جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-02@19:52:43 GMT

عندما انتهى بناء القارب.. جف النهر

تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT

عندما انتهى بناء القارب.. جف النهر

 

 

علي بن سالم كفيتان

أسير وحيدًا على شط نهر منقطع؛ فبعد كل مسافة أجد بحيرة تحفها نباتات الخوص (نخيل السعف)، وهي تتراقص مع نسمات الهواء الباردة القادمة من لُجة الوادي السحيق خلفي، يشعرني ذلك بالسُّمو، ويتبادر إلى ذهني فيلم أسكتلندي بطله رجل حارب الإقطاع والعبودية، وأسمع وقع خُطاي على حصباء الوادي، وأتابع صدى تلك الخطى في أنحاء المكان، أقف التفتُ إلى الخلف أحسُّ أن أحدًا يتبعني، لكنني لا أرى سوى بقايا هذا النهر العظيم الذي نحتته السنون؛ فأصبح غائرًا لدرجة تشعرك أنَّك تسير في بلاط قصر نبي الله سليمان عليه السلام.

أستفيق من أحلامي وتصوراتي تلك، وأقول لنفسي رحل جميع الأنبياء والرسل وبقيت الرسالات. أُلملم نفسي وأبحث عن جدول صغير على أطراف هذه البحيرة القابعة في عمق الصحراء لأتوضأ للصلاة. صوت خيط الماء المتدفق من بين تلك الصخور الصماء القاسية يمنحني أقرب صورة للفرق بين الحياة والموت. وجَّهتُ نفسي إلى القبلة ورفعت الآذان وحيدًا هنا، وقبل أن انتهي تدافعت العَبرات، وخفت صوتي، مستحضرًا عظمة الخالق وضعف المخلوق، وبعد الإقامة والدخول في الصلاة، لامستْ يدٌ غريبة كتفي الأيمن؛ فاقشعرَّ بدني.. من يا ترى سيكون في هذا المكان القصي الموحش؟!

كانت صلاتي قصرًا، عندما ركعت لمحت رأس رجل أشعث مخضب بالشيب، وأطراف وجه أسمر تلفه التجاعيد، وجسد شاحب نحيل، وأصابع طويلة ترقد على ركبتيه. أتممتُ الركعتين، وعند السلام ظل الرجل الفارع القامة مطرقًا بنظره إلى أصابعه الخشنة التي تعلوها الكثير من الندوب، وهو يكمل التسبيح. مددتُ يدي للسلام، فسلَّم واعتدل في جلسته على الحصباء، ودار حديث عميق بيننا، علمتُ فيما بعد أنه قدم من أرض بعيدة تشبه هذه الأرض، تنبت فيها ذات الشجرة المقدسة الباقية على هذه السفوح والقيعان (شجرة اللبان)؛ وبما أن الإنسان اجتماعي بطبعه- كما يقول ابن خلدون في مقدمته- سكنتْ نفسي بوجود هذا الرجل، ولم أعد أشعر بالخوف والوحشة من الوحدة؛ فالمسار لا زال طويلاً إلى منابع النهر. قضينا تلك الليلة معًا، بعد أن أوقدنا النار، وطبخنا ما تيسر من مُعلَّبات كنتُ أحملها في حقيبتي، فقد كان الضيف زاهدًا في كل شيء في الأكل، وحتى عندما يستل قربته الجلدية ليشرب يأخذ بضع رشفات فقط، رغم أننا على أطراف بحيرة تنضح من أطرافها عدة ينابيع، ومع كل ذلك كنت متوجسًا منه، بحكم تربيتنا الريفية على الحذر من كل غريب. لم يكن يحمل سلاحًا ناريًا، وكان لديه جزرة وعصا فقط، وقصَّ عليَّ رحلته الكاملة من بلاد الصومال إلى اليمن، وحتى وصوله إلى عُمان؛ فتمنيتُ لو حولت إلى فيلم سينمائي بإخراج عالمي استمرت جلستنا من قبيل المغرب إلى التاسعة ليلًا أستأذن بعدها لقضاء حاجته، ولكنه لم يعُد. ولجتُ إلى خيمتي القماشية وأشعلت مصباحًا صغيرًا وفتحت هاتف الثريا لأتأكد أنه موصول بالأقمار الصناعية، وأنه يعمل، فأجريتُ اتصالًا بأعضاء فريق المسح الذي يعمل بشكل متوازٍ في عدة أودية مجاورة.

