذا النموذج، يبقى الرئيس منتخبًا، لكن بصفة غير متفرغة، حيث يُركّز على المهام الرقابية والتمثيلية، بينما يتولى إدارة البلدية مدير تنفيذي محترف يتم تعيينه عبر آلية تنافسية شفافة، ويتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة بموجب وصف وظيفي دقيق، وأن يمنح المدير التنفيذي مساحة واسعة ضمن أطر مساءلة ونزاهة واضحة تعكس المسؤولية الواقعة على عاتقه، يكون هذا المدير مسؤولًا إداريًا أمام الوزارة، وسياسيًا أمام المجلس. هذه الصيغة تفصل السياسة عن الإدارة، وتُحسّن الأداء التنفيذي، وتقلل من تسييس الخدمات. لكنها تتطلب تعديلات تشريعية دقيقة، ونظام مساءلة مزدوج، وتحديدًا واضحًا لدور كل من المجلس والرئيس والمدير التنفيذي، بحيث لا يتحوّل المجلس إلى هيئة إدارية ثقيلة، ولا يُفرغ من مضمونه الرقابي.
أما الخيار الرابع، فهو النموذج المطبّق في أمانة عمّان، حيث تُعيّن الحكومة الرئيس وعددًا من الأعضاء، بينما يُنتخب الباقون على مستوى المناطق، وقد طُرحت فكرة تعميم هذا النموذج على مدن كبرى كإربد والزرقاء، مع الإبقاء على الانتخاب المباشر في البلديات المتوسطة والصغيرة، يمنح هذا النموذج الدولة قدرة على ضبط إيقاع العمل في المدن الكبرى التي تتطلب تنسيقًا عاليًا وموارد ضخمة، لكنه يثير أسئلة جوهرية: هل أثبت نموذج أمانة عمّان فعاليته فعلًا؟ وما معايير قياس نجاحه؟ وهل تقبل المجتمعات المحلية أن يُدار قرارها المحلي من دون مشاركة كاملة؟ وما أثر ذلك على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين المحافظات؟
في المحصلة، لا يرتبط نجاح البلديات فقط بمن يجلس في مقعد الرئاسة، بل بالكيفية التي تُبنى بها المؤسسات، وتُوزّع فيها الصلاحيات، وتُمارَس فيها الرقابة والمساءلة، أي خيار لا يُعيد الاعتبار للحوكمة الرشيدة، ويُعزز من استقلالية الإدارة المحلية، ويُرسّخ دور المواطن في الرقابة وصنع القرار، لن يُنتج سوى نسخة أخرى من الفشل المتراكم.
وما لم يُسهم هذا الخيار، أياً كان، في ترميم الثقة بين المواطن والدولة، فسيظل قاصرًا عن بلوغ هدفه، فالثقة ليست شعورًا طارئًا، بل بنية مؤسسية تُبنى عبر الشفافية، والمساءلة، والمشاركة الحقيقية، فاليوم نحن بحاجة إلى بلديات تُخرّج قيادات محلية، وتُقرّب الدولة من مجتمعها، وتحوّل المواطن من متلقٍ إلى شريك في القرار والتنفيذ.
إصلاح الادارة المحلية لم يعد ترفًا تنظيميًا، بل صمام أمان للدولة، وخطوته الأولى تبدأ من استعادة الثقة، لا تغيير الأسماء.