في وطنٍ يركض على قضبان الأمل، يتحوّل قطار الحياة أحيانًا إلى مسرح للرعب، حجر يُلقى فجأة من العدم، لا يحمل فقط وزنه، بل يحمل رسالة صادمة تعلو بها صرخات الأبرياء، مؤكدة أن السلامة صارت في مهبّ الريح، إذ كان كل شيء يسير كالمعتاد، قطار ينطلق، ركاب يتبادلون النظرات والأحاديث العابرة، وسكة حديد تمتد بثقة في قلب الطريق، لكن في لحظة، يأتي صوت الارتطام من حجر مجهول المصدر ليضرب نافذة القطار، لا يطرق الزجاج فقط، بل يطرق أبواب الخطر في عقول الجميع، وليست هذه مجرد «مقالب صبيانية»، بل سلسلة من الحوادث المتكررة التي تهدد أرواحًا بريئة، تُربك مسارات، وتُظهر خللاً خطيرًا في الوعي، وتكشف عن واقع مؤلم خلف النوافذ المهشّمة.

وفي هذا التحقيق، نحمل العدسة وننزل إلى عمق ظاهرة إلقاء الحجارة على القطارات، لنرصد، ونحلل، ونسأل عن العواقب والدوافع النفسية لمن يرتكب هذا الفعل، محاولين معرفة سبل التوعية بضرورة الحفاظ على المال العام.

رشق الحجارة على القطارات.. عبث قاتل وعقاب لا يرحم

من جانبه، قال أيمن محفوظ، المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا، إن معظم النار من مستصغر الشرر، فقد تعمد بعض الأشخاص ولاسيما الأطفال إلقاء الحجارة على قطارات السكك الحديدية، ونتج عن ذلك حوادث مأساوية عديدة وصلت إلى نتائج إجرامية تفوق التصور من إصابات تصل إلى حد العاهات المستديمة، والقصص في هذا الشأن عديدة لا تنتهي، ففي البداية أكد القانون رقم 277 لسنة 1959 الخاص بالسكك الحديدية والمعدل بالقانون 94 لسنة 2018، في المادة على تجريم وضع أي أحجار أو قذفها على خطوط السكك الحديدية.

حوادث إلقاء الحجارة على القطارات

وأضاف محفوظ في تصريحات خاصة لـ «الأسبوع»: «المادة «13» نصت بأنه لا يجوز وضع أو قذف أحجار أو أي شيء آخر على خطوط السكك الحديدية أو القطارات أو العربات. و العقوبات، هي الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة 20 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة العودة، يكون الحبس وجوبيا، ولكن تختلف العقوبة حسب النتيجة الإجرامية، فإذا كان الضحية الراكب وأصيب نتيجة ذلك الفعل، فإن العقوبات تتراوح من الحبس سنتين إلى 5 سنوات إذا كانت هناك إصابة بسيطة إلى وجود عاهة مستديمة طبقا للمواد «242» و«240» عقوبات».

وتابع: «أما إذا كانت الضحية «موظف عام» من عمال السكك الحديدية، فإن العقوبات تصل إلى السجن من 5 إلى 10 سنوات، بالإضافة إلى جرائم الإتلاف العمدي للممتلكات العامة، ولكن الجريمة الأكبر التي قد توصل الأمور للمنحنى الخطر، هي تعطيل المواصلات العامة، ويعاقب عليها طبقا لنص المادة «169» لقانون العقوبات بالسجن المؤبد، وقد تتأزم الأمور أكثر وينتج عن إلقاء الحجارة على القطارات حوادث أكثر دموية، وقد ينتج عنها وفاة أشخاص عديدة، فالعقوبات قد تصل إلى الإعدام، ولكن إذا كان الجناة أطفال فإن القانون الذي يحكم المساءلة القانونية للأطفال هو قانون الطفل الذي وضع حد أقصى للعقوبات لجرائم الأطفال، وهو الحبس لمدة 15 سنة مهما ارتكب الطفل من جرائم».

التوعية نقط البدء للتخلص من حوادث إلقاء الحجارة على القطارات

وفي سياق متصل، قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي: «يجب علينا توعية الأطفال بخطورة إلقاء الحجارة على القطارات المتحركة، ونقطة البدء تكمن في المدارس، وخطب الجمعة، والكنائس، والحملات التوعوية في التليفزيون، خطبة الجمعة».

وأضاف: «لابد من تكرار التوعية بالأمر حتى نحصد نتائج فعالة، إلى جانب هذا يجب محاسبة من ألقى الحجارة وولي أمره في لقطات إعلانية حتى نستطيع توعية الأفراد بالعقوبات التي سيتم فرضها عليهم جراء ارتكاب هذا الفعل، حتى لا يتكرر مرة أخرى».