فجر اليوم التالي، حزمتُ أمتعتي ومضيتُ مرات أتسلق ومرات أخوض المياه، حتى وجدت بقايا أخشاب لا زالت تجمعها حبال قذفتها السيول على ما يبدو إلى ضفة النهر الجاف هذا، فامتلكني الفضول للتدقيق في الأمر، ما عساه يكون؟ فقلت لعلها أتت من كهف يسكنه أناس وأتى عليه الفيضان، لكن الأمر يبدو مختلفًا من حيث توازي أطوال الأخشاب وطريقة ربطها، وحتى الحبال المستخدمة هي من شجرة النارجيل، يبدو لي أنه بقايا قارب بدائي مصنوع من الأدوات المحلية. هنا تسابقت إلى مخيلتي الكثير من التساؤلات؛ هل يكون هذا هو آخر القوارب التي أبحرت في نهر أنظور عزز وجود بقايا القلعة وأبراج الحراسة ومخازن اللبان المطلة على واحة أنظور المهيبة؟! من هذا التصور الخيالي لنهر يجري وقوافل لبان تمخر المنحدرات محملة باللبان إلى ميناء مائي تعج فيه حركة البيع والشراء تكمل بعده المراكب حمل البضاعة إلى المحطة النهائية التي يذوب فيها النهر في الصحراء.

فكرتُ مليًا في صانع هذا القارب القابع اليوم على ضفاف وادي قاحل جاف وكيف حاول بكل ما يملك أن يجعله أحد أعظم القوارب التي سوف تبحر يومًا ما ولكنه لم يبحر أبدًا. يبدو أن النهر جف عندما انتهى بناء القارب!

*****

القصة مستوحاة من جولة عمل بيئي في وادي أنظور بمحافظة ظفار في ديسمبر 2004 استمرت لعدة أيام برفقة خبراء من عدة جهات لتقييم الأودية الجافة المنحدرة من جبل سمحان إلى صحراء الربع الخالي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بوستر فلاش باك يخطف الأنظار قبل عرض أولى حكايات ما تراه ليس كما يبدو

طرحت الشركة المنتجة البوستر الرسمي لحكاية "فلاش باك"، أولى الحكايات ضمن مسلسل "ما تراه، ليس كما يبدو"، والمقرر عرضها يوم الجمعة 9 أغسطس على شاشة DMC ومنصتي Watch It و"شاهد"، لتبدأ أولى خطوات العمل الذي يضم سبع حكايات مشوّقة ومستقلة.

وتصدر البوستر النجم أحمد خالد صالح والفنانة الشابة مريم الجندي، وسط تفاعل لافت من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تداولوا التصميم وعبّروا عن حماسهم لانطلاق الحكاية الأولى، خاصة مع الأجواء البصرية التي تعكس طابعًا من الغموض والتشويق والدراما النفسية.

"فلاش باك" من تأليف محمد حجاب، وإخراج جمال خزيم، وبطولة أحمد خالد صالح، مريم الجندي، وضيف شرف خالد أنور.

مسلسل ما تراه ليس كما يبدو

المسلسل يضم سبع حكايات منفصلة، لكل منها فريق عمل مختلف، ويحمل توقيع المنتج كريم أبوذكري، ويُعد من أكثر الأعمال المرتقبة خلال موسم أغسطس.

إنتاج متجدد ومغامرة درامية

المسلسل من إنتاج شركة K Media للمنتج كريم أبو ذكري، ويُعد من التجارب الدرامية التي تراهن على روح الشباب في الكتابة والإخراج والتمثيل، إلى جانب تقديم معالجة جديدة للدراما الواقعية الممزوجة بالإثارة النفسية والتشويق.

ويُعد العمل من أبرز الأعمال المنتظرة في موسم أغسطس الدرامي، نظرًا لاختلاف فكرته واعتماده على نمط القصص القصيرة التي تتيح مساحة للتجريب والعمق، وسط تناغم بصري وفكري يربط كل الحكايات بخيط سردي واحد، يجسد الفكرة الأساسية: "ليس كل ما تراه كما يبدو.

طباعة شارك فلاش باك ما تراه ليس كما يبدو أحمد خالد صالح مريم الجندي

مقالات مشابهة

  • «مسلسل ما تراه ليس كما يبدو».. طرح البوستر الرسمي لحكاية فلاش باك
  • قبل انطلاقته.. DMC تكشف عن موعد عرض «ما تراه ليس ما يبدو»
  • بوستر فلاش باك يخطف الأنظار قبل عرض أولى حكايات ما تراه ليس كما يبدو
  • خاص| موعد عرض حكايات مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو»
  • «تشات جي بي تي» يغير قواعد التعليم.. هل انتهى عصر المعلم؟
  • فركش Just You ثالث حكايات ما تراه ليس كما يبدو | صور
  • انتهى التعنيف والضرب بالموت.. مصرع فتاة على يد والدها داخل منزل الأسرة بالشرقية
  • «Just You».. انتهاء تصوير ثالث حكايات مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو»
  • ٢٩ كيس .. تفاصيل العثور على بقايا حمير وخيول بالإسكندرية
  • الديوانية والموصل.. جثة في الصحراء وأخرى في النهر