جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-07@07:44:59 GMT

الوطن والمواطن.. خط أحمر

تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT

الوطن والمواطن.. خط أحمر

 

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

 

الدعوات التي يُوجِّهُها البعض من الذين تنكَّروا للوطن للخروج والتظاهر، إنِّما هي دعوة باطل يُراد بها شر البلاد والعباد، وإنْ غُلِّفَت بغلاف المصلحة والقضايا الوطنية وشعارات مُحاربة الفساد والظلم، لكنها لا تعدوا شعارات جوفاء تهدف إلى الفوضى ونشر البلبلة داخل الوطن المُستقر، وجلب الفساد إلى المؤسسات وتعطيل الخطط الوطنية والتعدي على الحياة الآمنة للناس، ونشر الخراب والدمار والصراع بين أبناء الوطن، والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد إلى شيعٍ وطوائفَ متناحرةٍ، يفقد معها الإنسان حقوقه المشروعة، ويضيع معها جهد السنوات الطويلة من البناء والتعمير.

وما الأمثلة التي نشاهدها حولنا إلّا دليل على كل ما أذكُرُه، ولا نحتاج لكثير من البحث والتفكير للوصول إلى هذه النتيجة الحتمية، والرد على من يدعي أنها وسيلة لاسترداد الحقوق وغيرها فيكفي أن يكون هذا أكبر دليل على نواياه الخبيثة عندما يطلب أمراً هو أساس ومنهج عمل الدولة.

في فترة ما عُرف بـ"الربيع العربي"- الذي أُعِده شخصيًا عكس ذلك- ظهر المُحرِّضون الذين كانوا يدفعون الناس للتظاهر والخروج للشوارع ويدفعونهم لمهاجمة مؤسسات الدول؛ بل وقتل الأفراد الذين يخالفونهم ويدافعون عن مكتسبات الوطن، بينما هم جالسون خلف شاشات أجهزة الكمبيوتر والهواتف وفي أستوديوهات التلفزيون تحت مكيفات الهواء، وعندما تحقق لهم ما أرادوا قفزوا إلى المشهد يُديرونه ويستفيدون من الفرص المتاحة، ورموا من خرجوا إلى الشوارع داخل سجون الاعتقال وأصبحوا هم المتصدرين للمشهد. وهذا كان هدفهم من الأساس واستخدموا الناس كأدوات لتحقيق أهدافهم، وما أشبه الليلة بالبارحة، فمن يحرض يعيش بعيدًا عن المشهد ويملك سجلًا حافلًا من الفساد والتعدي والظلم وينادي بالحريات والحقوق بكل صلافة وجه. منتظرًا الفرصة المناسبة ليتقدم كالفاتح إلى المنصة، ولكن هيهات أن يكون أبناء هذا الوطن كما يحلم هؤلاء الفاسدون.

وعندما نتحدث عن الوطن، فنحن نشير إلى كل جزء ومُكَوِّن من مكوناته دون استثناء أو تخصيص، وأول هذه المكونات هو الإنسان العنصر الأهم والرئيسي في هذا الكيان، ولأن الإنسان هو هدف التنمية وأساسها في وطننا الحبيب، فقد وضعت الخطط والبرامج والتشريعات وأسست الدولة بكل كياناتها من أجل المواطن، وهذا أمر طبيعي في دولة تضع الإنسان في محور الاهتمام وتحفظ كرامته انطلاقًا من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف والشريعة السمحاء ومبادئ الإنسانية التي كرّمته وجعلته في مكانة خلافة الله سبحانه وتعالى في أرضه، وما تدهورت الأمم إلّا عندما حادت عن هذا النهج واستنقصت من قيمة الإنسان ونالت من كرامته.

إن حفظ حياة الإنسان وضمان كرامته وتوفير أسباب العيش الكريم له وأمنه وأمانه جزء من واجبات الدولة، ولذلك وضعت التشريعات التي تجرم كل ما من شأنه المساس بهذه الحقوق، ولا تتساهل الدولة في هذا الجانب لأنها تدرك عاقبة ذلك على الفرد والمجتمع والدولة بشكل عام، وفي هذا الأمر فالجميع سواسية أمام القانون دون تمييز، وبحمد الله حفظت منظومة التشريعات والقوانين هذه الحقوق خلال العقود الماضية وجعلت من حقوق الفرد أمراً لا نقاش فيه ولا جدال، وعرفت سلطنة عُمان في أوساط المجتمع الدولي كإحدى الدول التي حفظت حقوق الإنسان سواء المواطن أو المقيم، ومن أجل هذا عرفت بهذه الصفة وعندما تذكر فتذكر بأنها بلد الأمن والأمان والحقوق.