حوادث إلقاء الحجارة على القطارات.. جريمة تهدد الأرواح

وكانت طفلة من ذوي الهمم، تعرضت لإصابات بالغة وصلت إلى تصفيه عينها اليمنى، وذلك أثناء استقلالها بصحبة والدها أثناء عودتهم من العلاج بمستشفي شبين الكوم، وجاء ذلك بعد قيام مجهولين بإلقاء حجارة علي القطار أثناء استقلالها القطار مع والدها.

الطفلة ضحية إلقاء الحجارة على القطارات

وفي حادثة مشابهة، كشفت أجهزة وزارة الداخلية في وقت سابق، ملابسات تداول مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» يتضمن وجود بعض الأشخاص على جانبي شريط السكة الحديد، وقيامهم باللهو وإلقاء الحجارة أثناء مرور أحد القطارات بسوهاج دون حدوث تلفيات أو إصابات.

وبالفحص أمكن تحديد الأشخاص الظاهرين بمقطع الفيديو «3 طلاب - مقيمين بدائرة مركز شرطة طهطا بمديرية أمن سوهاج»، وعقب تقنين الإجراءات تم ضبطهم، وبمواجهتهم اعترفوا بارتكاب الواقعة وقيامهم بإلقاء الحجارة على بعضهم البعض أثناء مرور أحد القطارات، وذلك بقصد اللهو والمزاح، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.

النقل تعقب على الحادث الأخير لإلقاء الحجارة على القطارات

من جانبها، أصدرت وزارة النقل، بيانا إعلاميا بشأن ما تم تداوله عبر عدد من المواقع الإلكترونية، بشأن تعرض قطار أشمون للرشق بالحجارة، ما أدى إلى إصابة طفلة صغيرة في عينها.

وأكدت الوزارة في بيانها، أن هذه السلوكيات السلبية الخطيرة تتسبب في إصابات بالغة لركاب وقائدي القطارات، وتعرض حياتهم للخطر، كما تتسبب في تعطيل مسير القطارات، وتلفيات بالجرارات والعربات التي هي ملك للشعب، والتي يتم إصلاحها وصيانتها من ميزانية الدولة.

وناشدت وزارة النقل، المواطنين بضرورة المشاركة معها في التوعية من هذه الظاهرة الخطيرة التي تؤثر على سلامة وحياة الركاب وقائدي القطارات، كما تتقدم الوزارة بالدعاء بالشفاء للمصابين من جراء هذه الظاهرة السلبية الخطيرة.

اقرأ أيضاًمن السكك الحديدية إلى الذكاء الاصطناعي.. محطة بشتيل وتحقيق حلم النقل الذكي

كيف تساهم محطة بشتيل في تخفيف الازدحام بالسكك الحديدية؟.. خبير يوضح

النقل الذكي في مصر.. ثورة التكنولوجيا التي تعيد تشكيل شوارعنا

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: القطارات خطوط السكة الحديد قطارات السكك الحديدية خطوط السكك الحديدية إلقاء الحجارة على القطارات رشق الحجارة على القطارات السکک الحدیدیة

إقرأ أيضاً:

مصر في قلب المعركة.. جهود دبلوماسية وإغاثية متواصلة لدعم غزة وإنقاذ الأرواح

منذ عقود طويلة، لم تكن مصر يومًا على هامش القضية الفلسطينية، بل كانت دومًا في صدارة الفاعلين الإقليميين الذين انحازوا بثبات لحقوق الشعب الفلسطيني. 

واليوم، ومع اشتداد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، تجد القاهرة نفسها من جديد في مواجهة اختبار تاريخي، بين ضغوط دولية هائلة، وتعقيدات ميدانية غير مسبوقة، ومطالب إنسانية لا تحتمل التأجيل.

وبين أروقة المفاوضات السياسية وقوافل المساعدات المتدفقة عبر معبر رفح، تلعب مصر دورًا مركزيًا في مساندة غزة، سياسيًا وإنسانيًا، من أجل وقف نزيف الدم، وفتح أبواب الأمل أمام أكثر من مليوني فلسطيني محاصر في القطاع.

دور مصر التاريخي.. من وساطة الحروب إلى دعم الاستقرار

ارتبط قطاع غزة بمصر تاريخيًا وجغرافيًا وأمنيًا، وهو ما جعل القاهرة تتحمل مسؤولية أخلاقية واستراتيجية مستمرة تجاه ما يجري داخل هذا الشريط الضيق من الأرض.

ولعبت مصر أدوارًا حاسمة في حروب غزة السابقة (2008، 2012، 2014، 2021)، سواء من خلال الوساطة لوقف إطلاق النار، أو استقبال الجرحى الفلسطينيين، أو تنظيم المؤتمرات الدولية لإعادة الإعمار، أو حتى إطلاق مبادرات للمصالحة الفلسطينية.

وكانت مصر دائمًا ملتزمة بثوابتها: رفض التهجير، دعم الدولة الفلسطينية، وتعزيز وحدة الصف الفلسطيني، وهي المبادئ التي لا تزال تحكم رؤيتها بعد انفجار الأزمة الأخيرة في غزة.

طوفان الأقصى... ورد القاهرة الحاسم

جاءت عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 لتُشعل تصعيدًا غير مسبوق، ردت عليه إسرائيل بحرب شاملة أسفرت عن دمار واسع النطاق وأزمة إنسانية غير مسبوقة.

وفي هذا السياق، تحركت مصر بقوة، رافضة بشكل قاطع أي مخطط لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، ومعلنة تمسكها بـوقف إطلاق النار الفوري، مع تحذير صريح من استمرار العدوان وتداعياته.

قوافل الإغاثة... شريان حياة عبر معبر رفح

رغم القصف الإسرائيلي المتكرر على محيط معبر رفح، لم تتوقف مصر عن إرسال قوافل الإغاثة، حيث تجاوزت المساعدات المصرية منذ أكتوبر 2023 أكثر من 130,000 طن من المواد الغذائية والطبية والوقود والمستلزمات الإنسانية.
ودخل القطاع أكثر من 7,000 شاحنة محملة بتلك المساعدات، إضافة إلى 123 سيارة إسعاف مجهزة بالكامل. كما استقبلت مصر أكثر من 103,000 جريح فلسطيني، بينهم أكثر من 12,000 طفل، وتم تطعيم آلاف المدنيين ضد أمراض خطيرة.

وشملت الاستجابة تجهيز 164 مستشفى وفتح أكثر من 10,000 سرير و867 حاضنة أطفال، مع توفير 25,000 كيس دم، وطاقم طبي تجاوز 35,000 طبيب و39,000 ممرّض.

الوساطة السياسية.. محاولات مستمرة لإخماد النيران

إلى جانب البعد الإنساني، استضافت مصر جولات مفاوضات معقّدة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، سواء في القاهرة أو عبر وساطات إقليمية، في محاولة لوقف إطلاق النار أو التوصل إلى هدنة قابلة للتمديد. كما شاركت مصر في جهود دولية لتنسيق صفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحركة حماس.

ورغم تعقيدات المشهد، حافظت القاهرة على موقفها الثابت بضرورة رفع الحصار عن غزة، والسماح بالنفاذ الإنساني الكامل من كافة المعابر، وليس فقط من معبر رفح الذي ظل في قلب الحدث الإقليمي والدولي.

الضغوط والتحديات: مصر ترفض التوطين وتتمسك بالثوابت

واجهت مصر ضغوطًا هائلة من بعض القوى الدولية، خاصة من الولايات المتحدة، لفتح أراضيها أمام اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما رفضته القاهرة بشكل قاطع، مؤكدة أن أي تهجير قسري يمثل خطًا أحمر يمس أمنها القومي وحقوق الفلسطينيين التاريخية.

ويُضاف إلى ذلك استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي يعقّد جهود مصر لتحقيق مصالحة شاملة، وهو ما يجعل التحركات المصرية السياسية تراوح بين الدبلوماسية المرنة والحسم تجاه أي تهديدات تمس وحدة القضية.

مصر... الحاضنة التاريخية للقضية الفلسطينية

منذ نكبة 1948 وحتى حرب 2025، لم تغب مصر عن المشهد الفلسطيني. وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، تواصل القاهرة دورها بصبر ومسؤولية، توازن بين متطلبات الأمن القومي، ودورها التاريخي والإنساني.

فالمعادلة المصرية لا تزال واضحة: لا للتهجير، نعم للدعم، ولا بديل عن السلام العادل والدائم، وفق حل الدولتين.

وما بين معبر رفح، وأروقة السياسة، ومخازن الإغاثة، تظل مصر ركيزة محورية لا يمكن تجاوزها في أي حديث جاد عن مستقبل فلسطين وغزة والمنطقة بأكملها.

طباعة شارك مصر القضية الفلسطينية فلسطين إسرائيل

مقالات مشابهة

  • الحبس وغرامة 20 ألف جنيه عقوبة قطع ميل جسر السكك الحديدية
  • وزير النقل يوجه بتقديم جميع التسهيلات والخدمات المميزة للمواطنين بالسكة الحديد
  • توقف قطارات النقل في تونس عن العمل.. ما الذي حصل؟
  • مصر في قلب المعركة.. جهود دبلوماسية وإغاثية متواصلة لدعم غزة وإنقاذ الأرواح
  • الحبس وغرامة 20 ألف جنيه عقوبة الاعتداء على مسار السكك الحديدية
  • سؤال برلماني إلى كامل الوزير بشأن حوادث أتوبيسات النقل العام
  • لعبة الموت.. مصرع طفل سقط من شرفة منزله في الأزبكية
  • عُطل مفاجئ يُربك حركة قطارات الخط الثالث للمترو
  • النقل تلاحق قانونيًا متورطًا في تخريب قطار روسي جديد
  • لمتابعة عودة الركاب بعد العيد.. وزير النقل يتفقد محطة رمسيس ومترو الأنفاق ويصدر توجيهات هامة