إنَّ ثمن الأمن والأمان الذي ننعم به في هذا الوطن مكلف وعالٍ جدًا، ولا يأتي إلّا من خلال بذل كبير وجهد لا يدركه الكثيرون معتقدين أن ما نعيشه من حياة هانئة واستقرار هو أمر طبيعي يحدث في كل مكان من العالم، وهذا مخالف للحقيقة، فهناك منظومة أمنية متكاملة تعمل من أجل حماية المجتمع والإنسان وجعله يعيش حياة آمنة مستقرة لا يشعر فيها بأي تهديد على حياته أو ماله أو أهله، ولا يتعرض له أي أحد بأي مكروه أو أذى، وليت البعض منَّا يعلم ما يحدث في كثير من الدول وما يتعرض له الإنسان من حوادث جراء انعدام الأمن والأمان.

ولأن الشيء بالشيء يذكر فخلال إجازة عيد الفطر المبارك الماضية انتشرت نقاط تفتيش متعددة في شوارع وطرقات البلاد، والعديد منَّا تذمر من هذه النقاط ووجدها معطلة له عن أعماله ووجهته، وهذه النقاط لم نشاهدها منذ انقضاء جائحة كورونا إلى هذا اليوم، وفي ظل تذمرنا نسينا أن نتساءل لماذا وجدت الآن وفي هذا التوقيت، كما نسينا أن نتساءل عن حال الدول التي تمتلئ شوارعها بهذه النقاط الأمنية ولا يستطيع الفرد الحركة في وطنه بحرية ولا يتمكن من ممارسة حياته الطبيعية، وفوق كل هذا نسينا أن نقدر ما يبذل من جهد من قبل هؤلاء الرجال الذين يقفون في حرارة الشمس وهم صيام من أجل أمننا وأماننا، لقد أزعجتنا هذه النقاط التي وضعت من أجلنا وحفاظًا على سلامتنا.

لقد أُسِّست دولة القانون والمؤسسات- بحمد الله- لتعمل كمنظومة تحفظ الحقوق والحريات وتحارب الفساد، ولا ينكر ذلك إلّا جاحد مُفترٍ، وما ننعم به من أمن وأمان وكرامة وحرية هو نتاج هذه المنظومة التي أُسِّست عليها الدولة، وما زاد من رسوخ هذه الحقوق هو مقدار الوعي الوطني الذي يتمتع به أبناء هذا الوطن الذين وقفوا دائمًا صفًا واحدًا في وجه كل مخرب ومعتدٍ، وساهموا جميعًا في ترسيخ مفهوم المواطنة الصالحة التي حفظت الوطن والمواطن طوال السنوات الماضية، والتي سوف تستمر بإذن الله تعالى ولا عزاء للحاقدين الفاسدين المُحرِّضِين.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"كيف نختلف باحترام؟

جابر حسين العماني

عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

Jaber.alomani14@gmail.com

 

البشر لا يتشابهون في أشكالهم وأفكارهم، فهم يختلفون أحيانا ويتفقون أحيانا أخرى، وذلك أن العقول التي وهبهم الله إياها تتفاوت في كيفية تفكيرها وتوجهاتها، وهذا في حد ذاته أمر طبيعي يثري الحياة ويمنحها تنوعا مقبولا بين أبناء المجتمع، ولكن الأمر غير المقبول تماما هو عندما يتحول الاختلاف بين الناس إلى خصام وصدام وقطيعة وهجران، ويتحول الحوار إلى شتائم وسباب وتنافر.

يشهد العالم اليوم تسارعا واضحا في وتيرة التغيرات المختلفة بين أصناف الناس، مما جعل احترام الاختلاف بينهم في كثير من الأحيان ظاهرة نادرة، فيا ترى متى سترفع قيمة الاحترام المتبادل عند البعض؟ ومتى سيمارس الاختلاف بروح رياضية مرحة لا تعرف إلا الاحترام والتقدير والإجلال؟

ينبغي أن يكون الاختلاف بين الناس أمرا طبيعيا جدا، وهنا علينا أن نسأل أنفسنا: كيف نختلف باحترام؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى كثير من التركيز على الخطوات والأساليب الإرشادية التي تساعد على الاختلاف باحترام وهنا نذكر منها الآتي:

• أولا: من الضروري الفصل بين الفكرة وصاحبها، والمطلوب هنا من الإنسان ألا يهاجم من يحاوره ويختلف معه، بل أن يركز على نقاش الفكرة المطروحة نفسها، وأن يقول لمن يخالفه باستمرار: "أحترم وجهة نظرك، وخلافي معك لا يعني عداوتي لك"، لذا ينبغي تجنب الألفاظ المسيئة، مثل: "أنت لا تفهم شيئا"، فذلك أسلوب لا يقبله العقل والفطنة والحكمة الإنسانية.

• ثانيا: على الإنسان أن يستمع بدقة وإنصاف وموضوعية مع من يختلف معه، فالاستماع الجيد إلى الطرف الآخر هو من أحد أركان الحوار الناجح، لذا ينبغي أن تمنح من يحاورك الوقت الكافي من الاستماع ليبين وجهة نظره بلا مقاطعة، حتى ولو لم يعجبك كلامه فذاك يعد احتراما وتقديرا منك إليه.

• ثالثا: لا تتخذ من السخرية سلاحا لك أثناء الحوار مع من يخالفك في الرأي، حتى لو كان الحق معك ومن صالحك، وانتبه جيدا من استخدام أساليب الاستهزاء أو الاستنقاص بالطرف المحاور والمخالف، فذلك في حد ذاته يساعد على العناد والشحناء والبغضاء والكراهية، وليس على الإقناع واحترام الرأي الآخر. والمطلوب من الإنسان عند الاختلاف التركيز على ما يوصله إلى الإقناع الذي يمنحه النتائج المرضية والمطلوبة من الحوار وليس العكس. روي عن حفيد الرسالة الإمام الصادق عليه السلام: (مَنْ رَوَى عَلَى مُؤْمِنٍ رِوَايَةً يُرِيدُ بِهَا شَيْنَهُ وَهَدْمَ مُرُوءَتِهِ لِيَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِ اَلنَّاسِ أَخْرَجَهُ اَللَّهُ مِنْ وَلاَيَتِهِ إِلَى وَلاَيَةِ اَلشَّيْطَانِ فَلاَ يَقْبَلُهُ اَلشَّيْطَانُ).

• رابعا: عندما يختلف الإنسان مع من يخالفه لا بد أن يلتزم الهدوء ويتجنب رفع الصوت ويضبط انفعالاته، فهدوؤه في حد ذاته يعد قوة، وفي حال شعر بنوبة من الغضب تعتريه، عليه أن يأخذ نفسا عميقا بين الحين والآخر، فذلك يساعده على إتمام الحوار والخروج بأفضل النتائج المرجوة، والتي من أهمها احترام الآخر، فقد ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنِ اَلنَّاسِ كَفَّ اَللَّهُ عَنْهُ عَذَابَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ).

• خامسا: على الإنسان أن يتفق مع من يخالفه أنهما على خلاف، وربما يصلان إلى نتائج محمودة، وقد لا يصلان إلى نقطة التقاء، وهذا أمر قد يكون واردا أحيانا بين المتخالفين، ولكن إذا وصل الأمر إلى ذلك، فينبغي ختم الاختلاف بقول: نحن مختلفون في أفكارنا، ولكنّ الاحترام قائم بيننا، وكما يقول أهل الحكمة والدراية والعقل: "الاختلاف لا يفسد للود قضية."

• سادسا: كن متواضعا ولا تكابر، واعترف بخطئك إذا وقعت فيه أثناء الخلاف أو قبله أو بعده، فذلك لا يعني أنك ضعيف بل أنت في محل قوة، وكما قيل: الاعتراف بالخطأ فضيلة، وإذا شعرت أثناء حوارك وخلافك أن من يحاورك ويختلف معك أكثر منطقا وحجة منك، فالجدير بك أن تغير رأيك، وتضم الآراء السديدة إلى معلوماتك وتعترف بها، وتتجنب الآراء التي لا تعتمد على أي مصدر أو حجة أو ركائز علمية، وهكذا ستحترم نفسك أولا ومن يخالفك ثانيا.

أخيرا: قد نختلف نحن البشر في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والأسرية كالأديان والمذاهب والأفكار المختلفة والمتنوعة، ولكن لا بد أن نجعل بيننا جسورا من المحبة والمودة والتعاون والاحترام كركائز أساسية وأخلاقية وإنسانية لا بد أن نرسخها في نفوسنا لتصبح روحا متكاملة نسير من خلالها إلى التكامل الإنساني الذي أراده الله تعالى للإنسان.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • خط أحمر.. محمود الهباش: «الموقف المصري أفشل مخطط تهجير الفلسطينيين◄5
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: قانون الإيجار القديم .. بين استرداد الحقوق وضمان الاستقرار
  • "كيف نختلف باحترام؟
  • الفلسفة الإنسانية
  • وقفة للتأمل
  • السعودية تحذّر الإمارات مجدداً: حضرموت خط أحمر
  • لن يكون هناك خط أحمر لدينا.. متحدث الحرس الثوري يتوعد برد ساحق إذا وقع أي هجوم جديد على إيران
  • آسر ياسين.. قاتل مأجور في «عسل أحمر»
  • رئيس الحكومة يوافق على إعفاء عميد كلية الحقوق بأكادير
  • إنطلاق العملية الوطنية لتكريم المجاهدين